كيف تمنع وسائل التواصل الاجتماعي من تدمير زواجك؟

قد تسأل نفسك، وهل يمكن لوسائل التواصل أن تكون سببًا في الانفصال أو تدمير الحياة الزوجيَّة؟ للأسف الإجابة هي: نعم. فعلى الرغم ممَّا وفرته مواقع التواصل الاجتماعي من سهولة وسرعة في التواصل مع الأصدقاء والعائلة عبر العالم، وانتشار لحظي للأخبار، وتواصل مع مجتمعات من اهتمامات مختلفة، والحفاظ على العلاقات من الفتور والهلاك رغم ملايين الأميال، لا سيما مع الأفراد ذوي الأهميَّة في حياتنا، إلا أنَّها على صعيد آخر ووفقًا لأحدث الدراسات والأبحاث تهدِّد استقرار الأسرة والسعادة الزوجيَّة، ليس فقط لأنَّها تحتلّ ساعات غير قليلة من حياتنا اليوميَّة، بل أيضا لأنَّها تؤثِّر بشكل مباشر وغير مباشر على أفكارنا، ووعينا، وتوقّعاتنا، وطريقة إدراكنا للعالم من حولنا. فكيف يمكن أن نحمي أسرنا وعلاقاتنا الزوجيَّة من أضرار مواقع التواصل الاجتماعي؟ 

وسائل التواصل الاجتماعي ليست مكانًا آمنًا للاستشارات الزوجيَّة 

تعجُّ مجموعات الأمَّهات والمتزوِّجات على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصَّة الفيسبوك، بعشرات الأسئلة اليوميَّة، التي يطلب أصحابها المشورة والرأي في خلاف زوجي ما، أو مشكلة أسريَّة معيَّنة، غير مكتفين بسرد أدقِّ تفاصيل حياتهم الشخصيَّة -بل وأكثرها خصوصيَّة- وإنَّما معرِّضين أنفسهم أيضا لوابل من الآراء والفتاوى والنصائح التي يمكن أن تفضي إلى خراب البيوت بكل سهولة ويسر. فيا سيدتي الفاضلة، ويا عزيزي الزوج، لا تطلب المشورة والرأي إلا من حكيم مؤتمن، تعرفه ويعرفك، المستشار لا بد أن يفهم سياق المشكلة، وخلفيَّة الأسرة الاجتماعيَّة والماديَّة والثقافيَّة والدينيَّة وغيرها من التفاصيل التي تجعل للمشكلة نفسها صدى وحجمًا مختلفًا عند كل أسرة، أمَّا التعليقات العابرة وغير المكترثة من روَّاد مواقع التواصل الاجتماعي، فلا يجب أبدًا أن يكون موضوعها حياتنا الأسريَّة وعلاقاتنا الزوجيَّة المقدَّسة.

امتنع عن المقارنات 

يطلُّ علينا نجوم السوشيال ميديا كل يوم بعروض زواج مبهرة وشديدة الرومانسيَّة، وحفلات زفاف فارهة، وهدايا ومفاجآت باهظة التكاليف، ثم تبدأ حفلات إعلان خبر الحمل، وحفلات أخرى لإعلان نوع الجنين، وجلسات تصوير للأم الحامل، وأخرى ليوم الولادة، وحفلات لأعياد الميلاد، ومفاجآت، وحفلات، ورحلات، وفنادق، ومطاعم، وقصور، إلخ.

التعرُّض لكلِّ هذا الكمّ من المحتوى المنمَّق المبهر، يضع المتابعين رغمًا عنهم في حالة دائمة من المقارنة، ومن عدم الرضا، بعلاقاتهم، وبيوتهم، وأماكن إجازاتهم، بل أنَّه حتى يؤثِّر تأثيرًا شديدًا على رضاهم عن أشكالهم وأجسامهم، حتى أنَّ أحد الدراسات أوضحت أن 63% من مستخدمي موقع إنستجرام Instagram، يعانون من التعاسة أو الشعور بالبؤس، هذه النسبة حدَّدت مدَّة استخدامها للموقع بساعة يوميًّا على الأقل، بينما الـ 37% النسبة المتبقّية قالوا إنَّهم يقضون نصف هذه المدَّة فقط في استخدام التطبيق. أشارت الدراسات أنَّه على الرغم من أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يساعد في رفع هرمون السعادة الدوبامين، وزيادة الشعور  المؤقَّت بالمتعة والسعادة، إلا أنَّ هذه المواقع نفسها على المدى الطويل تكون سببًا في زيادة التعاسة، وعدم الرِّضا، وعدم قدرة الأفراد على التقاط أبسط تفاصيل حياتهم والفرحة بها مع أزواجهم، وتكون سببًا للشعور بالضغط الدائم على الزوجين، وبسببها تنفجر الكثير من المشكلات.

تقليل وقت التواجد على السوشيال ميديا 

في أحد الدراسات بلَّغ 66% من الأزواج أنَّ تصفُّح مواقف التواصل الاجتماعي، والوقت الذي يتمُّ قضاؤه عليها يوميًّا يعيق التواصل بين الزوجين، ويمثِّل واحدًا من أهمّ حواجز التواصل بينهما، وأظهر التقرير أنَّ الفرد يقضي ساعتين إلى ساعتين ونصف من التصفُّح بلا هدف على مواقع التواصل الاجتماعي ومشاهدة الفيديوهات بهدف التسلية، الأمر الذي إذا تأمَّلناه بعمق سنعرف مدى الخسارة الفادحة التي تتعرَّض لها الأسر، وكيف تمنع الهواتف الذكيَّة الأزواج من قضاء وقت قيِّم ومثمر معًا، بل وتزيد الفجوة بينهما، وبين التوقُّعات والواقع. تصفُّح الهواتف الذكيَّة يشتِّت التركيز، ويجعل الفرد غير منتبه لما يدور حوله من تفاصيل وأحاديث، ويقلِّل من التواصل اللغوي والبصري بين أفراد الأسرة، بالإضافة إلى ما ورد في كثير من الدراسات من أنَّ نسبة كبيرة من الأزواج أفادوا بانزعاجهم من انشغال (الزوج/الزوجة) بالهاتف وتصفّحه أثناء وقت الأسرة الخاصّ، أو في أوقات تناول الطعام.

الوجه الآخر للحقيقة 

الحقيقة التي يجب أن ننتبه لها جميعا حفاظاً على علاقاتنا وصحّتنا النفسيَّة، هي أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي لا تعكس إلا وجهًا واحدًا فقط من حياة أصحابها، يختارون أن يظهروه بعناية فائقة، ويبذلون من أجل إظهاره مجهودًا ضخمًا، لاختيار المكان والملابس والإضاءة والابتسامة والتوقيت، وتجهيز الكلمات والمحتوى بعناية، يتمُّ هذا ببساطة لأنَّه لا أحد يريد إلا أن يراه الآخرون في أبهى حلَّة، وفي أفضل صورة ممكنة، فهل هذه هي الحياة الحقيقيَّة؟ الإجابة هي بالطبع لا. وعلى الرغم من إدراكنا جميعًا لهذه الحقيقة بشكلٍ أو بآخر، إلا أنَّ كثافة متابعة السوشيال ميديا تؤثِّر بشكل غير واعي على درجة رضانا عن أنفسنا وعن حياتنا، وتحرِّضنا على اتّخاذ قرارات ضاغطة سواء أسريَّة أو اقتصاديَّة أو حتى شخصيَّة ومهنيَّة.

تخصيص وقت بلا هواتف

أوصى الكثير من الاخصَّائيِّين النفسيِّين، ومستشاري العلاقات الزوجيَّة. بأن تخصِّص كل أسرة وقتًا للتواصل الهادئ والخالي من وجود الهواتف الذكيَّة وتصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي وفقًا لروتينها اليومي. كأن يكون هذا الوقت هو وقت الغداء اليومي للأسرة. أو وقت مشاهدة فيلم عائلي، أو مجرَّد جلسة يوميَّة بهدف تبادل الأخبار. هذا الوقت من شأنه أن يعزِّز التواصل البصري والجسدي بين أفراد الأسرة،  بحيث يشعر كل فرد فيها أنَّه محطّ اهتمام وتركيز، الأمر الذي يعود على الأسرة بمشاعر الودّ والدفء، ويؤثِّر إيجابيًّا على جودة التواصل فيما بينهم.

احترام (الزوج/الزوجة) على مواقع التواصل الاجتماعي

نظريًّا. يخضع التواصل الاجتماعي لنفس القواعد الأخلاقيَّة التي يخضع لها التواصل الإنساني بشكل عام. من حيث احترام الحدود، والحفاظ على آداب الحوار واللياقة. ولكن عمليًّا تشجِّع السوشيال ميديا روّادها على الحديث عن أنفسهم، والبوح بما يزعجهم، ويشعرون أنَّها المكان المناسب للفضفضة أحيانًا. وللتنمُّر أحيانا كثيرة، من أجل زيادة عدد المشاهدات أو المتفاعلين أو مشاركات الأصدقاء والضحكات. كما أنَّها، وبحكم اختبائنا خلف الشاشات، تجعلنا أجرأ كثيرًا في تعليقاتنا وفي تجاوز حدودنا لا سيما مع الجنس الآخر. وهنا يشتعل فتيل الغيرة والتوتُّر بين الزوجين. 

ما يجب أن ننتبه له هنا. هو أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي ليست مجرَّد واقع افتراضي نفعل فيه ما يحلو لنا بلا قيود. ولكنَّها محاكاة إلكترونيَّة لتواصلنا الإنساني. على كل طرف فيها أن يحترم (زوجه/زوجته). سواء بعدم الحديث عن العلاقة على الملأ، وعدم نشر خصوصيَّات الأسرة أمام الأصدقاء والمتابعين. أو الامتناع عن التنمُّر على الطرف الثاني بكل أشكاله، او احترام غيرته والتزام حدود اللياقة مع الجنس الآخر. وغيرها من المشكلات التي تكون بذرتها نابعة من التساهل أثناء استخدام السوشيال ميديا.

اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية