العنف المبني على النوع الاجتماعي.. الأسباب والآثار

اقرأ في هذا المقال
  • فما هو العنف المبني على النوع الاجتماعي؟
  • ومن أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي:
  • أسباب العنف المبني على النوع الاجتماعي

في ظلِّ الجهود المبذولة لتعزيز الوعي حول قضايا الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة وحقوق الإنسان، يُعدُّ العنف المبني على النوع الاجتماعي أحد أبرز التحدِّيات التي تواجه المجتمعات، لما له من تأثير مباشر على صحَّة الأفراد النفسيَّة والجسديَّة، وتماسك العلاقات الاجتماعيَّة. 

يُعتبر العنف المبني على النوع الاجتماعي أشهر أنواع العنف، والأكثر انتشارًا عالميًّا. وهو أحد أكبر أشكال انتهاك حقوق الإنسان، حيث يتمّ من خلاله ممارسة العنف باختلاف أنواعه، جسديًّا أو نفسيًّا أو اقتصاديًّا، وفيه يتمّ تعرُّض أحد الجنسين للقهر أو الظلم دونًا عن الآخر، بناء على نوع الجنس، والدور الاجتماعي المنوط به.

فما هو العُنْفُ المَبْنِيُّ عَلَى النَّوْعِ الاجْتِمَاعِيِّ ؟

المقصود بالنوع الاجتماعي، هو التمييز الجندري أو الجنسي بين الذكر والأنثى، ليس فقط بناء على الخصائص والصفات البيولوجيَّة والفسيولوجيَّة التي تُميز كل منهما وتُحدِّد قُدراته، ولكن أيضًا بناء على الأدوار الاجتماعيَّة التي يتوقَّعها المجتمع من كلا الطرفين. وفي هذا السياق، فإنَّ المقصود بالعنف المبني على النوع الاجتماعي، هو التعرُّض لأي شكل من أشكال العنف الذي يكون محور أسبابه هو التمييز بين الجنسين، وغالبًا ما يرتبط الأمر بالأعراف والتقاليد الاجتماعيَّة، التي كثيرًا ما تُعزِّز التمييز بين الجنسين أو تُعطي مُبرِّرًا لممارسة الهيمنة والسيطرة، وغالبًا ما تكون الضحايا من الإناث، ولكن في بعض المجتمعات ذات الثقافات والعادات والمعتقدات الخاصَّة، قد يكون الرجال والأطفال أيضًا من ضحايا هذا النوع من العنف المبني على النوع الاجتماعي.

ومن أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي:

العنف الجسدي: مثل الاعتداء بالضرب أو التعنيف الجسدي على الإناث، خاصَّة أنَّهن الأضعف في البنية الجسديَّة، وأقل قدرة على الدفاع عن أنفسهنَّ باستخدام القوَّة البدنيَّة.

العنف النفسي: مثل التعرُّض للتخويف أو التهديد أو الضغط النفسي بأشكاله، وغالبًا ما يتمّ ذلك باستخدام السلطة والتخويف من العواقب التي قد تشمل الحرمان أو الإقصاء أو حتَّى التهديد بالعنف الجسدي. وقد يكون هذا النوع سببًا في التعرُّض لتبعات من الاضطراب الصحِّي أو النفسي أو الجسدي

العنف الجنسي: ويشمل الأشكال المختلفة من التحرُّش الجنسي بداية من التحرُّش البصري أو اللفظي، وحتى التعرُّض للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي الكامل. كما أنَّ الزواج القسري يمكن أن يندرج تحت العنف الجنسي، حيث إنَّ الضحيَّة فيه يُسلب حقَّها في القرار. كذلك قد يعتبر التعرُّض للختان أحد أشكال التعرُّض للعنف الجنسي المبني على النوع الاجتماعي، وهو إجراء وليد العادات الاجتماعيَّة والثقافيَّة القديمة. ويعتبر العنف الجنسي بشكل ما من أخطر أنواع العنف لما له من تأثير كبير على الصحَّة والسلامة النفسيَّة.

إقرا إيضاً مقال : أجسادُ النِّساء سَاحاتُ مَعارِك | مِلَفّ العُنف الجنسيّ في النِّزاعات المُسلَّحة والحُروب

العنف الاقتصادي: وهو من أشهر الأنواع انتشارًا، خاصَّة في المجتمعات التي لا ينتشر بها عمل المرأة، وتكون معتمدة بشكل كامل على عائل الأسرة سواء كان الأب أو الزوج أو الأخ. وهنا قد تمارس الضغوطات المختلفة بسلاح العنف الاقتصادي، والتهديد الدائم بسلطة الرجل الماديَّة وقدرته الأكبر في اتِّخاذ القرار بناء على صلاحيَّاته الاقتصاديَّة.

العنف الاجتماعي: ويشمل الضغوط التي تترتب على الأدوار الاجتماعيَّة، مثل تفضيل الذكور في بعض المجتمعات، وامتلاكهم لسلطة أكبر أو استخدامها بأشكال مختلفة في العلاقات المختلفة.

أسباب العنف المبني على النوع الاجتماعي

هناك العديد من الأسباب التي تؤدِّي إلى ممارسة العنف المبني على النوع الاجتماعي في كثير من المجتمعات بدرجات متفاوتة، ومن أهمّها:

الفقر والأوضاع الاقتصاديَّة المتدهورة: بما في ذلك ارتفاع نسبة البطالة، وتدنِّي الدخل، والحياة التي تفتقر إلى أبسط مُقوّمات الإنسانيَّة، وعادة ما تجعل هذه الظروف النساء والأطفال أكثر عُرضة للعنف.

الأعراف والعادات الاجتماعيَّة: التي تمنح السلطة المطلقة للرجل في كثير من الأحيان، وتُعطيه مساحة أكبر من المسؤوليَّة والقرار والتحكُّم، وبالتالي فإنَّ إساءة استخدام هذه السلطة تجاه النساء عادة ما تتحوَّل إلى شكل من أشكال العنف أو التمييز الجندري. 

عدم المساواة في الفرص: أو حتَّى نقص الفرص ومحدوديتها، الأمر الذي تترتَّب عليه الصراعات والخلافات وزيادة المشاحنات والتوتُّر في العلاقات. حيث يميل بعض الرجال لاستخدام سلطاتهم في الضغط على المرأة من أجل الاستحواذ على مزيد من المميّزات والفرص. وتشمل عدم المساواة في الفرص الاقتصاديَّة وفي سوق العمل وفي التعليم، كما أنَّها تشمل أيضا حرمان الإناث في كثير من المجتمعات من نصيبهن الشرعي والقانوني من الإرث، وهو ما يترتَّب عليه الكثير من الضغوط في ديناميكيَّات العلاقة بين الطرفين.

آثارالعُنْفُ المَبْنِيُّ عَلَى النَّوْعِ الاجْتِمَاعِيِّ

يؤثِّر العنف المبني على النوع الاجتماعي على الفرد والعلاقات والمجتمع، على المدى القريب والبعيد، ومن أهمِّ آثاره:

  1. التأثير الصحِّي والجسدي: والذي قد يؤدِّي إلى مخاطر كبيرة، مثل التعرُّض للعنف الجسدي، أو التحرّشات والاعتداءات الجنسيَّة، أو ممارسات الختان بشكل غير قانوني بغير إشراف طبِّي، وغيرها من أنماط العنف التي تتعرَّض لها المرأة تحت ستار النوع الاجتماعي.
  2. التأثير النفسي: نتيجة للقمع والقهر أو التعرّض للظلم والتمييز، ممَّا قد تترتَّب عليه آثارًا نفسيَّة قد تصل إلى حدّ الاضطراب النفسي مثل الاكتئاب أو القلق أو اضطرابات النوم أو غيرها من الاضطرابات النفسيَّة.
  3. اضطراب العلاقات: نتيجة عدم استقرار القوى والاستخدام الظالم للسلطة من قِبل الرجال في كثير من المجتمعات، وتحت ضغط الظروف أو محدوديَّة الفرص. ممَّا يؤدي لزيادة المشاحنات وارتفاع درجات التوتّر في العلاقات سواء الزوجيَّة أو الأسريَّة على اختلافها بين الرجل والمرأة.
  4. تعزيز الفقر وتعطُّل القانون: قبول هذا النمط من الإساءات والسماح بتكراره، وتعزيزه من خلال السكوت عنه أو عدم اتِّخاذ الإجراءات الرادعة تجاهه، من شأنه أن يُعطِّل المجتمع من حيث تماسك بنائه وعلاقاته، ويؤثِّر على فرص التنمية والتقدُّم المحلّي بالسلب، لما يخلّفه من آثار نفسيَّة وصحيَّة على الأفراد وشعورهم بالرضا والقدرة على الإنجاز، ويؤثِّر على قدرة الدولة وسلطتها القانونيَّة في محاربة الأنماط التي يمرِّرها الأفراد والأسر، ويمنحونها شرعيَّة اجتماعيَّة وثقافيَّة لا تقبل المُساءلة.

كيف يمكن التخلُّص من العنف المبني على النوع الاجتماعي؟

لا يمكن القضاء على العنف المبني على النوع الاجتماعي إلا عن طريق مناهضته على عدَّة مستويات ومن خلال وسائل متنوعة، ولكنَّها متكاتفة ومتوازية في أهميّتها وتأثيرها، ومنها:

  1. التوعية الاجتماعيَّة: من خلال القنوات المختلفة، مثل الخطاب الإعلامي، أو المؤسَّسات التربويَّة من مدارس وجامعات، والمؤسَّسات التنمويَّة على اختلافها، يجب أن يتمّ تطوير طبيعة الخطاب، والتأكيد على قيم المساواة والاحترام المتبادل بين الجنسين، والتركيز على التعريف الحقيقي للمسؤوليَّة وتبعاتها وما تمنحها من مزايا، والتعريف بما يمكن أن يندرج تحت بند الإساءة، أو العنف، أو الظلم الجندري، أو المبني على النوع الاجتماعي.
  2. إصدار وتطبيق القوانين: وجود القوانين الحاسمة والرادعة للعنف هي أحد أهمّ الأدوات التي يمكن من خلالها السيطرة على القهر الذي تتعرَّض إليه بعض النساء.
  3. تطوير المهارات الشخصيَّة: خاصَّة مهارات التواصل وحلّ النزاع، والقدرة على التعبير عن المشاعر وإداراتها، والقدرة على التفاهم من أجل الوصول إلى حلٍّ ناضج وعادل للمشكلات التي تقابل الأفراد داخل الأسرة.
  4. توفير الدعم: لضحايا العنف باختلاف أنواعه، والإعلان الواضح عن الجهات التي يمكن اللّجوء إليها في حال التعرُّض للعنف، سواء من أجل الحصول على مكان آمن، أو الإبلاغ عن التعرُّض للاعتداء.
  5. تطوير الخطاب الديني والاجتماعي: الذي يُركِّز على المعنى الحقيقي للأدوار الاجتماعيَّة، ويترفَّع بها عن المُمارسات السُلطويَّة والقهريَّة، ويُشير للآثار الخطيرة لممارسة العنف تجاه المرأة، وما يترتَّب على ذلك من إضرار جسيمة بالأسرة والمجتمع.

ضمن حملة 16 يوم لمناهضة العنف ضد النوع الإجتماعي
تعرف على :

للنهض معاً ضد العنف الصامت
العنف قد يكون صامتاً

لو إنكِ ولدتِ ولداً
العنف الصامت

اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى