بلوغ سنّ انقطاع الطَّمث ومعدَّلات الطلاق، هل هناك علاقة بينهما؟

تمثِّل فترة انقطاع الطمث مرحلة حتميَّة وطبيعيَّة تمرُّ بها جميع النساء في حياتهن، والتي يمكن أن يشرع الجسم في مقدِّماتها قبل أشهر أو حتَّى سنوات من حلول آخر دورة شهريَّة في الأربعينات أو الخمسينات من العمر.
وهي فترة مزعجة في العادة، إذ تحمل في طيَّاتها تغيُّرات جسديَّة ونفسيَّة واضحة، وقد تتسبَّب في ظهور اضطرابات وتحدِّيات نفسيَّة غير مفهومة من شأنها أن تؤثِّر على جودة اليوم العادي، لا سيما ما يتعلَّق بتفاصيل الحياة الزوجيَّة، إذ تشير عدَّة أبحاث إلى وجود علاقة ما بين مرحلة انقطاع الطمث وتوتُّر العلاقات الزوجيَّة، ووقوفها أحيانًا على حافة هاوية الطلاق.
وهذا عين ما نسلِّط عليه الضوء خلال سطور مقالنا، والذي نناقش فيه أهمّ أوجه الترابط بين معدَّلات التفكُّك الأُسري، وبلوغ مرحلة انقطاع الحيض.
سنّ “الأمل” أم مرحلة الانفصال وهدم عُش الزوجيَّة؟!
أكَّدت دراسة بحثيَّة جديدة، صدرت تزامنًا مع اليوم العالمي لانقطاع الطمث، ما كان مفتَرضًا منذ فترة طويلة، لكن لم يتمكَّن المتخصِّصون من إثباته، وهو أنَّ انقطاع الطمث له تأثير سلبي واضح على انفصال الأزواج، ومن ثمَّ المساهمة في زيادة معدَّلات الطلاق.
فقد سجَّل استطلاعٌ أجرته مؤسَّسة مشروع قانون الأسرة وانقطاع الطمث The Family Law Menopause) Project) ومؤسَّسة نيوسون للدراسات والتوعية الصحيَّة (Newson Health Research and Education) في 2022، أنَّ 7 من كل 10 نساء (أي نحو 73%) من المشاركات فيه، قد أرجعن سبب انهيار زواجهنّ إلى بلوغهنَّ مرحلة انقطاع الطمث.
كما ادَّعت ما يقارب 67% من 1000 سيِّدة مشاركة في الاستطلاع، أنَّ انقطاع الطمث أدَّى إلى زيادة العنف المنزلي، وكثرة الخلافات والشجار مع الأزواج، واحتقان علاقتهنَّ بهم.
والمؤسف في الأمر، أنَّ ⅕ هؤلاء السيِّدات فقط، سعين لتلقِّي الدعم الصحِّي والنفسي اللازم لتجاوز هذا التحدِّي بسلام، الأمر الذي يعني، أنَّ الأرقام المذكورة في الإحصائيَّات السالف ذكرها، يرسم مستقبلًا قاتم الألوان للعديد من العلاقات الزوجيَّة المهدَّدة بالانهيار، والذي ربَّما عاشته الكثير من البيوت التي تعاني مشكلات زوجيَّة بالفعل في السنتين التاليتين من تلك الدراسات.
تُرى، لماذا يضع بلوغ سنّ انقطاع الطمث الزواج على شفا جُرُفٍ هارٍ؟ هذا ما نتطرَّق إليه في الفقرة القادمة.
مفهوم انقطاع الطمث وتبعاته الفسيولوجيَّة
يُعرّف انقطاع الطمث علميًّا وطبيًّا بغياب الدورة الشهريَّة لمدَّة 12 شهرًا متتالية، وهو ما يحدث بصورة طبيعيَّة إثر الانخفاض التدريجي في إنتاج المبيضين لهرموني الإستروجين والبروجسترون والمتزامن فسيولوجيًّا مع التقدُّم في العمر، الأمر الذي يؤدِّي إلى خوض عدَّة تغييرات على المستويين النفسي والبدني، ومنها:
الأعراض الجسديَّة
يتسبَّب انقطاع الطمث في ظهور مجموعة من الأعراض التي قد تُفاجأ بها بعض السيِّدات، ومن أهمّها:
- الهبَّات الحراريَّة، وهي شعور مفاجئ بارتفاع درجة حرارة الجسم ، خصوصًا في نصفه العلوي وتحديدًا في الوجه والرقبة والصدر، وعادةً ما يصاحبه احمرار الجلد والتعرُّق الغزير، وتستمرّ الهبَّة لدقائق معدودة ثمَّ تزول تلقائيًّا.
- التعرُّق الليلي، واضطرابات النوم.
- تقلُّبات الوزن زيادةً أو نقصانًا دون تعمُّد.
- جفاف المهبل، وصعوبة ممارسة العلاقة الزوجيَّة، ومواجهة ألم شديد عند الإيلاج.
المضاعفات النفسيَّة
علاوةً على التبعات الجسديَّة لتوقّف الحيض نهائيًّا، تعاني السيِّدة مضاعفات نفسيَّة متتالية، وتأتي المضاعفات التالية على رأس القائمة:
- القلق والاكتئاب، ويمثِّلان أبرز التبعات النفسيَّة لهذه المرحلة، إذ تؤدِّي التغيُّرات في مستوى الهرمونات إلى اضطراب كيمياء الدماغ، ممَّا يؤثِّر سلبًا في معدَّلات إفراز السيروتونين، وهو الهرمون المسؤول عن تحسين المزاج، ومن هنا تنشأ مشاعر الحزن نتيجة الإحساس بفقدان القدرة الإنجابيَّة أو الانتقال إلى مرحلة عمريَّة جديدة تُثير القلق بشأن الشيخوخة والتغيُّرات المستقبليَّة المتوقَّعة.
- التقلُّبات المزاجيَّة الحادَّة، والتي تشعر المرأة في إثرها ا بموجات عارمة من الحزن أو الانفعال بدون سبب واضح، وتظهر هذه الانفعالات جليَّة إذا كانت المرأة تواجه ضغوطًا عائليَّة أو مهنيَّة بصورة أو بأخرى، ما قد يُفاقِم من حدَّة هذه التقلُّبات.
وفي السياق ذاته، يمكن أن تعاني كثيرات من انخفاض مستوى ثقتهنَّ بأنفسهن نتيجة للتغيُّرات التي تحدث بمرور الوقت في الشكل الخارجي، مثل زيادة الوزن، أو تغيُّر طبيعة الجلد وظهور الخطوط التعبيريَّة، وغيرها من التغيُّرات الطبيعيَّة، ممَّا يسبِّب قلقًا بشأن المظهر والجاذبيَّة الشخصيَّة.
- اضطرابات النوم المؤدِّية بدورها إلى الشعور بالإرهاق النفسي والبدني، ممَّا يزيد من حدَّة القلق والتوتُّر وما يتبع ذلك من الرغبة في الانعزال وعدم الإقبال على الحياة، ومن ثمَّ تتأثَّر العلاقات الاجتماعيَّة عمومًا، والزوجيَّة على وجه الخصوص، بالسلب نتيجة انخفاض الرغبة الجنسيَّة والمضاعفات البدنيَّة في هذا الصدد، وعلى رأسها الجفاف المهبلي.
- وقد يتضاعف حجم هذا التوتَّر، إذا تزامن مع شعور المرأة بالوحدة عند مغادرة الزوج أو الأبناء للمنزل، ما يُعرف علميًّا باسم “متلازمة العشّ الفارغ”.
ولعلَّك الآن في طريقك لمعرفة الإجابة عن التساؤل المؤرق، بشأن العلاقة بين ارتفاع معدَّلات الطلاق بعد بلوغ سنّ انقطاع الطمث، وحتَّى تتَّضح الصورة أكثر نحيطكِ علمًا بالمزيد من التفاصيل في هذا الصدد، فيما هو آت.
لماذا قد يتسبَّب انقطاع الطمث في انهيار الأسرة؟
هناك عدَّة أبعاد تشرح مدى عمق تأثير فترة سنّ الأمل على جودة الحياة الأسريَّة والعلاقات الزوجيَّة، ومنها على سبيل المثال:
الأبعاد النفسيَّة
قد أشرنا لتوّنا، أنَّ توقُّف الدورة الشهريَّة، يؤدِّي إلى اضطراب مستويات عدَّة هرمونات بالدم، الأمر الذي يؤدِّي بدوره إلى معاناة المرأة من تقلّبات مزاجيَّة حادَّة وغير مبرَّرة بالنسبة للزوج، وأحيانًا بالنسبة لها هي شخصيًّا، فضلًا عن الاكتئاب والشعور المتكرِّر بالغضب، ما قد يدفعها إلى العزلة، وعدم الرغبة في التواصل مع الآخرين لا سيما الزوج، علاوةً على ضعف الثقة بالنفس، فتشعر المرأة أنَّها لم تعد مرغوبة كسابق عهدها بالنسبة لزوجها.
ومن ثمَّ، ينتهي الحال بتباعد الزوجين، ومواجهة صعوبة في التَّواصل مع بعضهما البعض لتجاوز هذا التحدِّي، خاصَّةً إذا كانت علاقتهما تفتقر إلى الفهم أو التعاطف حتَّى قبل حلول هذه التغيُّرات، ومن ثمَّ تتصاعد المشكلات الزوجيَّة دون أن يحدَّها سقف الوعي.
الأبعاد الجسديَّة والجنسيَّة
نتَّفق أو نختلف، فإنَّ الجوانب الجنسيَّة أحد الأعمدة الرئيسة لاستقرار العلاقات الزوجيَّة، لكن عند انقطاع الطمث قد يلاحظ الزوج انخفاض رغبة زوجته الجنسيَّة، وقد ينتبه أحيانًا إلى ميلها للعزوف عنها.
وإن مورست، فإنَّهما سيواجهان صعوبة في إتمامها بسبب الألم أو جفاف المهبل، أو حتَّى عدم التجاوب مع الزوج بالقدر الكافي، ما يولِّد مشاعر الإحباط لدى الزوج، إذا لم يتمكَّن من فهم هذه التغييرات أو التكيُّف معها، وذلك لأنَّ وجود فجوة في التفاهم بين الزوجين حول طبيعة التغيُّرات التي تمرُّ بها المرأة وعدم التعامل معها بحساسيَّة ووعي، قد يُسهم في تصاعد المشكلات وتفاقمها وصولًا إلى الطلاق.
وفي كثير من الأحيان، تتزامن مرحلة انقطاع الطمث مع زيادة الأعباء الأسريَّة، مثل تربية الأبناء الذين قد يكونون في سنِّ المراهقة أو رعاية الوالدين كبار السن، وهذه الضغوط لا شكّ قد تزيد من التوتُّر في العلاقة الزوجيَّة.
إذن، في ظلِّ تحدِّيات سنِّ انقطاع الطمث، كيف نصل بالحياة الزوجيَّة إلى برِّ الأمان؟
كشفت الاستطلاعات ذاتها المذكورة سلفًا، أنَّ نحو 65% من المشاركات فيها، واللاتي قد عُرض عليهن العلاج بالهرمونات البديلة (HRT) إنه قد أثَّر بصورة إيجابيَّة في التخفيف من أعراض وتبعات انقطاع الطمث لديهن.
وقالت حوالي 70% من المشاركات، وهنّ يشعرن بالندم، إذ حُرمن من هذا التحسَّن، لعدم تلقِّي أي صورة من الدعم أو العلاج بعد خسارة علاقاتهن الزوجيَّة وحياتهن الأسريَّة، إنَّ التماس الدعم، ربَّما كان ليجنبّهنَّ انهيار مؤسَّسة الزواج برُمّتها!
وتتضمَّن سُبل إدارة مرحلة سنّ انقطاع الطمث صورًا متعدِّدة، نشارككِ أهمها في النقاط التالية:
التواصل الفعّال
يُعدُّ التواصل الفعّال أحد العوامل الأساسيَّة للحفاظ على العلاقة الزوجيَّة، إذ يجب على الزوجين فتح قنوات الحوار بينهما دوريًّا، لمناقشة مشاعرهما وتحدِّياتهما، واحتوائها بدفء.
أيضًا يجب أن يكون الاستماع جزءًا أساسيًّا من هذا التواصل، فمن خلاله يُظهر الزوج اهتمامًا بمشاعر زوجته، ما يعزِّز شعورها بالأمان والاستقرار النفسي.
يمكن أن يحمي الحوار الصريح العلاقة الزوجيَّة من التصدُّع. لكن كيف يتمّ ذلك؟
- أسئلة مفتوحة: يمكن للزوجين بدء حوار حول التحدِّيات والمشاعر باستخدام أسئلة مثل:
- “كيف تشعرين حاليًّا؟”
- “ما الذي يمكنني فعله لدعمك؟”
- الاستماع النشط: على الزوج تخصيص وقت للاستماع دون مقاطعة، مع التعبير عن تفهّمه بعبارات مثل: “أتفهَّم تمامًا ما تمرّين به”.
- التعبير عن المشاعر الإيجابيَّة: مثل قول “أنا معكِ”، “أنتِ جميلة دائمًا في نظري”، ما يُشعر الزوجة بالأمان.
الدعم العاطفي
ينبغي للزوج أن يكون أكبر داعم نفسي وعاطفي لزوجته خلال هذه الفترة، ويتضمَّن ذلك تقديم كلمات التشجيع والاهتمام بمشاعرها باستمرار، والعمل على خلق بيئة منزليَّة آمنة، تشجِّع على التعبير عن المشاعر دون خوف من الانتقادات أو اللَّوم. يمكن التركيز على الأنشطة التي تعزِّز الحميميَّة دون أن تكون جنسيَّة مباشرة، مثل التدليك أو الجلوس معًا في بيئة مريحة. والابتعاد عن الضغط على الزوجة أو التوقُّعات العالية أثناء العلاقة الحميمة، ممَّا يُشعرها بالراحة، ويُحفِّز رغبتها تدريجيًّا.
التكيُّف مع التغيُّرات الجسديَّة والنفسيَّة
لا شكّ أنَّ فهم التغيُّرات الجسديَّة والنفسيَّة يساعد في تقبُّلها، لذا يُنصح الأزواج دائمًا بقراءة مواد تعليميَّة، أو حضور ورش عمل حول سنِّ انقطاع الطمث.
وأيضًا يمكن لاتِّباع نمط حياة صحِّي يشتمل على ممارسة الرياضة والتغذية السليمة، أن يلعب دورًا مهمًّا في تحسين الحالة المزاجيَّة والصحيَّة بصورة عامَّة.
تعزيز الروابط الأسريَّة
إنَّ القيام بأنشطة مشتركة مثل الرحلات أو الهوايات، يمكن أن يعزِّز الروابط العاطفيَّة بين الزوجين، وكذلك يساهم التواصل المستمرّ والواضح مع سائر أفراد الأسرة -خصوصًا الأبناء- في دعم الأم خلال هذه المرحلة، ومن ثمَّ خلق أجواء إيجابيَّة.
المرونة والتكيُّف
يجب على الزوجين أن يتقبَّلا التغيُّرات في العلاقة، ويعملا معًا على إيجاد حلول لها، فقد تحتاج العلاقات إلى تعديل بعض الأنماط السلوكيَّة لتناسب الوضع الجديد، ممَّا يتطلَّب مرونة الطرفين.
استشارة المتخصّصين
يمكن أن تكون الاستشارة الزوجيَّة، هي الخيار الأمثل في بعض الحالات لمساعدتهم في التعامل مع مثل هذه الضغوطات، وتجاوز المشاعر السلبيَّة، وتحقيق توازن أفضل في العلاقة بأمان.
خلق أهداف مشتركة
يجب أن يعمل الزوجان على وضع أهداف مشتركة للمستقبل، لتوليد شعور داخلي لدى كلٍّ منهما بالهدف والانتماء، وهذا بدوره يساعد في تعزيز فكرة التركيز على المستقبل، وتجاوز التحدِّيات الحاليَّة دون الانغماس في تبعاتها، وتفاقم الأجواء السلبيَّة دون جدوى.
العلاج الطبِّي المناسب
النساء اللواتي تلقين العلاج أكَّدن شعورهنّ بتحسُّن ملحوظ في المزاج وجودة النوم، ممَّا انعكس إيجابًا على حياتهنّ الزوجيَّة.
- استخدام مرطّبات المهبل ومزلّقات خاصَّة: تساعد في تخفيف الألم أثناء العلاقة الجنسيَّة، ممَّا يجعلها أكثر راحة للطرفين.
- العلاج بالهرمونات البديلة (HRT): يعيد توازن مستويات الهرمونات، ممَّا يحسِّن من الرغبة الجنسيَّة، ويقلِّل من أعراض الجفاف المهبلي.
- استشارة طبيب مختصّ في الصحَّة الجنسيَّة: قد يقدِّم الطبيب حلولًا متخصِّصة، تساعد الزوجين على استعادة الانسجام الجنسي.
وخلاصة القول، إنَّ انقطاع الطمث مرحلة حتميَّة لكنَّها -في الوقت نفسه- قابلة للإدارة، ومن ثمَّ، فإنَّ الفهم المشترك، والدعم المتبادل بين الزوجين، يمكن أن يحدَّ بشكل كبير من التوتُّرات التي تؤدِّي إلى التباعد النفسي، وتهدم جسور التواصل إلى أن ينتهي الحال بالطلاق.