حقّ الأُمّ في اختيار نوع الرضاعة.. فوضى تدخُّل المستشفيات

اقرأ في هذا المقال
  • القرار حقّ الأُمّ في اختيار نوع الرضاعة تتدخَّل فيه عادة الكثير من العوامل
  • فوضى تدخل المستشفيات في اختيار نوع الرضاعة
  • كيف يُمكن التصدِّي لفوضى المستشفيات في التدخُّل في الرضاعة؟

لا تعتبر رحلة الحمل والولادة والرّضاعة مجرَّد مرحلة تغيُّر جسدي كبير تمرُّ بها النساء، ولكنَّها رحلة نفسيَّة عميقة، تُعيد كلّ امرأة خلالها إعادة إنتاج أفكارها، واختبار نفسها وحقيقة قيمها، وتخوض مساحة كبيرة من المشاعر المختلطة الإيجابيَّة والسلبيَّة أيضًا. تَحلم كلّ أم بمجرَّد معرفتها بخبر حملها بتحقيق الأفضل لأبنائها، وبتوفير كل سُبل الراحة والصحَّة والسعادة التي تضمن مزيدًا من الرضا والاطمئنان على الأطفال ومستقبلهم، على جميع الأصعدة الجسديَّة والصحيَّة والنفسيَّة.  في العقود الأخيرة، تزايدت نسبة الوعي الصحّي، وبدأت الأُمَّهات في الانفتاح على مصادر المعرفة المختلفة، وفهم ما هو الأفضل لهنَّ ولأطفالهن، وأصبحت الأمَّهات تقرأ وتبحث وتسأل بشغف عن اختيارات الولادة و نوع الرضاعة وتأثيراتها على صحّتهن وصحَّة الأطفال، وبدأ انتشار الوعي بأهميَّة الرضاعة الطبيعيَّة وما لها من دور في دعم مناعة الأطفال وضمان نموّهم الصحِّي، وما تلعبه أيضًا من دور نفسي عميق في تكوين الروابط بين الأُمّ وطفلها في المراحل المُبكِّرة.

ولكن القرار حقّ الأُمّ في اختيار نوع الرضاعة تتدخَّل فيه عادة الكثير من العوامل، مثل: 

  • العوامل الصحَّيَّة والطبيَّة: ووضع الأم صحيًّا، وما إذا كان يسمح بالرضاعة الطبيعيَّة بشكل كافي ومُستقرّ، لضمان نموّ الأطفال.
  • العوامل الاجتماعيَّة: وما يقوم المجتمع بفرضه أو دعمه أو حتَّى رفضه في هذا الأمر، ومن أمثلة ذلك ما تُمارسه المجتمعات من ضغوط على الأمَّهات التي تقوم باختيار الرضاعة الصناعيَّة، وما يتعرَّضن له من لوم وجلد نفسي أحيانًا، فتُصبح الأمّ بسببه فريسة للشعور بالذنب والإحساس الدائم بالتقصير، حتَّى لو كان اللّجوء إلى الرضاعة الصناعيَّة تمَّ اضطرارًا.
  • دور المؤسَّسات الطبيَّة: التي تتدخَّل بسياساتها أيًّا كانت، خاصَّة في الفترة الأولى بعد الولادة، نظرًا لتورّطها في دور الرعاية بالأم والطفل.
  • العوامل الشخصيَّة: مثل تفرُّغ الأم، ووضعها النفسي والصحّي، وقدرتها على الالتزام بالرضاعة الطبيعيَّة والوفاء بتوفير الغذاء للصغير حتى يبلغ سنّ الفطام. وهو التزام قد لا تقدر على القيام به الأمَّهات العاملات أو اللاتي يضطررن للبقاء بعيدًا عن الأطفال لساعات طويلة.

من هو صاحب الحقّ في تحديد نوع الرضاعة؟

الأم هي الشخص الوحيد القادر على اتِّخاذ هذا القرار، وتحديد الأنسب والأصلح لها ولرضيعها، سواء من الناحية الصحيَّة أو النفسيَّة، أو من ناحية ترتيب الظروف اليوميَّة والروتين الذي تحتاجه الأم لتفي باحتياجات الصغير الغذائيَّة. والأُمّ هي الشخص الذي يحدِّد مدى احتياجه للدعم أو المساعدة أو التدخُّل أيضًا.

في المقام الثاني بعد الأُمّ، يأتي الطبيب أو إخصَّائي واستشاري الرضاعة، الذي يستطيع أن يُقيِّم بناء على صحَّة الأم ووضعها الطبّي، وكذلك وضع الرضيع واحتياجاته الغذائيَّة ومعدَّل نموّه، ما هو الأصلح لهما، ومتى يُمكن الاكتفاء بالرضاعة الطبيعيَّة، ومتى يجب الاستعانة بمُكمِّلات من التغذية الصناعيَّة، التي يكون وجودها في كثير من الأحيان واجبًا وضروريًّا للنموّ الصحِّي للرضَّع.

اقراء ايضا مقال : الرضاعة الطبيعيَّة و العلاقة الجنسيَّة

فوضى تدخل المستشفيات في اختيار نوع الرضاعة

تتدخَّل المستشفيات بأشكال مختلفة في عمليَّة الرضاعة في الأيَّام الأولى بعد الولادة، ويتوقَّف نوع التدخُّل على طبيعة المنهجيَّات أو الاستراتيجيَّات التي تتبنَّاها المؤسَّسة الصحيَّة، سواء بشكل فردي، أو بما يخضع لسياسات الدولة وتوجّهاتها. ومن أشكال تدخُّل المستشفيات في عمليَّة الرضاعة:

أولا: الانحياز للرضاعة الصناعيَّة:

وقد يكون ذلك في عدَّة صور ولعدَّة أسباب:

  • الدفع نحو الحليب الصناعي: عن طريق اعتماده في تغذية الأطفال في الأيَّام الأولى، وهي خطوة غالباً ما تكون ناتجة عن تعاون أو تشاركات تجاريَّة بين المؤسَّسات الصحيَّة والشركات المُنتجة للحليب الصناعي، بهدف توليد الحاجة، وتوسيع الانتشار وتحقيق رواج تجاري أكبر.
  • الاستعجال أو اختيار الحلول الأسهل: وتعتمد هذه الجرأة في التدخُّل غالبًا على شعور الأمّهات بالضعف والوهن، وعدم الانتباه الكافي للتفاصيل أو احتياجهنّ للدعم والمساعدة في تلبية احتياجات الرضَّع، بينما تتعافى الأمّهات صحيًّا ونفسيًّا وجسديًّا.
  • غياب الوعي والدعم للأمَّهات: في الفترة الأولى قد تواجه الأمَّهات تحدّيات في الرضاعة الطبيعيَّة، وفي حال نقص الوعي بدور الرضاعة الطبيعيَّة وأثرها في تشكيل مناعة الأطفال وتأسيسهم صحيًّا ونفسيًّا، أو غياب المتخصِّصين في الرضاعة الطبيعيَّة، فإنَّ المنظومة الصحيَّة قد تدفع لاختيار اللبن الصناعي كبديل أسهل وأسرع، لا يحتاج للعلم أو المجهود من قبل الأُمّ أو القائمين بالرعاية الصحّيَّة والطبيَّة.
  • ضغط الوقت والسياسات: لدى بعض المستشفيات سياسات تُفضِّل الضغط على الأمّهات لإنهاء الإجراءات الصحيَّة والخروج من المستشفيات والتخفيف عن المنظومة الطبيَّة في المتابعة، وبالتالي يكون من الأسهل والأسرع إعطاء الحليب الصناعي، والضغط نحو استقرار أسرع لعمليَّة الرضاعة، واحتياج أقلّ من الأم للمساعدة الطبيَّة.
  • التأثير النفسي / الاقتصادي: الذي يروِّج للأمّ ويمرِّر لها نفسيًّا عدم قدرتها على القيام بالرضاعة الطبيعيَّة، ويصوّر المهمَّة بشكل قاسي ومستحيل، أو كمجهود لا داعي له لأنَّ له بديلًا متاحًا لا يشكِّل فرقاً يُذكر. هذا النمط من التأثير من شأنه أن يَصبَّ في مصلحة الاستثمارات الكبرى في الحليب الصناعي، دون النظر لأي اعتبارات أخرى.

اقرا ايضا مقال : اكتئاب ما بعد الولادة

ثانيا: الإجبار على الرضاعة الطبيعيَّة:

على النقيض، فإنَّ بعض الدول تلتزم بسياسات تُشجِّع الأمَّهات على اختيار الرضاعة الطبيعيَّة، وتضغط عليهنَّ في هذا الاتِّجاه لتحقيق أهدافها بنسب إحصائيَّة مرتفعة. ويظهر ذلك بعدَّة طرق مثل: 

  • الرفض القسري للرضاعة الصناعيَّة: في بعض الأحيان قد تُصرُّ المستشفيات على رفض تقديم الحليب الصناعي للأطفال، وتُصرُّ على دفع الأم والضغط عليها للاستمرار في الرضاعة الطبيعيَّة، حتى لو كانت تواجهها بعض المشكلات، أو لها أسباب في اختيارات أخرى.
  • الضغط الاجتماعي: من قِبل الأطباء والتمريض على ضرورة الرضاعة الطبيعيَّة، والاستبعاد التامّ للرضاعة الصناعيَّة، ممَّا يجعل الأمّهات يشعرن بالذنب ويقعن تحت ضغط نفسي شديد في الاختيار.
  • التقليل المبالغ فيه من اللّبن الصناعي: صحيح أنَّ اللبن الطبيعي يأتي في المرتبة الأولى صحّيًّا ونفسيًّا للأطفال، إلا أنَّ بعض المؤسَّسات الطبيَّة، أو السياقات الاجتماعيَّة تُبالغ في تقليل الفوائد الصحيَّة للبن الصناعي، بشكل يجعل الأمهات يَشعرن بالخوف والإحراج والذنب عند التفكير في الحليب الصناعي، ولو بشكل مساعد وموازٍ للرضاعة الطبيعيَّة.
  • تجاهل الظروف الصحيَّة للأُم: ولو بشكل غير مباشر، والذي يكون في هيئة التركيز المُبالغ فيه على مصلحة الرضيع والأكثر فائدة له، على حساب الوضع الصحِّي والطبّي للأم، وما قد تواجهه من تحدِّيات صحيَّة مُتعلِّقة بالرضاعة الطبيعيَّة أو بالتزامن معها كمهمَّة تحتاج للوقت والمجهود والاستثمار فيها على عدَّة أصعدة.
  • توفير الدعم واستخدامه كوسيلة ضغط: أصبحت الكثير من المؤسَّسات الطبيَّة تقوم بتزويد الأمّهات الجدد بالمساعدة عن طريق توفير إخصائي الرضاعة الطبيعيَّة والمستشارين الذين يُمكن الاستعانة بهم في فترة الرضاعة الأولى. ولكن، ورغم أن الهدف في ظاهره نبيل ومفيد للأطفال ولأمّهاتهم صحيًّا ونفسيًّا، إلا أنَّه أيضاً يُستخدم في كثير من الأحيان في الضغط على الأمهات في اختياراتهم، ويتجاهل في كثير من الأحيان قرارات وترجيحات الأم بناء على طبيعة ظروفها وروتينها اليومي ووضعها الصحِّي.

كيف يُمكن التصدِّي لفوضى المستشفيات في التدخُّل في الرضاعة؟

  1. زيادة وعي الأمَّهات: خاصَّة في المرحلة السابقة على الولادة، حيث يَكنَّ بصحَّة وقدرة أكبر على الفهم والتفكير واتِّخاذ القرار. وتعريفهن بالتحدّيات التي يمكن أن تُقابلهن في الفترة الأولى من الرضاعة، وكيف يمكن التغلّب عليها، وضبط توقّعاتهن تجاهها بشكل صحيح بدون مبالغات. وكذلك تعريفهن بحقوقهن في أختيار نوع الرضاعة، أيًّا كانت سياسات المؤسَّسة الطبيَّة.
  2. تعريف الأمّهات على جهات الدعم: في الفترة الأولى قد تحتاج الأمّهات للمساعدة حتى تستقرّ عمليَّة الرضاعة الطبيعيَّة، لذا من المهمّ أن تعرف الأم لمن يجب أن تتوجَّه لطلب المساعدة والدعم، عوضًا عن التعرّض للضغوط الاجتماعيَّة المبالغ فيها من ناحية، أو الانصياع السريع للاختيارات التجاريَّة نتيجة للشعور بالعجز وعدم الفهم.
  3. التشديد على الدور الطبّي: حيث يُعتبر الطبيب أو استشاري الرضاعة هو الشريك الوحيد للأمّ في عمليَّة اتّخاذ القرار الخاصّ بنوع الرضاعة، بُناء على تقييمه لصحَّة الأم والطفل معًا. وهو قرار يختلف فيه كل فرد عن الآخر وفقًا لعشرات العوامل.

تحقيق التوازن: بين تقديم الدعم للرضاعة الطبيعيَّة، واحترام خيارات الأمّهات اللاتي يعرفن في الغالب بدرجة أكبر ما يُناسبهن وما تَحتمله قُدراتهن. والامتناع في المقابل عن الضغط النفسي والإشعار المبالغ فيه بالذنب والتقصير في حال اختيار الرضاعة الصناعيَّة، خاصَّة وأنَّ الأمَّهات بكل تأكيد يردن الأفضل لأبنائهن، وخياراتهن لها منطق، حتى لو لم يكن مُقنعًا للجميع.

اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى