وفيَّات الأُمّهات عند الولادة؛ الأسباب والحلول
- معدَّلات وفيَّات الأُمّهات عند الولادة
- أسباب وفاة المرأة خلال الولادة
- أسباب وفاة الأُمّ بعد الولادة
- تقارير من مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)
- أهمّ الحلول للحدِّ من وفيَّات الأُمّهات عند الولادة
تتحوَّل فرحة الولادة في أروقة المستشفيات إلى حزنٍ عندما تفقد الأُمّهات أرواحها الثمينة بصورة مأساويَّة، إذ إنَّ وفاة الأُمّ بعد الولادة أو خلالها ليست مجرد إحصاءات باردة في كتب الطبّ، بل هي حكايات مؤلمة لا تُفارق ذكراها قلوب العائلة والمُحبّين. ورغم التقدُّم العلمي وتطوُّر أوجه الرعاية الصحيَّة لدرجة مُذهلة، إلا إنَّ وفاة الأُمّهات في الولادة أو بعدها ما زالت تُشكِّل تحدِّيًا يتطلَّب فهمًا عميقًا، ومن ثمَّ فهذه دعوة لنستكشف معًا أسباب هذه الوفيَّات وكيفيَّة الوقاية منها.
معدَّلات وفيَّات الأُمّهات عند الولادة
تُشير تقديرات نشرتها وكالات تابعة للأمم المتَّحدة في تقريرٍ في فبراير 2023 إلى أنَّ معدَّلات وفيَّات الأُمّهات أثناء الحمل أو الولادة قد بلغ حالة كل دقيقتين.
وقد كشف التقرير ذاته عن وجود تراجع ملحوظ في صحَّة المرأة بصفةٍ عامة في الآونة الأخيرة، ممَّا يعني أن تجربة الحمل ما تزال تجربة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للكثيرات حول العالم.
ويوضح التقرير أيضًا، أنَّ عدد وفيَّات الأُمّهات في الفترة بين عام 2000 وحتى 2020 بلغت نحو 287 ألف حالة حول العالم، بينما كانت 309 ألف حالة في 2016 ممَّا يُلقي الضوء على التعثُّر الحادث في الفترة بين عام 2000 و2015 في مستويات الرعاية الصحيَّة.
وقد ألقت الأرقام الصادمة بظلالها على واقع وفيَّات الأُمّهات، إذ أوضحت أنَّ هذه المآسي القاتلة لا تزال متمركزة في الأجزاء الأكثر فقرًا في العالم والبلدان المنكوبة بالصراعات العنيفة، ففي عام 2020 شكَّلت إفريقيا -على سبيل المثال- نحو 70٪ من إجمالي وفيَّات الأُمّهات.
كما تجاوزت معدَّلات وفيَّات الأُمّهات المعدَّل العالمي إلى ما يقارب الضعف أو أكثر في تسعة بلدان أخرى تعاني من أزمات إنسانيَّة مدمِّرة، إذ وصل عددهن إلى 551 حالة وفاة لكل 100 ألف مولود حيّ، بينما يبلغ المعدَّل العالمي 223 حالة فقط.
أولًا: أسباب وفاة المرأة خلال الولادة
تُعدُّ مرحلتيّ الحمل والولادة مراحل فيسيولوجيَّة وطبيعيَّة تمامًا يمكن لأي سيِّدة متزوِّجة أن تمرَّ بهما ولا تُعدُّ حالات طبيَّة طارئة أو مرضًا يحتاج إلى العلاج، لكن كل ذلك لا ينفي احتماليَّة تحوُّل إحدى المرحلتين أو كلتيهما فجأة إلى حالة حرجة تتطلَّب التدخُّل الطبِّي السريع والعاجل للنجاة بالأم، وكلَّما كان التدخُّل مبكِّرًا زادت فرصة إنقاذ حياتها، وقلَّت احتماليَّة الوفاة خلال الولادة.
وإنّنا إن تحدَّثنا عن الوفاة خلال الولادة، فإنَّنا نتحدَّث عن الحامل التي لا تعاني من أي مشكلات صحيَّة قبل فترة الحمل أو خلالها، ومن أبرز الأسباب التي تؤدِّي إلى الوفاة خلال الولادة ما يلي:
1. النزيف الشديد الذي قد يحدث بسبب:
- انفصال المشيمة المبكِّر (Abruptio placenta)، إذ تنفصل عن جدار الرَّحم قبل ولادة الجنين مسبِّبةً نزيفًا حادًّا يهدِّد حياة الأُمّ والجنين معًا.
- المشيمة المُحتبسة (Retained placenta)، ويُقصد بها عدم خروج المشيمة في غضون ثلاثين دقيقة بعد الولادة.
- انقلاب الرحم، وهي حالة تحدث جرّاء الارتخاء غير الطبيعي للرَّحم، إذ ينزلق قاعه ليصل إلى منطقة عنق الرَّحم وقد يتجاوزها إلى المهبل.
2. تمزُّق الرَّحم الناجم عن:
- وجود نُدبة في جدار الرّحم إثر جراحة سابقة.
- تقلُّصات عضلات الرَّحم القويَّة خلال المخاض.
- عدم اتِّساق حجم الجنين ووضعه مع حجم الحوض.
- عدم توفُّر الرعاية الطبيَّة اللازمة لمساعدة الحامل في المخاض أو طول مدّته.
- تناول أدوية تحفيز المخاض دون مراجعة الطبيب أو الإفراط في تناولها.
3. تمزُّق المهبل
4. إصابة أحد الساقين أو كليهما بجلطة وانتقالها إلى الرئة خلال الولادة.
5. تسرُّب جزء من السائل الأمنيوسي الذي يُحيط بالجنين إلى دم الأُمّ مكونًا صمَّامة تسبِّب انسداد الأوعية الدمويَّة ثم انتقالها إلى رئتي الأم.
وهي حالة تُعرف علميًّا باسم (صمَّامة السائل الأمنيوسي أو انصمام السائل السلوي – Amniotic fluid embolism).
6. الصدمة التحسُّسيَّة ضدّ أي نوع من الأدوية المُستعمَلة خلال المخاض (shock).
ثانيًا: أسباب وفاة الأُمّ بعد الولادة
تفرح الأُمّ بمولودها الذي أصبح بين يديها لدرجة أنَّه قد يُنسيها أهميَّة عنايتها بنفسها خلال فترة النفاس والتعافي من الولادة، لذا بدورنا في مودَّة نوضح أبرز أسباب وفاة الأُمّ بعد الولادة، وهي:
- قلَّة الوعي التي تأتي على رأس قائمة تلك الأسباب، لكون الوعي بالفرق بين الآلام الطبيعيَّة بعد الولادة مثل تلك التي تحدث في منطقة العجَّان أو انقباضات الرَّحم البسيطة، وبين أعراض مضاعفات ما بعد الولادة التي تتطلَّب التدخُّل الطبِّي.
- الفقر؛ إذ تُشير الإحصائيات إلى أنَّ نحو 40% من الأُمّهات لا يزُرن المستشفى أو الطبيب المُتابع لحملهن بعد الولادة، نظرًا لعدم قدرتهن على تحمُّل تكاليف هذه المتابعات، ومن ثم لا تملك من المعلومات والتوجيهات الصحيحة ما يمكِّنها من ملاحظة مضاعفات ما بعد الولادة، وطلب الرعاية الطبيَّة العاجلة.
صدرت تقارير من مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) في الفترة بين العامين 2011 و 2014 توضح عددًا من المضاعفات التي قد تسبِّب الوفاة بعد الولادة، ومن أهمِّها:
1. الإصابة بالعدوى جرّاء سوء الخدمات الطبيَّة أو إهمال التعقيم، مَّما قد يسبِّب الإصابة بالتسمُّم الدموي ومن ثمَّ الوفاة، ومن أهمِّ أعراض العدوى بعد الولادة:
- ارتفاع حرارة الجسم إلى 38 درجة سيليزيَّة واستمرارها لمدَّة 48 ساعة دون انخفاض.
- خروج إفرازات مهبليَّة كريهة الرائحة.
- آلام غير مُحتملة في البطن والحوض.
2. النزيف الشديد بعد الولادة، ونقصد هنا نزيف فترة النفاس الذي يكون غزيرًا على عكس طبيعته.
يستمرُّ دم النفاس لفترة ما بين أسبوعين إلى ستَّة أسابيع بعد الولادة، بحيث ينخفض مُعدَّل نزوله وكميّته تدريجيًّا خلال هذه الفترة، لكن النزيف الشديد قد يكون دليلًا على احتباس المشيمة أو التهاب بطانة الرَّحم.
وهناك من العوامل ما يزيد فُرصة ظهور هذه المضاعفات كأن تكون الأُمّ مصابة بأحد الأمراض المزمنة التالية:
- أمراض القلب والأوعية الدمويَّة.
- ارتفاع ضغط الدم.
- السمنة المُفرطة.
- السُكَّري.
لماذا لا تتلقَّى الأُمّهات الرعاية الصحيَّة الكافية عند الولادة؟
لا تقتصر أسباب وفيَّات الأُمّهات عند الولادة؛ الأسباب والحلول عند الولادة؛ الأسباب والحلول على إصابتهن بالأمراض المزمنة، فكما أشرنا سلفًا، فإنَّ معدَّلات الوفيَّات عند الولادة لم تُفرّق بين الأُمّ السليمة والتي تعاني من مشكلات صحيَّة من شأنها أن تودي بحياتها، ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب التي تحول دون تلقِّي تلك الأُمّهات القدر الكافي من الرعاية الصحيَّة، ومنها:
- تواجدهن في مجتمعات أو بيئات نائية حيث ضعف الدخول، وتفشِّي الأميَّة، والافتقار إلى مراكز الرعاية الصحيَّة المُجَهّزَة.
- التفرقة بين الرجال والنساء في بعض المجتمعات، فلا تحظى الأُمّهات بأولويَّة رعايتها صحيًّا، وقد يرى البعض أن لا حقَّ لهن في الرعاية أصلًا.
- إخفاق النظام الطبِّي بصورة عامَّة، وهذا قد يتضمَّن:
- وجود عجز في أعداد القائمين على تقديم الرعاية الصحيَّة، أو عدم حصولهم على التدريب الكافي.
- نقص الإمدادات الطبيَّة.
- غياب الاستقرار كما هو الحال في الحروب وظروف النزوح والتهجير القسري للمدنيِّين، أو الكوارث الطبيعيَّة وغيرها، ممَّا يزعزع استقرار النظام الصحِّي بأكمله.
أهمّ الحلول للحدِّ من وفيَّات الأُمّهات عند الولادة؛ الأسباب والحلول عند الولادة
نتَّفق جميعًا على أنَّ الوقاية خير من العلاج، وعلاج أي مشكلة من جذورها يتطلَّب أولًا زيادة الوعي بأسبابها، ولا سيما الوعي بأهميَّة تقليلوفيَّات الأُمّهات عند الولادة؛ الأسباب والحلول أثناء الولادة أو بعدها، ممَّا يتطلَّب اتِّخاذ مجموعة من الإجراءات الوقائيَّة والحلول المتعدِّدة لتحسين مستوى الرعاية الصحيَّة التي يتلقُّونها، ومن ثمّ نذكر فيما يلي بعض الحلول الرئيسة التي تساهم في حلِّ تلك المشكلة، وهي:
- تكاتف كافة المنظَّمات والهيئات المعنيَّة لتوفير الرعاية الصحيَّة الشاملة وإتاحتها لجميع النساء خلال فترة الحمل والولادة وبعدها، ويتضمَّن ذلك تسهيل وصول الخدمات الأساسيَّة، بما فيها الرعاية الصحيَّة والتغذية السليمة والرعاية النفسيَّة للأمّ والطفل.
- زيادة الوعي والتثقيف الصحِّي للنساء وأسرهن حول أهميَّة الرعاية الصحيَّة خلال فترة الحمل والولادة والتعافي من الولادة، على أن يكون ذلك بلُغة بسيطة ومناسبة لثقافة كل مجتمع على حدى.
- تكثيف الجهود لتدريب وتأهيل الكوادر الصحيَّة المعنيَّة على الممارسات السليمة وطرق التشخيص المبكِّر للمشاكل الصحيَّة المحتملة خلال الحمل والولادة، وإدارة حالات الطوارئ المحتملة.
- زيادة الوعي حول أهميَّة الالتزام بمتابعات الحمل والمراقبة الجيدة للحالة الصحيَّة خلال هذه الفترة.
- التركيز على التشخيص المبكِّر، والتدخُّل الفعال لإدارة المشكلات الصحيَّة المحتملة خلال فترة الحمل والولادة؛ مثل ارتفاع ضغط الدم، واضطرابات التنفُّس، والنزيف الحادّ.
- العمل على تعزيز تمكين المرأة، وتعزيز دورها في اتِّخاذ القرارات المتعلِّقة بصحّتها وصحّة طفلها، وتعزيز حقوق النساء والمساواة بين الجنسين.
- تعزيز وتحسين البنية التحتيَّة الصحيَّة، بما في ذلك توفير المعدَّات الحديثة، والتجهيزات والمستلزمات الطبيَّة اللازمة لتقديم الرعاية الصحيَّة الآمنة والفعَّالة.
- الاستثمار في البحث العلمي والتقييم المستمرَّ للبرامج والسياسات الصحيَّة المتعلِّقة بالأمومة والولادة، واستخدام النتائج لتحسين الممارسات واتِّخاذ القرارات المستنيرة.
في النهاية، لا بد أن نعرف أنَّ تنفيذ هذه الحلول يجب أن يتمّ بشكل متكامل مع التركيز على العوامل الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة التي تؤثِّر على صحَّة الأُمّهات، ومن ثمّ تحقيق تحسُّن كبير في الرعاية الصحيَّة للحوامل، وتقليل وفيَّات الأُمّهات عند الولادة.