الدعم النفسي لضحايا العنف الجنسي من النّساء

- الدعم النفسي لضحايا العنف الجنسي من النّساء
- ما هو العنف الجنسي، وما هي أشكاله؟
- ما هي التأثيرات النفسيَّة للتعرُّض للعنف الجنسي؟
التعرُّض للعنف الجنسيّ هو واحد من أكبر الصعوبات التي قد تتعرَّض لها الإناث، والتي تُخلِّف العشرات من الآثار النفسيَّة والجسديَّة، التي قد تحتاج لسنوات للتعافي منها والتغلُّب عليها، لما لها من عميق الأثر في علاقة الأنثى بنفسها، وبالمجتمع من حولها. صحيح أنَّ القانون والمجتمع يلعبان دورًا كبيرًا في حماية السيِّدات من التعرُّض للعنف الجنسي، والسيطرة على انتشاره، ووضع قانون رادع لمُرتكبيه، إلا أنَّه رغم ذلك، ورغم تطوُّر القوانين، وزيادة الرقابة، ومجهودات حقوق المرأة، وحقوق الإنسان، ما زالت نسبة كبيرة من السيِّدات يتعرَّضن للعنف الجنسيّ في المنزل وفي العمل وفي الشارع، وعلى مختلف الأصعدة. لهذا على الرغم من أهميَّة ومحوريَّة دور الوقاية والحماية لمنع الأذى من منبعه، فإنَّ دور الدعم النفسي والاجتماعي لا يقلُّ أبدًا في ضرورته ومركزيّته للتعامل مع ما يُخلِّفه العنف الجنسي من آثار نفسيَّة وجسديَّة للضحايا.
ما هو العنف الجنسي، وما هي أشكاله؟
العنف الجنسيّ هو أي شكل من أشكال الاعتداء أو القهر أو الإساءة التي تتَّخذ طابعًا جنسيًّا، والتي تَنطوي على إساءة استخدام للسلطة أو النفوذ لاستغلال الآخر لأغراض جنسيَّة. ومن أمثلة العنف الجنسي:
- التحرُّش الجنسيّ: ويشمل كل تعدٍّ جنسيّ بالفعل أو باللفظ أو بالنظر، وما يندرج تحت ذلك من تلميحات أو تعليقات جنسيَّة غير مرغوب فيها. وقد يحدث التحرش في المناطق العامَّة مثل المواصلات أو الشوارع أو المناطق التجاريَّة أو حتى في العمل، كما أنَّه قد يحدث داخل دوائر العائلة الصغيرة والكبيرة.
- الاعتداء الجنسيّ: ويعني مُمارسة أي نشاط جنسيّ بدون مُوافقة الطرف الآخر، وقد يتضمَّن مُلامسات جنسيَّة غير مَرغوبة، أو الإرغام على أفعال جنسيَّة تحت التهديد.
- الاغتصاب: وهو من أكبر وأقسى أشكال العنف الجنسي، حيث يعني إكراه الضحيَّة على العلاقة الجنسيَّة بالعنف سواء تحت التهديد أو باستخدام القوَّة والقهر.
- الاستمناء أو استعراض المناطق الخاصَّة في الأماكن العامَّة: صحيح أنَّ الضحيَّة في هذه الحالة لا يتمّ استخدام القوَّة ضدّها، إلا أنها تُخترَق بمشاهدة عكسيَّة صادمة غير لائقة وغير مرغوب فيها.
- الإكراه الجنسيّ: وهو ما يحدث عندما تكره الضحيَّة على ممارسة نشاط جنسيّ تحت التهديد أو الابتزاز النفسيّ، قد يحدث في العمل من الرئيس إلى مرؤوسيه، كما أنَّه قد يحدث أيضًا بين الزوج وزوجته، ما لم يتمّ احترام رغبة وقرار الآخر.
- التحرُّش بالأطفال: وهو أحد أسوأ الاعتداءات الجنسيَّة، ومن أكثرها انتشارًا في السنوات الأخيرة وفقًا للدراسات. ويعني ما قد يتعرَّض له الأطفال من استغلال جنسي، خاصَّة من الكبار، سواء عن طريق التلاعب النفسي والعاطفي بهم، أو باستغلال خوفهم، أو عن طريق تهديدهم للتكتُّم على هذه الاعتداءات الفجَّة.
- الاعتداء أو التحرُّش الإلكتروني: ويشمل المُلاحقة الإلكترونيَّة بالتعليقات والرسائل ذات الطابع الجنسيّ، أو إرسال محتوى ذو طابع جنسي، أو حتى استخدام أدوات إلكترونيَّة لابتزاز الضحيَّة جنسيًّا وإرغامها على أفعال لا تُريدها.
- الاتجار بالبشر: ويعني استخدام البشر واستغلالهم جنسيًّا كسلعة من أجل تحقيق مكاسب ماديَّة. وقد يتضمَّن الاتِّجار بالبشر بجانب العنف الجنسيّ الحجز أو الاختطاف أو النقل من دولة إلى دولة، وغالبًا ما يكون ذلك ضمن شبكة سريَّة للدعارة، أو للاتجار بالبشر.
ما هي التأثيرات النفسيَّة للتعرُّض للعنف الجنسي؟
يتعرَّض ضحايا العنف الجنسيّ للعشرات من التبعات النفسيَّة والصحيَّة والاجتماعيَّة جرَّاء التعرُّض للتحرُّش أو الاعتداء أو الاستغلال الجنسي. حتَّى أنَّ هذه التأثيرات قد لا تكون واضحة للعيان. فقد تعيش الضحيَّة بشكل عادي وتؤدِّي أدوارها الاجتماعيَّة بشكل متوقَّع، ولكن هذا لا يعني أنَّها لا تُعاني داخليًّا، بل وتحتاج للدعم والعلاج اللذين قد يمتدَّا لسنوات للتغلُّب على آثار التعرّض للعنف الجنسي. ومن أهمّ التأثيرات التي يُخلِّفها العنف والاعتداءات الجنسيَّة:
التأثيرات النفسيَّة للتعرُّض للعنف الجنسي:
على اختلاف الأعراض أو الاضطرابات التي قد تَنجُم عن التعرُّض للعنف الجنسيّ، فإنَّها غالبا ما تشترك في شعور بالخوف والقلق، وعدم القدرة على الاندماج الاجتماعي بسهولة، والشعور المُتراكم بالغربة، وبالذنب، وبالخجل والخزي. كما أنَّها تترك إحساسًا عامًّا بعدم الأمان، واسترجاع المواقف والصور والذكريات السلبيَّة بشكل يؤثِّر على الاستمتاع بأنشطة الحياة اليوميَّة، وأيضا على القدرة على التركيز، وإنجاز المهامّ والأدوار الحياتيَّة. ومن أشهر الاضطرابات والأعراض النفسيَّة المرتبطة بضحايا العنف الجنسي من النساء :
- اضطراب كرب ما بعد الصدمة.
- القلق.
- الهلع.
- الاكتئاب.
- فقدان الثقة في النفس.
- الشعور بالخجل والخزي.
- حدّيَّة المشاعر وسرعة تقلّبها.
- الشعور بالعجز وقلّة الحيلة والمحدوديَّة.
- سرعة الغضب وعدم القدرة على السيطرة على المشاعر.
كما أنَّهم قد يُعانون من بعض الآثار الجسميَّة مثل:
- اضطرابات الأكل، أو فُقدان واضح للشهيَّة، أو فُقدان للوزن.
- الأمراض النفس/ جسديَّة والتي تظهر أعراضًا جسديَّة متنوِّعة لأسباب نفسيَّة.
- فُقدان الاهتمام أو الدافع الجنسي.
- الأرق واضطرابات النوم.
الدعم النفسي لضحايا العنف الجنسي
يُعتبر الدعم النفسي هو طوق النجاة الذي يتعلَّق به لضحايا العنف الجنسي من النّساء للوصول إلى برِّ الأمان والسلام النفسي، بعد معركة قاسية وحزينة تترك ندوبها وجروحها النفسيَّة والعقليَّة على حياتهم وأذهانهم وعلاقتهم بأنفسهم وبالمجتمع من حولهم. فكيف يمكن تقديم الدعم النفسي لشخص تعرَّض للعنف الجنسي؟
- التفهُّم وتَجنُّب النظرة الحاكمة أو الـ Judging : توضح الدراسات أنَّ نسبة كبيرة من اللاتي تعرَّضن للعنف الجنسي بشتى أنواعه، يُفضّلن إخفاء الأمر وعدم المُصارحة به، بل وأحياناً يرفضن اتِّخاذ خطوات قانونيَّة ضدّه. هذا الخوف غالبًا، ما يكون بسبب القلق من تعرّضهن للتكذيب وألا يُصدقهن أحد، أو بسبب خوفهن من الحكم عليهن، ومحاكمتهن واتّهامهن بأي شكل من الأشكال. لذا فمن المهم التعامل بإنصاف مع الضحايا، وعدم توجيه التهم إليهنّ، ومُحاصرتهن بها، فيما هنَّ ضحايا وليسوا جناة.
- التأكيد على الجاني الحقيقي والضحيَّة الحقيقيَّة: تشعر الضحيَّة غالبًا بما فيه الكفاية من مشاعر الخجل والعار، وقد ينتابها خلط أو ارتباك حقيقي ما إذا كانت مسؤولة عمَّا حدث لها بأي شكل من الأشكال. لهذا السبب، لا بد من التأكيد على أنَّ المعتدي/ المتحرِّش أو غيره هو الشخص المُجرم والمُخطئ الوحيد في هذه المعادلة وليست الضحيَّة، التي قد تكون تعرَّضت للعنف البدني، أو الابتزاز العاطفي والنفسي، أو التهديد بشتَّى أنواعه. وهي في كل هذه الحالات ضحيَّة وليست مُذنبًا أو جانية. وهذا التوضيح له دور كبير في تحديد الموقف النفسي للضحيَّة، وإعادة تشكيل علاقتها بنفسها.
- الانتباه للحديث وما قد يحمله من اتِّهامات أو ضغوط: غالبًا ما يعاني ضحايا العنف الجنسي من هشاشة نفسيَّة أكثر من سواهم. وغالباً ما تكون علاقتهم بالمجتمع مُتوتِّرة ومُرتبكة، ولا يشعرون بالثقة والأمان بسهولة، كما أنَّهم غالبا أكثر حساسيَّة للكلام العادي. لذا من المهمّ الانتباه للحديث معهم، والتأكيد من خلاله على:
- أنَّهم محلّ ثقة وتصديق، وأنَّه لا يوجد تشكيك أو تكذيب في تجربتهم.
- أنَّ محيط الأسرة والأصدقاء هنا للمساعدة والدعم ومستعدّون لذلك.
- أنَّه يتم سماعهم بحريَّة وبوعي، وبدون قيود أو مقاطعات.
- احترام قراراتهم ومساحتهم الشخصيَّة، ورغبتهم أحيانًا في الانعزال أو الانفراد بأنفسهم.
- عدم الضغط عليهم للتجاوز والعودة للحياة الطبيعيَّة، واحترام أنَّ التعافي من التجارب النفسيَّة والجسديَّة العنيفة التي تحتاج وقتًا يختلف من فرد إلى آخر ومن ظرف إلى غيره.
- تجنّب اللّوم والعتاب واقتراح حلول مُتأخِّرة للتجربة التي تعرَّضوا لها، لأنَّ هذا لا يساعد في الوقت الحالي، بل يزيد الشعور بالضغط.
- احترام الخصوصيَّة والاحتفاظ بالسريَّة، بناء على ما يحتاجه ويطلبه الشخص.
البحث عن الجهات المتخصِّصة في تقديم المساعدة: المساعدة النفسيَّة المتخصَّصة قد تكون أحد أهمّ الخطوات التي يحتاجها هي الدعم النفسي لضحايا العنف الجنسي من النّساء . لذا فقد يكون من المهمّ والمفيد مساعدة الضحيَّة بإجراء البحث عن الجهات التي بإمكانها أن تقدِّم المساعدة والدعم النفسيّ، وعرض التعاون بالحجز أو المرافقة أو الاطمئنان الدوري على أنَّ الأمور تسير بسلاسة.