كيف أتعامل مع الحمل غير المخطَّط له نفسيًّا واقتصاديًّا
- كيف يمكن التعامل مع خبر الحمل غير المخطَّط له؟
- كيف يمكن التعامل مع خبر الحمل غير المخطَّط له على الأصعدة الماديَّة؟
“حمل بالخطأ” أو طفل غير مخطَّط له”، ربما لا تخلو أسرة في الدوائر القريبة أو البعيدة إلَّا ومرَّت بتجربة اكتشاف غير متوقَّع للحمل، الذي يأتي دون خطَّة، بل وكثيرًا ما يأتي رغم أخذ الاحتياطات اللازمة، والانتظام والالتزام على وسيلة أو أكثر من وسائل منع الحمل.
أحيانًا ما تكون هذه المفاجأة سارَّة، ولكنَّها كثيرا ما تكون بمثابة الصدمة للأُمِّ أو للأب أو لكليهما معًا، وذلك نظرًا للعديد من الاعتبارات، بعضها نفسيَّة تخصُّ القدرة على تكريس الوقت والتفرُّغ لرعاية طفل جديد في رحلة نموّه الطويلة، وبعضها اقتصاديَّة ترتبط بتعديلات على خطط الأسرة الاقتصاديَّة وإمكاناتها الماديَّة وترتيباتها لدخلها في الوقت الراهن، أو حتى اعتبارات صحيَّة واجتماعيَّة تخصُّ وضع الأسرة.
فكيف يمكن التعامل مع خبر الحمل غير المخطَّط له؟
أوّلًا على المستوى النفسي:
- الاعتراف بمشاعرك وإقرارها: في البداية ومع اكتشاف خبر الحمل المفاجئ، غالبًا ما تحمل المرأة مزيجًا عنيفًا ومتراكبًا من المشاعر، ما بين الخوف والدهشة والفرح والحبّ والرفض والغضب والحماس والترقُّب، بعضها أو جميعها معًا وربَّما أكثر. كل هذا أمر طبيعي ووارد الحدوث ليس فقط لحجم الصدمة ولا تبعاتها النفسيَّة والاقتصاديَّة على الأُمّ والأُسرة، وإنَّما أيضًا لما يمرُّ به جسم الأم في هذه المرحلة من تغيُّرات فسيولوجيَّة وهرمونيَّة تلعب دورها في تضخيم المشاعر والتركيز عليها بشكل أكبر من أيِّ وقتٍ آخر. لذا فمن المهمّ جدًّا أن تقرَّ الأم بمشاعرها، وتعترف بها، وتسمِّيها بأسمائها. هذا الإقرار من شأنه وضع المشاعر في حجمها الحقيقي، كما أنَّهُ يجنِّب الأُمّ توابع وعواقب الهرب من مشاعرها ومقاومتها لأيِّ سببٍ من الأسباب.
- التفكير بأنَّ كلَّ شيء يحدث لسبب: ربما تأتي الحياة بكثير من المفاجآت والأخبار وتنقلنا فجأة مثل قطع الشطرنج من مربَّع إلى آخر دون اختيار أو ترتيب منا، ولكنَّنا مهما حاولنا السيطرة على مجريات الأمور وإخضاعها لخططنا ورغباتنا، في النهاية نحن نشبه قطع البازل في صورة أكبر بكثير من حدود تفكيرنا وإدراكنا، وعلينا أن نسلِّم بأنَّه لا يمكننا التحكُّم في كل شيء، وأنَّ كل شيء يحدث لسببٍ حتى لو لم ندركه أبدًا، وأنَّ هناك قوى الله عز وجل ترتِّب الأمور كلّها في الحياة الدنيا وتديرها بحكمة وإحكام بالغين.
- ترك مساحة كافية لتحرُّر المشاعر: ليس من المفيد أبدًا كبت المشاعر أو إنكارها أو محاولة الهروب منها، ولكن الأصحّ نفسيًّا، هو أن تطلق كل المشاعر من سجنها لتتحرَّر تمامًا، وتأخذ مساحتها ووقتها، سواء كانت غضبًا أو حزنًا أو رغبة في البكاء أو صدمة أو رغبة في الوحدة والصمت. بعد فترة من الاعتراف بالمشاعر وتحرُّرها من الداخل، سيكون من الأسهل التعامل معها ووضعها في سياقها المناسب وعلاج آثارها السلبيَّة على المرحلة.
- تحديد المخاوف والشكوك ومناقشتها: عندما تمرُّ فترة ثورة المشاعر، سيكون من المفيد جدا التعامل مع الأفكار بالورقة والقلم، وتحديد المخاوف والعقبات والتَّحدِّيات التي تشغل رأس الأُمّ حول الحمل الجديد، وبالتالي زيادة المسؤوليَّات، وإعادة تغيير الروتين وترتيب الأولويَّات. من المفيد أيضًا بعد تحديد الأفكار والمخاوف، مناقشتها مع الزوج بشكل صريح وصادق في حوار من القلب، لأنَّ هذه الرحلة المشتركة لا بد أن يكون كل طرف فيها واعٍ بما هو مقبل عليه من تغييرات وتحدِّيات وما يستحدث عليه من مسؤوليَّات.
- الاستمتاع بنصف الكوب الملآن: كل تجربة مهما كان لها جوانب مخيفة، فإنَّها تحملُ جانبًا مشرقًا وباعثًا على الأمل والبهجة، فكيف برحلة تكوُّن الجنين داخل رحم أمه، ونضجه واستعداده للحياة يومًا بعد يوم؟ من المفيد في هذه المرحلة أيضًا استخدام الورقة والقلم، وعمل تمارين مثل تسجيل الامتنان اليومي، وتدوين المشاعر الإيجابيَّة، ويمكن أيضا تخصيص وقت للتأمُّل والتفكير في تفاصيل الرضَّع ومتعة الاهتمام بهم، والعناية بنموّهم يومًا بعد يوم. هذه الخطوات تساعد في تسريب الأمل والحبّ والرحمة في القلب شيئًا فشيئًا، وتهيِّئ القلب لاستقبال ما كان يظنُّه صعبًا، أو غير ممكن.
- طلب المساندة من بيئة داعمة: قد تشعر الأُمّ في الفترة الأولى من صدمتها بخبر الحمل إنَّها غير قادرة على الحديث عن الموضوع، وإنَّها ليست مستعدَّة لمشاركة الخبر مع الآخرين، خاصَّة إذا كانت تتوقَّع التعرُّض للوم أو السخرية بشكل أو بآخر. ولكن يمكن تحديد دائرة ولو صغيرة من الأُسرة أو الأصدقاء الداعمين دون شرط أو قيد، والحديث معهم بحرّيَّة أكبر عن المشاعر والمخاوف والتَّحدِّيات التي تدور في رأس الأُم، إذ غالبًا ما يكون تجاوز المحن والأوقات الصعبة ممكنًا ومحتملًا في وجود دائرة مساندة ومحبَّة.
- طلب المساعدة النفسيَّة المتخصِّصة: إذا شعرت الأُمّ بمشاعر غضب قويَّة، تصل بها أحيانا لرفض الطفل، أو رفض تغيُّرات جسمها، أو التفكير في التخلُّص من الطفل، أو من حياتها، أو تجاوز الحزن والصدمة الحدود الصحيَّة ليصل إلى نوبات من القلق أو الهلع أو الاكتئاب،أو يحول بين الأُمّ وآداء مهامّ يومها بشكل طبيعي، فلا بدّ من زيارة متخصِّص نفسي وطلب المساعدة.
ثانيًا: على المستوى الاقتصادي
تقوم كثير من الأُسر باتِّخاذ قرارات تحديد النسل بناء على وضعها وإمكانيَّاتها الاقتصاديَّة، خاصَّة في ظلِّ الظروف العالميَّة الراهنة التي تمرُّ بها معظم الدول من تضخُّمٍ وغلاء للأسعار وصعوبة في المحافظة على مستوى معيشة مرضٍ وآمن يكفل الغذاء والصحَّة والتعليم والترفيه بحدٍّ مقبول للأسرة.
فكيف يمكن التعامل مع خبر الحمل غير المخطَّط له على الأصعدة الماديَّة؟
- تفهُّم أنَّ الخطط وضعت لتتغيَّر: صحيح أنَّ الإنسان يميل لوضع الخطط وهذا الأمر يبعث على الشعور بالأمان والطمأنينة والراحة تجاه المستقبل، إلا أنَّه يجب أن يكون هناك هامش كبير من المرونة، وتقبُّل أنَّ الخطط بشكل عام لا بدّ أن تكون قابلة للتغيير، ولها بدائل، هذه المرونة تساعد على الاتِّزان النفسي بشكل عام، وتقبُّل أكبر للصدمات والتغييرات التي قد تحدث في الحياة لأيِّ سبب، ليس فقط لخطوة مثل طفل جديد وزيادة عدد أفراد الأسرة.
- نظرة مدقِّقة على الوضع الحالي: سيكون على الزوجين اللجوء لجلسة تدقيق ومكاشفة حول وضعهما المادِّي، وتحديد مصادر الدخل وقيمته بدقَّة، مقابل رصد أوجه النفقات والمصاريف اليوميَّة والدوريَّة من أجل إعادة جدولتها وترتيب الأولويَّات بها بعد إضافة ما تحتاجه الأُمّ من رعاية صحيَّة خلال فترة الحمل، مرورًا بفترة الولادة وحتى احتياجات الرضيع في السنوات الأولى، كل هذا سيكون له الأولويَّة في المرحلة القادمة.
- مراجعة الخطط والالتزامات المستقبليَّة: إذا كانت لدى الأسرة التزامات طويلة المدى مثل أقساط معيَّنة، أو مصروفات سنويَّة فلا بد من مراجعتها بدقَّة، والتأكُّد من أنَّ عضو الأسرة الجديد الصغير لن يتأثَّر بهذا الاقتطاع المنتظم من دخل الأسرة.
- التفكير في البدائل والفرص المحتملة: ربما يدفع خبر مثل الحمل غير المخطَّط له الأسرة لاتِّخاذ قرارات مصيريَّة تغيِّر من شكل حياتها بالكامل، مثل اضطرار الزوج أو الأسرة للسفر لتوفير دخل مادِّي أكبر، أو اضطرار الزوجة لترك العمل لإعطاء أسرتها وقتًا واهتمامًا أكبر خاصَّة مع وجود الرضيع، أو تأجيل بعض خطط الاستثمار، أو اللجوء لاستخدام مساعدة منزليَّة تساعد في تدبير وإدارة المنزل وتعاون الأم في مسؤوليَّاتها الجديدة. وغيرها من البدائل التي تؤثِّر على وضع الأسرة المادِّي وقراراتهم الاقتصاديَّة، لذا لا بدّ من التفكير المشترك في هذه الاحتمالات والاستعداد لها مبكّرًا.
- التوفير والتخطيط للادِّخار: إذا كانت الأسرة محدودة أو متوسِّطة الدخل، فهي بعد هذا الخبر في حاجة للتفكير جيِّدًا في التخطيط الجيِّد لنفقاتها، والبحث عن مسارات للتوفير، وخطط للادِّخار والطوارئ في ظلِّ وجود فرد جديد في الأسرة، بكل احتياجاته الصحيَّة والتعليميَّة المستقبليَّة.
لو كانت هناك نصيحة يمكن إعطاؤها للأُمّ واعتبارها الأهمّ والأجدى في هذه المرحلة، فهي أن تستمتع برحلة الأمومة، وأن تتقبَّل محدوديَّة قدرتها على التحكُّم في الخطط والأشياء من حولها، وأن تتأمَّل كيف أنَّه من رحمها ينمو ويكبر إنسان كامل مستقل، وأن تعطي نفسها الأولويَّة القصوى في هذه المرحلة، وأن تضع صحّتها النفسيَّة والجسديَّة على رأس اهتماماتها.