الكروموسومات الجنسيَّة هي السرّ! من المسؤول عن نوع الجنين؟

اقرأ في هذا المقال
  • ما المقصود بالكروموسومات الجنسيَّة؟ وما أنواعها؟
  • كيف تساهم الكروموسومات الجنسيَّة في تحديد نوع الجنين؟
  • الكروموسومات الجنسيَّة هي السرّ وراء السمات الجسديَّة المميَّزة للجنسين!
  • الحقن المجهري، خيارك الوحيد لتحديد نوع الجنين في الحمل القادم!
  • خلل واحد يتسبَّب في ظهور حالات نادرة!

اعتمد العلماء قديمًا على طرق بدائيَّة للغاية في تحديد نوع الجنين، فقد اعتقد أرسطو -على سبيل المثال- أنَّ حرارة الزوج في أثناء الجماع، من شأنها أن تساهم بصورةٍ ما في تحديد نوع الجنين. وأوضح أرسطو في نظريّته، أنَّه كلَّما كان الزوج أكثر حرارةً من الزوجة، زادت احتمالات حصولهما على جنين ذكر، أمَّا إذا كانت الزوجة شديدة البرودة، أو كانت حرارة الزوج ضعيفة، سيكون الجنين أنثى بنسبة كبيرة.  لكن سرعان ما انتهى اعتمادهم على هذه التكهُّنات فور اكتشاف الكروموسومات الجنسيَّة، فما هي هذه الكروموسومات؟ وما أنواعها؟ وما دورها في تحديد نوع الجنين؟ هذا ما نناقشه تفصيلًا في فقرات مقالنا اليوم، فتابع القراءة.

ما المقصود بالكروموسومات الجنسيَّة؟ وما أنواعها؟

الكروموسومات الجنسيَّة هي نوع الكروموسومات المسؤولة عن تحديد جنس الجنين ليس في الإنسان فقط، بل الكائنات الحيَّة بصفة عامَّة، وتتضمَّن نوعين أساسيَّين، هما: 

  • الكروموسوم X.
  • الكروموسوم Y.

وقد اكتُشفت الكروموسومات الجنسيَّة في أوائل القرن العشرين، عندما عزم بعض العلماء على تحليل التركيب الكروموسومي لحشرات من كلا الجنسين، وأشارت النتائج إلى أنَّه رغم تساوي عدد الكروموسومات واصطفافها في صورة أزواج متماثلة في خلايا كلّ الحشرات -ذكورًا وإناثًا-، ظهر اختلاف في الشكل بين زوج منهم في بعض الخلايا؛ ما دفعهم إلى عمل مزيد من الاستقصاءات.

وبالبحث والتتبُّع، لاحظ العلماء والمتخصِّصون وجود ارتباط واضح ومباشر بين تلك الكروموسومات المتباينة ونوع الحشرة المفحوصة، إذ وُجد أنَّ الفرق بين الجنسين يكمن في أنَّ جميع خلايا الإناث تحمل كروموسومين من النوع X، بينما تنطوي خلايا الذكور على كروموسوم واحد فقط من النوع X، والآخر من النوع Y، الأمر الذي أثار دهشتهم وانتباههم في ذات الوقت .. تُرى لماذا؟!

كيف تساهم الكروموسومات الجنسيَّة في تحديد نوع الجنين؟

تتكوَّن الكروموسومات الجنسيَّة (X وY) من مجموعة من الأحماض والبروتينات التي ترتبط مع بعضها البعض حاملةً مجموعة كبيرة من المعلومات الوراثيَّة المسؤولة عن تطوُّر ونموّ أجزاء معيَّنة في جسم الجنين، وهي الجهاز التناسلي والصفات الخارجيَّة التي تظهر عليه وفقًا لنوعه، سواء كان ذكرًا  أو أنثى.

مقالات ذات صلة

وعادةً ما تبدأ عمليَّة تحديد جنس الجنين فيسيولوجيًّا فور حدوث الإخصاب، أي بعد اتِّحاد الحيوان المنوي مع البويضة الناضجة، وتكوّن مجموعة من الخلايا تُعرف علميًّا باسم (الزيجوت)، والذي يحمل مزيجًا من المعلومات الوراثيَّة الخاصَّة بالأبوين، فيرث نصفها تمامًا من الأب والنصف الآخر من الأم، متضمِّنًا كروموسوم جنسي واحد فقط من كل منهما، إمَّا X من البويضة، وإما Y أو X من الحيوان المنوي، ومن ثمّ:

  • إذا اتَّحدت البويضة التي تحتوي على كروموسوم x مع الحيوان المنوي الذي يحمل الكروموسوم x أيضًا، يكون الجنين في النهاية أنثى.
  • أما إذا اندمجت البويضة من النوع x مع الحيوان المنوي الذي يحمل الكروموسوم y، يكون الجنين المتكون ذكرًا.

وهذا هو عين ما أدهش العلماء ولفت انتباههم؛ فبعكس الاعتقاد الشائع بأنّ الزوجة هي دائمًا وأبدًا المسؤولة عن إنجاب الإناث فقط، اتَّضح علميًّا أنَّ الزوج هو العامل الأساسي في عمليَّة تحديد جنس الجنين، وذلك لأنَّ الحيوانات المنويَّة التي تحمل نصف المادة الوراثيَّة من الأب، هي نفسها التي تحمل أحد نوعين من الكروموسومات الجنسيَّة وهما X أو Y، بعكس الوضع مع البويضة والتي تحمل كروموسوم X على كل حال.

الكروموسومات الجنسيَّة هي السرّ وراء السمات الجسديَّة المميَّزة للجنسين!

بالاستناد إلى العديد من الأبحاث التي أجراها علماء الأحياء والوراثة في ثمانينات القرن العشرين، وُجد أنَّ الكروموسوم Y يحتوي على بروتين يُسمَّى (SRY)، والذي عُرِف بعد ذلك أنَّه المسؤول عن بدء عمليَّة تطوُّر الجهاز التناسلي الذكري في الأسبوع السابع أو الثامن من الحمل، ومن ثمَّ نموّ الخصيتين و إنتاجها لهرمون التستوستيرون المسؤول عن تكوُّن العضو الذكري والحويصلات المنويَّة وغدَّة البروستاتا، إضافةً إلى ظهور السمات المميَّزة للذكور في مرحلة البلوغ، مثل شعر الوجه والجسم، وخشونة الصوت، وغيرها.

وفي حال غياب بروتين SRY -قاصدين أنَّ الجنين يحمل الكروموسومين XX-، تتزايد نسبة الهرمونات المسؤولة عن بدء عمليَّة تطوُّر الجنين إلى أنثى في الأسبوع التاسع أو العاشر من الحمل، وتتشكَّل الأعضاء الخارجيَّة للجهاز التناسلي في غضون ما يقارب 12 أسبوعًا، ثمَّ تلعب الهرمونات الأنثويَّة دورها في مرحلة البلوغ، فيظهر على الفتاة عدَّة تغيُّرات جسديَّة منها رقَّة الصوت، ونموّ الثدي، وغيرها من الأمور التي تتعلَّق بدورة الحيض.

وفي السياق ذاته، يمكننا القول إنَّ المعلومات المطروحة في الفقرات السابقة قد منحتنا للتوّ تفسيرًا منطقيًّا بشأن فشل أغلب المحاولات التقليديَّة الشائعة في بعض المجتمعات للأسف بخصوص تحديد نوع الجنين، والتي قد تتضمَّن: 

  • تناول الزوجة فواكه معيَّنة في أيَّام التبويض، أو أن يأكل الزوج طاجنًا من البصل مع البيض والعسل.
  • الحرص على الجماع في أيَّام ذات تاريخ زوجي أو فردي.
  • التبرّك ببعض الآثار التاريخيَّة.
  • إرهاب الزوجة وإخضاعها للجماع بصورة فظَّة أو رش الملح على رأس الحامل في أثناء نومها لإنجاب ذكر. 

وغيرها الكثير من الخرافات الشعبيَّة التي ليس لها أي أساس علمي، وإن نجحت هذه الأساليب مع البعض، فتكون بمحض الصدفة ولا يدلُّ ذلك على فعاليتها، إذ يستدعي التحديد الفعلي لنوع الجنين انتقاء الأجنَّة من النوع المطلوب وزراعتها في الرحم وانتظار حدوث الحمل، ولا يمكن ذلك إلا من خلال طريقة واحدة فقط! 

الحقن المجهري، خيارك الوحيد لتحديد نوع الجنين في الحمل القادم!

بناءً على ما ذكرناه سلفًا من معلومات عن الكروموسومات الجنسيَّة، نجد أنَّ الطريقة الوحيدة والمضمونة لتحديد نوع الجنين هي فحصه وراثيًّا، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بالخضوع لإحدى تقنيات الإخصاب المساعد، وهي:

  • الحقن المجهري.
  • أطفال الأنابيب.

إذ تنطوي خطواتها باختصار على تخصيب البويضة الناضجة بالحيوان المنوي خارج الرحم لتكوين الزيجوت في ظروف معمليَّة مناسبة، ثمَّ نقلها إلى حضّانات، حيث البيئة المخصَّصة لتحفيز انقسام خلاياها، ومتابعة تطوُّرها إلى أجنَّة.

وفي هذه المرحلة، يمكن أخذ عيِّنات من الأجنَّة المتكوِّنة وفحص خلايا هذه الأجنَّة وراثيًّا، ومن ثمَّ فصل الذكور عن الإناث، وزراعة النوع المرغوب في الرحم.

ولعلَّ البعض يتساءل الآن مستحضرًا متلازمة داون .. هل يمكن أن تتعرَّض الكروموسومات الجنسيَّة للطفرات كما هو الحال مع الكروموسومات العاديَّة؟ وهو ما نجيب عنه في فقرتنا التالية.

خلل واحد يتسبَّب في ظهور حالات نادرة!

إنَّ حدوث أي خلل في أثناء رحلة تضاعف الكروموسومات -لا سيما الجنسيَّة منها- وانقسامها خلال تكوين خلايا البويضة أو الحيوان المنوي، يمكن أن يتسبَّب في ظهور بعض الحالات النادرة التي يحمل فيها الأجنَّة، سمات مختلفة عن أقرانهم الأصحَّاء.

ولعلَّ أشهر هذه الحالات:

متلازمة ثلاثيَّة إكس

متلازمة ثلاثيَّة إكس أو كما تُعرّف وراثيًّا (47 ,XXX) هي اضطراب وراثي يُصيب أنثى واحدة من بين ألف فتاة جرَّاء حدوث خلل عند تضاعف كروموسوم X في أثناء تكوين البويضات، ما يؤدِّي إلى تكوّن أجنَّة تحتوي خلاياها على ثلاث كروموسومات من النوع X.

وتتباين العلامات التي تظهر على الفتيات إثر إصابتهن بهذه المتلازمة، فبعضهن لا يعانين أي أعراض ملحوظة، ولا يدركن إصابتهن بهذا الخلل من الأساس، بينما تظهر أخريات بطول أكثر من المعتاد، بالإضافة إلى:

  • تباعد العينين.
  • التوتُّر العضلي.
  • تأخُّر النموّ وصعوبات التعلُّم.
  • ضعف في عضلة القلب، وتشوُّهات في الجهاز البولي والكلى في حالات نادرة.

إلى جانب ذلك، قد تواجه بعضهنَّ، صعوبةً في الإنجاب، أو انقطاع مبكِّر للطمث.

متلازمة تيرنر

تُصيب هذه المتلازمة الإناث أيضًا، إثر حدوث نقص أو خلل في الكروموسومات الجنسيَّة عند انقسام الكروموسوم X في خلايا البويضات، إذ تظلّ نسخة منه في بويضة بينما يختفي تمامًا في أخرى، ومن ثم تتَّحد البويضة التي تخلو من  الكروموسوم X مع الحيوان المنوي الذي يحمل نظير نفس الكروموسوم، فتكون النتيجة جنينًا (أنثى)، تحتوي خلاياها على كروموسوم X واحد فقط.

ولا شكَّ أنَّ هذا النقص، يؤثِّر بقوَّة في التطوّر الجسماني والعقلي لدى هؤلاء الإناث، إذ تظهر أعراض هذه المتلازمة متمثِّلةً في:

  • قصر القامة.
  • تراجع في النموّ مقارنةً بأقرانهنَّ الأصحَّاء.
  • تأخّر البلوغ والحاجة إلى التدخُّل بالعلاج الهرموني في بعض الحالات.
  • صغر حجم الثدي واضطرابات الدورة الشهريَّة المستمرَّة.
  • التصبُّغات الجلديَّة.
  • الأذن السميكة أو المنخفضة.
  • الفكّ السفلي الصغير والمتراجع.
  • انخفاض خطّ الشعر من الخلف.
  • الرقبة القصيرة والعريضة.

وهناك العديد من الحالات التي تحدث بسبب حدوث خلل في الكروموسومات الجنسيَّة -والتي لا يسع ذكرها مقالة واحدة-، لكن هذا هو ما يثبت دورها الفعَّال في تحديد جنس الجنين، وضمان تمتّعه بصحَّة جيِّدة سواء على الصعيد الجسدي عمومًا، أو الجنسي بصفة خاصَّة.

إلى هنا ينتهي حديثنا عن الكروموسومات الجنسيَّة؟  السرّ في الكروموسومات الجنسيَّة!، ولا يسعنا إلا أن  ننصحكم بعمل فحص وراثي للأجنَّة، إذا كان لديكم تاريخ وراثي في العائلة للإصابة بأحد الاضطرابات الوراثيَّة.

المصدر
National Human Genome Research Institute. (n.d.). Sex chromosome.Nature. (n.d.). Genetic mechanisms of sex determination. Nature. (n.d.). Genetic mechanisms of sex determination. Cleveland Clinic. (2021). Triple X syndrome. Cleveland Clinic. (2021). Turner syndrome.
اظهر المزيد

اسراء سامي

إسراء سامي هي خبيرة في مجال صناعة المحتوى، حازت على درجة البكالوريوس في المجال الطبي. تتميز بخبرتها الواسعة في كتابة المحتوى العلمي والثقافي المتنوع. اهتمامها البارز ينصب في القضايا الصحية وشؤون المرأة، بما في ذلك الصحة الجنسية والإنجابية. تتقن كتابة مقالاتها باللغة العربية، مستندة إلى خلفيتها العلمية، بهدف تقديم معرفة قيمة وموثوقة للقراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى