لماذا نشتهي الحلويَّات خلال الدورة الشهريَّة؟ السرّ وراء الرغبة السكَّريَّة

قد تجدين نفسكِ خلال الدورة الشهريَّة تتوقين بشدَّة إلى قطعة من الشوكولاتة أو قطعة حلوى مفضَّلة، وتفكِّرين: لماذا يحدث هذا؟ أو ربما تنهين علبة كاملة من البسكويت وأنتِ تتساءلين: لماذا هذا الاندفاع؟ هل هو مجرَّد رغبة عابرة، أم حاجة بيولوجيَّة حقيقيَّة؟

الرغبة في الحلويَّات أثناء الدورة الشهريَّة ليست صدفة، بل هي جزء من تفاعل معقَّد بين الهرمونات والمزاج واحتياجات الجسم. هذه الظاهرة الشائعة تُظهر كيف يمكن للجسد أن يتحدَّث بلغته الخاصَّة، مطالبًا بما يحقِّق له التوازن والراحة. في هذا المقال، سنكشف السرّ وراء هذه الرغبة السكَّريَّة، ونوضح كيف يمكنكِ التعامل معها بطريقة توازن بين المتعة والصحَّة.

رحلة داخل الجسم: مسرحيَّة الهرمونات

تخيَّلي جسمك خلال الدورة الشهريَّة كمسرح ديناميكي، حيث تلعب الهرمونات أدوارها في قصَّة مليئة بالتغيُّرات. يبدأ الإستروجين في الانسحاب من دائرة الأضواء، ليترك المجال للبروجستيرون، الذي يجلب معه موجة من التقلُّبات المزاجيَّة والشهيَّة المتزايدة. في هذا المشهد، يظهر السيروتونين، المعروف بـ”هرمون السعادة”، كبطل مفقود تنخفض مستوياته فجأة، ما يدفع الدماغ إلى إطلاق إنذار للبحث عن مصدر سريع للتوازن. هنا تأتي الحلويَّات لتلعب دور المنقذ المؤقَّت، مقدِّمة دفعة سريعة من الراحة. يصبح الجسم أشبه بسيمفونيَّة متقلِّبة، تتناغم فيها الحلويَّات كنغمة تهدئ اضطرابات المزاج وتعيد بعض الاستقرار وسط هذا التغيّر العاطفي والجسدي.

إذًا ما الذي يحدث في جسمك أثناء الدورة الشهريَّة؟

  • انخفاض مستويات السيروتونين:
    السيروتونين، المعروف بهرمون السعادة، يتأثَّر بتغيُّر مستويات الإستروجين والبروجسترون خلال الدورة الشهريَّة. في الأيَّام التي تسبق الدورة، تنخفض مستويات السيروتونين بشكل ملحوظ، ممَّا يؤدِّي إلى تقلُّبات في المزاج وزيادة التوتُّر. يساهم السكَّر في تعزيز إفراز السيروتونين سريعًا، ممَّا يجعل الحلويَّات الخيار المفضَّل للشعور بالراحة​​.
  • زيادة هرمون البروجسترون:
    قبل بدء الدورة الشهريَّة، يرتفع مستوى هرمون البروجسترون في الجسم، ممَّا يحفِّز الشهيَّة بشكل عام. هذا يجعل المرأة تشعر بحاجة أكبر لتناول الأطعمة التي توفِّر طاقة سريعة مثل السكَّريَّات، حيث يُعتبر السكَّر مصدرًا فوريًا للطاقة​​.
  • التغيُّرات في مستويات الأنسولين:
    خلال فترة الدورة الشهريَّة، تؤثِّر التغيُّرات الهرمونيَّة على استجابة الجسم للأنسولين، ممَّا قد يؤدِّي إلى انخفاض مستويات السكَّر في الدم. كردّ فعل طبيعي، قد تزيد الرغبة في تناول الحلويَّات لتعويض هذا النقص وضمان استقرار مستويات الطاقة​​.
  • الاحتياجات البيولوجيَّة والسكَّريات

الجسم خلال هذه المرحلة يحتاج إلى مزيد من الطاقة للتعامل مع التغيُّرات الهرمونيَّة والجسديَّة. السكَّريات، كونها مصدرًا سريعًا للطاقة، تعمل على تعويض هذا النقص ودعم الجسم في أداء وظائفه الطبيعيَّة خلال الدورة الشهريَّة​.

الدماغ والطعام: لعبة الإشارات العصبيَّة

الرغبة في الحلويَّات أثناء الدورة الشهريَّة ليست مجرَّد نداء من المعدة، بل هي استجابة معقَّدة لتفاعلات تحدث في الدماغ. المنطقة المسؤولة عن المكافآت في الدماغ، والمعروفة بـ”نظام المكافأة”، تصبح أكثر نشاطًا خلال هذه الفترة، حيث يتوق الدماغ إلى تعزيز مشاعر الراحة والمتعة. السكَّر، كونه محفِّزًا سريعًا لهذا النظام، يلعب دورًا بارزًا في تهدئة التوتُّر وتحسين الحالة المزاجيَّة. عندما تستهلكين الحلويَّات، يطلق الدماغ موجة من الدوبامين، وهو الناقل العصبي المسؤول عن الشعور بالسعادة، ممَّا يفسِّر سبب الانجذاب القوي إلى الأطعمة الحلوة التي توفِّر شعورًا فوريًّا بالمكافأة. هذه الاستجابة العصبيَّة تجعل الدماغ يدير لعبة إشارات دقيقة، حيث تتجدَّد الرغبة في السكَّريات كلَّما انخفضت مستويات الراحة.

لماذا الحلويَّات تحديدًا؟

إذا كنتِ تتساءلين لماذا لا تُناديكِ الخضروات أو الأطعمة الصحيَّة خلال هذه الفترة، فالسبب يكمن في طبيعة الدماغ. السكَّر ليس مجرد طعام؛ إنَّه رمز للراحة، والاحتفال، وحتى الطفولة. أليس تناول قطعة شوكولاتة يجعلنا نتذكَّر لحظات سعيدة؟ الأمر ليس مجرَّد اختيار عشوائي، بل هو ارتباط عاطفي مدروس بدقَّة من قِبل العقل.

ماذا تقول الدراسات؟

أظهرت الدراسات أنَّ النساء يستهلكن سعرات حراريَّة أعلى بنسبة تتراوح بين 10-30% أثناء الدورة الشهريَّة مقارنة بالأيَّام الأخرى. و60% من هذه السعرات غالبًا ما تأتي من السكَّريات والكربوهيدرات. هذا يعني أنَّ الأمر ليس مجرَّد “مزاج”، بل استجابة طبيعيَّة لجسمك واحتياجاته.

دراسة من Nutrition Reviews كشفت أنَّ النساء يملن إلى تناول المزيد من السكَّريات بسبب تأثيرها المباشر على تحسين المزاج المؤقَّت.

دراسة أخرى من Journal of Hormonal Research أوضحت أنَّ انخفاض مستويات السيروتونين يؤدِّي إلى تغييرات في الشهيَّة، تجعل النساء يبحثن عن الأطعمة الحلوة.

السكاكر في حياة النساء: هل هي صدفة؟

على مرِّ التاريخ، كانت الحلويَّات دائمًا موجودة كرمز للتخفيف من الضغوط. في العصور القديمة، كانت النساء يستهلكن العسل كنوع من “العلاج الطبيعي” لتحسين المزاج. ربما لم تكن هؤلاء النساء يعرفن شيئًا عن الهرمونات، لكنَّهن أدركن أن الحلويَّات تمتلك سحرًا خاصًّا.

كيف تتعاملين مع الرغبة الشديدة في الحلويَّات؟

الآن بعد أن فهمنا السبب، دعينا نتحدَّث عن الحلول. إليكِ نصائح ممتعة للتعامل مع هذه الرغبة دون أن تشعري بالذنب:

  1. اختاري الحلويَّات الذكيَّة
    بدلاً من تناول شوكولاتة مليئة بالسكَّر الصناعي، جربي الشوكولاتة الداكنة التي تحتوي على نسبة عالية من الكاكاو. فهي ليست لذيذة فحسب، بل تحتوي أيضًا على مضادَّات أكسدة مفيدة.
  2. الفواكه: حلويَّات الطبيعة
    الفواكه مثل التمر، الموز، أو الفراولة المغمَّسة في القليل من الشوكولاتة الداكنة يمكن أن تكون خيارًا رائعًا لإشباع رغبتك بطريقة صحيَّة.
  3. اشربي الماء
    في كثير من الأحيان، قد تكون الرغبة في تناول الحلويَّات ناتجة عن الجفاف. لذا، حاولي شرب كوب من الماء وانتظري قليلًا قبل أن تقرِّري تناول الحلوى.
  4. مارسي التمارين الخفيفة
    التمارين مثل اليوغا أو المشي يمكن أن تساعد في تحسين مزاجك وتقليل رغبتك في الحلويَّات من خلال زيادة إفراز الإندورفين، الذي يمنحك شعورًا بالسعادة الطبيعيَّة.
  5. تناولي وجبات متوازنة
    احرصي على تضمين البروتين والألياف في وجباتك. هذه العناصر الغذائيَّة تبطئ امتصاص السكَّر في الدم، ممَّا يساعد على تقليل الرغبة في الحلويَّات.
  6. جربي وصفات صحيَّة للحلويات
    قومي بإعداد حلوى منزليَّة باستخدام مكوِّنات صحيَّة مثل الشوفان، أو العسل، أو زبدة الفول السوداني. ستشعرين بالرضا لأنَّك صنعت شيئًا صحيًّا بنفسك.

التغذية كعامل مؤثر في إدارة الدورة الشهريَّة

إن التغذية السليمة تلعب دورًا رئيسًا في التخفيف من الأعراض المصاحبة للدورة الشهريَّة، بما في ذلك الرغبة الشديدة في الحلويَّات. إنَّ النساء اللواتي يعتمدن على نظام غذائي غني بالمغذِّيات مثل الفيتامينات (B6 وD) والمعادن (المغنيسيوم والكالسيوم) قد يلاحظن انخفاضًا في تلك الرغبة، لأنَّ هذه العناصر تساعد في تنظيم مستويات الهرمونات، وتحسين الحالة المزاجيَّة.

في دراسة نُشرت في MDPI أشارت إلى أنَّ استهلاك السكَّريات البسيطة والكربوهيدرات المكرَّرة خلال الدورة الشهريَّة يوفِّر تحسينًا سريعًا للمزاج بسبب تأثيرها المباشر على إفراز السيروتونين. ومع ذلك، نصحت الدراسة بالتركيز على الكربوهيدرات المعقَّدة مثل الشوفان والبقوليات، لتجنُّب تقلُّبات السكَّر في الدم التي يمكن أن تؤدِّي إلى تفاقم الأعراض على المدى الطويل.

لا تجلدي نفسك

تذكَّري أنَّ رغبتك في الحلويَّات هي استجابة طبيعيَّة لجسمك، وليست ضعفًا. التعامل مع الأمر بوعي وتوازن يجعل التجربة أقل ضغطًا وأكثر متعة.

الرغبة في الحلويَّات خلال الدورة الشهريَّة ليست عدوكِ، بل هي جزء من حكاية جسمك. فهم هذه القصَّة والتعامل معها بحبٍّ ووعي يجعل هذه الفترة أقل توتُّرًا وأكثر إشراقًا. احتضني هذه الرغبات، ولكن لا تنسي أن تكوني الحكيمة في اختيارك، لأنَّك تستحقين الأفضل دائمًا.

المصدر
Childs, C. E., Calder, P. C., Miles, E. A., & Steenson, S. (2024). Nutritional practices to manage menstrual cycle-related symptoms: A systematic review. Nutrition Research Reviews, 37(1), 1–22Kebede, M., Dessalegn, M., Workineh, B., Gebrehiwot, H., & Mekonnen, M. (2024). Dietary habits and menstrual characteristics among female students in Ethiopia: A cross-sectional study. BMC Women's Health, 24, Article 69Alzahrani, S. H., Alshahrani, N. A., & Alasmari, H. A. (2024). The effects of dietary interventions on premenstrual syndrome: A review of recent evidence. Nutrients, 16(1), 69.MDPI
اظهر المزيد

رنيم حجازي

مديرة مشاريع في منظمات المجتمع المدني، وأدير مشروع منصة "مودة" حيث أشرف على إنتاج محتوى يعزز الوعي ويخلق مساحات آمنة للنقاش. أمتلك خبرة متعددة في مجالات التغيير المجتمعي والمناصرة باستخدام أدوات الإعلام الرقمي، كما أقدّم تدريبات متخصصة في الرعاية الوالدية، والعمل مع اليافعين، والتعامل مع العنف الرقمي، مع التركيز على مهارات فهم المراحل العمرية المختلفة والتكيف مع الضغوط النفسية. مقدّمة برامج إذاعية وبودكاست، أؤمن بأن الكلمة قادرة على فتح حوارات حقيقية وتحفيز التغيير الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى