الحياة الجنسية لمريض فرط النشاط مع نقص الانتباه 

اقرأ في هذا المقال
  • اضطراب فرط النشاط مع نقص الانتباه وأنماطه
  • أسباب فرط النشاط مع نقص الانتباه 
  • أعراض هذا الاضطراب والتدخُّل الطبِّي المناسب
  • الحياة الجنسيَّة لمريض فرط النشاط مع نقص الانتباه
  • العلاج الحواري مع (الزوج/الزوجة) للتعامل مع الاضطراب

اضطراب فرط النشاط مع نقص الانتباه وأنماطه

يُعدّ هذا الاضطراب أحد أكثر الاضطرابات العصبيَّة شيوعًا في مرحلة الطفولة، حيث يتمّ تشخيصه غالبًا خلال هذه المرحلة، وغالبًا ما يستمرّ حتّى سن البلوغ، وتستمدّ أعراضه تسميتها من اسم الاضطراب نفسه أو العكس، فالأطفال المصابون به يعانون من فرط حركة وصعوبة في الانتباه والتركيز والتحكّم بالسلوكيات الاندفاعيَّة، وفيما يأتي توضيح بسيط للأنماط الثلاثة التي يُمكن أن يتمثّل بها هذا الاضطراب:

النمط الأول: صعوبة شديدة لدى المريض في تنظيم مَهامه اليوميَّة وإنهائها، بالإضافة إلى صعوبة في الانتباه للتفاصيل واتباع التعليمات، حيث يتشتَّت المريض بسهولة شديدة ويمكن أن ينسى تفاصيل حياته اليوميَّة (الروتين اليومي الخاصّ به).

النمط الثاني: صعوبة في الجلوس ساكنًا فترات طويلة لأداء واجب ما أو لتناول وجبة الإفطار مثلًا، حيث يشعر المريض بالملل سريعًا ويكون كثير الحديث والنشاط، فيُسارع الأطفال المرضى إلى الهروب من الجلوس الطويل والانصياع للأوامر ويستبدلونها بسلوكيَّات أخرى كالركض السريع والقفز والاندفاعات في اللعب وانتزاع الأشياء من الآخرين ومقاطعة الآخرين أثناء حديثهم والتحدّث بالأوقات غير المناسبة.

– النمط الثالث أو النمط المشترك: ويتمثَّل في ظهور أعراض تدمج بين النمط الأول والنمط الثاني على نحوٍ متساوٍ.

أسباب فرط النشاط مع نقص الانتباه 

ما زال السبب الرئيس وراء هذا الاضطراب غير معلوم، لكن كالعادة في مثل هذه الاضطرابات العصبيَّة فهنالك أدلة على أن الجينات تُساهم في ظهور مثل هذا النوع من الاضطراب، ولكن لم تُحدّد الجينات على نحوٍ دقيق.

الجدير بالذكر، أنَّ هذا الاضطراب فيه نوع من الوراثة أو التقاطع الجيني بين الأفراد، حيث لوحظ أنَّ أقارب الأفراد المصابين يمكن أن يتأثَّروا وتكون لديهم خطورة أعلى بالإصابة. بالإضافة إلى الأسباب الوراثيَّة والجينيَّة، فقد لوحظ أيضًا أنّ هنالك عدّة عوامل بيئيَّة أو غير وراثيَّة يمكن أن تزيد من خطورة الإصابة، وأغلب هذه العوامل تتعلّق بفيزيولوجيَّة الحمل وتأثيرها على الجنين، مثل انخفاض الوزن عند الولادة والولادة المبكِّرة، والتعرّض للسموم أثناء الحمل نتيجة العادات السيِّئة للأم الحامل مثل شرب الكحول والتدخين، بالإضافة إلى الإجهاد الشديد للأُم في فترة الحمل.

وعلى المستوى التشريحي، فقد وجد العلماء في هذا المجال أنَّ أدمغة الأطفال المصابين بهذا الاضطراب لديهم حجم أقل من المادة البيضاء والمادة الرماديَّة في المخ، مقارنة بأدمغة غير المصابين، كما لوحظ أنَّ لديهم تنشيطًا مختلفًا في مناطق معيَّنة من الدماغ أثناء مهامّ معيَّنة خِلافًا لغير المصابين، ويجدر التذكير، أنَّ المادة الرماديَّة في الدماغ تتشكَّل من الخلايا العصبيَّة، أما المادة البيضاء فتتشكَّل من ملايين الألياف العصبيَّة، وتكوّنان مع بعضهما الجهاز العصبي المركزي في الدماغ.

أعراض هذا الاضطراب والتدخُّل الطبِّي المناسب

يجب أن يتم التمييز بين الصعوبات الطبيعيَّة التي تواجه الأطفال كالصعوبة في التركيز والسلوكيات غير الهادئة من وقت لآخر، وبين الصعوبات التي تواجه الأطفال المصابين باضطراب فرط النشاط مع نقص الانتباه، والتي تستمر لديهم مدّة طويلة ولا يستطيعون التخلّص منها دون تدخّل طبِّي مناسب، وتأتي أوقات تزداد فيها وتيرة هذه الصعوبات، وتظهر الأعراض على نحو أكثر شدّة وتتداخل مع حياتهم المدرسيَّة وأدائهم السلوكي في المدرسة والمنزل أيضًا، وفيما يأتي أمثلة على هذه الأعراض:

– التحدُّث كثيرًا ومقاطعة الآخرين أثناء حديثهم.

– أحلام اليقظة على نحوٍ متزايد.

– النسيان المستمرّ وفقدان الأغراض الشخصيَّة باستمرار.

– إظهار الملل الشديد عند الجلوس فترات طويلة نسبيًا، لأداء واجبٍ مدرسي، أو تناول وجبة طعام.

– صعوبات في الانسجام مع الآخرين.

– عدم الانصياع لأوامر الوالدين، أو الجهة التدريسيَّة، والتربويَّة في المدرسة.

– ارتكاب الأخطاء وعدم السيطرة على انفعالاتهم.

أمّا فيما يتعلّق بجانب السيطرة على الأعراض والحدّ من شدّتها، فيتمثَّل ذلك في خليط من العلاج السلوكي والتدخُّل الدوائي، ويبدأ العلاج السلوكي في فترة ما قبل دخول الطفل المصاب للمدرسة، حيث يتمّ تدريب الوالدين أو الجهة التربويَّة المسؤولة عنه على استراتيجيات العلاج التفاعلي، وهي مجموعة من التدريبات التي يتمّ من خلالها مساعدة الأطفال على التقليل من الأعراض التي يظهرونها في هذا السن.

عادةً ما يكون للتدخّل الدوائي نصيب الأسد فيما بعد، حيث إنَّ المنشِّط النفسي العصبي “الأمفيتامينات” وعائلته، تُستخدم كخطٍّ علاجي أوَّل لإدارة أعراض هذا الاضطراب، وخصوصًا إذا لوحظ عدم ظهور تحسُّن باستخدام العلاج السلوكي التفاعلي.

هنالك أدوية أخرى من مثيلات ميثيلفينيديت “ريتالين” وأتوموكستين والكلونيدين والجوانفاسين والتي تُعتبَر أدوية معتمدة كأمثلة على التدخُّل الدوائي السليم في الحدّ من أعراض هذا الاضطراب.

يجدر التنويه إلى أنّ الخيارات الدوائيَّة عديدة جدًا في هذا الصدد ولا مجال لحصرها هنا، ويوجد العديد من أطبَّاء الأمراض النفسيَّة والعصبيَّة مختصِّين فقط في هذا الاضطراب، حيث يكون بمثابة اختصاص دقيق لهم، ويشتغلون على خيارات دوائيَّة عديدة، لإيجاد أفضل توليفة يُمكن أن تسيطر على أعراض الاضطراب عند الطفل بسرعة أكبر لتحضيره أو/ولإعادة دمجه في حياته المدرسيَّة، وتحسين أدائه الوظيفي والأسري خلال هذه الفترة العمريَّة.

الحياة الجنسيَّة لمريض فرط النشاط مع نقص الانتباه

قد يكون من الصعب قياس التأثير السلبي لاضطراب فرط النشاط مع نقص الانتباه على الأداء الجنسي عند البالغين، وذلك لاختلافه من مريض لآخر، وتجب الإشارة إلى أنَّ مناقشة الحياة الجنسيَّة هنا يُقصِد بها عند المرضى البالغين الذين استمرَّت الأعراض لديهم، أو بدأت الأعراض لديهم بعد البلوغ، نتيجة استعداد جيني منذ الطفولة، بالإضافة لظروف بيئيَّة أشعلت فتيل المرض.

يمكن أن تؤدِّي بعض الأعراض إلى نوع من الضعف الجنسي، وبالتالي الضغوط النفسيَّة حول العلاقة الجنسيَّة مع (الزوج/ الزوجة)، وتشمل الأعراض الشائعة؛ الاكتئاب، وعدم الاستقرار العاطفي، والقلق العام، بالإضافة لقلق الأداء الجنسي، وذلك لأنَّ المصاب بهذا الاضطراب تكون لديه عادةً صعوبات في الاستمراريَّة والحفاظ على نمط وحيد ومُستدام في أيَّة نشاطات، ومنها النشاط الجنسي، حيث لا يكون لديه الطاقة الكافية، أو الدافع الكافي للانخراط بالعلاقة الجنسيَّة على نحوٍ مستمر.

ورغم أنّ الكثير من المرضى يُظهرون نوعًا من انعدام الرغبة الجنسيَّة أو تذبذبٍ واضح بها، فإن هنالك مرضى أيضًا يُظهرون زيادة ملحوظة في الرغبة الجنسيَّة، ومَردّ ذلك إلى أنّ المريض لا يستطيع فهم لغة الوسط في هذا الجانب، فإمّا أن يكون قليل الرغبة على نحوٍ ملموس، أو شديد الرغبة والاندفاع، ومع ذلك فلا يجدر أخذ الجانب الجنسي بعين الاعتبار عند تشخيص هذا الاضطراب، حيث إنَّ الجمعيَّة الأمريكيَّة للطبّ النفسي، لا تضع خصائص الجانب الجنسي عند الإنسان ضمن معايير التشخيص السليم، لذلك ينبغي استشارة طبيب نفسي مُرخّص، عند ملاحظة هذا النوع من التغيّر في الجانب الجنسي قبل الحُكم المُسبَق عليه، بأنّه مريض بهذا النوع من الاضطراب أو غيره.

لوحظ أيضًا، أنَّ المصابين بهذا الاضطراب قد يُظهرون استهلاكًا أكثر -من غير المصابين- في مشاهد المواد الإباحيَّة، وذلك لأنّ المواد الإباحيَّة وما ينتج عنها من ممارسة الجنس الذاتي أو العادة السريَّة تُحفّز إفراز الإندورفين في الدماغ، ممَّا يُعطي شعورًا بالهدوء اللحظي وحدّ أدنى من النشوة، والتي تُقلّل من التوتّر والقلق الدائم لديهم.

لُوحِظ أيضًا، أنَّ السلوكيات الاندفاعيَّة عند مرضى هذا الاضطراب، يُمكن أن تأخذ منعطفًا خطيرًا على الصعيد الجنسي، حيث يُمكن أن يدفعهم هذا الاضطراب لممارسات جنسيَّة خارج إطار العلاقة الجنسيَّة السويَّة مع (الزوج/الزوجة)، فمثلًا يُمكِن أن تكون لديهم علاقات متعدِّدة، علاقات غير سويَّة وذلك يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالجنس

غالبًا ما يُواجه مرضى هذا الاضطراب أيضًا صعوبات في الاستمرار بممارسة العلاقة، أي أنَّهم يتمكَّنون على نحوٍ طبيعي من الشروع بإقامة العلاقة الجنسيَّة مع (الزوج/الزوجة)، إلّا أنّهم يفقدون الاهتمام فجأة بالاستمرار والوصول للنشوة، أو يحدث لديهم تشتُّت بالتركيز ممَّا يوقفهم عن إكمال العلاقة الجنسيَّة، وذلك يُسبّب ضررًا نفسيًّا (للزوج/الزوجة) في المقام الأول ولهم أيضًا، ولوحظ هذا الأمر عند الإناث المصابات بهذا الاضطراب أكثر من الذكور.

للمزيد اقرأ في مهارات التعايش الزوجيَّة مع المصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)

إلى جانب العلاج الدوائي في هذه الحالات من قبل الطبيب النفسي المختصّ، يكون للعلاج السلوكي والحواري مع مقدِّم الرعاية الصحيَّة ومن ثم (الزوج/الزوجة) أثرًا كبيرًا في التحسُّن، لكن يجدر التركيز هنا على العلاج الحواري مع (الزوج/الزوجة) والوصول لنقطة تفاهم مشتركة عن الصعوبات الجنسيَّة التي يُسبّبها هذا الاضطراب، فهنالك أمور بسيطة سيتمّ استعراضها، يُمكِن أن يفعلها (الزوج/الزوجة) وتُحدِث فارقًا كبيرًا في العلاقة الجنسيَّة، وذلك على النحو الآتي:

– مناقشة العلاقة الحميمة الزوجيَّة بكل صراحة، بالإضافة إلى مراعاة البيئة التي ستتمّ فيها العلاقة الجنسيَّة، فمثلًا مرضى الاضطراب يُظهرون حساسيَّة اتجاه المستحضرات التجميليَّة ذات الرائحة النفّاذة والعطور عمومًا، بالإضافة لحساسيَّة شديدة من الضوء والروائح القويَّة، وبالتالي فإنَّ تجنُّب ذلك والابتعاد عنه، سيُؤثّر إيجابًا على وتيرة العلاقة الجنسيَّة.

– مناقشة وضعيّات العلاقة الجنسيَّة واقتراح وضعيات جديدة، لتفادي الملل بين المريض وشريكه.

– استشارة معالج جنسي -والذي يجب أن يكون مُؤهّلًا لتقديم الاستشارات الزوجيَّة والأسريَّة- في هذا الجانب، ومشاركته كافّة التفاصيل الجنسيَّة بحضور المريض و(زوجه/زوجته) وليس المريض وحده.

– التخلُّص من المشتِّتات، والقيام ببعض التمارين الرياضيَّة الخفيفة قبل العلاقة.

– يُمكن الاستفادة من تحديد مواعيد معيَّنة للممارسة الجنسيَّة مع (الزوج/الزوجة)والالتزام بها،  كي تجعل دماغك -مع الوقت – يخلق ترابطًا حقيقيًا، ويُدرِك تمامًا، أنَّ هذا الواجب تجاه (الزوج/الزوجة) له الأولويَّة دائمًا، للحرص على استمرار العلاقة الزوجيَّة،  وتجنّب أيَّة تعقيدات وعقبات إضافيَّة على الصعيد العاطفي والنفسي.

المصدر
psychiatry. “What is ADHDhealthline.Effects of ADHD on Sexualitymedicalnewstoday.What effect does ADHD have on sexualityverywellmind.How ADHD Can Affect Your Sex Lifencbi.Sexuality in Adults With ADHD: Results of an Online SurveyAmerican Psychiatric Association. Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, Fifth Edition (DSM-5)cdc.What is ADHD
اظهر المزيد

نور الدين حسن

طبيب عام ومقيم أمراض نفسيَّة وعصبيَّة وسلوكيَّة - وزارة الصحة./ كاتب محتوى علمي وطبي مع العديد من المنصات والمواقع الطبية والعلمية./ مدرب في الصحة الجنسية والإنجابية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية