العلاقة الزوجيَّة الحميمة في الموروث العربي والإسلامي

ارتأيتُ في هذا المقال، أن أستعرض علاقة ثقافتنا العربيَّة والإسلاميَّة بالسلوك الإنساني، واخترت العلاقات الحميمة “الجنس” على وجه التحديد، لما لفهمه وفهم تاريخنا معه من أهمّيَّة بالغة، تساعدنا على اكتساب المعرفة من منابتها.

مرورًا بالثقافة العربيَّة والإسلاميَّة، تعاملت هذه الثقافة العريقة بشكل عام مع موضوع الجنس بحساسيَّة وكتمان في مراحل معيَّنة وبانفتاح في مراحل أخرى. وجرى التركيز بشكل كبير على الحفاظ على العفَّة والاحتشام، إذ تعدُّ العلاقات الجنسيَّة بشكل عام مسألة شخصيَّة خاصَّة يجب التعامل معها بحذر.

وتشير العديد من الأحكام والتوجيهات الدينيَّة في الإسلام، إلى أنَّ العلاقات الجنسيَّة يجب أن تتمَّ بين زوج وزوجة في إطار الزواج الشرعي. ويُعدُّ الزواج الشرعي في الثقافة العربيَّة والإسلاميَّة بمثابة تعبير عن الالتزام والوفاء والإخلاص والمسؤوليَّة والاحترام المتبادل بين الرجل والمرأة. إلا أنَّ ذلك لم يعنِ أبداً عدم وجود اهتمام أو تحدُّث حول الجنس في هذه الثقافة، فهناك العديد من الكتب والمقالات والنصوص الدينيَّة التي تناقش موضوع الجنس بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، ولكن على نحوٍ محدود.

العلاقة الزوجيَّة الحميمة هي جانب مهمّ من حياة الزوجين في المجتمع العربي والإسلامي، بحيث يعدُّ الحفاظ على العلاقة الحميمة بين الزوجين، أمرًا مهمًّا لتحقيق السعادة والاستقرار العائلي. في هذا المقال، سنتحدَّث عن أهميَّة العلاقة الزوجيَّة الحميمة في الموروث العربي والإسلامي، وكيف ينظر الإسلام إلى هذا الجانب من الحياة الزوجيَّة.

في الثقافة العربيَّة

يتمتَّع الزواج بمكانة مرموقة بوصفه من أهمِّ الأهداف في الحياة، إذ يُعدُّ إنجازًا مهمًّا ومكسبًا لكلٍّ من الرجل والمرأة. كما يتوقَّع المجتمع العربي من الزوجين الحفاظ على العلاقة الحميمة في الزواج، بحيث يُنظر إليها كمفتاح لتحقيق السعادة والاستقرار العائلي. 

وفي الإسلام

يحظى الزواج والحياة الزوجيَّة بمكانة مهمَّة ومقدَّسة، ويُعدُّ عقدًا دائمًا ومقدَّسًا يربط بين الرجل والمرأة، وتميّزه علاقة حميمة مبنيَّة على المودَّة والرحمة. فالعلاقة الحميمة بين الزوجين في الإسلام من الأمور المشروعة، ويُشجَّع الزوجان على الحفاظ على العلاقة الحميمة. ومع ذلك، يتمُّ التحدُّث عن العلاقة الحميمة بشكل محدود في المجتمع العربي والإسلامي.

وفي مواقف أخرى،

فقد توغَّل المسلمون في إنجاز الكتب المستنيرة المتعلّقة بالجنس. فكتبَ معظم أهل العلم -ممَّن يُشهَد لهم- الكتب التي تقوم على أساس التثقيف في الجنس. وكيفيَّة ممارسته والتمتُّع مع (الزوج/ الزوجة). كما حثَّت تلك الكتب على دمج المحبَّة والعشق والرحمة المتبادلة فيما بين الزوجين قبل وخلال وبعد العلاقة الحميمة. من أهمّ تلك المراجع كتاب “نواظر الأيك في معرفة النيك” للإمام العلامة الفقيه جلال الدين السيوطي. وهو كتاب ممتع يتناول وصفًا لأشكال الممارسات المختلفة في العلاقة الحميمة. وُيبيِّن مشروعيَّة تعدُّد أشكال الممارسة بين الزوجين وتجربة ما هو جديد؛ بقصد إبعاد الفتور عن العلاقة الحميمة فيما بينهما. إضافة إلى كتاب “الوشاح في فوائد النكاح” لذات الإمام. حيث تناول الكتاب فوائد العلاقة الحميمة السليمة، وكيفيَّة تعدُّد العلاقة الحميمة في حال تعدُّد الزوجات. واستعرضَ العديد من القصص في ظلِّ القيود المجتمعيَّة خلال تلك الفترة، وقام بسردها بشكل سلس للمستقبل آنذاك. 

إنَّ هذا النوع من الحديث الهادئ حول العلاقة الحميمة بين الزوجين يرجع إلى الثقافة والتقاليد الموروثة في المجتمع العربي والإسلامي. ومع ذلك. يجب التحدُّث عن هذا الجانب المهمّ من الحياة الزوجيَّة بشكل صحيح ومثالي لتحقيق السعادة والاستقرار في الزواج. كما تناولها السيوطي في مؤلّفاته المتعدِّدة. وتشجِّع الشريعة الإسلاميَّة الزوجين على التحدُّث بصراحة عن العلاقة الحميمة بينهما، بهدف تحقيق السعادة والاستقرار في الزواج. 

اقرأ أيضا في مقال أدوات التواصل والاتصال بين الزوجين.

وتشير السنَّة النبويَّة

إلى أنَّ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كان يتحدَّث بصراحة عن العلاقة الحميمة مع أصحابه. وذلك لتوعية الناس بأهميَّة الحفاظ على العلاقة الحميمة بين الزوجين. وفي الإسلام ، يتمّ تحديد الأداء الصحيح للعلاقة الحميمة بين الزوجين، بوضع قواعد وتعليمات صارمة حول هذه العلاقة. وتشمل هذه القواعد؛ عدم الإسراف، والتحكُّم في الشهوة، وعدم إيذاء الزوجة، وعدم ممارسة العلاقة الحميمة خارج إطار الزواج. حيث تتناول الآية الكريمة الآداب التالية:. (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ). سورة البقرة:222

إذ تصوِّر لنا الآية الكريمة السابقة العلاقة الحميمة بين الزوجين على أنَّها من الأمور الحسَّاسة والمهمَّة في الزواج. وضرورة الحفاظ على الخصوصيَّة والكتمان والطهارة في هذا الجانب من الحياة الزوجيَّة. وتنظيم العلاقة الحميمة بين الزوجين بناءً على القواعد المتَّفق عليه بينهما، إذ يتحدَّث الإمام الغزالي قائلا: 

“ينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرَّة، فهو أعدل، إذ عدد النساء أربع (أي الحدّ الأقصى الجائز) فجاز التأخير إلى هذا الحدّ. نعم ينبغي أن يزيد أو ينقص بحسب حاجتها في التحصين. فإنَّ تحصينها واجب عليه”.

فهنا رأي فقهي يتناول الفترة المقبولة لأن يكفَّ أحد الزوجين فيها عن العلاقة الحميمة مع الآخر. مع ملاحظة كيفيّة مناقشة هذا الجانب من الحياة الزوجيَّة في ضوء الأخلاق والقيم الإسلاميَّة والمودَّة والرحمة.

يشجِّع الإسلام الزوجين على التحدُّث بصراحة حول العلاقة الحميمة بينهما، وذلك لتحقيق السعادة والاستقرار في الزواج. كما يتوجَّب على الزوجين الاستماع إلى ما يقول الطرف الآخر. وتحليل الرغبات والاحتياجات المختلفة، والتوافق في الرأي قبل ممارسة العلاقة الحميمة. إذ يتحدَّث الإمام ابن القيم في كتابه “زاد المعاد في هدي خير العباد” عن أهميَّة الجنس بين الزوجين وأهميَّة مناقشته فيما بينهما. لما لذلك من منافع تعود عليهما مثل؛ غضّ البصر، والحفاظ على العفَّة، وكفّ النفس عن الحرام، وسدّ حاجات الطرفين ضمن الإطار المشروع. 

ومن الآداب الحميدة التي حثَّ عليها الإسلام موضحا كيفيَّة العلاقة فيما بين الزوجين، هي كتمان السرّ، حيث أكَّد الإسلام على كل من الزوجين أهميَّة الخصوصيَّة في الزواج، ولا سيما العلاقة الحميمة، فتجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:

(إنَّ من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرّها ) [ رواه مسلم ]. 

فهنا نجد وصف “شرّ الناس” وذلك لتوضيح خطر إفضاء الأسرار ما بين الزوجين. إذ يؤدِّي ذلك إلى علاقة زوجيَّة خالية من الثقة والوفاق وبها ما بها من الذمّ والجفاء. وغالبا ما ينتج عن ذلك اضطرابات سلوكيَّة ونفسيَّة يصعب التعامل معها في إطار الزواج، وتصبح العلاقة بعيدة كل البعد عن السكينة والطمأنينة والمودَّة. 

هكذا أعزاءنا القرّاء؛ نكون قد سلكنا خلال تتابعات حميدة من الموروث العربي الإسلامي الذي نعتزّ به. وتطرَّقنا لأوامر الله عزَّ وجل وتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم. إضافة إلى الإضاءة على آراء الأئمَّة والفقهاء وأصحاب العلم، فيما يخصّ ممارسة العلاقة الحميمة بين الزوجين.

اظهر المزيد

عبد الحميد الخطيب

عبد الحميد الخطيب؛ متخصص في السلوك والإدراك وأدوات التواصل والاتصال. صانع محتوى مرئي ومسموع وناشط مجتمعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية