الرَّفض الجنسيّ .. استراتيجيَّات إيجابيَّة لاستعادة الدفء الحميمي

العلاقة الجنسيَّة هي أهمّ أدوات التواصل العاطفي والنفسي بين الزوجين، وعن طريقها يستطيعان التعبير عن مشاعرهما، وتأكيد روابط الحبّ والمودَّة بينهما، ولكن على مدار الحياة الزوجيَّة قد تتعرَّض العلاقة الجنسيَّة لبعض التحدِّيات والعقبات، وقد تَمُرُّ العلاقة بمرحلة من الفُتور والبُعد. واحدة من هذه التحدِّيات هو المرور بتجربة الرَّفض الجنسي أو هروب الطرف الثاني من العلاقة الجنسيَّة والرفض المُتكرِّر لها. بشكل عام فإنَّ التحدِّيات والمشكلات التي تتعلَّق بالجنس في الزواج تعتبر من أصعب تحدِّيات الحياة الزوجيَّة، لما للجنس من أهميَّة كحجر أساس ترتكز عليه العلاقات الزوجيَّة، وكذلك لما له من تأثيرات وتَبِعات على الصحَّة الجسميَّة والنفسيَّة للزوجين، وليس فقط دعم علاقاتهما العاطفيَّة، بل أيضًا تشكيل الصورة الذاتيَّة لكلٍّ منهما عن نفسه، وعلاقته بجسده وإحساسه العامّ بأنَّه محبوب ومقبول ومرغوب من قبل زوجه/زوجته.

ومن أشهر أمثلة التعرُّض للرَّفض الجنسيّ:

  • التَعلُّل بالإنهاك أو الانشغال كلَّما أقدم الآخر على مقدّمات العلاقة.
  • اختراع الحِجج لتغيير ومُخالفة وقت النوم.
  • النوم في غرفة مُختلفة، وادِّعاء مُبرِّرات وأسباب لهذا الانفصال.
  • افتعال المشكلات قبل وقت النوم، أو عندما يبدي الطرف الثاني استعداده وحماسه للعلاقة.
  • إقحام موضوعات للمناقشة حول أمور مختلفة أسريَّة أو عمليَّة في الفراش وبمجرَّد أن يبدي الطرف الآخر رغبته في العلاقة.
  • الرَّفض الواضح الصريح، وأحيانًا ما تكون مصحوبة بالتنمُّر أو الصراخ على الزوج/الزوجة وتذكيره بعيوبه وأخطائه.

وغيرها من الأمثلة والمواقف التي قد يتعرَّض لها أحد الزوجين، والتي يُسمَّى تكرارها بالرَّفض الجنسي. وهو على الرَّغم من كونه أمر مُحرج ومُسيء نفسيًّا، إلا إنَّه يجب التعامل معه بحرص وموضوعيَّة لفهمه، ومحاولة التعامل معه إيجابيًّا كي لا تتحوَّل أكثر الموضوعات حميميَّة في العلاقة إلى ساحة صراع.

الأسباب المُمكنة خلف التهرُّب الجنسي

  • الضغوط النفسيَّة: التعرُّض للضغوط النفسيَّة قد يُخفِّض من مستويات الرغبة الجنسيَّة، ويجعل الاندماج النفسي والذهني في العلاقة أمر صعب، لذا قد يكون تَعرُّض أحد الزوجين لبعض الضغوطات النفسيَّة هو أحد العوامل وراء استثقال العلاقة ومحاولة الهرب منها.
  • الإنهاك البدني: مثل ساعات العمل الطويلة، مع عدم استقرار ساعات النوم، أو عدم الحصول على تغذية صحيَّة متوازنة، كلّها عوامل قد تُؤدِّي للإنهاك وعدم القدرة على التفكير في النشاط الجنسي كأولويَّة.
  • العوامل المرضيَّة: بعض الأمراض الجسميَّة والنفسيَّة قد تؤثِّر على الرغبة الجنسيَّة، وقد تكون سببًا في انخفاضها بشكل كبير أو حتى انعدامها لبعض الوقت.
  • اختلاف الدوافع الجنسيَّة: يختلف الأفراد فيما بينهم في مستويات الرغبة الجنسيَّة لديهم، وهو أمر طبيعيّ يكتشفه الزوجان مع الوقت، يكون الأمر أكثر صعوبة عندما تكون الفجوة كبيرة وواسعة بين مستويات الرغبة لديهم، وقد يؤدِّي الأمر إلى رفض وتهرُّب الطرف الأقل رغبة بطبعه، خاصَّة إذا شعر أنَّه يقع تحت ضغط المطاردة والتطلُّب من الآخر. لذا فإنَّ الأمر يحتاج إلى التفاهم المُشترك، وفهم طبيعة كل منهما للآخر، ومحاولة الوصول إلى منطقة مُرضية لكلٍّ منهما، بشكل لا يؤثِّر على استقرارهما ورضاهما الزوجي.
  • ضعف التَّواصل: وهو أمر شائع، مثل أن تتوقَّع الزوجة المُبادرة طوال الوقت من الزوج أو العكس، ومثل أن يقوم أي منهما بتفسير تصرّفات الآخر على أنها رفض أو ابتعاد أو هروب بدون سؤال واضح أو مُحاولة صريحة. بالإضافة للفجوات التي تُولد بسبب عدم التعبير عن المشاعر، وعدم مُشاركة الأحداث والتفاصيل اليوميَّة، ممَّا يُسبِّب صعوبة في فهم مُبرِّرات الآخر وما وراء تصرفاته المُختلفة، ويُسبِّب تَباعُدًا نفسيًّا وعاطفيًّا كبيرًا يترك أثره على العلاقة الجنسيَّة.
  • الخلافات غير المحسومة: كلّ الخلافات اليوميَّة الصغيرة بل ومتناهية الصِغر، قادرة على صنع عقدة كبيرة شديدة التعقيد مع مرور الوقت، إذا لم يسعَ الزوجان لحلّها وإيجاد مناطق مُشتركة تُرضي الطرفين بشأنها، فإنَّ هذه الملفَّات المفتوحة تترك ترسّباتها وآثارها السلبيَّة على الرغبة الجنسيَّة، وقُدرة الزوجين على التواصل العاطفيّ والحميميّ، وربما تُؤثِّر على شعورهما بالتقدير وأنَّهما مَرئيَّين ومَحبوبين ومَحلّ اهتمام، وقد يَدفع ذلك أحدهما لاستثقال العلاقة والهرب منها أو تجنّبها.
  • الانجذاب الجنسي: تلعب الحواس المختلفة دورًا مهمًّا في التقديم للعلاقة الجنسيَّة، لذا فإنَّ الانزعاج الحسّي قد يكون عاملًا مؤثِّرًا في النفور من العلاقة أو عدم الحماس لها. ومن أمثلة ذلك عدم اهتمام الزوجين بمظهرهما الجيِّد، أو بنظافتهما الشخصيَّة، أو عدم تهيئة المُحيط لقضاء وقت حميمي هادئ. 

أنماط مختلفة للرَّفض الجنسي بين الزوجين

وفقًا لإحدى الدراسات الاستطلاعيَّة عن أنماط الرَّفض الجنسي، استطاعت الدراسة تقسيم أنماط الرَّفض إلى أربعة أنماط رئيسة مع تحليل آثار استخدام كل نمط منهم على العلاقة الزوجيَّة والرِّضا عنها على المدى القصير والطويل، وهذه الأنماط هي:

  • الرَّفض المُطمئِن reassuring rejection : وفيه يكون الرفض بشكل هادئ ومُطَمئِن، يُؤكِّد فيه الزوج/الزوجة على حُبّه للآخر ورغبته فيه، وعلى أنَّ رفضه لا يَعني أبداً أي انتقاص من مشاعره في العلاقة، مع التأكيد على تقديره لهذه المشاعر، وأحياناً قيامه بعرض بدائل حميميَّة أخرى مُرضية لكلٍّ منهما.
  • الرَّفض العدواني hostile rejection : وهنا يكون الرفض بطريقة عدائيَّة، وقد يستخدم فيها التنمُّر أيضًا على أسلوب الزوج أو الزوجة، وربَّما على طريقة آدائهم في العلاقة أو شكلهم أو طبيعة أجسامهم أو غيرها من التعليقات الجارحة، والتي تُثير مشاعر الإحراج والإحباط والغضب، وتؤثِّر على شعور الطرف الآخر بأنَّه محبوب، أو تكون عاملًا لاهتزاز ثقته بنفسه.
  • الرَّفض التوكيدي assertive rejection : أو الرَّفض الحاسم للعلاقة، وهنا يقوم الطرف الرَّافض بالتوضيح بشكل قاطع وحاسم عن موقفه، ولكن بدون عداء أو عنف لفظي أو بدني، وربَّما يؤكِّد أيضا على تقديره لهذه المشاعر.
  • الرَّفض التجنُّبي deflecting rejection: عن طريق ادِّعاء النوم، أو عمل محاولات للهروب من أي فرصة لقاء أو مُداعبات تفتح الباب للقاء جنسي.

استخلصت الدراسة بشكل رئيس أنَّ الطريقة التي يتمّ بها الرفض هي العامل الأهمّ في استقبال الطرف الثاني للأمر ودرجة تأثير هذا الرفض عليه نفسيًّا وعاطفيًّا. الرَّفض العدائي هو الأكثر تأثيرًا بشكل سلبي على العلاقة الزوجيَّة، وعلى الوضع النفسي للطرف المرفوض، حيث يُثير لديه الكثير من المشاعر السلبيَّة مثل انخفاض تقدير الذات، والشعور بالرَّفض، وبأنَّه غير محبوب وغير مرغوب. 

كيف يُمكن أن يُؤثِّر الرَّفض الجنسيّ على الزوج/الزوجة

  • انخفاض الثقة بالنفس: قد يؤدِّي الرَّفض الجنسي المُتكرِّر لشعور الطرف الآخر بأنَّه غير جذَّاب بما يكفي للآخر، أو بأنَّ لديه مشكلة ما في جسمه أو شكله أو في آدائه الجنسي، كل هذه الأفكار السلبيَّة لها تأثير على درجات الثقة بالنفس التي يتمتَّع بها الأفراد.
  • التوتُّر والقلق والاكتئاب: كنتيجة لمشاعر الرَّفض، وكذلك التعرُّض المُتكرِّر للإحراج وما يتولَّد عنه من إحساس بالغضب والإحباط، وازدياد الفجوة العاطفيَّة والنفسيَّة بين الزوجين. قد يؤدِّي هذا مع الوقت لظهور أعراض القلق والتوتُّر، وربما ظهور أعراض اكتئابيَّة.
  • وجود فجوة في العلاقة: نتيجة التباعد في واحد من أهمِّ أساسيَّات العلاقة الزوجيَّة وركائزها، والتي تلعب دورًا  كبيرًا في تعزيز التواصل النفسي والعاطفي بين الزوجين، وبالتالي فإنَّ غيابها يُحدث فجوة كبيرة بينهما، قد تكون مصدرًا للكثير من المشكلات والأعراض الأخرى مع الوقت.

كيف يمكن التعامل إيجابيًّا مع الرَّفض الجنسي؟ 

  • التفكير في أدوات جديدة: لكسر الجليد ومحاولة التغلُّب على الفتور والملل أو الأسباب البيئيَّة التي قد تكون مُحيطة بالتهرُّب من الجنس، ومن الأدوات الممكنة: 
    • التعبير عن الحبِّ بأشكال مختلفة: تختلف لغات الحبّ من شخص لآخر، وفقًا لبعض النظريَّات فإنَّ لغات الحبّ خمس، هي التلامس الجسدي والتعبير الحسِّي عن الحبّ، ولغة الخدمات والمساعدة، ولغة التقدير والتأكيد على الإحساس بقيمة الطرف الآخر ودوره، ولغة الهدايا، ولغة الوقت ذو الجودة العالية أو اللحظات المُمتعة المُشتركة. لذا فمن المهمّ التعرُّف على لغة الحبّ المُناسبة للطرف الآخر واستخدامها في التعبير عن المشاعر.
    • الترتيب والاستعداد المُسبق للِّقاء الجنسي: من خلال الاتِّفاق على الموعد المناسب، والتجهيز المسبق لهذا اللّقاء، سواء بالتأكُّد من أنَّه ليس وقتًا محفوفًا بالضغوط والإنهاك الجسدي، أو أنَّه وقت لا يوافق استيقاظ الأطفال وحركتهم ومتطلّباتهم اليوميَّة، أو غيرها من الأسباب التي تعوق الاستعداد للقاء زوجي حميمي.
    • سؤال الطرف الآخر عمَّا يتوقّعه/ يتوق إليه في العلاقة: يساعد هذا الحوار على التمهيد للعلاقة وتحفيز الأشواق وازدياد الرغبة، حيث يظل كل من الزوجين في حالة حماس وترقُّب لهذا الوقت المشترك.
    • الإعداد المريح لمكان هادئ للتواصل الحميمي، من خلال إضاءات ناعمة، ومُعطّر طيِّب، وغياب المُشتِّتات.
  • التواصل الصريح : والذي يُعبِّر فيه كلا الزوجين بصراحة عن مشاعرهما، ويسألان الأسئلة التي تشغلهما حول العلاقة بصراحة ووضوح، وأيضا يعبّر فيها عن ما يشتتهما ويمنعهما من التقارب بانفتاح، ممَّا يزيد من التفاهم ويَحِدّ من الغموض والاستنتاجات التي قد تتسرَّب إلى العلاقة.
  • التعبير عن المشاعر: سواء مشاعر الحبّ أو الاشتياق للطرف الآخر، أو مشاعر القلق أو الانزعاج المترتِّبة على التهرُّب والرَّفض الجنسي.
  • التعرُّف على الفرق بين المشاعر والحقائق: هناك فرق بين مشاعر الرَّفض، وبين التعرُّض الحقيقي للرَّفض الجنسي. الرَّفض الجنسي هو وضع مُتكرِّر وصريح مع اختلاف السياقات وتعدُّد المحاولات. أمَّا الشعور بالرَّفض فهو قد يأتي نتيجة مرَّة رفض واحدة، أو نتيجة تعليقات مختلفة تترك آثارها النفسيَّة والعاطفيَّة وتزيد من الشعور بأنَّ الشخص غير مرغوب، ولكنَّها لا تعني بالضرورة الرَّفض الجنسي في المطلق.
  • حقّ الرَّفض مكفول: سواء للزوج أو للزوجة، ليس من الضروري أن يكون الوقت مُناسبًا للجنس في كل مرَّة بالنسبة لكلا الطرفين. من الوارد والطبيعي أن يكون أحدهما مُنهكًا أو مَضغوطًا أو مَشغولًا ذهنيًّا بأمرٍ ما، أو حتى ليس في الاستعداد النفسي الكافي. وهذا الرفض لا بد أن يتمَّ بشكل لائق حتى لا يكون سببًا في التباعد بين الزوجين، وشعوره بالرفض والتجنُّب.
  • التعامل بهدوء والبعد عن الضغط والتوتُّر: والابتعاد عن التعامل مع الأمر على أنَّه مادة للصراع والسيطرة وإثبات القوَّة. فالعلاقة الحميمة هي أمر عاطفي ورومانسي بطبيعته، واحتدام الصراع حوله وإحاطته بالتوتُّر لا يصبّ في مصلحة العلاقة، بل قد تكون نتائجه سلبيَّة وعكسيَّة.
  • ممارسة الاعتناء بالنفس: وتعزيز الثقة بالنفس من خلال الاعتناء الشخصي بالصحَّة النفسيَّة والجسديَّة. يُمكن تحقيق ذلك من خلال مُحاولة الحفاظ على نمط حياة صحّي، والممارسة المنتظمة للرياضة، والتي من شأنها تخفيف الشعور بالضغط والتوتُّر، وكذلك الحرص على عمل روتين يومي ولو بسيط للاهتمام بالمظهر والعناية الشخصيَّة. كل هذه التكنيكات على بساطتها تساعد في تعزيز الثقة بالنفس والشعور بالرّضا والحدّ من مشاعر الضغط والرفض التي قد يولدها الرّفض الجنسي.
  • اللُّجوء لاستشاري زوجي: والحصول على استشارة متخصِّصة، حبَّذا لو كان هذا القرار مشتركًا وخطوة يأخذها الزوجان معًا. يُساعد استشاري العلاقات الزوجيَّة في التعرُّف على الأسباب الكامنة خلف تكرار الرفض الجنسي، وتحليل هذه الأسباب، مع تعليم الزوجين آليَّات التغلُّب عليه، وتكنيكات للتواصل بشكل أكثر فعاليَّة.
اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى