هل توجد إساءات جنسيَّة في إطار الزواج؟
ربما يتساءل البعض إذا كان الزواج بوصفه المؤسَّسة الشرعيَّة التي من خلالها يُقيم الرجل والمرأة علاقتهما الجنسيَّة، ويقضيان حاجتهما ويستمتعان بواحدة من أهمِّ غرائز الحياة، فهل من الممكن أن تشكِّل بعض التصرُّفات والممارسات الجنسيَّة إساءة لأحد الطرفين؟
صحيح أنَّ العلاقة الجنسيَّة في الزواج مسموح فيها بكل شيء تقريبًا، إلا أنَّ هناك بعض الخطوط الحمراء التي يُمكن اعتبارها إساءات ذات طابع جنسي، وهذه الإساءات يؤدِّي تكرارها وتراكمها إلى التأثير على صحَّة العلاقات الزوجيَّة، والشعور بالأمان والثقة بين الزوجين، وهي من أهمِّ ركائز وأسس العلاقات.
تُعَرَّف كلمة الإساءة الجنسيَّة “إساءات جنسيَّة” بأنَّها أي تصرف جنسي يُصدره طرف دون رغبة وقبول الطرف الآخر، أو بشكل يسبِّب له الضرر أو الأذى سواء نفسيًّا أو جسديًّا أو معنويًّا. فما هي أمثلة الإساءات الجنسيَّة داخل الزواج؟ وكيف يمكن التعامل معها وحماية الزواج منها؟
ما هي أشكال الإساءات الجنسيَّة المحتملة داخل الزواج؟
- الإكراه الجنسي: والمقصود به ممارسة العلاقة الجنسيَّة بالإكراه دون رغبة الطرف الآخر، وتُشير بعض الدراسات إلى أنَّ واحدة من بين كل عشر سيِّدات قد أقرَّت بأنَّه جرى اغتصابها أو ممارسة الجنس معها بالإكراه من قِبل زوجها. صحيح أنَّ العلاقة هي حقّ من الحقوق الزوجيَّة الأساسيَّة، ولكن الزواج علاقة شراكة ومحبَّة ومودَّة وسكن، ولا يجوز باسمها أبدًا ممارسة الجنس بالإكراه، وباستخدام العنف، ودون رضا وقبول الطرف الآخر.
يتضمَّن الإكراه الجنسي أيضًا موافقة الزوجة على ممارسة الجنس لشعورها بالخوف أو التهديد من الزوج، أو خضوعها لرغباته فقط خوفًا من نوبات الغضب والشجار العنيف، وامتناعها عن التعبير عن رأيها ورغباتها الحقيقيَّة اتِّقاءً لانفعالات الزوج المُبالغ فيها، والتي قد تَصل إلى الإيذاء البدني والضرب أحيانًا إذا أرادت الامتناع أو التأجيل.
- استخدام الجنس كوسيلة ابتزاز أو ضغط: يُخطئ أحد الأزواج حين يستخدم العلاقة الجنسيَّة كورقة ضغط على الطرف الآخر، من أجل تقديم بعض التنازلات، أو النجاح في أحد المساومات، أو للحصول على موافقة مؤجَّلة، أو عقد اتِّفاق ما. كل هذه الصور التي يتلاعب فيها الزوج أو الزوجة باحتياجات الآخر من أجل تحقيق مكسب ما، يُعدُّ إهانة وإساءة للعلاقة الزوجيَّة، وشكلًا غير سوي من أشكال التواصل. الوجه الآخر لهذا النمط الاستغلالي هو استخدام الجنس كوسيلة للعقاب الزوجيّ بالامتناع عن العلاقة كنوع من العقاب للطرف الآخر. وكلاهما وجهان غير مقبولين في علاقة عمادها المودَّة والرحمة.
- التنمُّر والاعتداء اللفظي: قد يَستخدم أحد الزوجين لغة قاسية مُتنمِّرة، يسخر فيها أو ينتقد شكل الآخر أو عيوب ما في جسمه أو رائحته أو طريقة تصفيف شعره، وقد يَمتدّ الانتقاد اللاذع ليطال قُدراته الجنسيَّة أو تفضيلاته أو مشاعره واحتياجاته التي عبَّر عنها أحدهما للآخر. وأحيانا يتطاول البعض فيُطلِق ألقابًا جنسيَّة مُشينة ومُؤذية على الآخر يناديه بها في الجدِّ والهزل. قد تبدو هذه التفاصيل عاديَّة ومتكرِّرة في السياقات اليوميَّة بين الأزواج، ولكن هذه النوعيَّة من التواصل اللفظي في الحقيقة لا يُمكن اعتبارها مجرَّد حديث عادي، ولكن يمكن تصنيفها ضمن العنف اللفظي والإساءات الجنسيَّة لما تتركه من تأثير سلبي على ثقة الفرد بنفسه، وشعوره بأنَّه محبوب ومرغوب ومقبول لدى الطرف الآخر.
- الإكراه على الممارسات الغريبة: كأن يكون لأحد الزوجين تفضيلات غريبة أو غير مُعتادة في الممارسة الجنسيَّة، وعوضًا عن الحديث عنها والاتِّفاق بشأنها، يقوم طرف بإكراه الآخر أو مفاجأته أو وضعه أمام الأمر الواقع أثناء العلاقة. يتضمَّن هذا استخدام العنف أثناء الممارسة، أو استخدام الألفاظ البذيئة أو الشتائم، أو طلب طلبات غريبة من الطرف الآخر يعرف أنَّه قد لا يفضِّلها، أو عدم التوقُّف عندما يُطلب منه ذلك أثناء العلاقة نتيجة الانزعاج أو الألم.
- عدم الالتزام بشأن قرارات تنظيم النسل: قرار الحمل وإنجاب طفل هو قرار مصيري كبير ولا بد أن يكون قرارًا مشتركًا برضا الزوجين معًا، فلا يجوز أبدًا لأي سبب أن يضع أحدهما الآخر أمام الأمر الواقع من خلال التلاعب بوسائل منع الحمل لتحقيق هدفه رغماً عن الآخر، وتعتبر إساءة كبيرة أن يستغلَّ أحدهما العلاقة الجنسيَّة للإنجاب دون اتِّفاق مسبق إذا كان تأجيل الحمل هو قرارهما، فعلى كلا الطرفين الالتزام التام بالوسيلة المتَّفق عليها وعدم، اتِّخاذ قرار منفرد بدون الحوار والحديث والاتِّفاق بين الزوجين.
ما هي الأسباب وراء الإساءات الجنسيَّة في الزواج؟
- الجهل والمعتقدات الثقافيَّة: يعتقد البعض أنَّ الزواج هو عقد امتلاك لجسد الآخر، وهذا محض جهل. الزواج علاقة مُقدَّسة، تقوم على التفاهم والتراضي والحبّ والرحمة. كل إنسان يملك جسده، وله وحده حقّ القرار فيه، ولا يَحقّ لأي إنسان انتهاك هذه الحُرمة تحت أي مسمَّى دون رضا وتوافق مسبق.
- اختلاف التفضيلات ومستوى الرغبة الجنسيَّة: من الطبيعي أن تكون هناك اختلافات في أوقات ودرجات الرغبة الجنسيَّة بين الزوج والزوجة، وهو أمر تتحكَّم فيه العديد من العوامل الجسديَّة والنفسيَّة والحياتيَّة أيضاً، ومن الطبيعي أيضاً أن يكونا مُختلفين في تفضيلاتهما وذوقهما في الممارسة. هذه الاختلافات قد تولد بعض الغضب والعنف والإحباط لأحد الزوجين، وهو ما يجري التعبير عنه أحيانًا بشكل مزعج أو مُسيء في صورة مثل الإكراه على ممارسة العلاقة، أو إقحام بعض الممارسات الغريبة رغم رفض الطرف الثاني أو حتى ممارسة العلاقة بعنف، وأحيانا بأنانيَّة ودون اهتمام برغبات الآخر.
- اضطرابات الشخصيَّة: قد تكون بعض الإساءات انعكاسًا لبعض المشكلات والأمراض النفسيَّة لدى أحد الزوجين، مثل اضطراب الشخصيَّة النرجسيَّة-وفيه يميل الشخص المضطرب للتركيز على احتياجاته هو فقط واعتبار الآخر مجرَّد جسد للمتعة دون اعتبار لرغباته واحتياجاته، أو اضطراب الشخصيَّة الحديَّة -وفيه عادة ما يكون لدى المريض مشاعر وأفكار مُضطربة حول الجنس والعلاقة بالآخر- وغيرها من الاضطرابات التي قد تؤثِّر على السلوك الجنسي للشخص.
- الغضب وتراكم المشكلات: كثيرًا ما تنعكس المشكلات اليوميَّة بين الزوجين على علاقتهما الجنسيَّة، الأمران ليسا منفصلين ويَصبّ كل منهما في الآخر طوال الوقت. تراكم المشكلات وعدم العمل على حلِّها بهدوء ومن خلال الحوار البنَّاء الصريح يحدِث إحباطًا كبيرًا وفجوة في التواصل بين الزوجين داخل الفراش وخارجه.
- عدم وضع حدود واضحة بين الزوجين: إنَّ وضع الحدود أمر صحِّي شديد الأهميَّة في جميع العلاقات، وليس في الزواج فقط. في بداية العلاقات من المهمّ أن يوضح كل طرف ما المقبول والمُريح بالنسبة له، وما هي خطوطه الحمراء. التأكيد على الحدود يحمي الأزواج من أن يكون أحدهما ضحيَّة لانتهاك وعنف الآخر، ومن التعرُّض المتواصل للتنمُّر على جسده أو شكله أو آدائه الجنسي. كما أنَّه يُشكِّل دائرة حماية حول الشخص من الاعتداء على جسده وقيمه وقراراته وأفكاره، ويُعلن بحسم وبوضوح عن المقبول والمرفوض داخل هذه العلاقة.
- الشعور بالنقص وضعف الثقة بالنفس: بشكل عام فإنَّ إحساس الإنسان بالعجز والنقص وضعف ثقته بنفسه من السهل أن يتحوَّل إلى عنف في الأقوال والأفعال وردود الأفعال. لذا تشير الأبحاث إلى كثير من حالات العنف الزوجي في الأسر التي تحصل فيها المرأة على دخل أكبر من الرجل أو تحتلّ مناصب أعلى منه. كما أنَّه يزداد عندما يشعر الزوج بالتهديد والخطر أو الضغط على ما يُمثِّل قيم الذكورة بالنسبة له.
- التعرُّض لصدمة جنسيَّة في الطفولة: هذا العامل هو من العوامل التي تُشوِّه علاقة الفرد بالجنس، وتجعل أفكاره ومشاعره مُشوَّشة ومُضطربة ناحية العلاقة الجنسيَّة، سواء كان هذا من خلال اعتداء جنسي قد يكون الفرد تعرَّض له في طفولته أو مراهقته، أو شاهده في فترة مبكّرة ولم يكن لديه إطار تفسيري واضح لما رآه. هذه الخبرات المُبكِّرة تُوجِّه التجربة الجنسيَّة بشكل مُرتبك ومُشوَّش، ويُفضَّل الاستعانة بمُتخصِّص نفسي لفَهمها وتَفكيكها والتعامل معها.
كيف يُمكن التعامل مع الإساءات الجنسيَّة الزوجيَّة؟
- الحوار الصريح: بدون خوف أو شعور بالتهديد والخطر، يجب أن تكون هناك مساحة من الأمان والراحة يستطيع فيها الزوجان الحديث بصدق شديد عن مشاعرهما وأفكارهما حول العلاقة، ما يتوقّعه وما يرفضه وما يتمنَّاه، ويعتبر هذا بمثابة وضع حجر أساس لبناء العلاقة.
- تأكيد الحدود: هناك مزيد من الوقت دائما للتأكيد بوضوح وحسم على حدود كل طرف، والمقبول والمرفوض، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ علاقة الزواج تحوي في مضمونها تضحيات متبادلة، ومُربَّعات يتنازل فيها كل طرف من أجل سعادة الآخر، واستقرار الأسرة.
- استشارة متخصِّص: اللُّجوء إلى استشاري العلاقات الزوجيَّة هو طرف خيط شديد الفعاليَّة في حالة أنَّ الزوجين يُريدان الانتقال من مربع الإساءات إلى علاقة صحيَّة وسويَّة ومُرضية لكلٍّ منهما.
- الحصول على دائرة دعم وأمان: قد يعتقد الإنسان أنَّه مجنون أو يبالغ في دور الضحيَّة، حتى يبدأ في تحديد دائرة أمانه ودعمه، ويشاركهم مشاعره وأفكاره، فيبدأ في تقييم الأمر من خارجه، ويستطيع أن يُعيد تَقييم مُشكلته، ليس فقط في ضوء مظلوميَّاته، ولكن في ضوء ما هو مَقبول عمومًا وما هو مرفوض. الحكي هو أحد أهم أدوات التخفُّف، ولكن يجب الحرص جيدًا على اختيار الدائرة التي يجري مشاركتها بهذا النوع شديد الخصوصيَّة من المشكلات.
- التفكير في خيارات الانفصال: بعض الإساءات علينا الاعتراف بأنَّها تقضي على الصحَّة النفسيَّة للفرد، وأنَّ الطلاق أو الانفصال هنا هو طريقة الإنسان في الحفاظ على حياته والدفاع عن نفسه، وهي لا تعتبر رفاهية أبدا.