الحياة الجنسية لمريض التوحد

اقرأ في هذا المقال
  • أعراض التوحُّد
  • أسباب التوحُّد
  • الحياة الجنسيَّة لمريض التوحُّد

التوحُّد وأسبابه

اضطراب التوحُّد أو اضطراب طيف التوحُّد، هي حالة مرضيَّة تؤثِّر على نموِّ الدماغ وقدراته في الإدراك والتواصل مع الآخرين، والذي يتسبَّب بمشاكل في آليَّات التواصل والتفاعل المجتمعي. يبدأ هذا الاضطراب في مرحلة الطفولة، وتبدأ الأعراض بالظهور، خلال العام الأوَّل من عمر الطفل المريض.

لا يوجد سبب مُحدّد لاضطراب التوحُّد، كونه اضطراب مُعقَّد، وما يزيده تعقيدًا هو اختلاف حدَّة الأعراض باختلاف حدَّة المرض ودرجته، لكن قد يكون للوراثة دورٌ في الإصابة به، إذ تذكر الدراسات، أنَّ العديد من الجينات بمستويات مختلفة عند بعض الأطفال، يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بالتوحُّد، خاصةً الجينات التي تلعب دورًا في الإصابة باضطرابات أخرى مثل متلازمة ريث؛ وهي اضطراب عصبي وراثي يؤثّر على نمو الدماغ أيضًا، فمن الواضح أنَّ طفرات عديدة يمكن أن تحدث وتؤثِّر سلبًا على هذه الجينات، ممَّا يُفسّر ظهور التوحُّد، واختلاف شدّة الأعراض من مريض لمريض آخر.

إلى جانب العامل الوراثي الجيني، يجدر التنويه، أنَّ الدراسات تكشف أسبابًا أخرى يمكن أن تزيد خطر الإصابة بالتوحُّد، وذلك مثل الالتهابات ذات المنشأ الفيروسي، والمضاعفات التي قد تحدث أثناء الحمل وتؤثِّر على الجنين، بالإضافة إلى مضاعفات بعض الأدوية، وتلوُّث الهواء.

أعراض التوحُّد 

تظهر أعراض التوحُّد في مراحل الطفولة المبكِّرة، وتتمثَّل في قلَّة التواصل البصري عند الطفل المريض، بالإضافة إلى عدم الاستجابة عند إطلاق الأوامر عليه أو مناداته باسمه، ولكن العَرض الذي يزيد من صعوبة بدء العلاج في هذه الفترة العمريَّة، هو عدم استجابة الطفل المريض للطبيب النفسي أو مقدّم الرعاية الصحيَّة.

يستمرُّ الطفل في النمو على نحوٍ طبيعي، لكن بشكلٍ مفاجئ ينسحب من المجتمع، فيصبح منعزلًا وعدوانيًّا، وتزيد احتماليَّة ظهور التأثيرات السلبيَّة على المهارات اللغويَّة لديه والتي اكتسبها فيما سبق. وعند دخول المدرسة، تبدأ أعراض صعوبات التعلُّم في الظهور، لكن هذا لا يحدث دائمًا، فهنالك حالات سجَّلت معدَّلات ذكاء طبيعيَّة إلى مرتفعة في هذه الفترة العمريَّة، ومع ذلك تكون نقطة الصعوبة في تطبيق ما يتعلَّمه الطفل المريض على أرض الواقع، في المهامّ اليوميَّة والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين.

وقد تمَّت الإشارة آنفًا، إلى تراوح شدّة الأعراض واختلافها، اعتمادًا على شدَّة الإصابة ودرجة التوحُّد التي يعاني منها الطفل، وفيما يأتي، استعراض بشكل أكثر تفصيلًا لأعراض مريض التوحُّد -باختلاف الفئة العمريَّة- والتي يمكن أن يتصادم بها مع أسرته، أو الجهة الطبيَّة المشرفة على حالته، أو أفراد المجتمع عمومًا:

– يعاني طفل التوحُّد، أو حتى الفرد البالغ المصاب، من إشكالات في التفاعل مع المجتمع والتواصل معه.

– يرفض الاستجابة عند مناداته باسمه، ويُفضّل العزلة دائمًا.

– قلَّة التواصل البصري.

– الافتقار لتعبيرات الوجه.

– يقاوم الحضن وسلوكيَّات التعبير العاطفي من الآخر.

– لا يردّ عندما تكلّمه، أو يمكن أن يردّ لكن مع تأخُّرٍ ملحوظ في النطق.

– استجابته الكلاميَّة قد تكون بنبرة عالية أو إيقاعٍ غير طبيعي، ويمكن أيضًا أن تكون النبرة شبيهة بنبرة الرجل الآلي أو الروبوت.

– لا يستطيع التعبير عن المشاعر العاطفيَّة، أو حتّى لا يستطيع إدراكها بشكلٍ كامل عندما تُوجَّه له.

– لديه صعوبات في تفسير إشارات الآخرين غير اللفظيَّة، مثل تعابير الوجه، ونبرة الصوت، أو لغة الجسد.

– يقوم بسلوكيَّات أو حركات متكرِّرة.

– يمكن أن يقوم بسلوكيَّات قد تُسبّب له الإيذاء؛ مثل تَكرار عضّ يديه أو ضرب رأسه.

– يُظهر حساسيَّة غير عاديَّة للضوء والصوت.

– يبدو أحيانًا أنَّهُ غير مُبالٍ بالألم أو درجات الحرارة حوله، سواء كانت مرتفعة أو منخفضة.

– يُظهِر تركيز طويل جدا وبكثافة عالية إذا أراد تأدية مَهمَّة معيَّنة أو قراءة شيء معيَّن، وهذا يظهر في الحالات التي تكون لديها مستويات الذكاء طبيعيَّة إلى مرتفعة.

– لديه تفضيلات غذائيَّة معيَّنة، فمثلًا يقوم بتحديد عدد قليل جدًّا من الأطعمة، ويُعيد تَكرار تناولها على مدار الأيام دون أي تغيير أو إضافة أو حذف في وصف الوجبة وكمِّيَّتها.

– في مرحلة المراهقة والشباب، يمكن أن تقلّ أعراض الانعزال والانسحاب ويبدأ بالاندماج بالمجتمع، لكن يُمكن أن يتسبَّب هذا الاندماج المفاجئ بإشكالات على الصعيد العاطفي والسلوكي.

الحياة الجنسيَّة لمريض التوحُّد

قد يواجه مريضو التوحُّد تحدّيات عديدة، عندما يتعلّق الأمر بتكوين علاقات عاطفيَّة سليمة، وذلك لضعف وتيرة التواصل الاجتماعي لديهم وصعوبة اندماجهم مع الآخرين، لكن هذا لا يعني أنَّهُ من المستحيل على مريض التوحُّد إقامة علاقة عاطفيَّة والتمتّع بحياة جنسيَّة زوجيَّة.

يجدر التنويه إلى أنّ الكثير من الدراسات، تعتبر مريض التوحُّد غير مُعتلّ دماغيًّا بمعنى العجز المطلق، وإنَّما لديه طريقة مختلفة لعمل الدماغ والتي تكون غير متوقَّعة من المجتمع المحيط به. وسبب تسميته بالطيف، يُعزَى إلى الاختلاف في درجة حدّيَّة الأعراض من مريض لآخر وطرق التعبير عن الإصابة بها، وهذا ما يجعل مرضى التوحُّد متفاوتين في درجة الاحتياج للمساعدة الطبيَّة والاجتماعيَّة في المَهام والمهارات اليوميَّة، سواء اللغويَّة أو السلوكيَّة.

أمّا فيما يتعلّق بمساعدة مريض التوحُّد على فهم مشاعره واحتياجاته الجنسيَّة، فهنا يُشترَط أن يُقدَّم له الدعم في هذا الجانب من خلال فرد مُقرّب له من عائلته أو من صديقٍ قريب جدًا، وليس الجهة الطبيَّة المسؤولة عن حالته، وذلك لأنَّ التعامل معه وإفهامه أن لا حَرج في الشعور بمشاعر وتوجّهات جنسيَّة مع تقدّم السن، يتطلَّب علاقة مبنيَّة على ثقة كبيرة من شخص مُقرّب جدا.

وفيما يتعلّق بالتطوُّر السيكولوجي للمشاعر والاهتمامات الجنسيَّة عند مرضى التوحُّد، فرغم ميلهم للانعزال وعدم التفاعل المجتمعي، لكن هذا لا يعني أنَّ لديهم ضمورًا في الاحتياجات الجنسيَّة، فهم طبيعيون جدًّا من هذه الناحية، ويجب أخذ هذه النقطة دائمًا في الحسبان عند التعامل معهم، واحترام ذلك.

يجدر التنويه، إلى أنّ الحديث عن المشاعر العاطفيَّة مع مريض التوحُّد يمكن أن يبدأ مبكِّرًا، لكن التفصيل في السلوكيات الجنسيَّة وتناولها على شكل طبق رئيس، ينبغي أن تشمل البالغين من مرضى التوحُّد وليس الفئات العمريَّة الأقل من ذلك، وفيما يأتي مجموعة من النصائح التي يُمكن الاستفادة منها عند مناقشة المشاعر الجنسيَّة مع مريض التوحُّد:

– التواصل الصريح والمبني على ثقةٍ تامَّة معهم دون تحرُّج أو حُكم مُسبَق.

– مناقشة جوانب التربية الجنسيَّة كافَّة.

– تحفيزهم على طرح الاستفسارات الجنسيَّة والعاطفيَّة، وإشعارهم بالأمان، ومنحهم الإجابات المناسبة دون زيادة أو نقصان.

– تعليمهم كيفيَّة التواصل مع (الزوج/ الزوجة) من الناحية الجنسيَّة، وتعريفهم الأشياء التي يستطيعون فعلها والتي سيستمتعون بها مع الشريك مستقبلًا.

– تعريفهم والتأكيد عليهم أنهم يستحقُّون الاحترام الكامل من قِبل الشريك مستقبلًا.

– الحديث معهم عن البلوغ ومراحله، والتغييرات التي يُمكن أن تطرأ على أجسامهم وعلى مشاعرهم،  بالإضافة لتناول الصحة الإنجابيَّة مستقبلًا، وكيفيَّة تجنُّب الأمراض المنقولة جنسيًّا، والسلوكيات الجنسيَّة غير السليمة، وما إلى ذلك.

يجدر التنويه أيضًا، إلى أنَّ التثقيف الجنسي الكافي للمراهقين المصابين بالتوحُّد، يساعدهم في تعلُّم ما هو مقبول اجتماعيًّا وما هو غير مقبول، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتربية الجنسيَّة أن تهيِّئ المراهقين المصابين بالتوحُّد للتغييرات الفيزيولوجيَّة في أجسامهم، أثناء فترة البلوغ.

المراجع التي تمَّ الاعتماد عليها في إثراء المقال مُستمدَّة بشكل رئيس من المواقع الطبيَّة والعلميَّة الآتية: 

www.mayoclinic.org “autism spectrum disorder”

www.psychiatry.org “What Is Autism Spectrum Disorder?”

www.nhs.uk “What is autism?”

www.medicalnewstoday.com “How does autism affect sexuality and sexual relationships?”

اظهر المزيد

نور الدين حسن

طبيب عام ومقيم أمراض نفسيَّة وعصبيَّة وسلوكيَّة - وزارة الصحة./ كاتب محتوى علمي وطبي مع العديد من المنصات والمواقع الطبية والعلمية./ مدرب في الصحة الجنسية والإنجابية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية