جائحة كورونا .. كيف أثَّرت في الاتِّزان الهرموني لدى النساء؟

شهد العالم في الأعوام الماضية، واحدة من أخطر الأزمات الصحيَّة التي اجتاحته بشراسة، وهي جائحة كورونا (كوفيد-19)، ذاك الوباء العالمي الذي لم يترك جانبًا من جوانب الحياة، إلَّا وقد أثَّر فيه. وبحسَب تقارير منظَّمة الصحَّة العالميَّة بشأن فيروس كورونا، فقد وُجد أنَّ آثاره السلبيَّة لم تقتصر على الجهاز التنفُّسي أو الصحَّة البدنيَّة للمرضى فقط، بل امتدَّت لتشمل الصحَّة العقليَّة والحالة النفسيَّة لسكَّان العالم أجمع.
فقد ساد شعور الوحدة والقلق والتوتُّر والاكتئاب، إضافةً إلى الضوائق الماديَّة التي وقع فيها البعض، ونظرًا لأنَّ النساء هنَّ الأكثر تأثَّر بهذه الضغوط النفسيَّة والتغيُّرات الحياتيَّة، كان للأمر انعكاسه على التوازن الهرموني لديهنَّ، تُرى كيف حدث ذلك؟ وإلى أيِّ مدى امتدَّ تأثَّر فيروس كورونا على التوازن الهرموني للنساء؟ .. هذا ما نتناوله تفصيلًا في مقالنا التالي.

لِمَ أثَّر فيروس كورونا على التوازن الهرموني لدى السيِّدات؟

تباينت آراء العلماء بشأن تحديد السبب الحقيقي وراء الإصابة بفيروس كورونا والاضطرابات الهرمونيَّة التي عانتها النساء في أثناء الإصابة أو بعدها، ولكن رجَّح أغلبهم أنَّ هذه الاضطرابات تحدث بصورة عامَّة، نتيجة الأسباب التالية:

  • تأثير فيروس كورونا على الغدَّة النخاميَّة، وهي المسؤولة عن إنتاج الهرمونات المحفِّزة لنشاط المبيضين وسائر أجزاء التناسلي، ما أدَّى إلى اختلال مستوياتها في الدم، ومن ثمَّ اضطرابات عمليَّة التبويض.
  • تعرُّض النساء في ظلِّ انتشار فيروس كورونا إلى العديد من عوامل الخطر التي ساهمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في اختلال التوازن الهرموني لديهنَّ، مثل:
    • سوء الحالة المزاجيَّة، وزيادة الوزن جرَّاء البقاء في المنزل لفترات طويلة عملًا بقرارات الحجر الصحِّي العالميَّة.
    • ساعات العمل الطويلة من البيت.
    • النظام الغذائي غير المتوازن.

فقد أكَّدوا أنَّ لهذه العوامل تأثيرها السلبي على الغدَّة النخاميَّة أيضًا، إذ تحفِّز إنتاج إفراز هرمونات القلق والتوتر وعلى رأسها هرمون الكورتيزول، والذي يثبِّط إطلاق الهرمونات المسؤولة عن نشاط المبايض من الغدَّة النخاميَّة بالمعدَّلات المطلوبة، ومن ثمَّ ظهر تأثير الاختلال الهرموني لدى السيِّدات إثر جائحة كورونا في عدَّة صور نوضحها تفصيلًا فيما يلي.

جائحة كورونا واضطرابات الدورة الشهريَّة

تُعدُّ اضطرابات الدورة الشهريَّة أولى العلامات لاختلال التوازن الهرموني، والتي تظهر بعد الإصابة بفيروس كورونا، وقد تضمَّنت عدَّة أعراض رصدتها الأبحاث التي أُجريت على النساء المتعافيات من العدوى، ولعلَّ أهمّها:

  • زيادة حدَّة متلازمة ما قبل الحيض (PMS) أو طول مدّتها، بمعنى المعاناة من القلق والتوتُّر والتقلُّصات الرحميَّة، وغيرها من أعراض الدورة الشهريَّة المعروفة لفترة أطول قبل نزول الدم.
  • عدم انتظام الدورة الشهريَّة، وتباين مواعيدها، أو غيابها لأكثر من شهرين متتاليين.
  • تغيُّرات في طبيعة النزيف في أثناء الدورة الشهريَّة، فقد تقلُّ كميّته في حيضة، ويكون أكثر غزارة في أخرى.
  • انخفاض عدد أيَّام الدورة الشهريَّة عن المعتاد أو استمرارها فترة طويلة، وذلك تبعًا لغزارة الحيض.

إلى جانب ذلك، قد تلاحظ بعضهنَّ، تراجعًا في الرغبة الجنسيَّة في أثناء الدورة الشهريَّة، وهذا بعكس الحال في الظروف الطبيعيَّة إذ تزداد الرغبة الجنسيَّة خلال هذه الفترة.

هل أثَّر كوفيد-19 على خصوبة النساء؟

لم تثبت معظم الأبحاث التي أُجريت عن تأثير فيروس كورونا على النساء وجود تأثير عدوى على مستوى الخصوبة لديهنَّ بعد الإصابة، ولكن المفاجأة كانت في التأثُّر سلبًا لدى الرجال المصابين بالعدوى ذاتها!

فقد رصدت دراسة حديثة، أنَّ بعض الرجال قد عانوا بالفعل من تراجع مستوى الخصوبة لمدَّة وصلت إلى 7 أشهر بعد تعافيهم من المرض، وظهر ذلك متمثِّلًا في وجود خلل في عمليَّة إنتاج الحيوانات المنويَّة، وضعف حركتها، وزيادة نسبة التشوُّهات بها.

النزيف الرحمي المفاجئ أحد تبعات الإصابة بفيروس كورونا أيضًا ..

أكَّدت الدراسات الحديثة أنَّ فيروس كورونا، يتسبَّب في حدوث اضطرابات في تكوين وطبيعة عمل الخلايا المناعيَّة الموجودة بصورة طبيعيَّة في بطانة الرحم وعنقه، ما يتسبَّب في معاناة السيِّدات من نزيف رحمي مفاجئ في غير مواعيد الدورة الشهريَّة. 

مضاعفات الإصابة بفيروس كورونا تمتدُّ إلى الأجنَّة في بطون أمهاتها!

أوضحت الأبحاث أيضًا، أنَّ كلًا من فيروس كورونا والخلايا المناعيَّة التي ينتجها الجسم لمواجهته، بإمكانهما الانتشار في الجسم والوصول إلى خلايا المشيمة في رحم الحامل، ما يتسبَّب في حدوث بعض المضاعفات، أهمّها نقص التروية الدمويَّة المتدفِّقة إلى خلايا المشيمة، وبالتالي عجزها عن القيام بمهامّها، فيعاني الجنين من نقص في الأكسجين والمغذّيات اللازمة لنموّه بأمان، الأمر الذي ينتج عنه:

  • الولادة المبكِّرة وصغر حجم الجنين.
  • ولادة جنين ميِّت ونزيف ما بعد الولادة.
  • الإجهاض.

شكوك حول العلاقة بين جائحة كورونا وانقطاع الطمث المبكِّر

رُصدت عدَّة حالات لانقطاع الطمث المبكِّر وغير المبرَّر بعد التعافي من الإصابة بفيروس كورونا بفترة طويلة، وقد رجَّحت فئة قليلة من الباحثين، أنَّ ذلك قد يكون ضمن تبعات العدوى والتي تظهر على المدى الطويل، وذلك لتوقّعهم أنَّ الفيروس يُحدِث تلفًا في خلايا المبيض، وتعاني السيِّدات في إثره من الانقطاع المبكِّر للدورة الشهريَّة.

ولكن لم يتمكَّن الباحثون من تأكيد هذه النظريَّة، لقلَّة عدد الأبحاث والدراسات التي أُجريت في هذا الصدد، ما يعني أنَّ الأمر يتطلَّب مزيدًا من البحث والتقصِّي.

وفي سياق الحديث عن تأثير الإصابة بفيروس كورونا على الاتزان الهرموني لدى النساء، لا بد من طرح سؤال مهمّ، وهو: هل يمكن أن يحمي اللُّقاح المضادّ لكوفيد-19 السيِّدات من مثل المضاعفات المذكورة للتوّ؟ .. نجيبكِ في الفقرات القادمة.

هل يمكن أن تؤثِّر لقاحات كورونا نفسها في الاتزان الهرموني للنساء؟

لا نخفيكِ سرًّا، فقد رُصدت عدَّة تغييرات على الدورة الشهريَّة لدى النساء اللاتي تلقين لقاح كورونا، وكانت الأعراض أكثر شدَّة، تحديدًا بعد تناول الجرعة الثانية من اللقاح، وقد ظهرت هذه التغيُّرات متمثِّلةً في:

  • قصر المدَّة بين الحيضة والتي تليها.
  • غزارة النزف في أثناء الدورة الشهريَّة، وزيادة مدّتها عن المعتاد.

هل هذه الاضطرابات دائمة أم مؤقَّتة؟

لحسن الحظ، وُجد أنَّ الاضطرابات التي أشرنا إليها لتوّنا، تظهر بصورة مؤقَّتة لدى السيِّدات اللاتي تلقّين أيًّا من أنواع لقاحات كورونا المختلفة، وسرعان ما يعود الجسم لطبيعته بعد انقضاء دورتين تقريبًا.

ماذا عن تأثير المصل المضادّ لكورونا في الحمل؟

في الحقيقة، تضاربت توصيات الكليَّة الأمريكيَّة لطبِّ النساء والتوليد ومراكز السيطرة على الأمراض مع النتائج التي توصَّلت إليها الأبحاث الحديثة بشأن تأثير لقاحات كورونا خلال فترة الحمل.

فقد أشارت الكليَّة الأمريكيَّة بضرورة إعطاء لقاح كورونا للمقبلات على الحمل والحوامل والمرضعات، لأنَّه آمن للغاية، ولا يتسبَّب في أي آثار سلبيَّة، سواء في صحَّة الحامل أو الجنين.

وهذا عكس ما أوصت به الأبحاث الحديثة في نتائجها، إذ أوضحت أنَّ لقاحات كورونا تتسبَّب في ظهور بعض الأعراض المزعجة، مثل التقلُّصات والانقباضات الرحميَّة، وقد يكون ذلك بيئة غير مناسبة لاستقرار الجنين أو نموّه بصورة طبيعيَّة، ما يعني تأجيل فكرة تلقِّي لقاح الكورونا إلى ما بعد الولادة.

خلاصة القول في تأثير كورونا على الاتِّزان الهرموني لدى السيِّدات ..

من كل ما سبق، يمكننا استنتاج، أنَّ تأثير فيروس كورونا على التوازن الهرموني لدى السيِّدات، ما زال بحاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث، للتأكُّد من دقَّة الارتباط بين ظهور المضاعفات المذكورة، والإصابة بفيروس كورونا.

أمَّا بالنسبة للآثار الجانبيَّة التي رُصدت في عدَّة حالات بعد تلقِّي اللقاحات المختلفة، فنجد أنَّها بسيطة للغاية، ويمكن إدارتها واستعادة التوازن الهرموني في غضون فترة وجيزة، وذلك في سبيل الوقاية من العدوى بهذا الفيروس الخطير، وضمان عدم الإصابة به، وفيما يلي نقدِّم المزيد من النصائح التي يمكنها مساعدتك في استعادة التوازن الهرموني مرَّة أخرى.

كيف يمكن استعادة التوازن الهرموني سريعًا بعد التعافي من كورونا؟

إليكِ -عزيزتي- بعض النصائح المهمَّة التي يمكنها أن تساعدكِ في التغلُّب على ما تواجهينه من أعراض، واستعادة التوازن الهرموني، وتحسين صحّتك بصورة عامَّة، سواء على الصعيد البدني أو النفسي، وهي:

الراحة والنوم الكافي

إنَّ الحصول على قسط كافٍ من النوم (7-8 ساعات يوميًّا) أمر ضروري لاستعادة التوازن الهرموني، إذ يساعد الجسم في تنظيم إفراز عدَّة هرمونات، مثل: 

بالإضافة إلى ذلك، حاولي الالتزام بجدول نوم منتظم، وتجنُّب التعرُّض لضوء الشاشات قبل النوم بساعة على الأقل.

التغذية الصحيَّة والمكمِّلات الغذائيَّة

احرصي على تناول الأطعمة الغنيَّة:

  •  بالفيتامينات والمعادن، مثل الفواكه والخضروات الطازجة، والمكسِّرات، والحبوب الكاملة، والبروتينات الصحيَّة (كالأسماك والدواجن).
  • بالمغنيسيوم، مثل السبانخ والموز والأفوكادو، إذ تساعد في تخفيف التوتُّر والقلق.

وتجنَّبي الإفراط في تناول السكّريَّات المصنَّعة والوجبات السريعة، فإنَّها تؤدِّي إلى اضطراب مستويات السكَّر في الدم، ومن ثمَّ تؤثِّر سلبًا في مستويات هرمونات الأنسولين والكورتيزول.

كذلك تناول بعض المكمِّلات مثل فيتامين D والمغنيسيوم وأوميغا-3 قد تكون مفيدة لدعم التوازن الهرموني، كذلك الزنك والسيلينيوم ضروريَّان لصحَّة الغدَّة الدرقيَّة التي تساهم في توازن الهرمونات، لكن من الأفضل استشارة طبيب قبل البدء في تناول أي مكمِّل.

شرب كميَّات كافية من الماء

الحفاظ على ترطيب الجسم بشرب 8 أكواب من الماء يوميًّا ضروري لتحسين عمليَّة الأيض ومساعدة الجسم في طرد السموم، ممَّا يسهم في استعادة توازن الهرمونات في أقل فترة ممكنة.

ممارسة الرياضة بانتظام

تساعد ممارسة التمارين الرياضيَّة الخفيفة -مثل المشي أو اليوجا- في الحدِّ من التوتُّر، وتقوية جهاز المناعة، وتحفيز إفراز هرمونات السعادة، ومنها الإندورفين.

وفي نهاية مقالنا، نتمنَّى أن نكون عرضنا كافَّة المعلومات التي أثارت قلق الكثيرات بشأن جائحة كورونا بوضوح، وأجبنا عن كثير من التساؤلات التي دارت في خاطرهنَّ بشأن هذه المشكلة.

اظهر المزيد

اسراء سامي

إسراء سامي هي خبيرة في مجال صناعة المحتوى، حازت على درجة البكالوريوس في المجال الطبي. تتميز بخبرتها الواسعة في كتابة المحتوى العلمي والثقافي المتنوع. اهتمامها البارز ينصب في القضايا الصحية وشؤون المرأة، بما في ذلك الصحة الجنسية والإنجابية. تتقن كتابة مقالاتها باللغة العربية، مستندة إلى خلفيتها العلمية، بهدف تقديم معرفة قيمة وموثوقة للقراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى