هل الوصول إلى النشوة الجنسيَّة شرط لحدوث الإباضة والحمل؟/ تقصِّيات وحقائق

ألقت عدَّة دراسات قديمًا الأضواء على أهميَّة وصول الزوجة إلى نشوتها الجنسيَّة خلال الجماع، لضمان حدوث عمليَّة الإباضة والحمل، فقد ربطوا بين بلوغ النشوة وتحفيز المبايض على إطلاق البويضات الناضجة، وتوفُّر بيئة ملائمة لاختراقها بالحيوانات المنويَّة.

ولكن بعد فترة من الزمن، أتت مجموعة من الأبحاث قد أُجريت لاحقًا في القرنين الثامن عشر والعشرين لتنفي هذه النظريَّات، إذ أوضحت المفهوم العلمي للنشوة الجنسيَّة، وبيَّنت دورها الحقيقي في عمليَّة الإباضة وحدوث الحمل.

في مقالنا اليوم، نستعرض ما تناولته الأبحاث الأخيرة في هذا الصدد، ونسلِّط الضوء على دورة الحياة الجنسيَّة في بعض الكائنات الحيَّة التي يستدعي حدوث عمليَّة التبويض لديها الوصول إلى النشوة الجنسيَّة.

ما المفهوم العلمي للنشوة الجنسيَّة لدى الإناث؟

النشوة الجنسيَّة هي مجموعة من التغيُّرات الجسديَّة والنفسيَّة التي تشعر بها الأنثى بعد تعرُّضها للمثيرات الجنسيَّة مثل؛ تسارع ضربات القلب، وزيادة الانقباضات العضليَّة في منطقة الحوض، وزيادة إفراز هرمونات المتعة والسعادة، مثل الأوكسيتوسين.

وبعكس الرجل، لا يرتبط الوصول إلى لنشوة الجنسيَّة بممارسة الجماع بمعناه المعروف فقط، بل يمكن أن تبلغ الزوجة نشوتها الجنسيَّة خلال مداعبة زوجها لها، أو في أثناء تبادل الحديث الناعم في أجواء من الرومانسيَّة، أو تزامنًا مع ممارسة إحدى تقنيات التدليك الجنسي، أو غير ذلك من التفاصيل الحميميَّة.

إذن، هل هناك علاقة مباشرة بين وصول الزوجة إلى نشوتها وتمام عمليَّة الإباضة وحدوث الحمل؟.. هذا ما نفسِّره بعد قليل.

الدور الحقيقي للنشوة الجنسيَّة في حياة الإناث الجنسيَّة

ساهمت كثير من الدراسات التي نُشرت في القرنين التاسع عشر والعشرين في فهم الدور الحقيقي للنشوة الجنسيَّة في حياة الأنثى، ودرأت كثير من المعتقدات الخاطئة بشأنها، فقد أشارت إلى عدَّة حقائق، هي:

النشوة الجنسيَّة غير ضروريَّة لإتمام عمليَّة الإباضة

أشرنا سابقًا إلى أنَّ النشوة الجنسيَّة، ما هي إلا بعض التغيُّرات الجسديَّة والنفسيَّة التي تُباغت الإناث إثر التعرُّض للإثارة الجنسيَّة.

أما إذا نظرنا إلى الإباضة من الناحية العلميَّة، فنجد أنَّها عمليَّة تتم تحت تأثير بعض الهرمونات التى تفرزها الغدة النخاميَّة (ومنها FSH-LH) لتحفيز نموّ البويضات، وإطلاق الناضجة منها إلى قناة فالوب في وقت معيَّن من الدورة الشهريَّة.

ومن ثمَّ لا توجد علاقة إطلاقًا بين تحقيق النشوة وانطلاق البويضات الناضجة، بل تتطلَّب الإباضة، تمتُّع الأنثى بمبيض صحيح خالٍ من أي مشكلة صحيَّة، وتوازن في الهرمونات الجنسيَّة.

لا علاقة بين النَّشْوَةُ الجِنْسِيَّةُ وحدوث الحمل

يتطلَّب حدوث الحمل، التقاء البويضة عالية الجودة بحيوان منوي من الدرجة الأولى في قناة فالوب، ومن ثمَّ يحدث الإخصاب والحمل بنجاح.

لكنَّنا إذا تأمَّلنا هذه العمليَّة عن قرب، نجد أنَّه لا وجود أو تأثير للنشوة الجنسيَّة في أي من خطواتها، وقد تكون بعض القصص الواقعيَّة خير شاهدٍ على ذلك، إذ نجد أنَّ فرص الحمل لا تتأثَّر بوجود خلافات بين الأزواج، أو غياب الارتباط العاطفي بينهم.

ورغم ذلك، أيَّدت آراء بعض العلماء وجود علاقة غير مباشرة بين النَّشوة الجنسيَّةُ والحمل، إذ يرون أنَّ النشوة الجنسيَّة القويَّة تحفِّز الزوجين على ممارسة العلاقة الحميمة بانتظام، ما يمكِّنهم من إدراك مواعيد التبويض التي تلتقي فيها البويضات الناضجة بالحيوانات المنويَّة ويحدث الحمل، وفي تلك الحالات قد تُنسّب أعلى فرص لحدوث الحمل لتحقيق النشوة الجنسيَّة.

إلى جانب ذلك أضاف آخرون، أنَّ بلوغ النشوة الجنسيَّة في أثناء الجماع، قد يتسبَّب في انقباض عضلات جدار الرحم بطريقة معيَّنة، تسمح للحيوانات المنويَّة بالوصول سريعًا إلى البويضات، ومن ثمَّ حدوث الحمل.

واستنادًا إلى هذه المعلومات، يمكننا القول إنَّ الوصول إلى النَّشوة الجنسيَّةُ ليس شرطًا أساسيًّا لنجاح عمليَّة الإباضة وحدوث الحمل في الإنسان بوجه عام، ولكن هناك بعض الدراسات التي فجَّرت عدَّة مفاجآت بشأن الكائنات الأخرى في هذا الصدد، وهذا ما نتطرَّق إليه تفصيلًا فيما يلي من حديثنا.

القرود والفئران والأغنام تُظهِر نتائج مماثلة للإنسان!

أثبتت الدراسات التي أجريت على 41 نوعًا من الكائنات الحيَّة من بينها؛ القرود والفئران والأغنام، أنَّ النَّشوة الجنسيَّةُ غير ضروريَّة لحدوث التبويض، وأنَّ شأنهم كشأن البشر، إذ يتأثَّر التبويض لديهم بالهرمونات التي تطلقها الغدَّة النخاميَّة وتستقبلها المبايض، وكذلك تحدث عمليَّة التبويض مرَّة واحدة شهريًّا. أمَّا عند الأرانب، فقد أسفرت الأبحاث عن نتائج مُغايرة  عند البشر وبقيَّة الثدييات.

النشوة الجنسيَّة ضروريَّة لحدوث الإباضة في الأرانب

أجريت دراسة على مجموعة من إناث الأرانب في عام 2016 لمعرفة العلاقة بين النشوة الجنسيَّة وحدوث الإباضة لديهن، وخلالها حُقِنت 12 أرنبة بعقار مضادّ للاكتئاب يُسمَّى الفلوكسيتين، والمثبت علميًّا أنَّ له بعض الآثار الجانبيَّة المتعلِّقة بتثبيط النشوة الجنسيَّة.

وبعد مرور نحو أسبوعين، سُمح لتلك الإناث بالتزاوج مع أحد الأرانب الذكور، ثم فُحِصت بعد ذلك لمعرفة عدد البويضات التي أُطلقت بعد الانتهاء من عمليَّة التزاوج.

وهنا كانت المفاجأة، إذ أثبتت النتائج انخفاض معدَّل البويضات التي أطلقتها الأرانب التي تلقَّت عقار الفلوكستيتن بنسبة 30% مقارنةً بالأرانب التي لم تتلقَّ العقار، وتزاوجت في الوقت ذاته.

وهو ما اعتبره الباحثون، دليلًا قويًّا على وجود علاقة مباشرة بين النَّشوة الجنسيَّةُوحدوث التبويض في الأرانب، ولكنَّهم لم يستطيعوا أن يتوصَّلوا إلى طبيعة هذه العلاقة بالتفصيل، فقد رجَّح البعض أنَّ التحفيز الجسدي خلال الجماع والاختراق، قد يكون له علاقة بإطلاق بعض الهرمونات من المخ أو المبايض، تُحفِّز حدوث التبويض بعد ذلك.

حقائق أخرى في دورة حياة الأرانب الجنسيَّة تؤيِّد العلاقة بين النَّشوة الجنسيَّةُ والتبويض

تشتهر الأرانب بمعدَّلات تكاثرها السريعة وولاداتها المتكرِّرة، وقد يكون ذلك دليلًا قويًّا -أيضًا- على وجود علاقة بين النشوة الجنسيَّة والتبويض لديهم.

فالتبويض لا يحدث لدى الأرانب مرَّة واحدة فقط شهريًّا كغيرهم من الثدييات، ولكن يحدث مرتبطًا بكل مرَّة تصل فيها أنثى الأرنب إلى النشوة الجنسيَّة التي تحفِّزها لإتمام التزاوج، ومن ثم حدوث التبويض لاحقًا.

لذلك نجد أنَّ بعض الحقائق الموجودة في دور حياة الأرانب الجنسيَّة، تؤيِّد النتائج التي أوضحتها بعض الدراسات، بِشأن وجود علاقة بين النشوة الجنسيَّة والتبويض.

وقد أثارت هذه النتائج جدلًا واسعًا وتساؤلات عديدة بين العلماء والباحثين في هذا المجال، وقد شعروا أنَّ النشوة الجنسيَّة لدى الإناث تستحقُّ مزيدًا من التقصِّي والبحث، ربما تكشف أي علاقة خفيَّة بين النَّشوة الجنسيَّةُ وحدوث الإباضة في الإنسان.

وفي ختام مقالنا، نتمنَّى أن نكون عرضنا الحقائق المتعلِّقة بالنشوة الجنسيَّة ومفهومها وعلاقتها بالتبويض في مختلف الكائنات بوضوح، وساهمنا في تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة حول هذا الموضوع.