حقوق الأفراد في الحصول على معلومات وخدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة في الأردن: قراءة شاملة لدراسة علميَّة

ممَّا لا شك فيه، أنَّ حقوق الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة باتت جزءًا أساسيًّا من حقوق الإنسان المنصوص عليها عالميًّا، وعلامة فارقة في تحقيق العدالة الاجتماعيَّة وضمان رفاهيَّة الأفراد والمجتمعات. وعلى الرغم من التطوّر التدريجي للمنظومة الصحيَّة في الأردن، إلّا أنَّ متلقِّي هذه الخدمات لا يزالون يواجهون العديد من التحدِّيات التي تقف عائقًا أمام تمتّعهم بهذه الحقوق، تتراوح بين العقبات الثقافيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، إضافة إلى نقص وعي الأفراد بتلك الحقوق والانتهاكات المحتملة لها.

اقرأ أيضا “دور برامج التوعية بالصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة في التماسك الاجتماعي الأردني”

عالميًّا، تتعدَّد وتتنوَّع أشكال حقوق الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة، إلّا أنَّ القيود المجتمعيَّة في العالم العربي، وبشكلٍ خاصّ في الأردن تَعْتَرِضُها وتؤطِّر مناقشة هذه القضايا ضمن إطار “مواضيع حسَّاسة ومثيرة للجدل”. ومن هذا المنطلق يناقش المقال دراسة علميَّة أجريت في الأردن حول “حقوق متلقِّي خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة والأشخاص الأكثر عرضة للتهميش في الأردن: الفجوات في الممارسة” من إعداد مركز المعلومات والبحوث- مؤسَّسة المك الحسين عام 2023.

أبرز حقوق الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة ضمن إطار حقوق الإنسان

بحسب ما أظهرته الدراسة، فإنَّ القوانين والمواثيق الدوليَّة دعت إلى صون حقوق الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة منذ عقود طويلة، خاصَّة منظّمة الصحَّة الدوليَّة التي عرَّفته عام 1946 بأنَّه “حالة من الرفاه البدني والعقلي والاجتماعي الكامل، وليس مجرد انعدام المرض أو العجز”، وأشارت إلى أنَّه أحد حقوق الإنسان الأساسيَّة دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو غيرها. كما عزَّزه أيضًا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ضمن المواد القانونيَّة المتعلِّقة بالصحَّة. بالإضافة إلى الميثاق العربي لحقوق الإنسان، واتِّفاقيَّة مناهضة التمييز ضدّ المرأة (سيداو)، واتِّفاقيَّة حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرها العديد.

أمّا عن الدستور الأردني، فلم يشِر صراحةً إلى هذه الحقوق، إلّا أنَّ الأردن في عام 2019 كان قد تعهّد خلال قمة نيروبي بالعمل مستقبلًا على تحقيق 12 التزامًا متعلِّقًا بالصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة، تشتمل على ضمان وصول الجميع لمعلومات وخدمات صحيَّة حول الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة، بالإضافة للإجهاض الآمن والقانوني، والتثقيف الجنسي الشامل، والمساواة بين الجنسين، والعنف الجنسي، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وغيرها من المواضيع.

على الرغم من النشاط الدولي الممتدّ لعقود طويلة، والجهود الحثيثة التي تبذلها منظَّمات المجتمع المدني لضمان حقوق الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة، إلّا أنَّ المجتمعات العربيَّة بما فيها الأردن لا تزال تنظر إليها على أنّها قضايا شخصيَّة فرديَّة، ما يجعلها محاطة بالوصمة الاجتماعيَّة والعيب، هذا التصوّر المجتمعي الذي يحدّ من النقاش العام حولها، ويمنع من تطوير سياسات متكاملة تضمن حماية هذه الحقوق بشكل شامل وعادل. الحقيقة أنَّ هذه النظرة الضيِّقة تؤثِّر سلبًا على الأفراد بما فيها النساء والشباب، إذ تحول بهم دون الوصول إلى الخدمات الأساسيَّة، والمعلومات الدقيقة، التي من شأنها أن تحسِّن نوعيَّة حياتهم الصحيَّة والاجتماعيَّة.

من خلال رؤيتنا وتحليلنا لما توصَّلت إليه الدراسة، فهي تطرَّقت لمسألة يمكن القول إنّها أولى خطوات ضمان الحصول على خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة للمجتمعات، وهي القوانين والسياسات المحليَّة، لذلك كان من المهم السماع من أصحاب الاختصاص من الحقوقيين بشكل مباشر حول مدى مواءمة هذه القوانين والسياسات مع المعايير الدوليَّة، وتحديد الفجوات التشريعيَّة التي قد تعيق تطبيقها بشكل فعّال، كما أن إدراج تحليل معمّق لمدى كفاية التشريعات القائمة، ومدى التزام الجهات المعنيَّة بتنفيذها، كان سيضفي بُعدًا أكثر وضوحًا وموضوعيَّة على نتائج الدراسة.

المؤسَّسات والاستراتيجيَّات الوطنيَّة المعنيَّة بخدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة

أشارت الدراسة إلى الجهود الوطنيَّة المبذولة لإدراج خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة ضمن الخدمات الصحيَّة، خلال السنوات الخمس الأخيرة. والتي كانت آخرها الخطة الاستراتيجيَّة التي أطلقتها وزارة الصحَّة 2023- 2025 المعنيَّة بشكل أساسي في تحسين الوصول والحصول على الرعاية الصحيَّة الأوليَّة والوقائيَّة بجودة وعدالة ومشاركة مجتمعيَّة فعَّالة متضمِّنة خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة، وتنظيم الأسرة، وصحَّة الطفل كهدف محوري. كما عملت الاستراتيجيَّة الوطنيَّة للمرأة في الأردن 2020- 2025 تضمين الاحتياجات الخاصَّة بصحَّة المرأة والفتيات الجسديَّة والنفسيَّة، وتمكينهنَّ من الحصول على الخدمات الصحيَّة، وخدمات تنظيم الأسرة وغيرها.

كما كشفت الدراسة، عن مجموعة من التحدِّيات التي واجهتها المؤسَّسات الوطنيَّة والأهليَّة خلال جهودها لنشر مفاهيم الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة في المجتمع، من أبرز هذه التحدَّيات: ارتفاع معدَّلات تزويج القاصرات، وزيادة نسبة الولادات المتقاربة بفارق زمني يقلّ عن 18 شهرًا نتيجة عدم استخدام وسائل تنظيم الأسرة من قبل الزوجين، كما برز غياب مواد تعليميَّة وتثقيفيَّة مناسبة لسن طلبة المدارس تتعلَّق بالصحَّة والحقوق الجنسيَّة والإنجابيَّة، بالإضافة إلى محدوديَّة وصول النساء والفتيات في المناطق الريفيَّة والنائية إلى خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة، وارتفاع نسبة المعنَّفات جسديًّا وجنسيًّا من قِبَلِ أزواجهن.

ومن أكثر القضايا إشكاليَّة كانت عدم مراعاة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وغياب التهيئة اللازمة للمرافق الصحيَّة لخدمتهم، إلى جانب استمرار الانتهاكات الجسديَّة والجنسيَّة بحقِّ النساء والفتيات ذوات الإعاقة الذهنيَّة والنفسيَّة، من خلال تعقيمهنَّ قسرًا في ممارسة محظورة دينيًّا وأخلاقيًّا. هذا الانتهاك الجسيم، يمثِّل اعتداءً صارخًا على حقوق الإنسان، حيث يجري تحميل الضحيَّة تبعات الجريمة عوضًا عن معاقبة الجاني، ما يعكس قسوة مجتمع يتَّسم بالوحشيَّة تجاه أجساد النساء، متجاهلًا إنسانيتهنَّ وحقوقهنَّ الأساسيَّة.

ممارسات تقديم خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة

قدَّمت الدراسة قراءة شاملة حول طبيعة الممارسات في تقديم خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة، وأظهرت أنَّ حاجة النساء والرجال المتزوّجين للحصول على تلك الخدمات كبيرة جدًا، وتفوق حاجة الرجال والنساء غير المتزوّجين. وهذا ما يدعم ويعزِّز النظرة المجتمعيَّة السائدة التي تعتبر أنَّ الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة، شأنًا مرتبطًا ومحصورًا بمؤسَّسة الزواج فحسب، ما يفرض ضرورة إعادة النظر في سياسات تقديم هذه الخدمات، لتكون أكثر شموليَّة وعدالة، وتراعي احتياجات جميع الفئات.

بالإضافة إلى ما سبق، أشارت البيانات إلى تنوُّع مصادر المعلومات التي يلجأ إليها الإناث والذكور، للحصول على المعلومات المتعلِّقة بالصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة، كان أبرزها الطبيب الخاصّ، ثمّ الأهل، تليها مواقع الإنترنت وغيرها من المصادر. اللَّافت بالأمر، أنَّ مصدر الطبيب جاء في المقدِّمة، وهو مؤشِّر إيجابي جدًا، في الوقت الذي ظلَّ من المعيب على الفتاة غير المتزوجة زيارة الطبيب بغرض الاستشارة الطبيَّة النسائيَّة، تمامًا كما هو معيب على الرجل مراجعة الطبيب بغرض الكشف عن إمكانيَّة القدرة على الإنجاب، فهي مسؤوليَّة الزوجة فقط! كما تجدر الإشارة، إلى الدور المهمّ الذي يلعبه الأهل كمصدر للمعلومات، ممَّا يعكس تأثير الأسرة في تشكيل فهم الأفراد لقضايا الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة. ومع ذلك، قد تكون هذه المعلومات أحيانًا محدودة أو مشوبة بالمفاهيم الخاطئة نتيجة التحفُّظات الاجتماعيَّة، أو قلَّة معرفة الأهل.

لا شكّ أنَّنا بحاجة لقراءة شاملة موسَّعة بشكل أكبر، خاصَّة في ظلِّ الاحتياج الكبير لمفاهيم الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة، فأدوات جمع المعلومات التي استخدمتها الدراسة، بما في ذلك الاستبيان، بدت محدودة بأفكار أسئلتها التي لم تتعمَّق بشكل كافٍ في استكشاف الاحتياجات الفعليَّة لهذه الفئات، كرصد العوامل التي تُسهم في استمرار النظرة المجتمعيَّة التي تربط الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة فقط بالزواج.

خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة المقدمة للأفراد الأكثر عرضة للتهميش

عندما بدأنا الحديث حول الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة، ذكرنا أنَّها موجهة لكافة أفراد المجتمع دون تمييز، وبما أنَّ المجتمع الأردني يشتمل على حوالي 20% من ذوي الإعاقة بحسب مسوحات التَّعداد السكَّاني لعام 2015 فمن الواجب علينا التطرُّق لمسألة حقوقهم الجنسيَّة والإنجابيَّة، ومرونة ومدى إمكانيَّة حصولهم عليها. من منطلق أنّهم أكثر عرضة لمخاطر التهميش، وسوء المعاملة، والتحرُّش، والاستغلال الجنسي، وأشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي بأشكاله المختلفة.

وبالنظر لما أفضت إليه البيانات في الدراسة، فقد أظهرت الحاجة الملحَّة لذوي الإعاقة المتزوّجين للحصول على خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة على خلاف مَن هم مِن غير المتزوّجين. وهو ما يعكس وعيًا متزايدًا بأهميَّة هذه الخدمات لفئة غالبًا ما تُهمَل في الخطط الصحيَّة، ويمكن لهم الحصول على تلك الخدمات من خلال المراكز الصحيَّة المنتشرة في محافظات المملكة دون تمييز أو إقصاء. لكن اللَّافت بالأمر، أنَّ العقبات التي تواجهها السيِّدات من ذوي الإعاقة في الوصول إلى تلك الخدمات تظلّ قضيَّة جوهريَّة، حيث تبدأ هذه التحدِّيات منذ لحظة خروج السيِّدة من منزلها، فتواجه صعوبة في العثور على وسائل نقل مناسبة ومهيَّأة لتلبية احتياجاتها. ثمَّ مشكلة أخرى تتمثَّل في عدم تهيئة البيئة الصحيَّة لاستقبال ذوي الإعاقة، سواء من حيث عدم توّفر أدوات تواصل مثل لغة الإشارة للصمّ، أو لغة بريل للمكفوفين، أو حتى تجهيزات لوجستيَّة مثل المنحدرات والمصاعد.

لا تقتصر التحدِّيات على ذوي الإعاقة فحسب، بل تمتدّ لتشمل اللاجئين الذين يعانون أيضًا من التهميش في الحصول على خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة. تشير الدراسة إلى أنَّه رغم تقديم هذه الخدمات للاجئين المسجَّلين لدى المفوضيَّة في المراكز الصحيَّة ومعاملتهم معاملة الأردنيِّين غير المؤمَّنين صحيًّا، إلا أنَّ الأعداد الكبيرة للاجئين تفوق قدرة المؤسَّسات الصحيَّة الرسميَّة على توفير هذه الخدمات بشكلٍ كافٍ، ما يبرز الحاجة الملحَّة لتدخُّل المنظَّمات الدوليَّة لتقديم الرعاية اللازمة.

ومع ذلك تواجه المنظَّمات الدوليَّة، تحدّيات كبيرة في إيصال المعرفة والمعلومات المتعلِّقة بالصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة للاجئين، من أبرزها: ضعف الطلب على الأنشطة التوعويَّة المتعلِّقة بالصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة بين اللَّاجئين، وعدم معرفة أولئك الذين يسكنون خارج المخيَّمات بالخدمات المتاحة وأماكن تقديمها، إلى جانب ذلك، لا تزال قضيَّة تزويج الفتيات القاصرات تتزايد في أوساط اللاجئين، حيث تُرفض هذه الخدمات من قبل العديد من العائلات اللَّاجئة، خصوصًا فيما يتعلَّق بالمراهقين، إذ يعتقد البعض أن التوعية بهذه القضايا “تفتح عقولهم على أمور غير مناسبة في هذه المرحلة”، مما يعكس فهمًا قاصرًا لدور التثقيف الجنسي والإنجابي في حماية صحَّة الأفراد. ما يجعل من الحاجة الكبيرة لتسليط الضوء على ضرورة تغيير المفاهيم المجتمعيَّة، وبناء وعي أعمق حول أهميَّة هذه الخدمات، كجزء أساسي من الرعاية الصحيَّة الشاملة.

ختامًا

يمكن القول، إنَّنا ما زلنا بحاجة إلى تكثيف الجهود المحليَّة والدوليَّة لتثقيف المجتمع حول أهميَّة اكتساب الأفراد لحقوقهم المتعلِّقة بالصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة، باعتبارها جزءًا لا يتجزَّأ من حقوق الإنسان الأساسيَّة. فرغم الخطوات الإيجابيَّة التي تحقَّقت في هذا المجال، إلا أنَّ الحديث حول هذه القضايا بدأ متأخِّرًا، ولا يزال الوصول العادل والشامل إلى خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة محدود إلى حدٍّ ما، خاصَّة بين الفئات الأكثر هشاشة مثل؛ ذوي الإعاقة، واللاجئين، وسكَّان المناطق الريفيَّة والنائية، ما يتطلَّب رؤية استراتيجيَّة طويلة الأمد، وتعزيز التعاون بين الجهات الحكوميَّة والمؤسَّسات الدوليَّة، لإطلاق مبادرات توعويَّة تهدف إلى تغيير المفاهيم الخاطئة، وكسر الوصمة الاجتماعيَّة، والأهم من ذلك صياغة تشريعات وقوانين تدعم المساواة في الوصول إلى الخدمات الصحيَّة، وتكفل حقوق الجميع.

المصدر:

الدماغ، م.، زريقات، ج، والشعبان، ع. (2023). حقوق متلقي خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة والأشخاص الأكثر عرضة للتهميش في الأردن: الفجوات في الممارسة. مركز المعلومات والبحوث – مؤسَّسة الملك الحسين.

اظهر المزيد

رزان المومني

رزان المومني، حاصلة على درجة البكالوريوس في الإعلام، باحثة ومحكِّمة علميّة في مجال العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، متخصصة في مجال التحقق من المعلومات والتربية الإعلامية والمعلوماتية، وصانعة محتوى مرئي ومسموع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى