هل يؤثِّر الرِّضا الجنسي على السعادة الزوجيَّة؟

اقرأ في هذا المقال
  • أوّلًا: ماذا تعني الحياة الجنسيَّة الصحّيَّة؟
  • ما هي دلائل الحياة الجنسيَّة الصحَّيَّة؟
  • ثانيا: ما هو دور الممارسة الجنسيَّة في العلاقة الزوجيَّة؟

لا يُمكِن وصف أيّ مجتمع بالاستقرار، ما لم تكن الأسرة -وحدة تكوين المجتمعات الرئيسيَّة- مستقرَّة وتنعم بالسعادة والعلاقات الصحِّيَّة السويَّة. يتزوَّج الإنسان من أجل عشرات الأسباب، منها الاستقرار النفسي، والمادِّي، والإنجاب، والشكل الاجتماعي، وغيرها من الأسباب، ولكن يبقى من أهمّها، ممارسة العلاقة الجنسيَّة، وهي واحدة من أهمِّ الغرائز الطبيعيَّة التي خلقها الله في الإنسان، وهي أكثر من مجرَّد وسيلة يحافظ بها الإنسان على نوعه، فهي أحد أهمّ مفاتيح تحقيق السعادة والاستقرار الزوجي، وتحقيق الرِّضا والاتِّزان النفسي أيضا. 

تشير الدراسات إلى أنَّ معدَّلات الرضا الجنسي ترتبط بعلاقة طرديَّة مع السعادة الزوجيَّة، وانخفاض معدَّلات الانفصال والطلاق، وكذلك مع طلب الخضوع إلى جلسات العلاج والمساعدة النفسيَّة. فما هي العلاقة الجنسيَّة الصحَّيَّة؟ وما هو الدور الذي تلعبه الممارسة الجنسيَّة في العلاقة الزوجيَّة؟ وما هو طبيعة تأثيرها على الحياة بين الزوجين؟ وكيف يمكن الحصول على حياة جنسيَّة صحَّيَّة؟

أوّلًا: ماذا تعني الحياة الجنسيَّة الصحّيَّة؟

تحمل العلاقة الجنسيَّة الكثير من الأبعاد النفسيَّة والعاطفيَّة والجسديَّة والروحيَّة والعقليَّة أيضا، وتوصف العلاقة الجنسيَّة بأنَّها صحَّيَّة، إذا كانت تغطِّي هذه الجوانب وتشبعها بشكل صحِّي ومرضٍ لأصحابها، كأن تُمارَس العلاقة بانتظام، وبمعدَّلٍ مرضٍ للزوجين، يحصلان من خلاله على الرِّضا والإشباع الجنسيّ، ويصلان إلى الرعشة الجنسيَّة. وأن يكون بين الزوجين قدرة على التواصل فيما يخصّ علاقتهما الحميمة، واتِّفاق على الكمِّ والكيف المناسب لهما في قضاء هذا الوقت الخاص، ومشاركة للقيم والحدود والاحترام المُتبادل فيما يخصُّ هذا الأمر. 

ما هي دلائل الحياة الجنسيَّة الصحَّيَّة؟

  1. القدرة على التعبير المتبادل عن المشاعر والرغبات الجنسيَّة بصراحة وحرِّيَّة ودون شعور بالخجل أو العار.
  2. الشعور بالثقة والراحة في جسمك، وعدم الشعور بالخجل أمام الزوج/ الزوجة من التعبير عن رغباته أو الإحراج منه أثناء العلاقة.
  3. القدرة على التغيير والتجريب بسهولة، حيث تتطوَّر رغبات الزوجين ويعيدان اكتشافهما لأنفسهما، وحوارهما عن كيفيَّة تحسين العلاقة وجعلها وقتًا أفضل لكلٍّ منهما.
  4. أن يكون وقت العلاقة وموضوعها هو وقت مميز ومحبَّب للزوجين، يتخلَّصان خلاله من ضغوط اليوم ويحصلان على جرعة مكثَّفة من التواصل والحبّ، عوضًا عن أن يكون مهمَّة إضافيَّة أو واجبًا على إحداهما مضطر لتأديته.

ثانيا: ما هو دور الممارسة الجنسيَّة في العلاقة الزوجيَّة؟

تُؤثِّر ممارسة العلاقة الحميمة على الإنسان على المستويين النفسيّ والجسديّ، في علاقة تكامليَّة للحفاظ على صحَّة الفرد الجسديَّة والنفسيَّة من ناحية، وعلى العلاقة الزوجيَّة واستقرارها وتحقيق السعادة والرضا بها من ناحية أخرى. 

أوَّلًا: الجانب النفسي:

مقالات ذات صلة
  1. توطيد العلاقة العاطفيَّة والحميميَّة: تُشجِّع العلاقة الجنسيَّة المُرضية بين الزوجين على توطيد الروابط العاطفيَّة، وزيادة المساحة الرومانسيَّة بينهما على مستوى التفاصيل اليوميَّة من ناحية، وعلى مستوى تخفيف حدَّة الصراعات والمشكلات بينهما من ناحية أخرى. لا يمكن أن يستمرّ زواج بدون مودَّة ورحمة ومشاعر من الحبّ والشعور بالسكن والأمان، وهذا ما تعزِّزه العلاقات الجنسيَّة المُرضية للطرفين، تزيد من عمق العلاقة، وتدعم روابط الودّ والمحبَّة بينهما. حتَّى أنَّ غياب العلاقة الزوجيَّة، أو تباعد المدَّة الزمنيَّة بين مرَّات ممارستها قد يؤدِّي إلى جفاء في العلاقة، وتوتُّر في التواصل بين الزوجين، بالإضافة إلى كونه سببًا غير مُعلن للصراعات والمشكلات اليوميَّة حتى لأبسط وأصغر الأسباب.
  2. تخفيف الضغط النفسي: تمتلئ الحياة بأسباب الضغط النفسي، ما بين أعباء ماديَّة، ومسؤوليَّات الأسرة ورعاية الأطفال، وخطط على المستوى المهني أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وغيرها من ضغوطات الحياة اليوميَّة. تؤكِّد الدراسات أنَّ ممارسة الجنس هي واحدة من أهمِّ طرق تخفيف الشعور بالضغط، حيث تساعد في خفض الهرمونات المسؤولة عن الضغط والتوتُّر مثل الكورتيزول والأدرينالين، ممَّا يزيد من الشعور بالراحة والهدوء العصبي.
  3. تعزيز التواصل غير اللفظي: العلاقة الحميميَّة هي فرصة مناسبة ليعبِّر فيها كلا الزوجين عن مشاعرهما، ولتقديم الحبّ والاهتمام بدون كلام وبلا استخدام للغة الحوار، ولكن عن طريق التعبير والتواصل الأعمق، الذي قد يحمل رسائل لا يكفي لها التواصل اللفظي.
  4. تحسين صورة الذات: ممارسة العلاقة الزوجيَّة تدعم لدى الزوجين شعورهما بالرضا عن أنفسهما وعن أجسامهما، وتزيد من مشاعر الثقة بالنفس وتخلق علاقة أكثر إيجابيَّة مع النفس. الشعور بالقبول وأنَّ الفرد مرغوب ومحبوب، وأنَّ هناك من يسعى لأن يكون بجانبه ويسعد في قربه، كلُّها احتياجات أساسيَّة للإنسان، ترفع من شعوره بالرِّضا والعاطفة تجاه الطرف الآخر، الذي يعتبر مصدرًا أساسيًّا لهذه المشاعر الإيجابيَّة.
  5. زيادة مُعدَّلات السعادة: أثبتت بعض الدراسات أنَّ الرضا الجنسي، وزيادة مُعدَّلات ممارسة العلاقة الزوجيَّة ترتبط طرديًّا مع زيادة الشعور بالسعادة والراحة النفسيَّة. كما أنَّ المخ يقوم بإفراز مواد كيميائيَّة أثناء ممارسة العلاقة الزوجيَّة تسمى الإندروفينات، هذه المواد تساعد على تقليل مشاعر التوتُّر والقلق والاكتئاب. وهي تزيد أيضا من إفراز هرمون الأوكسيتوسين، والذي يسمَّى أحيانًا بهرمون الحضن، وهو يزيد من الشعور بالهدوء والراحة والسعادة.

ثانيًا الجانب الجسدي:

  1. تحسين الصحَّة العامَّة: استنادًا إلى جمعيَّة القلب الأمريكيَّة، فإنَّ ممارسة العلاقة الجنسيَّة هي واحدة من الأنشطة الرياضيَّة التي تعدل رياضة متوسّطة الشدَّة، مثل المشي السريع أو صعود السلّم. من شأنها أن تحسِّن من كفاءة عمل عضلة القلب، وتدعم قوَّة العضلات، وفي حالة النساء، فإنَّها تُقوِّي عضلات الحوض، وتزيد من القدرة على التحكُّم في المثانة.
  2. زيادة المناعة: تقوم الممارسة المنتظمة للعلاقة الزوجيَّة بالحفاظ على مستويات المناعة بشكل جيِّد، كما لوحظ أنَّ غيابها قد يجعل الجسم أضعف وأكثر عرضة للإصابات الفيروسيَّة.كما أنَّها تحفِّز من إفراز المواد الكيماويَّة المضادَّة للالتهابات، ومواد تساعد على سرعة التئام الجروح وتَجَدُّد الأنسجة والخلايا.
  3. تحسين جودة النوم: تشير الأبحاث إلى أنَّ الوصول إلى النشوة الجنسيَّة يحفِّز من إفراز هرمون البرولاكتين الذي يساعد على النوم. وأنَّ العلاقة الجنسيَّة بشكل عام وبسبب ما تحفِّزه من إفراز هرمونات السعادة، وخفض هرمونات القلق والتوتُّر، تساعد في زيادة جودة النوم.
  4. تخفيف آلام الدورة الشهريَّة: في حالة الزوجات، فإنَّ كثيرًا من الدراسات تشير إلى أنَّ الممارسة الجنسيَّة المنتظمة، والوصول إلى الرعشة، يساعدان على التخفيف من الآلام المتكرِّرة للدورة الشهريَّة وخفض التقلُّصات المزعجة في هذا الوقت، كما أنَّها تقلِّل من مدَّتها الزمنيَّة. 

ثالثاً: كيف يمكن تحقيق علاقة جنسيَّة صحَّيَّة بين الزوجين؟

  1. الحرص على قضاء وقت مشترك: التشارك في وقت ذي جودة عالية، يتواصل من خلاله الزوجان، ويتبادلان الحديث والتعبير عن المشاعر، والمشاركة في أي أنشطة مهما كانت بسيطة وتقليديَّة، مثل شرب الشاي بعد وجبة الغداء، أو مشاهدة مسلسل تلفزيوني قبل انتهاء اليوم، أو التسوُّق الأسبوعي للمنزل، أو إعداد وجبة سويًّا في يوم الإجازة، أو غيرها من الأنشطة المشتركة التي تُمهِّد للعلاقات وتُوطِّد التواصل وتفتح مسارات للحوار والحميميَّة بين الزوجين.
  2. التفكير في ما يُسعد الطرف الثاني: العطاء المتبادل بين الزوجين في العلاقة وعدم الأنانيَّة وتفكير كل طرف في احتياجات الآخر، ورغباته وتوقُّعاته وما يُسعده، هو مفتاح أساسي للرضا والإشباع والسعادة المتبادلة. من الطبيعي أن يختلف الزوجان في رغباتهما الجنسيَّة، سواء من حيث مستوى الرغبة، أو من حيث تفضيلاتهما في وقت العلاقة نفسها، ولكن تحقيق الرضا رغم الاختلاف مُمكن جدًّا بمزيد من التواصل والتضحية والعطاء بحبّ.
  3. المرونة: سواء في التطرُّق إلى حديث قد يبدو محرجًا، أو للتجارب الجديدة في العلاقة. من المفيد أن يتحلَّى الزوجان بمساحة من المرونة والتخلِّي عن الكليشيهات، والاستماع بمرونة لرغبات الطرف الآخر ومتطلّباته في العلاقة، وإعطاء مساحة للتجربة والاستمتاع بشيء جديد وربَّما إعادة اكتشاف النفس.
  4. الحوار والتواصل الجيِّد: كأن يخبر أحد الزوجين الآخر بأكثر ما أمتعه وقت العلاقة، أو ما أثاره، أو ما كان يتوقّعه، أو غيرها من التفاصيل التي تساعد كل طرف على فهم الآخر، والعمل على إرضائه، عوضًا عن الغرق وسط سيل الاحتمالات والصمت بعد العلاقة.
  5. الاهتمام بالنظافة الشخصيَّة: هذه النقطة فاصلة وفي غاية الأهميَّة والحساسيَّة والإحراج كذلك، لكلا الزوجين. قد يبدو الأمر بديهيًّا، ولكن تظهر الدراسات أنَّ نسبة كبيرة من الأزواج قد ينفرون من العلاقة في ظلِّ عدم اهتمام الطرف الآخر بالنظافة الشخصيَّة، والشعور بالانزعاج من رائحة العرق أو الفم أو عدم الاهتمام بالمظهر. فحتى إذا كان الزوجان على علاقة ممتازة، تظلُّ العلاقة الجنسيَّة مرتبطة بالحواسّ من نظرٍ وشمّ ولمس، لذا لا بد من إعطاء الأمر أولويَّة.

المصدر
ncbi.nlm.nih.govInspecting the Relationship between Sexual Satisfaction and Marital Problems of Divorce-asking Women in Sanandaj City Family Courtsmarriage.com
اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى