فقدان الشهيَّة وفرط الشهيَّة؛ تأثير اضطرابات الأكل على النشاط الجنسي
تؤدِّي اضطرابات الأكل بدرجاتها بداية من فقدان الشهيَّة وصولًا للأكل بشراهةٍ ونهم إلى مجموعة من المشكلات التي تؤثِّر على كافة جوانب الحياة، ولا سيما الجانب الجنسي بين الزوج وزوجته، وبدورنا نُلقي نظرة على هذا الجانب لنعرف أسباب هذه الاضطرابات وكيفيَّة التعامل معها من الناحية الجنسيَّة.
ماذا نعني باضطرابات الأكل؟
هو مصطلح يضمُّ عددًا من المشاكل الصحيَّة التي تؤثِّر على الصحَّة النفسيَّة والبدنيَّة؛ إذ يبني المريض علاقة غير صحيَّة مع الطعام تؤثِّر على وزنه وثقته بنفسه، وفيما يلي نتناول بعض اضطرابات الأكل التي تؤثِّر على الصحَّة الجنسيَّة تمامًا كما تؤثِّر على سير حياة المريض.
فقدان الشهيَّة العصبي وتأثيره على الصحَّة الجنسيَّة (Anorexia nervosa)
هو أحد الاضطرابات النفسيَّة التي تصيب الرجال والنساء في مختلف الأعمار، وتتَّسم بالخوف الشديد من زيادة الوزن وعدم الرِّضا عن شكل الجسم وشعور المريض بالسمنة رغم كونه نحيلًا أو وزنه في المعدَّل الطبيعي.
قد يُعدُّ أحيانًا اضطرابًا مهدِّدًا للحياة؛ إذ إنَّ المريض قد يتوقَّف عن تناول الطعام ويُفرط في ممارسة الأنشطة الرياضيَّة القاسية ليخسر المزيد من وزنه، وهذا يؤثِّر بالسلب على مستويات الهرمونات بالجسم، ومن ثمَّ الإجهاد المستمرّ وعدم الإقبال على الأنشطة الحياتيَّة المختلفة، ولا سيما المداعبات والعلاقة الحميمة بين الزوجين.
قد يؤثِّر فقدان الشهيَّة العصبي أيضًا على انتظام الدورة الشهريَّة لدى الزوجة أو يسبِّب انقطاعها، ومن ثم تعاني من التقلُّبات المزاجيَّة، كما تنخفض الرغبة الجنسيَّة إثر هذه الاضطرابات الهرمونيَّة.
يختلف فقدان الشهيَّة العصبي عن فقدان الشهيَّة إذ إنَّ الأخير يرتبط بحالة وقتيَّة معيَّنة، مثل سوء المزاج أو رفض الأكل جرَّاء صدمة ما، أو كأثرٍ جانبي لأحد أنواع الأدوية، وليس الخوف من زيادة الوزن كما هو الحال مع فقدان الشهيَّة العصبي الذي يحتاج إلى التدخُّل الطبِّي.
أسباب فقدان الشهيَّة العصبي
إنَّ السبب الحقيقي وراء فقدان الشهيَّة العصبي غير معروف حتى يومنا هذا، لكن يُرجِع المتخصِّصون الأمر إلى مزيج من العوامل التي قد تساهم بصورة أو بأخرى في الإصابة بالاضطراب، ومنها:
- التغيُّرات الهرمونيَّة التي تحدث في مرحلة البلوغ.
- الانطباع السلبي عن النفس أو التعرُّض للانتقاد المستمرّ والضغط المجتمعي حول صورة الجسم وشكله.
- توهّم الكمال والمثاليَّة.
- الإصابة بالوسواس القهري أو القلق المرضي تجاه شكل الجسم.
- العوامل الوراثيَّة أو الطفرات الجينيَّة مجهولة السبب.
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بالسمنة.
كيف يؤثِّر فقدان الشهيَّة العصبي على الصحَّة الجنسيَّة؟
1. تأثير فقدان الشهيَّة العصبي على وظائف المخ:
إنَّ ما يجعل هذا الاضطراب خطيرًا هو أنَّ الدماغ الذي يعاني سوء التغذية يفقد وظيفته تدريجيًا، إذ إنَّ عدم تناول كميَّة كافية من السعرات الحراريَّة الضروريَّة للحفاظ على مستويات الطاقة بالجسم، فإنَّ ذلك سيؤدِّي إلى الإصابة بقصور الغدد التناسليَّة، أو فشل المبايض في تأدية وظيفتها بصورة صحيحة.
كما يمكن أن يؤثِّر انخفاض مستويات الهرمونات المرتبطة بالأداء الجنسي ومنها هرمونيّ الاستروجين والبروجسترون على الدافع الجنسي لدى الزوجة.
2. قد لا تتعلَّق أسباب انخفاض الرغبة الجنسيَّة بالضرورة باضطراب الأكل نفسه، بل يمكن أن ترتبط بالعوامل المصاحبة له، إذ تُشير الدراسات إلى إنَّ ما يقرب من 33 إلى 50 % من المصابين بفقدان الشهيَّة العصبي يعانون من اضطرابات مزاجيَّة مثل الاكتئاب في وقت ما من حياتهم، وهذا قد يلعب دورًا في انخفاض الرغبة الجنسيَّة لديهم.
يمكن لعلاجات الاكتئاب أن تساهم أيضًا في هذه المشكلة، فمن المعروف أنَّ مثبِّطات امتصاص السيروتونين الانتقائيَّة (SSRIs) – فئة من الأدوية تستخدم غالبًا كمضادَّات للاكتئاب وفي علاج اضطرابات الأكل- لها آثارها الجانبيَّة على الرغبة الجنسيَّة وصعوبة وصول الزوج أو الزوجة إلى نشوة الجماع.
3. الانطباع السلبي عن مظهر الجسم وشكله دائماً ما يشكِّل حاجزًا نفسيًّا وسببًا كافيًا -خاصَّةً عند الزوجة- للنفور من العلاقة الحميمة ظنًّا منهن أنَّ الزوج يراها بنفس الطريقة فلا تُقبِل عليه عندما يداعبها، وقد تُفضِّل الظلام عند ممارسة العلاقة الحميمة.
الشره العصبي (bulimia nervosa)
يُسمَّى أيضًا فرط الشهيَّة المَرضِي، أو البوليميا، وهو اضطراب شرس قد يهدِّد حياة المصاب به، إذ يُفرِط في تناول الطعام ثم يحاول التخلُّص من السعرات الحراريَّة الزائدة بطرق غير صحيَّة، مثل:
- القيء العمد، ممَّا يوقع بقيَّة أجهزة الجسم تحت الضغط العصبي.
- سوء استخدام الملينات أو مدرَّات البول أو الأدوية الخاصَّة بفقدان الوزن.
- الإفراط في استخدام الحقنة الشرجيَّة.
وقد يلجأ البعض إلى طُرق أخرى تبدو آمنة، لكن مع الإفراط فيها تسبِّب الكثير من المشاكل الصحيَّة، ومنها:
- كثرة الصيام دون نظام.
- القسوة على النفس في ممارسة الرياضة.
- اتِّباع الحميات الغذائيَّة الصارمة.
إذا توقَّعت الآن أن مريض الشره العصبي يبدو بدينًا أو يعاني من السمنة المفرطة فقد تكون على خطأ، إذ إن العكس تمامًا هو الحاصل جراء التخلُّص المستمر من السعرات الحراريَّة.
تأثير الشره العصبي على الصحَّة الجنسيَّة
يمكن أن تؤثِّر البوليميا على الصحَّة الجنسيَّة لكلا الزوجين بطرق مختلفة، ومن بين تأثيرات هذا الاضطراب على الصحَّة الجنسيَّة:
الإصابة بالضعف الجنسي:
إذ يؤدِّي الإفراط في التقيُّؤ ونقص العناصر الغذائيَّة الأساسيَّة إلى الشعور المزمن بالإرهاق، ومن ثم يقلِّل الحماس تجاه أي تفاعل جنسي.
وبصرف النظر عن الضرر الجسدي الناجم عن الشره المرضي، فقد يتسبَّب أيضًا في المزيد من الاضطرابات النفسيَّة والعقليَّة، وعلى رأسها:
- القلق والاكتئاب والنظرة الدونيَّة للنفس. وقد يتطوَّر الأمر إلى إيذائها، وهذا يجعل العلاقة بين الزوجين غير مستقرَّة، وقد ينفصلان عاطفيًا ومن ثم تقلّ الرغبة الجنسيَّة بينهما إذا تُرك الأمر دون علاج.
اضطراب النهم للطعام (binge eating disorder)
يُعرف أيضًا بالشره المرضي، وهو اضطراب يتناول أصحابه كميات كبيرة من الطعام في وقتٍ قصير وبشكل متكرِّر مع فقدان القدرة على السيطرة على الأكل. أي إن المريض لا يستطيع التوقُّف عن تناول الطعام. فقد يأكل ما يعادل ألفين إلى ثلاثة آلاف سعر حراري في غضون ساعة. وقد يصل عدد الوجبات التي يتناولها إلى خمس أو ست وجبات في اليوم.
وعلى الرغم من أنَّ المصاب بالاضطراب يشعر بالشبع والامتلاء البدني بعد تلك الوجبات. إلا أنَّه شعور يصاحبه القلق والإحباط والعجز عن خسارة الوزن الزائد.
يؤدِّي اضطراب النهم للطعام إلى الإصابة بعدد من المشاكل الصحيَّة، ويأتي في مقدِّمتها:
- زيادة الوزن الذي قد يتطوَّر إلى السمنة المفرطة.
- الإصابة بأمراض القلب والسكَّري وارتفاع ضغط الدم.
- كما يمكن أن يؤثِّر على الصحَّة النفسيَّة ويزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق والعزلة الاجتماعيَّة.
ذلك بالإضافة إلى ما يعانيه المريض -رجلًا كان أو سيِّدة- من تبعات المشاكل الصحيَّة المذكورة وتأثيراتها المعروفة على الصحَّة الجنسيَّة. ومن ثم الحياة الزوجيَّة بصورة عامَّة، ومنها:
- مشاكل ضعف الانتصاب وانخفاض الرغبة الجنسيَّة لدى الأزواج.
- أمَّا عن الزوجات فقد يعانين جفاف المهبل. وضعف الشعور بالإثارة الجنسيَّة وصعوبة بلوغ نشوة الجماع، هذا علاوةً على الألم المصاحب له.
كيف يمكن التعامل مع المشاكل الجنسيَّة الناجمة عن اضطرابات الأكل؟
تبدأ رحلة العلاج بالبحث عن جذور كل مشكلة وعلاجها بصورة نهائيَّة. أي أنَّ السؤال الأصح يكون عن كيفيَّة علاج اضطرابات الأكل ومن ثم ستنتهي المشاكل الجنسيَّة الناجمة عنها.
وحتى تنجح هذه الرحلة لا بد من تكاتف متخصِّص الصحَّة الجنسيَّة مع استشارة متخصِّص التغذية تحت مظلَّة العلاج النفسي. ويمكن للعلاج السلوكي المعرفي أن ينضمّ إليهم لتحقيق أفضل النتائج والعودة بالمريض إلى حياته الطبيعيَّة في أقل وقتٍ ممكن.