عدوى الهربس عند الأطفال؛ أسبابها وأعراضها وكيفيَّة انتقالها

في اللَّحظة نفسها التي يولد فيها الطفل يولد معه القلق، ذاك الشعور الذي لا يغادر أمّه مع كل خطوة يخطوها في الحياة، فتخشى عليه من الألم والمرض وأي شيء يمكن أن يؤذيه، وودَّت لو وضعته بين جفونها لتحميه من ذرِّ الغبار، لكن للدنيا سُنّتها … ومن أكثر ما يصيب الأطفال في مختلف المراحل العمريَّة بدءًا من الرضَّع إلى المراهقين عدوى الهربس، ولعلَّ ذلك يرجع إلى وجود مصادر متنوِّعة للعدوى، ما يُعرِّضهم لهذا المرض المزعج بسهولة.. تُرى ما هي؟ وكيف يمكن الوقاية منها؟ .. كل هذا وأكثر نجيب عنه في مقالنا فتابعي -عزيزتي الأمّ- قراءته بعناية.
إقرأ ايضاً مقال : فهم الهربس: أسبابه، أعراضه وطرق الوقاية منه
ماذا تعني عدوى الهربس؟ وما أشهر أعراضها؟
عدوى الهربس هي مرض فيروسي يصيب الأعصاب لدى الأطفال، وتظهر أعراضه بعد حدوث العدوى بنحو 10-14 يومًا، وتتمثَّل عادةً في:
- ارتفاع شديد في درجة الحرارة.
- ظهور بثور تحتوي على سوائل حول الفم وعلى اللِّسان واللّثة والحلق، ثمَّ تتحوَّل إلى تقرُّحات مؤلمة.
- سيلان اللّعاب بكثرة لدى الرضع.
- صعوبة البلع وفقدان الشهيَّة.
- سرعة التنفُّس أو صعوبته في بعض الأحيان.
وفي هذا الصدد، ولأنَّ تأخير العلاج قد يسبِّب مضاعفات خطيرة لها تأثيرها طويل الأمد على صحَّة الطفل وقد تكون -لا قدَّر الله- مهدِّدةً لحياته، يؤكِّد الأطبَّاء مرارًا وتكرارًا على ضرورة خضوع الطفل للفحص فور ملاحظة ظهور أي من هذه الأعراض في بدايتها، وذلك لاكتشاف السبب الدقيق وراء ظهورها ومكافحته بالعلاجات المناسبة، وبالتالي يتمكَّن جهاز الطفل المناعي وجسمه من مقاومة هذه الأعراض ليتعافى منها في أقلِّ فترة ممكنة.
لا تستهيني بأعراض الهربس المبكِّرة!
إنَّ التأخُّر في التماس علاج عدوى الهربس عند الأطفال، يمكن أن يؤدِّي إلى حدوث مضاعفات خطيرة، خاصَّةً عند الرضَّع أو الأطفال ذوي المناعة ، إذ تنتقل للجهاز العصبي بمرور الوقت مسبِّبةً ما يلي:
- التهاب الدماغ
يعدُّ من أخطر مضاعفات الهربس، إذ يصل الفيروس إلى الدماغ مدمِّرًا أنسجته العصبيَّة، ومن أهمِّ أعراضه الحمَّى الشديدة، والصداع، والتشنُّجات، وفقدان الوعي، وقد يصل الأمر إلى الإعاقة الدائمة أو الوفاة.
- التهاب السحايا
يمكن أن ينتقل الفيروس إلى السحايا (الأغشية المحيطة بالدماغ والحبل الشوكي) مسبِّبًا الحمَّى، الصداع، تصلُّب الرقبة، وتغيُّرات في الوعي.
- انتشار العدوى المنتشرة
في حالات نادرة، يمكن أن ينتشر الهربس إلى أعضاء الجسم المختلفة، مثل الكبد والرئتين، ما قد يهدِّد حياة الطفل إذا لم يُعالج سريعًا.
- مشكلات في الجلد والعين
تأخُّر علاج الهربس يمكن أن يؤدِّي إلى انتشار التقرُّحات إلى مناطق أكبر من الجلد، وكذلك إلى العين، ممَّا قد يسبِّب التهاب القرنيَّة، ومن ثمَّ يؤثِّر في الرؤية بصورة دائمة.
وتأكَّدي عزيزتي الأم أنَّه كلَّما كان التدخُّل مبكِّرًا، قلَّت احتماليَّة تعرُّض الطفل لهذه المضاعفات الخطيرة وزادت فرصة تماثله للشفاء سريعًا.
أسباب متعدِّدة لعدوى الهربس عند الأطفال ..
تحدث عدوى الهربس عند الأطفال جرَّاء سببين أساسيّين، هما:
- فيروس الهربس البسيط (HSV-1)
يطلق عليه أيضًا فيروس الهربس “الفموي“، ومن اسمه هو المسؤول عن ظهور البثور والتقرُّحات حول الفم واللّسان، وتعدُّ أقلّ ألمًا مقارنةً بنظيرتها الناجمة عن النوع الثاني.
- فيروس الهربس البسيط (HSV-2)
يُعرف هذا النوع علميًّا بفيروس الهربس “التناسلي“؛ إذ ينتقل من الأم إلى الجنين في الرَّحم أو في أثناء الولادة، وتظهر أعراضه متمثّلةً في بثور وتقرُّحات في المنطقة التناسليَّة ومحيطها.
والجدير بالذكر في هذا السياق، أنَّ كلا الفيروسين يمكنه أن ينتقل إلى الأعصاب، ولكن النوع الأول هو الأكثر ارتباطًا بالأعصاب المحيطة بالفم والدماغ، بينما يرتبط الثاني غالبًا بالأعصاب المحيطة بالمنطقة التناسليَّة.
إلى جانب ذلك يمكن أن تصل العدوى إلى الأطفال بسرعة وسهولة من خلال عدَّة طرق مختلفة، نتناولها تفصيلًا فيما هو آت.
3 مصادر أساسيَّة للعدوى تُعرِّض طفلك لخطر الإصابة بفيروس الهربس!
تنتقل عدوى الهربس الفيروسيَّة إلى الأطفال بثلاثة أساليب شهيرة للغاية، وهي:
- تقبيل الرضَّع من الوجه أو الفم
قد ينتقل الفيروس إلى الطفل حال تقبيله في الوجه أو الفم من شخص لديه بالفعل بعض البثور والتقرُّحات حول الفم أو اللِّسان أو غيره، إذ تعدُّ السوائل أو القشور الموجودة بتلك البثور والقرح بيئة غنيَّة بالفيروس، ولذلك ينتقل إلى الطفل بصورة مباشرة.
ولعلَّكِ أدركتِ الآن -عزيزتي الأم- سبب تأكيد الأطبَّاء المتكرِّر على الأمَّهات الجدد على أهميَّة الانتباه والامتناع عن تقبيل أطفالهم من الفم، وكذلك عدم السماح لأي شخص آخر بفعل ذلك -خاصَّةً مع الرضَّع دون 6 أشهر- إذ يولدون بجهاز مناعي غير مكتمل النموّ، وبالتالي لا يمكنهم مقاومة هذه العدوى الشرسة في أسابيعهم الأولى، ما قد يزيد خطر تعرّضهم للإصابة بالهربس.
- إصابة الأم نفسها بالفيروس
إذا أُصيبت الأم بفيروس الهربس -التناسلي- في فترة ما من حياتها أو في الثلث الأخير من الحمل، يمكن أن ينتقل فيروس الهربس من الأم إلى الجنين خلال وجوده داخل الرحم أو عند مروره عبر المهبل في أثناء الولادة، ما يجعل الطفل أكثر عرضة لخطر الإصابة بفيروس الهربس بعد الولادة مباشرةً أو حتى بعد مرور فترة زمنيَّة، الأمر الذي يفسِّر ظهور بثور الهربس وتقرّحاته عند حديثي الولادة في أسابيعهم الأولى.
- انتقال العدوى من طفل إلى آخر
قد تنتقل العدوى بين الأطفال بسهولة، بسبب مشاركة الأدوات أو تبادل الألعاب بعد تلوّثها بإفرازات أو لعاب المصاب، أو تناثر القشور من البثور أو القرح في الهواء.
مهلًا عزيزتي الأم، هل انتابك الفزع بسبب ما تقرأين؟..
اطمئنِّي، فهناك من النصائح ما قد يساعدكِ في حماية صغيرك من هذا المرض، ووقايته من مخاطره الجسيمة، ونوضحها لكِ تفصيلًا في الفقرة القادمة.
إليكِ أهمّ النصائح والتوجيهات لوقاية طفلك من الإصابة بعدوى الهربس
تُقلِّل المواظبة على الإرشادات التالية من احتماليَّة تعرُّض طفلك لفيروس الهربس، وهي:
بالنسبة للآباء
- إبلاغ طبيب النساء والتوليد بالتاريخ الطبِّي، إذا كانت الأم تحمل تاريخًا طبيًّا للإصابة بمرض الهربس في مرحلةٍ ما من حياتها، أو إذا لاحظت ظهور أي بثور في الثلث الأخير من الحمل.
- اتِّخاذ الزوجين الاحتياطات اللازمة عند ممارسة الجماع -استخدام الواقي الذكري على سبيل المثال- إذا كان أحدهما قد أصيب بفيروس الهربس مسبقًا، والامتناع عنه نهائيًّا في حالة إصابة أحدهما بالهربس التناسلي في الوقت الحالي لحين استشارة طبيب متخصِّص.
بالنسبة للأطفال
- تجنُّب تقبيل الأطفال من الوجه أو الفم وتنبيه الآخرين لذلك.
- توعية الأطفال بأهميَّة غسل أيديهم بالماء والصابون بانتظام، خصوصًا عند لمس الوجه أو أي سطح ملوَّث، وكذلك تجنُّب مشاركة المتعلّقات الشخصيَّة (مثل المناشف وأدوات الطعام) مع الآخرين.
- الحرص على الرضاعة الطبيعيَّة وتوفير التغذية السليمة للطفل لتقوية جهازه المناعي.
هناك سؤال يطرح نفسه الآن.. ماذا عن الأطفال الذين أصيبوا بعدوى الهربس بالفعل؟ وهل حقًا أنَّها عدوى دائمة لا تُفارق الجسم مطلقًا؟ .. هذا ما نناقشه في السطور القليلة القادمة.
هل هناك علاج لعدوى الهربس عند الأطفال؟
تنطوي الأساليب التي يتَّبعها الأطبَّاء لعلاج الهربس عند الأطفال على وصف ما يلي:
- مضادَّات الفيروسات القويَّة وأشهرها تلك التي تحتوي على مادة الأسيكلوفير.
- البخَّاخات الموضعيَّة لتسكين الآلام الناجمة عن القرح والبثور الفمويَّة، وتوعية الآباء بالطريقة الصحيحة لاستخدامها.
- خوافض الحرارة المناسبة لحالة الطفل وعمره.
هذا بالإضافة إلى توصية الأمَّهات بضرورة المواظبة على الرضاعة الطبيعيَّة والتغذية السليمة لتقوية مناعة الطفل، من خلال تقديم أطعمة ليِّنة بدرجة حرارة الغرفة، لتجنُّب زيادة التهيُّج والألم في الفم أو الحلق عند البلع.
بتطبيق هذا البروتوكول العلاجي والالتزام بمواعيده، يمكن أن يتعافى الطفل من عدوى الهربس خلال فترة وجيزة، والتي قد تستمرّ نحو 10 أيَّام من بدء ظهور الأعراض.
هل تختفي العدوى بعد العلاج أم تظلّ كامنة في جسم الطفل؟
في الحقيقة بعد العلاج، يتحوَّل الفيروس إلى صورة غير نشطة ولا يغادر جسم الطفل تمامًا، ولا يعني ذلك استمرار معاناته من الأعراض المذكورة سلفًا، بل يحتاج فقط إلى عناية دائمة بجهازه المناعي، لأنَّ أي قصور مفاجئ في المناعة، قد يعرِّضه لتكرار الإصابة مرَّة أخرى.
وعادةً ما تكون الإصابة في المرة الثانية أقلّ شراسة من حيث الأعراض مقارنة بالإصابة الأولى، إذ يكون الجهاز المناعي في حالة أنضج، ويمتلك أجسامًا مضادَّة قد كوَّنها مسبقًا لمواجهة الفيروس.
وفي نهاية حديثنا عن عدوى الهربس، نوصي الآباء بضرورة عدم التهاون بظهور أي من الأعراض التي ذكرناها سلفًا على الأطفال، وعرضهم على الطبيب المتخصِّص فور ظهورها، للسيطرة على العدوى في بدايتها، وتجنُّب تسبّبها في مضاعفات خطيرة قد تفقدهم طفلهم -لا قدَّر الله-.