قرار تأجيل الإنجاب.. لماذا؟ ومن هو صاحب الحقّ في القرار؟

بعد تَطوُّر أساليب التحكُّم في الإنجاب وتنوُّع وسائل منع الحمل، أصبح الكثير من الأزواج الجُدد يميلون لتأجيل الإنجاب خاصَّةً في السنوات الأولى من الزواج، ممَّا يُتيح لهم بعض الوقت لمزيد من التعارف وقضاء الوقت بقدر أقل من المسؤوليَّات والالتزامات، وأيضًا ترتيب أوضاعهم وخططهم الماديَّة والاقتصاديَّة بشكل جيِّد ومُناسب لاستقبال أفراد الأسرة الصغار. وعلى الرغم من أنَّ هذا القرار شخصي تمامًا ويرجع للزوج والزوجة في المرتبة الأولى، إلا إنَّه مُحاط عادةً بالكثير من التعقيدات الاجتماعيَّة والشخصيَّة والاقتصاديَّة، كما أنَّه يتعلَّق أيضًا بالمستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي للأسرة في تركيبة شديدة التفرُّد لكل أسرة.

تأجيل الإنجاب.. المزايا والتحدِّيات

يُقرِّر كل زوجين الشكل الأنسب الذي يُحافظ على علاقتهما في انسجام واستقرار وفقًا لطبيعة ظروفهما وشخصيَّاتهما وأولويَّاتهما وخططهما المُشتركة، ولكن هناك بعض العوامل التي تشجِّع الزوجين على تأجيل قرار الإنجاب مثل:

  • العلاقات بعيدة المدى: أو عدم استقرار الزوجين معًا في نفس المكان، مثل عمل الزوج في دولة مختلفة، أو الارتباط ببعض إجراءات الهجرة أو إعادة التوطين، أو غيرها من الأسباب التي قد تجعل الزوجين غير مقيمين بنفس المنزل أو نفس المدينة لبعض الوقت، فيفضِّلان تأجيل خطوة الإنجاب حتى يصبح وضع الأسرة أكثر استقرارًا.
  • عدم الاستقرار المادِّي: مثل أن يكون الأب عاطلًا عن العمل أو غير مستقر فيه، أو ما زال الزوجان في مرحلة الدراسة بلا دخل ثابت يُمكن الاعتماد عليه، أو مرور البلاد بظروف الحرب أو عدم الاستقرار الاقتصادي.
  • الزواج بعد فترة خِطبة أو تعارف قصيرة: عندها يحتاج الزوجان إلى مزيد من الوقت للتعارف والاستكشاف لبعضهما البعض. كما يحتاجان لاختبار قدرتهما على التواصل وحلّ المشكلات والتأكُّد من عدم وجود مشكلات أو عيوب جذريَّة لا يمكن لأحدهما التعايش معها.
  • الانتهاء من الدراسة أو الحصول على الشهادات الدراسيَّة اللازمة للالتحاق بسوق العمل، ممَّا يُتيح بعدها التفرُّغ بشكل أفضل لرعاية الأطفال، وأيضاً إتاحة الفرص للالتحاق بسوق العمل.
  • الاستعداد الجسدي والنفسي والعقلي: بمعنى غياب الأوضاع الصحيَّة الاستثنائيَّة وجاهزيَّة الأم صحيًّا في المرتبة الأولى للحمل والولادة والرضاعة في رحلة طويلة تستمرّ لما يزيد على عامين، بالإضافة إلى الاستعداد النفسي والوضعيَّة العقليَّة المُتفهِّمة والمُستعدَّة لكلٍّ من الأب و الأم التي تُجهّزهما لتَفهُّم حجم المسؤوليَّة والتغيير المنتظر في حياتهما بعض استقبال الأطفال في الأسرة.
  • العوامل الثقافيَّة والاجتماعيَّة المرتبطة بالمكان الذي يعيش فيه الزوجان، ومدى جاهزيته وتوفُّر سبل الحياة الكريمة فيه بما يكفي لتشجيع الإنجاب. بالإضافة لما تُشجِّع عليه ثقافة الدولة محلّ الإقامة مواطنيها في قضيَّة الزيادة السكانيَّة وما توفِّره لهم من تأمينات ورفاهيَّات ودعم للأسر الصغيرة، وهو أمر يختلف وفقًا لسياسة كل دولة وأولويَّاتها المرحليَّة، وبالتالي ما تُوجِّه له الرأي العام، ويتأثَّر به السكَّان والمواطنين.

مزايا تأجيل الإنجاب:

  • الاستقرار المهني والدراسي وتحقيق بعض الأهداف على مستوى الحياة العمليَّة وبناء مسار أكثر صلابة على المستوى المهنى.
  • المزيد من التفاهم والاستقرار الزواجي، وكذلك إتاحة فرصة للسفر والاستكشاف وتكوين الذكريات المشتركة قبل الارتباط بمسؤوليَّات الأطفال.
  • الاستعداد على المستوى المادِّي والاقتصادي إذ يحتاج الإنجاب ورعاية الأطفال لموارد مادّيَّة مُستقرَّة وآمنة بدرجة كبيرة.

أمَّا العيوب أو عوامل الخطر التي قد تَنتج عن قرار تأجيل الإنجاب:

  • سنّ الأم والأب وقت الزواج: إذا تتأثِّر درجات الخصوبة والقدرة الجنسيَّة على الإنجاب بالسنّ، خاصَّة لدى المرأة، التي يلعب السنّ لديها دورًا كبيرًا في مستويات الخصوبة واحتمالات الحمل. لذا يَحسن بالزوجين القيام بالمُراجعات الطبيَّة اللازمة في حال قرار تأجيل الإنجاب مع ارتفاع السنّ.
  • الضغط الاجتماعي: إذ عادة ما يخضع الزوجان -خاصَّة في  المجتمعات الشرقيَّة- لكثير من التساؤلات والضغوطات الاجتماعيَّة من قِبل الأهل والأصدقاء عن أسباب تأخير الحمل، حيث يُعتبر إنجاب الأطفال بعد الزواج هو أحد أهم عناصر تكوين الصورة التقليديَّة والنموذجيَّة للأسرة.
  • تأخُّر الحمل: وهو أحد الأسباب الرادعة لكثير من الأزواج، إذ يشعرون بالقلق من تأخُّر الحمل بعد التوقُّف عن استخدام وسائل منع الحمل، وهو أحد  السيناريوهات الطبيعيَّة والواردة، إذ لا يستطيع الإنسان التحكم تماماً بكل الخطوات أو ترتيب كل مُعطيات الحياة. ولكن من الأفضل في هذا السياق المتابعة الطبيَّة الدوريَّة.
  • التمتُّع بالصحَّة واللياقة البدنيَّة: تحتاج تربيَة الأطفال ورعايتهم ومتابعة مهامّهم بل وحتى اللعب معهم لمقدار كبير من الصحَّة والتمتُّع بدرجات عالية من اللياقة الحركيَّة والبدنيَّة، لذا كلَّما تقدَّم الزوجان في العمر كلما انتقص ذلك من عدد سنوات الشباب التي يتشاركونها مع أبنائهم.

الإنجاب أو التأجيل.. من هو صاحب الحقّ في هذا القرار؟ 

أو بشكل آخر هل يحقّ لأحد الزوجين إرغام الآخر على قرار الإنجاب إذا لم يَكن مُستعدًّا له؟ 

هُناك بعض الآراء التي تعتقد أنَّ القرار للأب لأنَّه رب الأسرة والمسؤول الأوَّل عن إدارتها وقيادة زمام أمورها الماديَّة والاجتماعيَّة على جميع الأصعدة. ولكن هناك آراء قويَّة أيضاً تُشير لأنَّه يجب أن يكون قرار الأم لأنَّها من يقوم بالحمل والولادة والرضاعة، وهي من تُخصِّص من وقتها وصحّتها لرعاية الأسرة والأطفال وتُقدِّم في سبيل ذلك التضحيات العمليَّة والصحيَّة والاجتماعيَّة. ولكل من الرأيين رجاحة وقوَّة في البرهان.

ولهذه الأسباب لا بد أن يكون قرار الإنجاب محطّ اتِّفاق واقتناع لدى الطرفين معًا، إذ إنَّها مسؤوليَّة مُشتركة على مدار العمر كله، لا يتحملَّها أحدهما دون الآخر، لذا لا بد من الوصول فيها لقرار مشترك والحرص تمامًا على عدم إرغام طرف على قرار لا يرضاه أو لا يشعر بالاستعداد الكافي لتحمُّل تَبعاته.

عوامل يجب مراعاتها عند اتِّخاذ قرار تأجيل الإنجاب؟

  • ترتيبات القدر: صحيح أنَّ الإنسان يميل بطبعه لإبقاء الأمور تحت السيطرة، وكثيرا ما يكون مهووسًا بالتخطيط لكل خطوة وحريصًا على ألَّا تخرج الأمور على ترتيباته واستعداده، إلا إنَّه لا بد أن نعترف أنَّه مهما كان حرص الإنسان على التفكير والترتيب والتخطيط، فهناك دائما ترتيبات قدريَّة خارجة تمامًا عن إرادتنا، قد تكون نعمة في ظاهرها وفي باطنها نقمة أو العكس، لذا لا بدّ أن يترك الإنسان الهامش الأكبر عقليًّا ونفسيًّا لترتيبات الله في حياته والخطَّة التي رسمها له، وأن يجتمع لديه التدبير مع التسليم.
  • تأثير فرق السنّ بين الأطفال: وما يتتبَّع ذلك من تأثيرات مثل تأخُّر المسار الوظيفي للأم مرَّة أخرى، والمجهود البدني المتواصل بعد الحصول على فترة راحة، والشعور بالتشتُّت بين الأطفال نظرًا لاحتياجاتهم المختلفة ومراحلهم المُغايرة. وما يحمله أيضًا من ميِّزات مثل قدرة الأطفال الأكبر على تحمُّل بعض مسؤوليَّاتهم وتقديم بعض المساعدة للأسرة، وتقليل الغيرة والتنافس بين الأطفال.
  • درجات الخصوبة: والتي كما ذكرنا تتأثَّر بالسن خاصَّة لدى المرأة، إذ تتأثَّر جودة التبويض وأعداد البويضات بعمر المرأة، لذا لا بدّ من الانتباه لهذا العنصر، وعمل المتابعات الطبيَّة اللازمة قبل اتِّخاذ أي قرار.

ما هو تأثير الضغط لإنجاب طفل ضدّ رغبة أحد الزوجين؟

إصرار أحد الزوجين على اتِّخاذ خطوة الحمل والإنجاب دون رضا وموافقة من الآخر لها الكثير من التبعات النفسيَّة والأسريَّة، منها:

  • التوتُّر والضغط النفسي: الذي يشعر به الطرف الآخر نتيجة الضغط عليه وعدم استعداده للخطوة سواء نفسيًّا أو صحيًّا أو عمليًّا.
  • الصراعات الزوجيَّة: والشجار والمشاحنات نتيجة إصرار كل منهما على موقفه ومحاولته لإخضاع الآخر لوجهة نظره. وهو أمر يُؤثِّر على شعور كل أفراد الأسرة بالراحة والأمان.
  • الشعور بالتقدير والأمان: العلاقة الزوجيَّة هي علاقة يفترض أن يشعر فيها كلا الطرفين بالأمان والرَّاحة، وأنَّه شخص يتمّ تقديره واحترامه، وهو شريك كامل في الرأي واتِّخاذ القرارات. كما أنَّه قد يُولد لديه شعورًا بأنَّه غير محبوب أو مرغوب، وأنَّ رأيه واعتباراته ليست بالأهميَّة الكافية.
  • الاضطراب النفسيّ: الضغط المستمرّ والمشاحنات المتواصلة في الحياة الزوجيَّة قد تكون سببًا في ظهور بعض الأعراض النفسيَّة التي قد تصل للاضطراب النفسي مثل الاكتئاب، خاصَّة إذا دُفع أحد الطرفين دفعًا لخطوة الإنجاب والحصول على طفل بينما لا يشعر بشكل كافي بالاستعداد والرغبة في تحمُّل هذه المسؤوليَّة في هذه المرحلة.

كيف يمكن التعامل مع اختلاف قرار الإنجاب؟ 

  • التواصل الواضح الصريح قبل الزواج: ومناقشة رغبات كلا الزوجين وخططه وآرائه المُرتبطة بالإنجاب وتنظيم النسل ووسائل منع الحمل وغيرها من الخطط المرتبطة بالأطفال والتربية.
  • المصارحة والتعبير عن المشاعر: انفتاح كلا الزوجين على مشاعرهما والتعبير عنها بوضوح وصدق يساعد كل منهما على فهم أفضل للآخر.
  • ممارسة الاستماع الفعَّال وتبادل الأدوار: يقوم كل منهما بالتعبير الكامل عن أفكاره ومشاعره واقتراحاته دون أي مقاطعة أو تدخُّل من الآخر، ثمَّ يتمّ تبادل الأدوار. كما يمكنهما أن يتبنَّى كل منهما صوت الآخر ويتحدَّث كأنَّه هو، هذا التكنيك يُساعد الزوجين على الفهم العميق لوجهة نظر الآخر واعتباراته وتقدير مشاعره بدرجة أكبر.
  • فحص ودراسة كل الاحتمالات بشكل عملي:  في حال كانت العقبات عمليَّة وماديَّة من الأفضل أن يناقش الزوجان كل الخطط ودراستها عمليًا وفحص النتائج المختلفة المترتِّبة عليها من أجل ترتيب أفضل للأولويَّات.
  • عمل مواءمات وتقديم التضحيات والتنازلات : كل العلاقات تحتاج لمساحات من التضحيَة والتنازل والمواءمات، لذا من المهمّ أن يفكَّر كلا الزوجين إذا كانت التضحية أو التنازل أو الضغط الذي يتعرَّض له من أجل اتِّخاذ القرار، هو أمر يُمكن قبوله وتَحمّله والتكيُّف معه عبر الوقت أم لا. لهذا فهو قرار شخصي تماما يختلف فيه كل شخص عن الآخر، وكل زوجين عن غيرهما.

اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى