الفتشية
- تاريخ الفتشية
- النشاط الجنسي والفتشية
- انتشار الفتشية وشيوعها
- التشخيص النفسي للفتشيَّة
فتش، هو مصطلح يطلق على استخدام كائن غير حيٍّ لإثارة الرغبة الجنسيَّة وهو مصطلح مشتقٌّ من اللغات الفرنسيَّة والبرتغاليَّة، في البداية كان يستخدم للتعبير عن الشيء الذي له قوى خارقة للطبيعة (Ventriglio et al., 2019).
وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقليَّة (الطبعة الرابعة/ الجمعيَّة الأمريكيَّة للطبِّ النفسي ) يتمُّ تعريف الفتشية على أنَّها اضطراب جنسي متكرِّر يتَّسم بتخيّلات متكرِّرة ومكثَّفة للإثارة الجنسيَّة، أو دوافع جنسيَّة، أو سلوكيَّات تتضمَّن استخدام كائنات غير حيَّة. (Sarver & Gros, 2014)(Firoz et al., 2014).
يلجأ الأشخاص المولعون جنسيًّا بالفتش إلى الطلب من (زوجه/زوجته) ارتداء الشيء المثير للشعور بالإثارة، أو أنَّهم يثارون عند الإمساك بالشيء المثير أو الشعور به، أو شمّه. وتعدُّ الملابس الداخليَّة النسائيَّة أهمّ الأمثلة على الأشياء غير الحيَّة المثيرة وأكثرها شيوعًا. عادةً ما تبدأ مشكلة الفتشية بالظهور في مرحلة المراهقة (Twohig & Furnham, 1998).
تعتبر الفتشية مشكلة مزمنة في أغلب الأحيان، حيث تؤدِّي التخيُّلات أو الدوافع أو السلوكيَّات الجنسيَّة إلى أزمة كبيرة سريريًّا أو ضعفًا في الأداء الاجتماعي أو المهني. (Firoz et al., 2014).
تاريخ الفتشية
تمَّ تسجيل أول حالة فتشية في القرن التاسع عشر، وفُسِّر حدوث الانجذاب في ذلك الوقت على أنَّهُ نتيجة لتجارب سابقة مرتبطة بالشيء الجاذب. (Ventriglio et al., 2019) يعدُّ عالم النفس الفرنسي المعروف ألفريد بينيه (1857-1911) من أوائل العلماء الذين تعاملوا مع الفتشية على أنَّها وصفًا تقنيًّا للسلوك الجنسي غير النمطي في القرن التاسع عشر. استخدم العلماء مصطلحي “الوثن” و “الفتش” في كتاباتهم الأساسيَّة لوصف الإثارة الجنسيَّة الشديدة باستخدام كائنات غير حيَّة و/أو أجزاء الجسم المحدَّدة التي ارتبطت رمزيًّا بشخص.
وللفتشية عدَّة أنواع وأشكال، فيمكن للفتشيَّة أن تكون مظاهر غير مرضيَّة لطيفة طبيعيَّة من الإثارة الجنسيَّة وبالمقابل يمكنها أن تكون اضطرابات إكلينيكيَّة تسبِّب صعوبات كبيرة في العلاقات الشخصيَّة. وقد لاحظ إليس (1906) أنَّ الإفرازات والمنتجات الخارجة من الجسم يمكن أيضًا أن تصبح شكلاً من أشكال الفتشية لما لها من ” رمزيَّة مثيرة ” عند البعض. اعتبر فرويد (1928) أن كلا من أجزاء الجسم (مثل القدم) أو الأشياء المرتبطة بالجسم (على سبيل المثال، الأحذية) كائنات “فتش” أي أنَّها قد تعتبر جزءًا من الكائنات غير الحيَّة. (Béjin, 2021)(Kafka, 2010a)(Weinberg et al., 1995)
اعتبر المقال الذي نشره عالم النفس ألفريد بينيه عام 1887 حول “الفتشية في الحبّ” بمثابة نقطة تحوُّل في تاريخ علم الجنس. اقترح بينيه أنَّ الشهوة الجنسيَّة يمكن أن تكون سمة مشتركة في النشاط الجنسي لغالبيَّة الناس حيث تشترك “الانحرافات” المختلفة وكذلك الجنس “الطبيعي” بالشهوة الجنسيَّة. من وجهة نظر بينيه، ترجع الفتشية إلى حقيقة أنَّ الرغبة الجنسيَّة تعتمد بشكل أساسي، أو حتى حصري، على “صنم” معين (على سبيل المثال، جزء من الجسم، أو صفة نفسيَّة، أو شيء غير حي مثل الملابس الداخليَّة أو الأحذيَّة الجميلة) إذا كان هذا الصنم قد أثار المشاعر الجنسيَّة الأولى والأكثر لفتًا للانتباه لدى الفتشي، خاصَّة إذا تمَّت إثارة هذه المشاعر أثناء الطفولة أو المراهقة. (Béjin, 2021)
النشاط الجنسي والفتشية
تشير دراسات علم الجنس المبكِّرة إلى أنَّه في الأشكال المرضيَّة للفتشيَّة، كان التركيز الجنسي على الصنم أو الوثن الجنسي، بدلاً من(الزوج/الزوجة) . يرى الباحثون أن الأفراد الذين يستثارون جنسيًا بفعل أشياء غير حيَّة، قد ربطوا هذا الاشياء بشخص يرغبون فيه، ثمَّ قاموا بتحويل تركيز الرغبة الجنسيَّة لديهم من الفرد المطلوب إلى هذا الكائن الرمزي – الفتِش. وبهذه الطريقة، يُعتقَد أنَّ النشاط الجنسي للفرد أصبح يركِّز على الصنم (الفِتش) إذ لم يعد (الزوج/الزوجة) مطلوبًا، وحتى إذا كان لا يزال متورِّطًا في العلاقة الجنسيَّة، فهو لم يعد محور التجربة الجنسيَّة.
وقد عزَّزت المفاهيم الأكثر حداثة للفتشيَّة من احتماليَّة اعتبارها اختلالًا وظيفيًّا. على سبيل المثال، في كتيبات التشخيص السريريَّة المنشورة في عامي 1980 و 1994، كان جزء من معايير وتعريف الفتشية هو أنَّ الكائن الفتِش مطلوب لحدوث الإثارة الجنسيَّة، وأنَّ غياب الوثن – يمنع تحقيق الإثارة الجنسيَّة أو النشوة الجنسيَّة بل وقد ذهب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسيَّة (الطبعة الرابعة) إلى أبعد من ذلك، إذ أشار إلى أن المشكلات الجنسيَّة قد تظهر بدون عنصر الوثن: “حيث إنَّه حتى في غياب الصنم من الممكن أن يحدث ضعف في الانتصاب عند الذكور” (Rees & Garcia, 2017)
باختصار، تشترك أغلب الدراسات في أنَّ وجود الفتشية سوف يحوِّل تركيز طرف العلاقة عن (الزوج/الزوجة)، وبالتالي غياب الحميميَّة في العلاقة، وهذا بالطبع قد يؤدِّي بطريقة او بأخرى لأحد أشكال انهيار العلاقة.
انتشار الفتشية وشيوعها
تتفاوت نسب انتشار الفيتشية بشكل كبير، حيث تتراوح الإحصائيَّات بين 0.1٪ إلى 8.3٪. يعدُّ تفضيل أجزاء الجسم (مثل القدمين وأصابع القدم) والأشياء ذات الصلة (مثل الجوارب أو الأحذية) أكثر السلوكيَّات الفتشية انتشارًا. تختلف مدَّة الرغبة عند المولعين بالفتش كما تختلف سلوكيَّاتهم الجنسيَّة أيضًا ولكن المدَّة لا تقلُّ عن 6 أشهر، وينتج عن هذه السلوكيَّات أزمة أو ضعف كبير سريريًّا في مجالات الأداء الاجتماعيَّة و المهنيَّة وغيرها. (Sarver & Gros, 2014)تقريبًا، تنتشر الفتشية بشكل حصري بين الرجال، وهي شائعة جدًا في أشكالها المعتدلة. (Weinberg et al., 1995)
لا توجد أدلَّة كافية على أسباب حدوث الفيتشية، لكن هناك عدد من الافتراضات مثل: التجارب المؤلمة / المهينة في الطفولة، او التجارب الجنسيَّة المبكِّرة غير السويَّة.(Masand, 1993)
التشخيص النفسي للفتشيَّة
في الإصدار الأخير من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسيَّة للجمعيَّة الأمريكيَّة للطبِّ النفسي، تمَّ تعديل المعايير التشخيصيَّة لاضطرابات البارافيليك، بحيث يجب أن يحقِّق الاضطراب النفسي معيارين أساسيّين:
(المعيار الأول): تعدُّ التخيُّلات الجنسيَّة المتكرِّرة والمكثَّفة أو الحوافز أو السلوكيَّات الجنسيَّة هي السمات الأساسيَّة للبارافيليا والتي تتضمَّن بشكل عام (1) حبّ أشياء غير بشريَّة ( فتشيَّة)، (2) معاناة أو إذلال الشخص أو (زوجه/زوجته)، أو (3) حبّ الأطفال أو أشخاص غير راغبين، وتحدث هذه التخيُّلات أو السلوكيَّات خلال فترة لا تقلُّ عن 6 أشهر.
(المعيار الثاني): يتمُّ التشخيص إذا تسبَّب السلوك أو الدوافع الجنسيَّة أو التخيُّلات في قصورٍ أو تعطّل في أي من مجالات الحياة الاساسيَّة: الاجتماعيَّة أو المهنيَّة أو الاكاديميَّة (Kafka, 2010b) (Firoz et al., 2014)
يتمُّ علاج الفيتشيَّة من خلال الجلسات النفسيَّة باستخدام أساليب العلاج المختلفة، والتي تحدَّد تبعًا لاحتياجات الحالة، في بعض الحالات يمكن الاكتفاء بالعلاج النفسي وفي حالات أخرى يتمُّ اللجوء للدواء. من المهمّ الإشارة إلى أنَّ علاج مثل هذه الاضطرابات يستهلك الكثير من الوقت، وهو بحاجة لمجهود من المعالج والشخص المصاب (Firoz et al., 2014)(Sarver & Gros, 2014)