العُنف الولادي المسكوت عنه، وحقّ والمرأة في ولادة آمنة
لا شكّ بأنَّ تجربة الحمل والولادة هي إحدى أهمّ التجارب التي يمكن أن تخوضها النساء، وأكثرها عُمقًا وتأثيرًا في النفس، إذ يُثمر المخاض عن واحدةٍ من أسمى المشاعر الإنسانيَّة وهي مشاعرُ الأمومة التي تُحيلُ الحياة إلى نُسخةٍ أكثر دفئًا، وإشراقًا، ومسؤوليَّة، وامتلاء.
ومع ذلك تواجه النّساء من مُختلف أنحاء العالم يوميًّا حالات من العنف الصامت أثناء عمليَّات الولادة، والتي من شأنها أن تُشوّه هذه التجربة، وتُحيلها إلى ذكرى قاسية، ورُبَّما إلى ندبةٍ لا تُمحى من أذهان الأمَّهات.
مفهوم العُنف الولادي .. نظرةٌ عامَّة
يُوصف العُنف الولادي (بالإنجليزيَّة: Abuse During Childbirth) على أنَّه التعرُّض لسوء المُعاملة أثناء مرحلة المخاض، أو بعد الفراغ من الولادة، بداية من الاستخفاف بمشاعر الأمَّهات، مُرورًا بالتمييز على أساس العِرق، أو اللَّون، أو المظهر، وانتهاءً بحالات الاعتداء الجسدي والتعنيف النفسي للأمَّهات.
وقد عرّفت مُنظَّمة الصحَّة العالميَّة العُنف الولادي أنه:“ التعدّي على جسد السيّدات من قِبل العاملين في المجال الصحّي، بصورةٍ علاجيَّة لا إنسانيَّة، يغلُب عليها الطابع التعسّفي، وسلب السيَّدات الخصوصيَّة، والقدرة على اتِّخاذ قراراتهنّ بحريَّة بشأن أجسادهنّ وحياتهنّ الجنسيَّة، الأمر الذي يترك عواقبهُ الوخيمة على صحَّة المرأة وحياتها“.
وقد صُنِّف العُنف الولادي كأحد أشكال العُنف تجاه النساء، فضلًا عن كونه أحد الظواهر المُتشرة عالميًّا على مدار عدَّة سنوات، والتي باتت تلقى طريقها بصورةٍ ملحوظة نحو دول الشرق الأوسط خلال الآونة الأخيرة، إلى حدٍّ يُنذر بالخطر، وتتمثَّل أبرز مُمارسات العنف الولَّادي في ما يلي:
- تجاهل الشعور بالألم: يتمثَّل هذا الشكل من أشكال العنف الولادي في تجاهل شهور المريضة بالألم، وعدم إخضاعها للمُراقبة الطبيَّة اللازمة.
- بضع الفرج دون موافقة: بضع المهبل أو شقّ العجان (بالإنجليزيَّة: Episiotomy) هو قطع جراحي يُجريه الطبيب عند فتحة المهبل أثناء الولادة، للمساعدة على الولادة الصعبة، دون استئذان المريضة أو الحصول على مُوافقتها المُسبقة.
- استخدام القوّة: تتعرَّض بعض السيِّدات إلى العنف الولادي في صورة استخدامٍ مُفرطٍ للقوّة خلال عمليَّة الولادة، مثل الضغط الشديد على البطن، أو العنف خلال سحب الجنين من الرَّحم الأم.
- اللَّمس المهبلي المفرط: قد تتعرّض السيِّدات إلى اللَّمس المهبلي المُفرط أو غير المناسب أثناء عمليَّة الولادة أو عند التخدير.
- التعدِّي اللَّفظي: تشكو الكثير من السيِّدات من التعدِّي اللفظي عليهنّ أثناء الولادة، مثل إسماعهن كلماتٍ جارحة، أو ألفاظ خادشة.
- انتهاك الخصوصيَّة: تُعاني السيِّدات من انتهاك خصوصيتهنّ أثناء الولادة، والاطِّلاع على عوراتهن، والذي قد يتمثَّل في حضور الولادة من قبل أشخاصٍ من خارج الفريق الطبِّي.
- تسريع الولادة: في بعض الأحيان قد تُعطى النساء بعض الأدوية لتسريع الولادة، واستثارة الطّلق، أو ما يُعرف بالطلق الصناعي (بالإنجليزيَّة: labor Induction)، دون الحصول على موافقة الأمَّهات.
اقرأ أيضًا: كيف أحمي نفسي من قصّ العجان؟
العُنف الولادي .. بالأرقام
أشارت دراسةٌ أجرتها منظَّمة الصحَّة العالميَّة، أنَّ حوالي 42% من السيِّدات اللواتي شملتهنّ الدراسة (والبالغ عددهُن 2672 سيّدة) قد تعرّضن للعنف أثناء الولادة، كما أردفت الدراسة بأنَّ ثلث السّيدات في غانا، وغينيا، ونيجيريا، وميانمار، قد تعرَّضن لهذه الانتهاكات.
كما أشارت الدراسة ذاتها إلى أنَّ ما يزيد على 75% من السيِّدات اللواتي شملتهنّ الدراسة قد تعرّضن لشقّ العجان، دون الحصول على موافقةٍ مُسبقةٍ منهُنّ، بينما بلغت نسبة السيِّدات اللواتي انتهكت خُصوصيتهنَّ أثناء الفحص المهبلي حوالي 59%، إلى جانب 57% من السيِّدات اللواتي أشرن إلى أنَّهن لم يحصلن على مُسكِّنات الألم خلال الولادة.
الولادة القيصريَّة بحثًا عن المال
تُعدُّ الولادة القيصريَّة دون الحاجة المُلحّة إليها شكلًا من أشكال العنف أثناء الولادة، وخلال السنوات الماضية، لوحظ ازدياد معدَّلات الولادة القيصريَّة في البلدان العربيَّة، واعتبارها الخيار الأوَّل بالنسبة لأطبَّاء التوليد، وقد عُزي هذا الأمر إلى الفارق المادِّي ما بين تكلفة الولادة الطبيعيَّة والولادة القيصريَّة.
وتُشير التقارير إلى تضاعف أعداد الولادات القيصريَّة إلى ما يزيد على 3 أضعافٍ تقريبًا خلال الـ 30 عامًا الماضية، وهي تُعدُّ شكلًا من أشكال العنف الولادي، إذ من شأنها أن تزيد من نِسب الوفيَّات للأمَّهات بنسبة 60% على الأقلّ.
مُضاعفات العُنف الولادي النفسيَّة
يُسفر التعنيف أثناء الولادة عن العديد من الآثار الوخيمة على الصحَّة النفسيَّة للسيِّدات، وتشمل أهم مُضاعفاته النفسيَّة ما يلي:
- فقدان الثقة بالنفس.
- الإصابة بالاكتئاب.
- العُزلة الاجتماعيَّة.
- اضطراب القلق العام.
- الإصابة بفوبيا الولادة.
- فُقدان الثقة بالآخرين.
كيف نقي أنفسنا من العنف الولاديّ؟
على الرغم من أنَّ تجربة الولادة تُعدّ تجربةً مؤلمة؛ إلا أنَّ الحصول على الرعاية الطبيَّة اللازمة، والدعم النفسي من الزوج، والأسرة، والأطبَّاء من شأنه أن يُخفِّف من وطأتها على النفس، وتجعل منها تجربةً رائعة.
وضمن هذا الإطار يُقدّم لك الخبراء العديد من النصائح التي من شأنها أن تساعدك على الوقاية من العنف أثناء الولادة، ومن أبرزها:
أولًا – أحيطي نفسك بالمُقرّبين:
احرصي على إبقاء المُقرَّبين من الأصدقاء، وأفراد العائلة، والزوج على مقربةٍ منك خلال الولادة، هذا الأمر من شأنه أن يمنحك شيئًا من الطمأنينة، والدعم الذي تحتاجينه خلال وقت الولادة.
ثانيًا – اتَّبعي حدسكِ:
احرصي على مُراقبة الطريقة التي يتعامل معك الطبيب بها خلال زيارات المُتابعة الدوريَّة طوال فترة الحمل، هذا الأمر من شأنه أن يُعطيكِ انطباعًا حول سلوك الطبيب معك خلال الولادة.
ففي حال ما إذا لاحظت تعنُّتًا من قبل الطبيب في إيضاح تفاصيل العلاج، أو معلوماتٍ عن صحَّة الجنين، وصحّتك الشخصيَّة، أو إذا لاحظت قسوةً في أثناء الفحص، فاحرصي على البحث عن طبيبٍ آخر.
ثالثًا – تحلّي بالشجاعة:
من الضروري أن تتحلّي بالشجاعة الكافية تجاه أي محاولةٍ لتعنيفك خلال الولادة، لا تسمحي لأيّ من الطاقم الطبِّي المرافق بالتعدِّي على خصوصيّتك، أو التعدِّي عليك لفظيًّا أو جسديًّا.
رابعّا – تسلّحي بالمعرفة:
احرصي على القراءة والاطّلاع المُكثَّف خلال الفترة التي تسبق الولادة عن كافة الأمور التي تتعلَّق بالمخاض، من أجل أن تكوني على دراية بكافة الاحتمالات، والأمور التي قد تتعرّضين لها خلال هذه الرحلة.
اقرأ أيضًا: الاستعداديَّة لممارسة الجنس بعد الولادة
مُناشدات المُنظَّمات الأمميَّة
خلال وقتٍ سابق، ناشدت منظَّمة الأمم المُتَّحدة بضرورة تسليط الضوء على قضيَّة العنف الولاديّ، ليس على اعتبارها ظاهرةً مُنقطعة السياق، وإنما قضيَّة ترتبط جذورها في الأساس بقضايا العنف أو التمييز القائم على النوع الاجتماعي، أو ما يُطلق عليه عالميًّا:” العُنف تجاه السيِّدات”.
كما دعت المُنظَّمة دول العالم إلى ضرورة تعزيز الخدمات الصحيَّة المُقدّمة للنساء من مُختلف الأعمار، وتطبيق السياسات الرادعة للقضاء على التمييز والعنف القائم على نوع الجنس، وخاصَّةً فيما يتعلّق بالقطاع الطبّي والحقّ في الحصول على الرعاية الصحيَّة الأساسيَّة.