تأثير الغدَّة الدرقيَّة على الرغبة الجنسيَّة
يشكو كثيرٌ من الأزواج والزوجات في الآونة الأخيرة من بعض الاضطرابات الملحوظة في الرغبة الجنسيَّة لديهم؛ فقد يلاحظ الزوج ضعفًا في الانتصاب، بالإضافة إلى صعوبة بلوغ الزوجة لنشوتها في أثناء العلاقة الحميمة، فهل للغدَّة الدرقيَّة دورٌ في ذلك؟ وكيف يمكن علاجها لتحسين الصحَّة الجنسيَّة؟
ما هي الغدَّة الدرقيَّة (Thyroid gland)؟
هي تلك الغدَّة الصغيرة التي لا يتجاوز قياسها 5 سنتيمترات، وتأخذ شكل الفراشة -إذ تتكوَّن من فصين يشبهان جناحيها- لتستقرّ على الجهة الأماميَّة للقصبة الهوائيَّة.
يبدأ عمل الغدَّة الدرقيَّة بعد أن تستقبل الهرمون المحفِّز لها قادمًا من الغدَّة النخاميَّة ويسمَّى بالإنجليزيَّة (Thyroid stimulating hormone – TSH)؛ لتُفرز بعد ذلك هرمونين مسؤولين بصورة رئيسيَّة عن التحكُّم في عمليتيّ الأيض والبناء، وهما:
- الثيروكسين أو رباعي يودو ثيرونين (Thyroxine – tetraiodothyronine T4).
- ثلاثي يودو ثيرونين (Triiodothyronine)
ومن ثمَّ تلعب دورًا حاسمًا في تنظيم وظائف الجسم الحيويَّة المختلفة، ومنها:
- تنظيم معدَّل الأيض عن طريق تحويل المواد الغذائيَّة إلى طاقة وتنظيم استهلاك الأنسجة للأكسجين.
- تؤدِّي دورًا مهمًّا في النمو والتطوُّر البدني والعقلي.
- تؤثِّر في انتظام عدد من العمليات الحيويَّة؛ ومنها معدَّل ضربات القلب، وحركة الجهاز الهضمي، ونشاط الجهاز العصبي.
- لها دور لا يستهان به في الشعور بالرغبة الجنسيَّة والإثارة بين الزوجين بصورة طبيعيَّة وهذا ما سنتناوله تفصيلًا.
تأثير الغدَّة الدرقيَّة على الرغبة الجنسيَّة
قد تؤدِّي اضطرابات وظيفة الغدَّة الدرقيَّة، مثل فرط نشاطها أو قصورها إلى تغييرات في مستويات الهرمونات الدرقيَّة في الجسم، وبالتالي تؤثِّر على الرغبة الجنسيَّة على النحو التالي:
أولًا: العلاقة بين فرط نشاط الغدَّة الدرقيَّة ورغبة الزوجين الجنسيَّة
يُقصد بفرط نشاط الغدَّة الدرقيَّة زيادة إنتاج هرموني (T3, T4) المذكورين سلفًا، وقد يحدث ذلك لعدَّة أسباب، منها:
- الإصابة بمرض جريفز (Grave’s disease):
يُعدُّ السبب الأول والأكثر شيوعًا، وهو أحد أمراض المناعة الذاتيَّة؛ إذ يهاجم الجسم الغدَّة الدرقيَّة ممَّا يدفعها إلى إنتاج المزيد من هرموناتها.
- الدُّراق ( Toxic nodular goitre):
يُقصد به تضخُّم الغدَّة الدرقيَّة، وهو السبب الرئيس الثاني في زيادة نشاطها بعد داء جريفز.
- التهاب الغدَّة الدرقيَّة؛ وغالبًا ما يكون مجهول السبب.
وكما نعرف جميعًا؛ إذا زاد الشيء عن حدِّه انقلب إلى ضدِّه، لذلك يسبِّب فرط نشاط الغدَّة الدرقيَّة بعض الأعراض من الناحية الجنسيَّة، ومن أبرزها:
- الشعور المزمن بالتعب والإعياء ممَّا يؤدِّي إلى انصراف اهتمام الزوجين بالعلاقة الحميمة، وقد يصل الأمر إلى انخفاض رغبتهما في المداعبة المعتادة جراء اختلال الهرمونات، وتأثير ذلك على حالة الجسم بصورة عامَّة.
- فقدان الوزن غير المقصود، ممَّا يُفقد الزوج أو الزوجة الثقة بالنفس، وقد يشكُّ أحدهما في رضا الآخر عنه، وهذا بالطبع سيؤثِّر سلبًا في رغبتهما الجنسيَّة.
- القلق والتقلُّبات المزاجيَّة المفرطة ممَّا يؤثِّر على حيويَّة الزوجين ويقلِّل من رغبتهما في الانخراط في العلاقة الحميمة أو المداعبة اللطيفة.
ثانيًا: العلاقة بين خمول الغدَّة الدرقيَّة والرغبة الجنسيَّة بين الزوجين
لا يُفرِّق قصور الغدَّة الدرقيَّة بين الزوجين في التأثير سلبًا على رغبتهما الجنسيَّة تجاه بعضهما البعض، ويُقصد به فقدان الغدَّة قدرتها على إنتاج الهرمونات اللازمة للحفاظ على اتِّزان نشاط كافة الأنسجة بالجسم، وانضباط معدَّل الهرمونات الأخرى، ولا سيما الهرمونات المسؤولة عن العمليَّة الجنسيَّة، وقد يرجع خمول الغدَّة الدرقيَّة إلى:
- مرض المناعة الذاتيَّة المعروف باسم هاشيموتو (Hashimoto’s Thyroiditis).
- إجراء جراحة استئصال الغدَّة الدرقيَّة أو جزء منها.
- التعرُّض للعلاج الإشعاعي على منطقة الرأس والرقبة، ممَّا يجعل الغدَّة الدرقيَّة عُرضة للإصابة بالخمول.
- التهاب الغدَّة الدرقيَّة الذي قد يدفعها إلى التخلُّص من مخزونها من الهرمونات وإطلاقها في الدم دفعةً واحدة، ثمَّ تصاب بالكسل.
- تناول بعض أنواع الأدوية مثل تلك التي تحتوي على الليثيوم.
- الإصابة بقصور الغدَّة الدرقيَّة منذ الولادة، وقد يرجع ذلك إلى العوامل الوراثيَّة.
- خمولها كأحد مضاعفات فترة الحمل.
وتتشابه مضاعفات خمول الغدَّة الدرقيَّة مع تلك التي تحدث مع فرط نشاطها، باستثناء عدَّة نقاط هي:
- زيادة وزن الجسم إثر بطء عمليَّة التمثيل الغذائي الناجمة عن انخفاض معدَّلات الهرمونات، مما يدع الفرصة سانحةً أمام فقدان الثقة بالنفس والتوتُّر.
- قد يتطوَّر الأمر ليؤثِّر سلبًا على صحَّة الزوجين الجنسيَّة، فيعاني الزوج مشاكل بالانتصاب، وتلاحظ الزوجة عدم انتظام دورتها الشهريَّة.
كيف تؤثِّر الغدَّة الدرقيَّة على صحَّة الزوج الجنسيَّة؟
قد يلاحظ المرضى من الرجال، أنَّ هذه المشكلة تركت بصمتها على صحّتهم الجنسيَّة بمرور الوقت، ومن الأعراض التي قد يلاحظونها ما يلي:
- ضعف الانتصاب (Erectile Dysfunction- ED):
يُعدُّ عدم القدرة على الانتصاب أو الحفاظ على ثباته بما يكفي لإتمام العلاقة الحميمة أحد الآثار الجانبيَّة المحتملة لكل من قصور الغدَّة الدرقيَّة وفرط نشاطها؛ إذ تشير الأبحاث إلى أنَّ حوالي 60-70٪ من الرجال المصابين بأمراض الغدَّة الدرقيَّة أكثر عُرضة للإصابة بضعف الانتصاب.
- مشاكل القذف:
إنَّ الأزواج الذين يعانون من قصور الغدَّة الدرقيَّة، هم الأكثر عرضة لمشكلة تأخُّر القذف. في حين إنَّ أولئك الذين يعانون من فرط نشاطها قد يواجهون خطرًا متزايدًا من سرعة القذف.
وغير ذلك من الأعراض، ويأتي في مقدمتها:
- زيادة مفرطة في معدَّل تساقط الشعر ممَّا يجعلهم أكثر عرضة للصلع، ومن ثمَّ قد يتأثَّر الزوج نفسيًّا وتضطرب ثقته بنفسه.
- حدوث انخفاض في نسبة الكتلة العضليَّة بالجسم مصحوبة بهبوط في مستويات الطاقة، ومن ثم تقلُّ الرغبة الجنسيَّة لديهم.
- قد يلاحظ بعض الرجال ظهور مشكلة التثدي فيما يعرف باسم (Gynecomastia).
- يمكن أن يتعرض البعض لضمور الخصيتين، ممَّا قد يؤدِّي إلى العقم إثر انخفاض عدد الحيوانات المنويَّة وضعف جودتها.
كيف تؤثِّر الغدَّة الدرقيَّة على صحَّة الزوجة الجنسيَّة؟
إنَّ التأثير السلبي للمرضى على الصحَّة الجنسيَّة للزوجات يمكن أن يختلف من سيِّدة لأخرى؛ فقد لا تلاحظ بعضهن أي تغييرات كبيرة، بينما تلاحظ الأُخريات أعراضًا واضحة.
توضح الكليَّة الأمريكيَّة لأطبَّاء النساء والتوليد (ACOG)، أنَّ انخفاض الرغبة الجنسيَّة عند النساء هو أحد أشهر الأعراض المصاحبة لقصور الغدَّة الدرقيَّة؛ ولا يتوقَّف الأمر عند ذلك؛ بل قد يعانين ممَّا يلي:
- الألم عند الجماع.
- جفاف المهبل.
- التشنُّج المهبلي (vaginismus).
- الاضطرابات الهرمونيَّة مثل زيادة هرمون البرولاكتين. واضطراب مستويات هرموني الاستروجين والبروجيستيرون؛ ممَّا يؤثِّر على انتظام الدورة الشهريَّة علاوةً على التقلُّبات المزاجيَّة الحادَّة. وتساقط الشعر بغزارة.
كيف يمكن تشخيص المشاكل الجنسيَّة المتعلِّقة بالغدَّة الدرقيَّة؟
إنَّ إدراك وجود المشكلة يعني بلوغ نصف الطريق نحو حلّها؛ لذلك من المهمّ أن يعي مريض الغدَّة الدرقيَّة أنَّها مشكلة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمشاكل الرغبة الجنسيَّة، وأنَّ الزوج والزوجة المصابين بها سواءٌ في هذه الحالة.
ولا تُعدُّ المضاعفات المصاحبة لمشاكل الغدَّة الدرقيَّة من الأمور التي يسهل التعرُّف عليها عند تشخيص الإصابة ؛ إذ تظهر بعد مرور وقت طويل إلى حدٍّ ما من الإصابة؛ ومن ثم يتطلَّب الأمر تحرِّي الدقَّة، واهتمام الطبيب بمعرفة كافة ما لاحظه المريض من أعراض سلبيَّة على صحّته الجنسيَّة؛ ثمَّ سؤاله عن التاريخ المرضي والعائلي وفحصه بدنيًّا، وإجراء بعض فحوصات الدم لقياس مستويات هرمونات الغدَّة الدرقيَّة.
علاج اضطراب الرغبة الجنسيَّة المرتبط بالغدَّة الدرقيَّة
إنَّ أهمّ خطوة في العلاج هي علاج المشكلة الأساسيَّة بعد التأكُّد من التشخيص. وذلك عن طريق ما يصفه الطبيب المتخصِّص من علاجات تناسب كل حالة على حدى بهدف ضبط مستوى هرمونات الغدَّة الدرقيَّة في الدم؛ وذلك بعد استبعاد الأسباب الأخرى التي من شأنها أيضًا أن تؤدِّي إلى انخفاض الرغبة الجنسيَّة. ومنها:
- السمنة المفرطة.
- التدخين الشره، أو تعاطي المواد المخدِّرة.
- انخفاض نسبة هرمون التستوستيرون في الدم لدى الأزواج.
- أمراض القلب والأوعية الدمويَّة.
يُنصح أيضًا بمقابلة متخصِّصٍ في أمراض الذكورة ليصف للزوج الذي يعاني من ضعف الانتصاب إثر اضطراب الغدَّة الدرقيَّة ما يلزم من الأدوية لتعزيز نسبة تحسُّن الحالة.
كذلك يمكن للزوجة أن تستشير متخصِّصة في أمراض النساء والتوليد عمَّا يناسب حالتها من المزلِّقات الحميمة للتقليل من مشكلة جفاف المهبل والألم أثناء الجماع. وذلك بالإضافة إلى الالتزام بتناول علاج الغدَّة.
كيفيَّة الحفاظ على صحَّة الغدَّة الدرقيَّة
للحفاظ على صحَّة الغدَّة الدرقيَّة، يمكن اتباع بعض الإرشادات التالية:
- اتِّباع نظام غذائي صحِّي:
يجب تناول طعام متوازن وغني بالفيتامينات والمعادن المهمَّة لصحة الغدَّة الدرقيَّة مثل اليود والسيلينيوم. كما يُنصح بتناول الأطعمة الغنيَّة بهذه المواد مثل الأسماك الدهنيَّة (السلمون) والفاكهة والخضروات والمكسَّرات والحبوب الكاملة.
- الحفاظ على وزن صحِّي:
كما علمنا فإنَّ السمنة قد تؤثِّر سلباً على صحَّة الغدَّة الدرقيَّة؛ لذا يُنصح بممارسة الأنشطة الرياضيَّة بانتظام للوصول إلى الوزن المناسب.
- تجنُّب التعرُّض للتوتُّر الزائد وممارسة تقنيات إدارة التوتُّر مثل الاسترخاء والتأمُّل واليوجا وممارسة التمارين الاسترخائيَّة.
- الإقلاع عن التدخين والمشروبات الكحوليَّة.
- إجراء فحوصات الدم بانتظام للتحقُّق من صحَّة الغدَّة الدرقيَّة ومستويات هرموناتها والالتزام بالمتابعة الدوريَّة مع الطبيب.