الوقاية من فيروس نقص المناعة البشري؛ فهم نسبة الإصابة بعد التعرُّض الأول وسبل الحماية

فيروس نقص المناعة البشريَّة (HIV) هو عدو صامت يهاجم جهاز المناعة البشري بشكل مروّع، مستهدفًا خلايا CD4 الحيويَّة التي تشكِّل الدرع الواقي للجسم ضدّ الأمراض، بمرور الوقت، يقوم هذا الفيروس بتدمير تلك الخلايا، ممَّا يجعل الأفراد الذين يعيشون مع هذا الفيروس دون علاج أكثر عرضة لمجموعة واسعة من الأمراض، في هذا المقال سنتحدث عن نسبة التعرُّض لفيروس نقص المناعة .

عندما يُترك فيروس نقص المناعة البشريَّة دون علاج، يمكن أن يتطوَّر إلى متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، وهي المرحلة الأكثر تقدُّمًا من المرض، حيث قدَّرت منظَّمة الصحَّة العالميَّة في نهاية عام 2020 أنَّ حوالي 37.7 مليون شخص يعيشون مع فيروس نقص المناعة البشريَّة في جميع أنحاء العالم، ممَّا يعكس حجم هذا التحدِّي الصحِّي العالمي.

يستهدف فيروس نقص المناعة البشريَّة خلايا الدم البيضاء في الجسم، ممَّا يضعف الجهاز المناعي ويسرِّع الإصابة بأمراض مختلفة مثل السل، والالتهابات، وبعض أنواع السرطان. وينتقل هذا الفيروس من شخص لآخر عبر السوائل الجسديَّة، مثل الدم، وحليب الأُمّ، والسائل المنوي، والسوائل المهبليَّة، ولا ينتقل عبر القبلات أو العناق أو تقاسم الطعام، كما يمكن أن ينتقل من الأُمّ غير الملتزمة بالعلاج إلى جنينها أثناء الحمل أو من خلال الرضاعة الطبيعيَّة.

حتى تعرَّض واحد لهذا الفيروس قد يكون كافيًا لنقله، حيث أظهرت دراسة مراجعة في عام 2014 أنَّ احتمالات الإصابة تختلف تبعًا لنوع التعرُّض وفقًا للبيانات، فإنَّ تلقِّي الدم من شخص مصاب يُعتبر من أخطر الطرق، حيث تصل احتماليَّة الإصابة إلى 92.5%، بينما تعتبر مشاركة الإبر والجنس الشرجي أو المهبلي غير المحمي من المخاطر الكبيرة أيضًا.

العلامات والأعراض فيروس نقص المناعة البشريَّة

تختلف أعراض فيروس نقص المناعة البشريَّة باختلاف مرحلة العدوى، حيث ينتشر المرض بسهولة أكبر في الأشهر القليلة الأولى اللاحقة للإصابة بالعدوى، لكن الكثيرين من المرضى لا يدركون إصابتهم حتى مراحل متأخِّرة، وقد لا تظهر في الأسابيع القليلة الأولى أيَّة أعراض، لكن قد تظهر أعراض مشابهة للأنفلونزا مثل الحمَّى، الصداع، الطفح الجلدي، والتهاب الحلق.

ومع مرور الوقت، تضعف العدوى الجهاز المناعي تدريجيًّا، ممَّا قد يؤدِّي إلى ظهور علامات وأعراض أخرى مثل تورُّم الغدد الليمفاويَّة، فقدان الوزن، الحمَّى، الإسهال، والسعال. وإذا لم يعالج الأشخاص الحاملون للفيروس، فقد يصابون بأمراض وخيمة مثل السل، التهاب السحايا بالمستخفيات، الالتهابات البكتيريَّة الوخيمة، وبعض أنواع السرطان مثل الأورام اللمفاويَّة.

انتقال المرض

يمكن أن ينتقل الفيروس عن طريق سوائل جسم الشخص المصاب مثل الدم، حليب الأم، السائل المنوي، والإفرازات المهبليَّة، ويمكن أيضاً أن ينتقل أثناء الحمل والولادة للطفل. وتجدر الإشارة أيضًا أنَّ هذه العدوى لا تنتقل بالمخالطة اليوميَّة الاعتياديَّة، مثل التقبيل، والعناق، والمصافحة، أو تقاسم الأدوات الشخصيَّة أو الطعام أو الماء.

ومن الجدير بالذكر أنَّ المصابين بعدوى الفيروس المواظبين على أخذ العلاج بمضادَّات الفيروسات القهقريَّة لديهم حمل فيروسي غير قابل للكشف، وبالتالي لا ينقلون العدوى إلى شركائهم الجنسيِّين، لذلك، فإنَّ الفحص والتشخيص المبكِّر والإتاحة المبكِّرة للعلاج بهذه الأدوية وتقديم الدعم اللازم لمواصلة أخذها تكتسيان أهميَّة حاسمة، ليس فقط لتحسين صحَّة المصابين بالفيروس، بل لمنع نقله إلى الآخرين أيضًا.

اقرا أيضا في مقال هل لمريض الإيدز أو الكبد الوبائي (ب) الحقّ في الزواج والإنجاب؟
اقرا أيضا في مقال هل هناك أدوية يمكنها بالفعل حمايتك من فيروس نقص المناعة البشريَّة؟

عوامل خطر تعرُّض فيروس نقص المناعة البشريَّة

تشمل السلوكيَّات والحالات التي تزيد من احتمال الإصابة بالفيروس ما يلي:

  • ممارسة الجنس الشرجي أو المهبلي دون حماية.
  • الإصابة بعدوى أخرى منقولة جنسيًّا، مثل الزهري، الهربس، المتدثِّرة، والنيسريَّة البنيَّة.
  • الانخراط في تعاطي الكحول على نحو ضار وتعاطي المخدّرات في سياق ممارسة السلوك الجنسي.
  • تقاسم الإبر والمحاقن وسائر أدوات الحقن ومحاليل تحضير المخدّرات الملوّثة عند حقن المخدرات.
  • الخضوع لعمليات حقن أو نقل دم أو زرع أنسجة غير مأمونة، أو لإجراءات طبيَّة تنطوي على شقّ الجلد أو ثقبه دون تعقيم.
  • التعرُّض لوخزات الإبر عرضًا، بما يشمل التعرُّض لها فيما بين العاملين الصحيِّين.

التشخيص

يمكن تشخيص الإصابة بفيروس نقص المناعة البشريَّة بواسطة فحوص التشخيص السريع التي تظهر نتائجها في اليوم نفسه، وهذا ييسِّر كثيرًا التشخيص المبكِّر، وإحالة المصابين للعلاج والوقاية.

نسبة الإصابة بعد التعرُّض الأول فيروس نقص المناعة البشريَّة

تعتمد نسبة الإصابة على عدَّة عوامل منها طريقة التعرُّض وكميَّة الفيروس في سوائل الجسم، كما يمكن أن ينتقل فيروس نقص المناعة البشريَّة حتى من خلال تعرُّض واحد وقصير، حيث قدَّرت بعض المراجعات و الدراسات لعام 2014 احتمالات الإصابة بناءً على أنواع مختلفة من التعرُّض وفقًا لبياناتهم، ويُظهر الجدول أدناه خطر الإصابة المقدَّر بفيروس نقص المناعة البشريَّة لحدث تعرُّض واحد:

الإصابات المقدَّرة لكل 10,000 تعرُّضالخطر المقدَّر لتعرُّض واحدنوع التعرُّض
9,25092.5%نقل الدم
630.6%مشاركة الإبر
1381.4%تلقِّي الجنس الشرجي
110.1%ممارسة الجنس الشرجي الفاعل
80.1%تلقِّي الجنس المهبلي
4<0.1ممارسة الجنس المهبلي الفاعل
نسبة الإصابة بعد التعرُّض الأول

الممارسات الحديثة وخطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري (HIV)

في السنوات الأخيرة، ظهرت ممارسات حديثة قد تشكل مخاطر جديدة فيما يتعلق بانتقال فيروس نقص المناعة البشري (HIV). على الرغم من أن هذه الممارسات قد تكون جزءًا من الحياة اليوميَّة أو الروتين التجميلي لبعض الأشخاص، إلا أنَّها قد تنطوي على مخاطر تتعلَّق بانتقال الفيروس إذا لم يتم اتخاذ الاحتياطات المناسبة. فيما يلي بعض هذه الممارسات وتقييم المخاطر المرتبطة بها:

1. استخدام إبر البوتوكس، التاتو، والمايكروبليدنج

تُستخدم إبر البوتوكس، التاتو، والمايكروبليدنج بشكل واسع في العلاجات التجميليَّة. يعتبر استخدام هذه الأدوات خطيرًا إذا لم تُستخدم الإبر بشكل معقَّم وصحيح. في حالة عدم تعقيم الأدوات أو إعادة استخدام الإبر الملوَّثة بدماء شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشري، يمكن أن ينتقل الفيروس إلى الشخص الآخر. لذا، يجب التأكُّد دائمًا من استخدام أدوات معقَّمة وفتحها أمام العميل.

2. إجراءات الليزر

إجراءات الليزر، مثل إزالة الشعر بالليزر أو علاجات البشرة، تُعتبر عمومًا آمنة من حيث انتقال فيروس نقص المناعة البشري. ومع ذلك، في حال عدم تعقيم الأدوات المستخدمة بين المرضى، يمكن أن تشكِّل هذه الإجراءات خطرًا على الصحة. التعقيم السليم يقلِّل بشكل كبير من هذا الخطر، ولكن في غيابه، يبقى هناك احتمال نظري لانتقال الفيروس.

3. استخدام المرافق العامَّة

لا يشكِّل استخدام المرافق العامَّة مثل الحمامات والمسابح خطرًا معروفًا لانتقال فيروس نقص المناعة البشري. الفيروس لا يعيش لفترة طويلة خارج الجسم ولا ينتقل عبر التلامس السطحي أو الماء. بالتالي، يُعتبر انتقال الفيروس عبر هذه الوسائل غير مرجَّح تمامًا.

4. استخدام فرشاة أسنان ملوَّثة

من الممكن نظريًا انتقال فيروس نقص المناعة البشري إذا استخدم شخص ما فرشاة أسنان ملوَّثة بدم شخص مصاب ولديه لثَّة ملتهبة ونازفة. على الرغم من أن هذا السيناريو نادر جدًا، إلا أنه من المهم عدم مشاركة فرشاة الأسنان أو أي أدوات شخصيَّة قد تتلامس مع الدم.

5. الجنس الفموي

يُعتبر الجنس الفموي ذا خطر منخفض فيما يتعلَّق بانتقال فيروس نقص المناعة البشري، لكن هذا الخطر يزداد في حالة وجود جروح أو تقرُّحات في الفم أو اللثة. يُنصح بتجنُّب الجنس الفموي إذا كان هناك أي علامات للالتهاب أو الجروح في الفم لدى أحد الشريكين.

6. حشوات الأسنان والعلاج عند طبيب الأسنان

قد يتساءل البعض عن مدى خطر انتقال فيروس نقص المناعة البشري أثناء زيارة طبيب الأسنان، وخاصةً خلال إجراءات مثل حشوات الأسنان أو عمليات التنظيف. يعتبر هذا الخطر منخفضًا جدًا إذا اتبع طبيب الأسنان البروتوكولات الصحيحة المتعلِّقة بتعقيم الأدوات. في العادة، يتم تعقيم جميع الأدوات التي تتلامس مع دم أو أنسجة المريض باستخدام أجهزة تعقيم متخصِّصة، مما يقلِّل بشكل كبير من خطر انتقال الفيروس.
ومع ذلك، في حالات نادرة جدًا، يمكن أن يحدث انتقال للفيروس إذا تم استخدام أدوات ملوَّثة ولم يتم تعقيمها بشكل صحيح. لذا، من الضروري التأكُّد من أن الطبيب يتبع إجراءات التعقيم القياسيَّة، بما في ذلك استخدام أدوات معقَّمة أو أدوات للاستخدام مرة واحدة فقط.

7. إعارة أدوات التجميل: هل يمكن أن تنقل الأمراض المنقولة جنسيًّا مثل الهربس؟

إعارة أدوات التجميل مثل أحمر الشفاه، فرش المكياج، أو شفرات الحلاقة يمكن أن تُشكِّل خطرًا على الصحة إذا لم يتم تنظيفها أو تعقيمها بشكل صحيح. من بين المخاطر الصحيَّة المرتبطة بإعارة هذه الأدوات هو احتمال نقل الأمراض الفيروسيَّة مثل الهربس.
فيروس الهربس البسيط (HSV) يمكن أن ينتقل عبر ملامسة الجلد أو الأغشيَّة المخاطيَّة لشخص مصاب، خاصَّةً إذا كانت هناك تقرُّحات أو بثور نشطة. على سبيل المثال، إذا استخدم شخص ما أحمر شفاه أو شفرة حلاقة سبق أن استخدمها شخص مصاب بالهربس، يمكن أن ينتقل الفيروس بسهولة.
الهربس الفموي يُعتبر من الأمراض المعديَّة بشكل كبير، حيث يمكن أن ينتقل حتى عندما لا تكون الأعراض مرئيَّة. لذلك، من المهم عدم مشاركة أدوات التجميل الشخصيَّة لتجنُّب خطر الإصابة بالهربس أو غيره من الأمراض المنقولة جنسيًّا.

طرق الوقاية

  1. استخدام الواقي الذكري
    • الواقي الذكري: يعدُّ استخدام الواقي الذكري من أكثر الطرق فعاليَّة للوقاية من انتقال فيروس HIV خلال الجنس، ويجب استخدام الواقي بشكل صحيح وفي كل مرَّة تتمّ فيها ممارسة الجنس حيث يساعد الواقي في تقليل الاحتكاك والتمزق الذي يمكن أن يحدث خلال الجنس، مما يقلل من خطر انتقال الفيروس.
  2. الفحص المنتظم
    • الفحوصات الدوريَّة: الفحوصات المنتظمة للكشف عن فيروس HIV والأمراض المنقولة جنسيًا تساعد في الكشف المبكر والعلاج الفعال،  فمن المهمّ إجراء الفحص كل 3 إلى 6 أشهر للأشخاص الذين يعتبرون في خطر مرتفع.
  3. تجنُّب استخدام الإبر المشتركة
    • الإبر والمحاقن: يجب عدم مشاركة الإبر أو المحاقن تحت أي ظرف من الظروف، واستخدام إبر معقَّمة ومرَّة واحدة هو الطريقة الأكثر أمانًا.
  4. الوقاية قبل التعرُّض (PrEP)
    • PrEP الوقاية قبل التعرُّض: PrEP هو دواء يمكن تناوله يوميًّا لتقليل خطر الإصابة بفيروس HIV يُنصح به للأشخاص المعرضين لخطورة عالية للإصابة، مثل أولئك الذين لديهم زوج/ زوجة مصاب بالفيروس.
  5. الوقاية بعد التعرُّض (PEP)
    • PEP الوقاية بعد التعرُّض: PEP هو دواء يجب تناوله في غضون 72 ساعة بعد التعرُّض المحتمل لفيروس HIV يؤخذ لمدَّة 28 يومًا، ويمكن أن يقلِّل من خطر الإصابة بالفيروس.
  6. التوعية والتعليم
    • التوعية: نشر الوعي حول طرق الانتقال ووسائل الوقاية من HIV يمكن أن يساعد في تقليل انتشار الفيروس، كما تلعب البرامج التثقيفيَّة والتوعية المجتمعيَّة دورًا كبيرًا في هذا الصدد.

العلاج

العلاج الحالي لفيروس نقص المناعة البشري يتضمَّن استخدام الأدوية المضادَّة للفيروسات الراجعة (ART)، وهي تهدف إلى السيطرة على الفيروس وتحسين نوعيَّة الحياة، إليك بعض التفاصيل:

  1. العلاج بمضادَّات الفيروسات الراجعة (ART)
    • ART: يتضمَّن ART تناول مجموعة من الأدوية التي تعمل على منع الفيروس من التكاثر في الجسم، حيث يهدف هذا العلاج إلى خفض كميَّة الفيروس في الدم إلى مستويات غير قابلة للكشف، ممَّا يساعد في الحفاظ على صحَّة جهاز المناعة ويقلِّل من خطر انتقال الفيروس إلى الآخرين.
  2. الالتزام بالعلاج
    • الالتزام: من المهمِّ أن يلتزم المصابون بفيروس HIV بالعلاج الموصوف من قبل الطبيب بدقَّة، كما يجب تناول الأدوية يوميًّا وفي نفس الوقت للحفاظ على فعاليَّة العلاج.
  3. المتابعة الطبيَّة المنتظمة
    • الفحوصات الدوريَّة: يجب على المصابين بفيروس HIV متابعة حالتهم الصحيَّة بانتظام مع الطبيب المعالج، وتشمل هذه الفحوصات مراقبة مستويات الفيروس في الدم وفحص وظائف الكبد والكلى وأيَّة مضاعفات أخرى.
  4. إدارة الأعراض والمضاعفات
    • الأعراض والمضاعفات: يمكن أن يعاني المصابون بفيروس HIV من أعراض ومضاعفات مرتبطة بالفيروس أو العلاج، لذا من المهمّ إدارة هذه الأعراض والمضاعفات بالتعاون مع فريق الرعاية الصحيَّة.
المصدر
"HIV/AIDS." World Health Organization."HIV Basics." Centers for Disease Control and PreventionHIV/AIDS." Mayo Clinic.HIV and AIDS." WebMD. WebMD.
اظهر المزيد

نفين سمهوري

خبيرة في مجال الصحَّة الإنجابيَّة والجنسيَّة، مدربة معتمدة في مواضيع الصحَّة الإنجابيَّة والتدابير السريريَّة لحالات الناجين من الاغتصاب والاعتداء الجنسي ، ومحاضرة سابقة في جامعة الملك سعود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى