بين اليأس والأمل.. هل يستطيع مصابو متلازمة داون الزَّواج والإنجاب؟
متلازمة داون هي اضطراب وراثي يحدث نتيجة خلل في انقسام الخلايا، الأمر الذي يتسبَّب في إنتاج نسخة إضافيَّة من الكروموسوم رقم 21، وعلى إثر ذلك يظهر أصحاب هذه المتلازمة بصورتهم المعروفة؛ الملامح المنغوليَّة، والإعاقة الذهنيَّة، وغيرها من التبعات التي تضع الآباء والأمَّهات في حيرة، وتفتح الباب للتساؤلات التي لا حصر لها .. هل يستطيع مصاب متلازمة داون الزَّواج والإنجاب؟ هل ينجب طفلًا طبيعيًا أم يورّث المتلازمة لأبنائه؟ .. كل هذه الأسئلة وأكثر نجيب عنها في مقالنا، فتابعوا القراءة بعناية.
قصص ملهمة تجيب عن التّساؤل: هل يستطيع مصاب متلازمة داون الزَّواج والإنجاب؟
“صادر عيسى” طبيب سوري ذاع صيته واشتهر بين الناس بعد أن نشر صورته مع والده على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، لكنَّها لم تكن صورة عاديَّة؛ فقد لاقت تفاعلًا وإقبالًا من الملايين حول العالم لكون الأب “جاد عيسى” مصابًا بمتلازمة داون!
أيضًا “سعيد” ذاك الطفل الذي كان يكبر يومًا بعد يوم، فخشي عليه أبوه أن يصبح وحيدًا بعد وفاته ولا يجد من يساعده؛ فقرَّر أن يزوّجه، ومن هنا كان لسعيد نصيب من اسمه، إذ صار له خمسة أبناء طبيعيّين، ثمَّ توالت السنون ليصير جدًّا!
هذه القصص المذكورة وغيرها تجيب عن السؤال الرائج حول قدرة أصحاب متلازمة داون على الزَّواج والإنجاب بنعم، لكن هذا لا ينفي وجود أنواع ودرجات مختلفة من المتلازمة على إثرها قد يكون هناك تباين فردي بين المصابين بها من حيث درجة الإدراك، أو الاضطراب الذهني، ومدى الاستيعاب.
وبالتزامن مع تطوُّر الأساليب العلميَّة والتربويَّة في فهم حالات المتلازمة، أصبحت التوعية المبكِّرة أمرًا ممكنًا، وتؤتي ثمارها بمرور الوقت.
من الطفولة إلى البلوغ، ما مدى تطوُّر أصحاب متلازمة داون جسديًّا وعاطفيًّا؟
في الحقيقة، يمرُّ الأطفال المصابون بمتلازمة داون من نفس تسلسل التغيُّرات الجسديَّة والهرمونيَّة المرتبطة بالبلوغ، كما يمرُّ بها أقرانهم الطبيعيُّون في المرحلة العمريَّة نفسها، وتمامًا هو الحال مع الرغبات الجنسيَّة.
قد تتأخَّر بداية البلوغ عند الذكور قليلاً مقارنةً بالإناث، لكن هذا لا يؤثِّر على الأعضاء التناسليَّة، إذ إنَّها لم تختلف عن نظيرتها في الأطفال الطبيعيّين من الناحية التشريحيَّة، وفقًا لما أشار إليه المتخصِّصون في هذا الصدد، وذلك في إطار مراعاة الفروق الفرديَّة.
وبرغم التطوُّر الجسدي، غالبًا ما يكون هناك تأخُّر بدرجةٍ ما في تطور النضج الاجتماعي، ومدى ضبط النفس، والتواصل مع الآخرين، والتفكير المجرَّد، والقدرة على العصف الذهني وحلّ المشكلات.
أمَّا عن الجانب العاطفي في المراهقين المصابين بمتلازمة داون، فلا داعي للتعجُّب والاندهاش إذا رأيت ابنك أو ابنتك يحاول التعبير بطريقته عن مشاعره تجاه من حوله، كما يمكنك توقُّع ظهور اضطرابات المزاج وتغيُّرات السلوك تعبيرًا عن المشاعر المختلطة في هذه المرحلة.
ما هو متوسّط مستوى الخصوبة لدى المصاب بمتلازمة داون؟
بالنسبة للذكور المصابين بمتلازمة داون:
كان الأصل في هذا الأمر قديمًا، أنَّ المصاب بهذه المتلازمة عقيم، لكن في ظلِّ التطوُّر العلمي وبرغم أنَّ المعلومات العلميَّة في هذا الصدد ما تزال محدودة، أوضحت كثير من الأبحاث والدراسات التي أجريت حول فحوصات السائل المنوي لحالات دوان، أنَّ الفكرة في متوسّط درجة الخصوبة التي يتمتَّع بها أصحاب متلامة داون من الذكور؛ إذ وُجِد أنَّه ضعيف إذا قورن بمن هم في أعمار مماثلة، ما يؤكِّد أنَّ احتمال الإنجاب موجود ولو بنسبة ضئيلة.
أمَّا عن إناث متلازمة داون:
فيتمتَّعن بمستوى خصوبة وقدرة على الإنجاب أعلى بكثير منه في الذكور، إذ يصل إلى ما يقارب 50%، ومنهنَّ من حملت بالفعل وأتمَّت فترة الحمل، لكن هناك عدد لابأس به قد وضعن أطفالًا خُدّج (الأطفال الذين يولدون قبل الأسبوع السابع والثلاثين من الحمل، وغالبًا تكون الولادة في الفترة بين 32 – 36 أسبوعًا من عمر الحمل، ومن ثم يواجهون تحديات كثيرة حال خروجهم إلى الدنيا قبل الأوان).
نعم، المصابات بمتلازمة داون يتعرَّضن للحيض شهريًّا!
بمجرَّد الوصول إلى مرحلة البلوغ، أي في سن 10-14 عامًا تقريبًا، تخوض المصابات بمتلازمة داون تجربة الدورة الشهريَّة، تمامًا كما هو الحال مع الفتيات العاديات، وغالبًا ما تكون دورة الطمث منتظمة.
هل يمكن للنِّساء المصابات بمتلازمة داون الحمل بنفس معدَّل الطبيعيَّات إذا رغبن في ذلك؟
لا، إذ إنَّ معدَّل الخصوبة لدى النساء المصابات بمتلازمة داون يتراوح بين 15-30% إذ ما قورنَّ بالطبيعيَّات، وصحيح أنَّ هذا لا يعني استحالة الحمل، لكن حدوثه يكون أقل احتمالًا.
هل يمكن للمرأة المصابة بمتلازمة داون أن تحمل وتلد بأمان؟
إنَّ النساء الحوامل المصابات بمتلازمة داون معرَّضات بشكل كبير لخطر الإجهاض، وتبلغ نسبة حدوثه نحو 50% من إجمالي حالات داون الحوامل.
ويرجع ارتفاع معدَّلات الإجهاض في المصابات بمتلازمة دون غالبًا إلى معاناتهن من المضاعفات الناجمة عن الإصابة بالمتلازمة والتي قد تعيق الحمل الناجح والصحِّي، ومنها:
- عيوب القلب الخلقيَّة التي يولد بها نصف المصابين بالمتلازمة تقريبًا.
- عيوب الجهاز الهضمي التي يعانون على إثرها حرقة المعدة وارتجاع المريء، وقد يصل الأمر إلى حدوث انسداد في القناة الهضميَّة.
- اختلال وظيفة الجهاز المناعي، الأمر الذي يجعلهن أكثر عرضة للإصابة بأمراض المناعة الذاتيَّة.
- الإصابة بما يعرف بانقطاع النفس الانسدادي النومي، وهي حالة يتوقف فيها النفس للحظات في أثناء النوم.
هل تستطيع المرأة المصابة بمتلازمة داون أن تلد طفلًا غير مصاب بنفس المتلازمة؟
تعتمد الإجابة عن هذا التساؤل على نوع متلازمة داون، وهناك عدَّة احتمالات في الأمر من الناحية النظريَّة:
- إذا حملت المرأة المصابة بالتثلُّث الصبغي 21 -أحد أنواع المتلازمة-، وكان الأب سليمًا، فهناك احتمال بنسبة 50٪ ألا يرث الطفل المتلازمة، أمَّا إذ كانت مصابة بمتلازمة داون من نوع التبدُّل الصبغي (translocation down) فقد تكون الاحتمالات مختلفة.
- إذا كان الأب هو المصاب بالمتلازمة، فإنَّ احتمال توريثها للأبناء أيضًا يصل إلى 50%.
- إذا كان الزوج والزوجة من ذوي متلازمة داون فإنَّ الاحتمال يزيد، لكن يصعب تحديده على نحوٍ دقيق لندرة مثل هذه الحالات.
والجدير بالذكر، أنَّ البيانات المتوفِّرة حول عدد مرَّات الحمل الناجح لدى النساء المصابات بمتلازمة داون، ما تزال قليلة ومحدودة للغاية.
ماذا عن موانع الحمل؟ هل يمكن استخدامها لصاحبات متلازمة داون؟ وما هي الأنواع المناسبة لهن؟
يمكن للمتزوِّجة المصابة بمتلازمة داون، أن تستعين بطبيب النساء والتوليد ليقيِّم حالتها تقييمًا شاملًا، ومن ثمَّ يحدِّد نوع مانع الحمل المناسب لها، كما يمكن استشارته أيضًا حول وسائل منع الحمل الدائمة لمعرفة مدى ملاءمتها ومخاطرها المحتملة، مثل استئصال قناتي فالوب أو ربطهما.
دور المؤسَّسات المجتمعيَّة في توعية مصابي متلازمة داون بصحّتهم الجنسيَّة ومسؤوليَّات الزوج، وتقبُّل والديهم لذلك
لا بد للمؤسَّسات المجتمعيَّة المعنيَّة ألا تتخلَّى عن دورها الأساسي في توعية مصابي متلازمة داون بالجوانب الجنسيَّة والعاطفيَّة من حياتهم، ويتضمَّن هذا الدور:
- توفير معلومات واضحة في هذا الصدد والتي يجب أن تشمل المفاهيم الخاصَّة بالتنمُّر، وسلامة الجسم، والحقوق الجنسيَّة.
- تقديم برامج التدريب والتأهيل لمساعدتهم في فهم الأبعاد المختلفة للصحَّة الجنسيَّة وكذلك مسؤوليَّة البيت والأسرة، على أن تتضمَّن مهارات التواصل والتعبير عن الرغبات، والإلمام بالحدود الشخصيَّة، وتعلُّم طرق الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًّا.
- الدعم النفسي وتقديم المشورة لأصحاب المتلازمة وذويهم وإعانتهم على الوصول إلى كل ما يمكن أن يحسِّن من جودة حياة المصاب.
- التوجيه والدعم في اتِّخاذ القرارات في إطار من التوازن، ومساعدتهم في فهم الخيارات المتاحة لهم، وتقدير العواقب المحتملة لقرار ضخم كالزَّواج.
وفي النهاية، لا نغفل ضرورة توعية عموم الناس بأهميَّة احترام حقوق المختلفين عنهم، ومعاملتهم باحترامهم، لأنَّهم جزء لا ينفك المجتمع.
