بين النشوة والكارثة | عقار GHB وتأثيره على الصحَّة الجنسيَّة

أصدرت هيئة الغذاء والدواء الأمريكيَّة (FDA)، عام ،1990 إعلانًا يوضح أنَّ استخدام عقار GHB يعدّ غير آمن ولا قانوني، إلا إذ استُعمل في إطار البروتوكولات الطبيَّة والصحيَّة المعتمدة من المنظَّمة ذاتها، والتي يُشرف عليها لفيف من الأطباء والمتخصّصين.

وبعد مرور عشر سنوات على إعلان هيئة الغذاء والدواء الأمريكيَّة -تحديدًا في مارس عام 2000- أُدرج دواء GHB ضمن الجدول الأوَّل من قانون المواد الدوائيَّة الخاضعة للرقابة ولا تُصرف إلا بشروط معيَّنة.

تُرى ما هو عقار GHB؟ وما مدى تأثيره على الصحَّة الجنسيَّة؟ وهل يهدِّد صحَّة الإنسان بصورة عامَّة؟ .. نجيب عن هذه الأسئلة وأكثر خلال سطور مقال اليوم، فتابع قراءته بعناية.

لمحة عن عقار GHB وتاريخه

عقار GHB هو عقار يندرج تحت بند الأدوية النفسيَّة لما له من تأثير مهدِّئ يعمل على استرخاء الجسم ويشعر متعاطيه بشيء من الانتشاء، وربما هذا ما جعل البعض يتناوله كمنشط جنسي بهدف الوصول إلى شعور السعادة الزائف، إذ يسكن الألم وتزداد بتناوله الرغبة الجنسيَّة، لكنهم لا يدركون مدى خطورة هذا العقار.

ترمز الأحرف الإنجليزيَّة الثلاثة المذكورة إلى مادَّة العقار الفعَّالة، وهي جاما هيدروكسي بيوتيريت (Gamma hydroxybutyrate)، والذي بدأت حكايته عندما اكتشف أحد العلماء الروس عام 1874 وجود مادَّة (GHB) بصورة طبيعيَّة في الجسم وبتركيز البحث وجد مسؤولة عن تثبيط نشاط الجهاز العصبي في أثناء النوم لنتمكَّن من النوم بعمق، ثم أجرى الباحث الفرنسي (هنري لابوريت) عام 1960 بحثًا موسَّعة حول تأثير هذه المادَّة على النواقل العصبيَّة في الجسم، فوجد أنها تلعب دورًا في تنشيط آليَّة تسكين الألم في الجسم، كما إنَّها تساهم في رفع مستويات هرمون النموّ خلال النوم ليلًا. 

مقالات ذات صلة

حالات مُصرَّح لها باستخدام عقار GHB  

لا يستخدم عقار GHB إلا في إطار الإشراف الطبِّي المتخصَّص والخبير في التعامل مع مثل هذه الأدوية الخطيرة، ومن الحالات التي يوصف لها دواء GHB بجرعات مقنَّنة ما يلي:

  • تخدير المرضى المقبلين على العمليَّات الجراحيَّة في المستشفيات.
  • علاج حالات الإدمان على الكحول أو غيره من المخدَّرات في بعض مراكز علاج الإدمان، والتي تعتمد بروتوكولاتها على الأدوية الاستبداليَّة للتخفيف من أعراض الانسحاب والتحكُّم بها، بالإضافة إلى الحدِّ من احتماليَّة الانتكاس بعد العلاج. 
  • مساعدة مصابي داء النوم القهري (مرض يعاني أصحابه عدَّة أعراض على رأسها الشعور المستمر بالثِقَل والنعاس في النهار، وضعف العضلات وصعوبة التحكُّم بها) في النوم بعمق ليلًا، ومن ثم التخفيف من شعور النعاس نهارًا.

ورغم فوائده التي ذكرناها للتو، يعدّ تناول عقار GHB دون وصفة طبيَّة أمرًا محفوفًا بالمخاطر إذا تناوله أحد الأشخاص دون وصفة طبيَّة، وهي ما نسلِّط عليه الضوء في السطور القادمة.

الآثار الجانبيَّة ومخاطر استخدام دواء GHB أكثر من فوائده!

إذا قرَّر أحد الأشخاص تناول عقار GHB -مستهينًا بأهميَّة مراجعة الطبيب في هذا الصدد- بهدف تسكين آلامه التي لا يعرف لها سببًا، أو على سبيل زيادة الدافع الجنسي واهمًا نفسه بالوصول إلى النشوة، فهو بذلك يلقي بنفسه في هوّةٍ سحيقة من المضاعفات التي من شأنها أن تهدِّد حياته، ومنها:

  • الصداع الشديد.
  • الغثيان والقيء.
  • اضطراب معدَّل ضربات القلب.
  • نوبات التشنُّجات (الصرع).
  • فقدان الذاكرة، فضلًا عن الهلوسة السمعيَّة والبصريَّة.
  • فرط التعرُّق، والدوخة التي تنتهي بفقدان الوعي.

كما يمكن أن يتحوَّل من يتناول عقار GHB بصورة متكرِّرة إلى مدمن، والذي إن قرَّر التوقُّف عن تناوله فجأه دخل في صراع مع أعراض الانسحاب، مثل:

  • الأرق، واضطرابات النوم.
  • الرعشة، والتعرُّق.
  • زيادة معدَّل ضربات القلب.
  • اضطراب ضغط الدم.
  • تشوُّش الأفكار.

بالإضافة إلى ما سبق، قد يؤدِّي تناول العقار مع أحد أنواع المهدِّئات الأخرى أو المنوِّمات (مثل الباربيتورات أو البنزوديازيبينات) والأدوية الأخرى التي لها مفعول مثبط للجهاز العصبي المركزي إلى الغثيان والقيء، والإصابة بمشكلات خطيرة في الجهاز العصبي المركزي والاختناق.

ويسبِّب تناول دواء GHB بجرعات غير محسوبة إلى الدخول في غيبوبة، الأمر الذي ترتفع معه احتمالات الوفاة؛ وذلك لأنَّ اكتشاف السبب وراء دخول المريض في غيبوبة قد يكون صعبًا في أحيانٍ كثيرة لقِصَر مدَّة خروج الدواء من الجسم.ول في غيبوبة، الأمر الذي ترتفع معه احتمالات الوفاة؛ وذلك لأن اكتشاف السبب وراء دخول المريض في غيبوبة قد يكون صعبًا في أحيانٍ كثيرة لقِصَر مدة خروج الدواء من الجسم.

العلاقة بين عقار GHB وجرائم الاغتصاب

هل تخيَّلت يومًا أن يشتري أحدهم دواءً رغبةً في مخاطره لا أملًا في علاج مشكلة ما؟ .. رغم أنَّ السؤال مثير للتعجُّب والاستغراب، فهذا تمامًا ما يفعله ذوو النفوس المريضة.

لنرجع بالزمن مرَّة أخرى إلى عام 2000، بعدما حظرت هيئة الغذاء والدواء الأمريكيَّة (FDA) تصنيع عقار (GHB) وكذلك شراءه إلا من خلال الجهات المسؤولة -للأسف- استمرَّ إنتاج العقار المذكور بطرق وفي أماكن غير معترف بها قانونيًّا لبيعه، الأمر الذي يمثِّل كارثةً فوق الكارثة، إذ يُخلط بملوِّثات أخرى تُضاعف مستوى سُمّيته، وفي إثر ذلك ارتفعت معدَّلات تداول العقار بين الشباب والفتيات في مرحلة المراهقة خاصَّةً في أوروبا وأمريكا، ما فسَّر تسميته فيما بعد بعقار “النوادي”.

يستغلُّ معدومو الضمير والأخلاق صفة الدواء في كونه عديم اللون والرائحة، ما يسهّل فكرة دمجه مع أي مشروب وتقديمه لضحيته التي تفقد وعيها في غضون دقائق معدودة من تناول المشروب فيتمكَّن من الاعتداء عليها دون مقاومة، علاوةً على أنها لن تتذكَّر شيئًا ممَّا حدث لها بعدما تفيق، ومن هنا جاءت تسمية الدواء بعقار “الاغتصاب” لكثرة ارتباطه بهذا النوع من الحوادث.

كيف أتصرَّف إذا شككت أنَّني أتناول مشروبًا به مادة مخدِّرة؟

إذا شككت أنكِ تتناولين مشروبًا به مادة مخدِّرة، فإليك بعض الخطوات المهمَّة التي ينبغي اتباعها:

  • توقَّفي عن تناول المشروب على الفور: إذا لاحظت أي أعراض غير طبيعيَّة.
  • لا تضيعي الوقت واتَّصلي فورًا برقم الطوارئ أو توجَّهي إلى أقرب مستشفى أو مركز طبّي، ولا تنسي أنَّ عقاقير الاغتصاب بصورة عامَّة تغادر الجسم في غضون ساعات معدودة.
  •  اتَّصلي بالشرطة لبدء إجراءات التحقيق وضبط المتورّطين في هذه الفعلة في أسرع وقت.
  • احتفظي بأي أدلَّة -إذا أمكن- سواء المشروب أو غيره ممَّا قد يساعد في التحقيق.
  • لا تخجلي من طلب الدعم النفسي بعد هذه التجربة الثقيلة على النفس، أو طلب الاستشارة الطبيَّة إذا لزم الأمر.

نصائح تساعدكِ في حماية نفسك من الخطر

في ظلِّ كثرة الأخبار المتعلِّقة بحوادث الاعتداءات الجنسيَّة، إليكِ أهمّ الإجراءات الاحترازيَّة التي تساعدكِ في النجاة بنفسك من أي موقف مُريب، وهي:

  • لا تخرجي بمفردكِ، خصوصًا في الليل أو في أماكن نائية ومعزولة. حاولي دائمًا الخروج مع من تثقين بهم، ولا تخرجي مع غُرباء.
  • اختاري مشروباتكِ بنفسك خاصةً في التجمُّعات أو الحفلات المكتظَّة بالغرباء، ولا تقبلي مشروبات ممَّن لا تعرفينهم.
  • إذا كنتِ تتناولين أي أدوية، فاحمليها معكِ ولا تسمحي لأحد بتوفيرها لك. 
  • كوني يقظة وعلى درايَة بما يدور حولكِ، ولا تذهبي أبدًا مع أي شخص لا تعرفينه إلى أي مكان.
  • اتركي خبرًا لأحد أصدقائك أو المقرَّبين منكِ إذا رغبتِ في التحرُّك لأي غرض، أخبري عن وجهتك والوقت المتوقَّع لعودتك حتى يتصرَّف إذا تأخَّرتِ.
  • ثقي بحدسكِ إذا شعرتِ بعدم الراحة في أي موقف، غادريه على الفور، ولا تخجلي من قول “لا”.

وختامًا،

لا يسعنا إلا تمنِّي السلامة والعافية للجميع، وفي إطار ذلك نؤكِّد على أهميَّة الوعي بأنَّ جميع الأدوية يمكنها أن تتحوَّل إلى سموم تهدِّد حياتنا، إذا لم نحرص على تناولها بعد مراجعة الطبيب المتخصِّص.

المصدر
Daniel J. Buysse, in Principles and Practice of Sleep Medicine (Fifth Edition), 2011.drugs.com
اظهر المزيد

اسراء سامي

إسراء سامي هي خبيرة في مجال صناعة المحتوى، حازت على درجة البكالوريوس في المجال الطبي. تتميز بخبرتها الواسعة في كتابة المحتوى العلمي والثقافي المتنوع. اهتمامها البارز ينصب في القضايا الصحية وشؤون المرأة، بما في ذلك الصحة الجنسية والإنجابية. تتقن كتابة مقالاتها باللغة العربية، مستندة إلى خلفيتها العلمية، بهدف تقديم معرفة قيمة وموثوقة للقراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى