أنينُ الأرحام: تشوُّهات الأجنَّة في غزَّة تَحت نيران الحُروب والأسلحة المُحرّمة دوليًّا

 تشوُّهات الأجنَّة في غزَّة، في قلب القطاع وُلدت الطفلة ملك أحمد القانوع دُون دماغ، وهي حالةٌ طبيَّة نادرةٌ تُعرف باسم انعدام الدماغ، وواحدةٌ من أبشع صور تشوُّهات الأجنَّة على الإطلاق، ومع ذلك؛ لم تكن حالة طفلتنا ملك هي الأولى في هذه الحرب “حرب الإبادة 2023 المستمرة” أو في هذا القطاع المحاصر، وربما لن تكون الأخيرة، وهُو ما يفجعُ القلوب.

تُشير التقارير التي ترد إلينا من مُستشفيات القطاع المُحاصر مؤخَّرًا إلى ازدياد حالات الولادة بتشوُّهات خُلقيَّة مروّعة، لتمثِّل علامة استفهام ضخمة أمام الضمير العالميّ: ما الذي يحدثُ للأجنَّة في القطاع المُحاصر؟ ولماذا ترتفع معدَّلات التشوُّهات بعد كل عدوان عسكريٍّ حول العالم؟

ما المقصودُ بحالة انعدام الدماغ؟

حالة انعدام الدماغ (بالإنجليزيَّة: Anencephaly) هي إحدى أخطر العُيوب الخُلقيَّة العَصبيَّة التي تُصيب الأجنَّة، وهي حالةٌ تحدث عند فشل اكتمال تطوّر جُمجمة ودِّماغ الجنين خلال الأسابيع الأولى من الحمل.

تحدث حالات  انعدام الدماغ نتيجة العديد من الأسباب المُختلفة، مثل: نقص حمض الفوليك، أو التأثيرات الوراثيَّة أو البيئيَّة، وأحيانًا وُجود التهابات أو أمراض مزمنة لدى الأُمّ، وفي حالاتٍ أخرى قد تحدث هذه الحالة نتيجة التعرُّض لمواد سامَّة أو مُشعَّة خلال أشهر الحمل.

اقرأ أيضًا: الإجهاض المتكرِّر وعلاجه – منصّة مودَّة.

مقالات ذات صلة

هل الحروب والنزاعات تعبثُ في الأجنَّة؟

على مدار عقودٍ من التاريخ الحديث، ومع التطوُّر العلمي الذي بات يتداخل بشدَّة مع إنتاج الأسلحة الكيميائيَّة والبيولوجيَّة، شهد العالم الكثير من الحُروب التي استُخدمت فيها العلوم البيولوجيَّة والكيميائيَّة كسلاحٍ حربيّ، جنبًا إلى جنب مع الأسلحة الحربيَّة المُتعارف عليها.

ومؤخَّرًا تزايدت التقارير التي تؤكِّد مُلاحظة التفاقم الملحوظ في معدَّلات العيوب الخلقيَّة وتشوُّهات الأجنَّة بعد كل جولةٍ من جولاتِ الحرب في غزَّة، الأمر الذي من شأنه أن يعيد إلى أذهانِنا الكثير من الحالات المماثلة التي شهدتها مناطق صراعٍ أخرى في العالم، ومن بينها العراق في غزو عام 2003م.

اقرأ أيضًا: أجسادُ النِّساء سَاحاتُ مَعارِك: مِلَفّ العُنف الجنسيّ في النِّزاعات.

هل تحوَّل القطاعُ المُحاصر إلى معملٍ مجّاني لتجارُبِ الموت؟

تُشير الكثير من أصابع الاهتمام إلى ضلوع الاحتلال في استخدام غزَّة كمُختبرات لتجربةِ أنواعٍ جديدةٍ من الأسلحة، في ظلِّ ما نشهدُه من صمتٍ عالميٍّ فاق حدود العقل والمنطق، وتتضمَّن أهمّ المؤشِّرات على هذا الأمر ما يلي:

  • لُوحظ ظهورُ أنواعٍ جديدة وغير مألوفة من الإصابات على حديثي الولادة، والتي لا تتماشى بأي شكلٍ من الأشكال مع الأسلحة التقليديَّة.
  • يُلاحظ سُكان القطاع المُحاصر روائح غريبة تظهر مُباشرةً بعد القصف الجوّي، مع مُلاحظة حُرقة في العينين، والتهابات في الجهاز التنفُّسي.
  • صرَّح الأطبَّاء في مُستشفيات القطاع المُحاصر أنَّهم لاحظوا ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان، وغيره من الأمراض النّادرة في صُفوف المدنيِّين بعد فترات من العدوان المُستمرّ والمُتجدِّد على القطاع على مدار سنوات.
  • تُشير التقارير الطبيَّة الواردة إلينا من القطاع عن وُجود العديد من حالات الأطفال الذين يُولدون دُون أعضاء وبأدمغة غير مكتملة أو بأطراف مشوَّهة، تمامًا مثل حالة الطفلة ملك أحمد القانوع.

وقد تكرَّرت الشهادات من بعض الأطبَّاء الفلسطينيِّين الذين لاحظوا ظهور حالات من الأطفال المصابين بتشوُّهات جسديَّة نادرة، والتي يصعُب نسبُها إلى عوامل وراثيَّة فحسب، وإنّما قد ترتبط بالتعرُّض لموادَّ سامّةً أو مُشعّة خِلال الحمل.

أنينُ الأرحام .. وإرث الحروب والنِّزاعات:

بقدر الألم الذي يعتصر القلوب عند مُشاهدة خبرٍ مثل خبر الطفلة ملك أحمد القانوع، إلا إنَّ الأمر الأكثر ألمًا يتمثّلُ في أنَّ ولادة الطفلة ملك بدون دماغ ليست حدثًا منفصلًا، وإنَّما هو جزء من إطارٍ أوسع يتضمَّنُ ما يلي:

  • يُعاني سُكَّان القطاع من تسرّب المواد السامَّة في المياه والتربة، الأمر الذي يتسبِّب في تراكمها في أجسامهم، وتحديدًا السيِّدات الحوامل.
  • يتعرَّض سكَّان القطاع المُحاصر بصورةٍ مُستمرَّة للغبار الناتج عن الانفجارات والقصف، هذا الغبار قد يحتوي على عناصر ثقيلة مثل اليورانيوم الذي يترك الكثير من الأضرار الضارَّة على صحَّة السُّكَّان.
  • يتعرَّض أهالي القطاع للضغط النفسي الشديد نتيجة الحرب، الأمر الذي يترك آثارهُ النفسيَّة المُدمّرة على السيِّدات الحوامل خلال الحرب، وهو في حدِّ ذاته من الأمور التي تترُك آثارها المُدمِّرة على صحَّة الأم والجنين.

دروسٌ من غزو العراق: هل يعيد الماضي نفسه؟

أشارت التقارير التي سُجِّلت ونُشرت عقب الحرب الأمريكيَّة العراقيَّة الأيرانيَّة إلى ارتفاع مُعدَّلات التشوُّهات الخُلقيَّة لدى المواليد والأجنَّة، بعد سنواتٍ من القصف المُستمرّ، والذي ربطهُ الباحثون باستخدام أسلحة تحتوي على اليورانيوم المنضّب والفوسفور الأبيض من قِبل القوَّات الأمريكيَّة.

وفي دراسة سبق ونُشرت عام 2010م (رابط الدراسة) في إحدى المجلّات البحثيَّة المرموقة، وُثّقت نسبةٌ مرتفعةٌ من سرطانات الأطفال وأمراض الدم والتشوُّهات الخلقيَّة تفوق ما تمَّ تسجيله في هيروشيما وناغازاكي بعد إلقاء القنبلة النوويَّة.

اقرأ أيضًا: الاستغلال الجنسي للأطفال في النِّزاعات “انتهاك البراءة”.

غيابٌ للرقابة .. وازدواجيَّة للمعايير الدّوليَّة:

 المُتابع للشأن الغزّيْ عن كثب، يُدركُ بما لا يدعُ مجالًا للشّك أنَّ الرقابة الدوليَّة على ما يجري في القطاع من انتهاكات تُعتبر معدومة، بشكلٍ يدعو للعجب من ازدواجيَّة المعايير التي يتَّسم بها النظام العالميّ، الأمر الذي فاقم أوضاع سُكَّان القطاع سوءًا، وسمح بارتكاب الجرائم فيهم دون رأفة.

ومن الجدير بالذّكر، أنَّ إسرائيل تُجيد التلاعب والتحايل على كافة المعاهدات الدوليَّة الخاصَّة بحظر الأسلحة البيولوجيَّة، كما أنَّها تمنع دخول لجان التحقيق الدوليَّة إلى القطاع المُحاصر بعد كل حربٍ أو قصف.

كُل هذا أفضى إلى ما نراهُ اليوم من تجاوزات، مثل حالة الطّفلة ملك أحمد القانوع وغيرها من حديثي الولادة الذين قاسوا ويلات صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل؛ وقبل أن ترى أعينهم شمس الحياة.

واجبُنا الإنساني والأخلاقي تجاه الأحداث:

 في ظل هذا الواقع المرير، وحتى تتوقّف ولادةٌ حالات مُشابهة لحالة الطفلة ملك بلا دماغ، يتمثّلُ دورُ المجتمع الدولي ومنظَّمات حقوق الإنسان في:

  • من المهمّ استمرار الضغط دون كللٍ ولا ملل من أجل فتح تحقيقٍ دوليٍ مستقل حيادي للوقوف على أسباب ارتفاع حالات التشوُّهات الخلقيَّة في غزَّة جرَّاء الحُروب المُستمرَّة التي يتعرّضُ إليها القطاع المُحاصر.
  • الضّغط من أجل إرسال فرق طبيَّة وبحثيَّة مُستقلَّة وحياديَّة من أجل عمل الاختبارات اللازمة، وتحليل التُربة ومصادر المياه، ودراستها للوقوف على دلائل دقيقة تُساعد على إثبات تأثيرات القصف المُستمرّ.
  • السّعي في سبيل تقديم الدعم الطبِّي والنفسي للأمَّهات والأطفال المتضرّرين جرَّاء الحرب والحصار الذي يُعاني منه القطاع.

المصدر
Manduca, P., Naim, A., & Signoriello, S. (2010). Birth defects in Gaza: Prevalence, types, familiarity and correlation with environmental factors. International Journal of Environmental Research and Public Health, 7(7), 2828–2846Taylor & Francis Online – Global Public Health (2025)Health and environmental impacts of Gaza conflict. Occupational Health and the Built EnvironmentU.S. Department of Veterans Affairs. (n.d.). Birth defects linked to Agent OrangeThe New Arab. (2024, January 22). Gaza’s pregnant women face rise in miscarriages, birth defects.UNICEF. (2024, March 19). Born into hell: Gaza’s babies struggle to survive amid war.Abunimah, A. (2024, March 28). Israeli attacks leading to increase in birth defects. The Electronic Intifada.Al Shaar, L. (2025). War and environmental health in Gaza. Eastern Mediterranean Health Journal, 31(2).
اظهر المزيد

إسراء رجب

حاصلة على درجة البكالوريوس في الصيدلة الإكلينيكية من جامعة الإسكندرية، أعمل في صناعة المحتوى الطبي العربي منذ ما يزيد عن 6 سنوات، لديها خبرة رفيعة في محتوى الصحًّة الجنسيَّة والإنجابيَّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى