هل يمكن لمواقع التواصل الاجتماعي أن تستبدل استشاري العلاقات الزوجيَّة؟
في السنوات الأخيرة، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي “السوشيال ميديا” تلعب في حياة الأفراد دورًا أكبر من كونها مُجرَّد مساحة لتواصل الأصدقاء أو مشاركة الأخبار والأفكار، وعِوضًا عن ذلك أصبحت صديقًا افتراضيًّا بديلًا، ومُستشارًا نفسيًّا، ومُتخصص علاقات زوجيَّة، وساحةً للصراع وتبادل الآراء الاجتماعيَّة والسياسيَّة وحتَّى الاقتصاديَّة. وأصبح وجود الهواتف الذكيَّة في يد الجميع باختلاف أعمارهم وخلفيَّاتهم الاجتماعيَّة يُتيح للجميع الانفتاح على مساحة افتراضيَّة واحدة، لا يكاد من الممكن فيها تمييز الصواب والخطأ، والرأي الراجح من الرأي الباطل، إلا بصعوبةٍ شديدة.
ما السبب الذي يشجِّع الناس على طلب النصيحة عن طريق السوشيال ميديا؟
- الاختباء وتخفيف المواجهة: الاختباء خلف الشاشات يجعل الاعتراف بالمشكلات وسرد تفاصيلها أمر أقلّ ألمًا، كما أنَّه لا يتطلَّب الكثير من الشجاعة أو التورُّط العاطفي أو المواجهة. لذا قد لا يجد الأفراد مانعًا من مشاركة مُشكلاتهم وتفاصيل حياتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما إذا كانت مشاركتهم بدون اسم – كما تتيح بعض المواقع- مُتخفِّفين من عناء الضغط النفسي والاحتياج للحكي والمشاركة، وباحثين عن أيِّ صدى صوت يُسكِّن آلامهم ويُجيب تساؤلاتهم.
- طلب التأييد: تَزخر مواقع التواصل الاجتماعي بمجموعات أو مجتمعات مُغلقة وفقًا لكثير من الاهتمامات والتفضيلات. لذا عندما يلجأ أحدهم إلى إحدى المجموعات لمُشاركة مُشكلته أو طلب الرأي والنصيحة، فهو في الغالب يطلب رأيًا أو نصيحة مُوجَّهة، تُريح ضميره أو تُعضِّد موقفه، خاصَّة أنَّ المشكلة تُحكَى من وجهة نظر طرف واحد، وسط مجموعة يَسهُل تَوقُّع تَوجُّهاتها وتَفضِيلاتها القيّميَّة والأخلاقيَّة والاجتماعيَّة، وبالتالي يمكن تَوقُّع رأيها أو اقتراحاتها لحلِّ المشكلات.
- عدم الجديَّة: في عدد من الدراسات واستبيانات الرأي لاحظ الباحثون عند سؤال المشاركين عن بعض منشوراتهم على السوشيال ميديا، أنَّهم لم يتعاملوا مع الأمر بجديَّة، وتحدثوا عن الموضوع ببعض الاستخفاف، وهو أمر يعكس الوضع النفسي في الغالب الذي يتعامل به كثير من الذين يطلبون المساعدة إلكترونيًّا، حيث لا تتوفَّر لديهم في الغالب درجات النضج والجديَّة الكافية لطلب المساعدة الحقيقيَّة، وربما يكتفون بتسكين ضمائرهم عن طريق طلبها افتراضيًّا. الأمر نفسه يَنطبق على الذين يُشاركون تعليقاتهم ونصائحهم على المنشورات التي تسأل أو تطلب المساعدة، هي في معظمها أمر غير جدّي، ولم يتم التعامل معه بالعمق والتفكير الكافيان، بقدر كونها وسيلة ترفيه وتسلية إلكترونيَّة.
- عدم النضج: أو عدم إدراك الوزن الحقيقي لمعنى الخصوصيَّة وأهميَّة اختيار الوقت والمكان المناسب لمشاركة تفاصيل البيوت وأسرارها.
ما هي خُطورة طلب الاستشارة والنصيحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟
- الجهل وعدم التخصُّص: الحديث عبر مواقع التواصل الاجتماعي يحمل مجموعة من السمات: أهمّها أنَّه سهل ومجاني و غير مسؤول. لذا فمن السهولة بمكان أن يدلي بدلوه كل متصفِّح عابر يقرأ مشكلات أحد البيوت وأسرارها، غير عابئ بتأثيرها ولا بما تتركه في النفوس أو ما تشجِّع عليه من خطوات وإجراءات. بالإضافة لذلك، فإنَّ الرد من غير المتخصِّصين، كثيرًا ما يحمل نصائح تتَّسم بالجهل والتضليل، لا يقرأها فقط أصحاب المنشور أو المشكلة، ولكنَّها دون وعي ولا ترتيب قد تتراكم في خبرات المُتصفّحين وتترُك آثارها السلبيَّة على أفكارهم ومشاعرهم.
- التخبُّط والارتباك: لا شك أنَّه إذا كان هناك من يمرُّ بمشكلة أو أزمة حقيقيَّة، أو يواجه صراعًا زوجيًّا متكرِّرًا، وتعرَّض إلى سماع مئات بل وربما آلاف الآراء والاقتراحات والأفكار، فإنَّه لن يزداد إلا تردُّدًا وارتباكًا وحيرة، وهو بالتأكيد ما يزيد الأمر صعوبة وتعقيدًا.
- زيادة التحفُّز: لكلِّ علاقة مُعادلتها الخاصَّة التي لا يفهمها ولا يعرفها غير أصحابها. وجود مشكلة زوجي لا يعني أنَّ الحياة بين الزوجين مُستحيلة أو أنَّ أحدهما يكره الآخر. ما يحدث عندما تحكم أطراف خارجيَّة على المشكلة أو يَدلون برأيهم في شخصيَّة الزوج أو الزوجة، أنَّه يتمّ الشحن والتحفيز النفسي المُبالغ فيه، والذي كثيرًا ما يكون أكبر وأبعد ما يكون عن حجم وحقيقة المشكلة المعروضة للنقاش.
- الانفصال عن سياق المشكلة: تُعرض المشكلة على وسائل التواصل الاجتماعي من وجهة نظر طرف واحد، هو كاتبها، وتُكتب مُنفصلة عن السياق والتفاصيل المحيطة. إذ لا يحكي أحد قصَّة حياته، ولا خلفيَّاته الاجتماعيَّة والثقافيَّة والدينيَّة، ولا طبيعة شخصيّته وتفضيلاته، ولا ميِّزات الطرف الآخر والأوقات الطيِّبة معه أو تاريخ العلاقة وتراكُماتها. كلّ هذه التفاصيل شديدة الأهميَّة لمن يقوم بإبداء النصيحة أو التوجيه للحل، لذا فإنَّ آراء المجهولين على المواقع المختلفة، والذين يُجيبون في الغالب على مجهول آخر، لا تَعدو كَونها حديث مُضلّل وله تأثيرات سلبيَّة شديدة الخطورة.
- الاضطراب النفسي: تشير بعض الدراسات المبدئيَّة إلى أنَّ المُتابعة المُستمرَّة للمنشورات السلبيَّة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تشمل المواقف المتطرِّفة من التجارب الأسريَّة مثل أعباء الزواج، أو الأمومة، والسفر أو الهجرة، وغيرها من التجارب التي يَعرف الذين يَخُوضونها وحدهم وجُوهها السلبيَّة والإيجابيَّة، بينما المشاهدون من الخارج ببساطة يجري شحنهم ضدَّ كثير من الأفكار دون أن يروا الصورة الكاملة. هذا التعرُّض السلبي المكثَّف يزيد من مشاعر الغضب والاكتئاب والقلق.
ما هي بدائل طلب المساعدة على مواقع التواصل الاجتماعي؟
- فَهم دوافع طلب المساعدة بهذه الطريقة: لا بد أن يسأل الفرد نفسه عدَّة أسئلة كي يستوضح دوافعه الحقيقيَّة وراء مشاركة سؤاله أو طلبه للنصيحة أو المساعدة عبر السوشيال ميديا، مثل:
- هل أحتاج للمساعدة؟ أم للحكي والفضفضة؟
- هل أعرف شخصًا حقيقيًّا قادرًا على نصحي ومساعدتي أو الاستماع إليّ في هذه المشكلة؟
- هل أشعر بضعف موقفي وأحتاج لمن يساندني ويخبرني أنَّني على حقّ؟
- هل أشعر بالاحتقان والغضب وأريد من يشاركني الموقف المضادّ لزوجي/زوجتي؟
- البحث عن حلول فعَّالة: حلّ المشكلات بين الزوجين يحتاج إلى تواصل حقيقي وممارسة للاستماع الفعَّال، ورغبة من كلا الطرفين في الحلِّ والبناء. لذا لا بد من مشاركة الزوجين بعضهما البعض رحلة البحث عن حلول لمشكلاتهم معًا، عوضًا عن السماح بتدخُّل أطراف خارجيَّة لا تعرف المشكلة ولا أطرافها.
- طلب المشورة من شخص حكيم: هكذا بدأت تاريخيًّا رحلة طلب المشورة والمساعدة عندما تنتهي محاولات الزوجين للوصول لحلٍّ بلا نتيجة، كانا يلجآن إلى شخص حكيم، يعرف الطرفين، ويعرف خلفيَّات كل منهما الاجتماعيَّة والثقافيَّة والدينيَّة، ويستطيع أن يُبدي رأيه وفقًا للصورة الكاملة التي يعرفها عنهم، ويوجِّههم إلى آفاق جديدة في التفكير وخطوات مُمكنة للحلّ.
- احذر الذكاء الإلكتروني: تقوم خوارزميَّات أو Algorithm مواقع التواصل الاجتماعي بعمل حساباتها لتقدير الموضوعات محلّ اهتمام كل شخص ومواضع بحثه المتكرِّرة، وبالتالي تظهر له بشكل أكبر المنشورات التي تتلامس مع القضايا التي يتحدَّث عنها أو يميل للمشاركة حولها والتفاعل معها. هذا الأمر قد يبدو في ظاهره بسيط ومجرَّد قناة للتصفُّح والتسلية وتفريغ الطاقة، ولكنَّه في جوهره يحمل الكثير من التبعات السلبيَّة على مستوى الأفكار والمشاعر والشحن العاطفي، وإعادة تغيير وتوجيه القيم وتشكيل الكثير من القرارات المصيريَّة.
- الاستشارة النفسيَّة المتخصِّصة: إذا كان الإنسان في حاجة حقيقيَّة للمساعدة والاستشارة، فلا بد أن يطلبها من أهلها، وأن يلجأ لاختصاصي ذي علم وخبرة وتخصُّص لطلب المساعدة والتوجيه في مشكلته. المتخصِّص النفسي هو الشخص الذي يملك الأدوات والتكنيكات المناسبة التي تمكِّنه من إرشاد الأفراد للتعرُّف على أنفسهم واستكشاف مشاعرهم وأفكارهم، ومساعدتهم في توجيه سلوكهم للوصول إلى الاستقرار النفسي. وأيضا هو الشخص المعني بتقديم الاستشارة الزواجيَّة والعمل على تعليم الزوجين آليَّات التواصل الفعَّال وحلّ المشكلات.
- الحفاظ على الخصوصيَّة والحدود: لا بد من التفكير جيِّدًا مرَّة واثنتين وثلاث قبل اتِّخاذ قرار المشاركة بالمشكلات الأسريَّة والزوجيَّة الخاصَّة على مواقع التواصل الاجتماعي، يُمكنك أن تطرح على نفسك عدَّة أسئلة قبل المشاركة مثل:
- هل هذا الأمر خاصّ، أو يُمكن مشاركته على الملأ؟
- ما هو ردّ فعل (زوجي/زوجتي) عندما يقرأ هذه المشاركة؟
- هل يمكن أن تؤثِّر هذه المشاركة سلبًا على الاستقرار الأسري والزوجي؟
- هل هناك فائدة حقيقيَّة منتظرة من المشاركة؟
- ما هو السبب الحقيقي أو الدافع وراء هذه المشاركة؟ هل هو التخفُّف من الضغط النفسي والحكي؟ أم طلب النصيحة؟ أم البحث عن التأييد والتشجيع لموقف شخصي ما؟ أو سبب آخر؟
- هل هناك بديل أكثر نفعًا وفائدة من المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي؟