الاعتداء الجنسي؛ الوباء الصامت
- مفهوم الاعتداء الجنسي
- الاعتداء الجنسي ضدّ المرأة
- مشاكل الإبلاغ عن الاعتداء الجنسي
- المشاكل النفسيَّة والصحيَّة المرتبطة بالاعتداء الجنسي
- الاعتداء الجنسي وأثره على الصحَّة الجنسيَّة
مقدِّمة
يعدُّ الاعتداء الجنسي قضيَّة اجتماعيَّة عالميَّة تؤثِّر على كافة شرائح المجتمع دون التمييز في العمر أو الجنس أو القدرة أو المكان (McQueen et al., 2021). تشير التقديرات إلى أنَّ خطر التعرض للاعتداء الجنسي على مدى الحياة هو 20٪ للنساء، و 4٪ للرجال(Mason & Lodrick, 2013). وعلى الرغم من كون الاعتداء الجنسي لا يميِّز بين الفئات، تشير الأبحاث إلى أنَّ بعض الفئات مهدَّدة بالتعرُّض للاعتداء أكثر من غيرها. وهذا يشمل النساء والعاملات في بيئات محرومة وذوي الإعاقة والطلاب. (McQueen et al., 2021).
مفهوم الاعتداء الجنسي
يُعرَّف الاعتداء الجنسي على أنَّهُ أي نوع من الاتِّصال أو السلوك الجنسي القسري الذي يحدث دون موافقة، وينتهك السلامة الجنسيَّة للأفراد، ويعرِّضهم لمجموعة متنوِّعة من النتائج الصحيَّة والاجتماعيَّة والنفسيَّة والجنسيَّة والصحيَّة الجسديَّة التي تحمل معها آثار ضارَّة طويلة الأمد على الناجين. (McQueen et al., 2021).
الاعتداء الجنسي ضدّ المرأة
يعدُّ المعدَّل المرتفع للعنف الجنسي ضدّ المرأة من قضايا الصحَّة العامَّة وذلك لأثره الكبير على المجتمع، فمثلًا، تتعرَّض واحدة من كلِّ ثلاث نساء تقريبًا في أمريكا الشماليَّة للاعتداء الجنسي خلال حياتها(McQueen et al., 2021).
منذ الثمانينيات من القرن الماضي، تمَّ التركيز على التحرُّش الجنسي في مكان العمل، حيث يقع حوالي 60٪ من النساء ضحايا للتحرُّش مقارنة بالرجال، و 13 مرَّة أكثر عرضة للاغتصاب (18.3٪ من النساء مقابل 1.4٪ من الرجال). توضح الدراسات أنَّ خطر التحرُّش الجنسي والاعتداء الجنسي يكون أعلى خلال المراحل المبكِّرة من سنِّ البلوغ مقارنة بسنِّ الرشد.(Mumford et al., 2020)
مشاكل الإبلاغ عن الاعتداء الجنسي
يُطلق على الاعتداء الجنسي على المراهقات والبالغات اسم الوباء الصامت، لأنَّهُ يحدث بمعدَّلات عالية ونادرًا ما يتمُّ إبلاغ السلطات عنه. لا يخبر العديد من الضحايا عن الاعتداء، لأنَّهم يخشون عدم تصديقهم ويعدُّ هذا مصدر قلق لهم. قد لا يدرك بعض الضحايا أنَّهم تعرَّضوا بالفعل للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي المحدَّد قانونًا، وذلك لأنَّ تفاصيل الحادثة لا تتناسب مع السيناريو النموذجي لحالات الاغتصاب المعروفة.
على سبيل المثال، أفادت امرأة في دراسة أجراها آبي وزملاؤه (1996) ” لسنوات كنت أعتقد أنَّهُ كان خطئي لكوني في حالة سكر تامَّة. لم أسمِّ الأمر مطلقًا “اغتصابًا” حتى وقت قريب جدًا، على الرغم من أنَّني قلت له مرارًا “لا” “. (Murphy-Oikonen et al., 2022)
في استطلاعٍ عامّ عن الجرائم الجنسيَّة التي كشف عنها المشاركون في الاستطلاع، وُجِدَ أن 18% فقط من الجرائم تمَّ إبلاغ الشرطة عنها. يتوافق هذا الرقم مع أبحاث أخرى أجريت، والتي تشير إلى أنَّ نسب الإبلاغ عن حالات الاغتصاب تتراوح بين 5 و 25٪.(Hanson & Gidycz, 1993).
يتمُّ إلقاء اللوم على الضحيَّة في معظم القضايا الجنسيَّة، هذا يحدث من قبل المجتمع والمعتدي وحتى الأهل أنفسهم. كل هذا يدفع الضحيَّة الناجية للسكوت بينما قد يدفع المعتدين للاستمرار بالعنف أو ربما الابتزاز.
من المهمّ الإشارة إلى أنَّ أغلب حالات الاعتداء الجنسي تكون من الأهل أو المقربين، وقد تحدث الاعتداءات في مراحل ما قبل الزواج أو بعد الزواج، في جميع الأحوال سوف تتأثَّر العلاقة الأسريَّة عمومًا والجنسيَّة خصوصًا بفعل هذه الاعتداءات. ومن أشهر صور تأثُّر العلاقة، هو إعادة عيش حدث الاعتداء كلَّما بادر االزوج بالقيام بعلاقة جنسيَّة، ممَّا يؤدِّي لظهور أعراض شديدة تتراوح بين الشدِّ العضلي أثناء العلاقة، أو الامتناع عن العلاقة، أو عدم الاستمتاع بالعلاقة، أو أي أعراض أخرى تؤثِّر سلبًا على العلاقة وتؤدِّي لتجنُّبها.
المشاكل النفسيَّة والصحيَّة المرتبطة بالاعتداء الجنسي
تقسَّم العواقب الصحيَّة للعنف الجنسي إلى مشكلات صحيَّة قصيرة المدى ومشكلات صحيَّة طويلة المدى مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات الأكل واضطراب ما بعد الصدمة والتفكير الانتحاري. وكذلك الإصابات والأمراض المنقولة جنسيًّا والأمراض المزمنة. كما وُجِدَ أنَّ طلاب الجامعات الذين تعرَّضوا للاعتداء الجنسي هم أكثر عرضة للانخراط في سلوكيَّات محفوفة بالمخاطر، مثل الإفراط في شرب الخمر وتعاطي المخدرات، وقد قلَّلوا من التحصيل الدراسي وهم أكثر عرضة للإيذاء مرَّة أخرى.(Senn et al., 2015)(Mason & Lodrick, 2013).
وجدت الدراسات أنَّهُ ما بين 17 ٪ و 65 ٪ من النساء اللائي لديهن تاريخ من الاعتداء الجنسي يصبن باضطراب ما بعد الصدمة. (13٪- 51٪) حقَّقن المعايير التشخيصيَّة للاكتئاب. بينما وُجِدَ أنَّ معظم ضحايا الاعتداء الجنسي يعانون من الخوف و/ أو القلق (73٪ -82٪ ) و 12٪ إلى 40٪ يعانون من القلق العام. ما يقرب من 13 ٪ إلى 49 ٪ من الناجين أصبحوا معتمدين على الكحول، في حين أن 28 ٪ إلى 61 ٪ قد يستخدمون مواد غير مشروعة أخرى. 23٪ -44٪ لديهم أفكار انتحاريَّة، و 2٪ إلى 19٪ قد يحاولون الانتحار. (Campbell et al., 2009).
الاعتداء الجنسي وأثره على الصحَّة الجنسيَّة
من المتوقَّع أنَّ تاريخ الاعتداء الجنسي يرتبط بمشاكل الصحَّة الإنجابيَّة والجنسيَّة، وذلك لأنَّ الاعتداء الجنسي يؤثِّر بشكلٍ مباشر على الصحة الجنسيَّة. فعلى سبيل المثال قد يؤدِّي الاعتداء الجنسي إلى أمراض منقولة جنسيًّا التي تظلُّ كامنة لفترات زمنيَّة طويلة، ممَّا يؤدِّي لاحقًا إلى أعراض تناسليَّة أو جنسيَّة. كما قد يؤدِّي زيادة عدد المشاركين في الاعتداء الجنسي إلى زيادة خطر الإصابة ببعض الأمراض النسائيَّة. من المحتمل أن تؤدِّي الصدمات المزمنة للجهاز التناسلي، أو الالتهاب المطول الناتج عن الصدمة الحادَّة، إلى تغيُّرات عصبيَّة تؤدِّي إلى ألمٍ مستمرّ حتى في حالة غياب المنبِّه.
قد تكون التغييرات في المعنى الذاتي للوظيفة الإنجابيَّة والجنسيَّة بعد الاعتداء الجنسي مرتبطة ببعض الأعراض. فمثلًا يرتبط العجز الجنسي بالممارسة الجنسيَّة المؤلمة بعد الاعتداء الجنسي على الأطفال، وتصبح الدلالات السلبيَّة مرتبطة بالجنس فيتحوَّل الجنس من فعلٍ ممتع إلى حالة يشعر فيها المعتدى عليه بالعجز، والانحطاط. وتتحوَّل الأجزاء المثيرة للشهوة الجنسيَّة من جسدها إلى نقاط ضعف تجعلها عرضة للهجوم. (Golding, 1996).
تعدُّ الجامعات من الأوساط المقلقة فيما يتعلَّق بالاعتداء الجنسي، فتواجه الشابات الملتحقات بالجامعة خطرًا كبيرًا بالتعرُّض للاعتداء الجنسي. فتقدَّر نسبة حدوث الاعتداء الجنسي بين 20٪ و 25٪ على مدى 4 سنوات وتكون الاحتماليَّة أعلى خلال العامين الأولين. بالإضافة إلى العواقب الصحيَّة، فإنَّ التكاليف الاجتماعيَّة والماليَّة التي يتحمَّلها المجتمع نتيجة للاعتداء الجنسي مرتفعة أيضًا. (Senn et al., 2015).
الأسباب والعلاج
تتزايد فرص الاعتداء الجنسي بين المعارف والاقارب، كما أنَّ التواجد في مكان معزول عن البشر يعدّ حافزًا، كذلك الأمر تعاطي المخدّرات والكحول من قبل كل من الضحيَّة والجاني، وسوء التواصل الجنسي. وهناك شكل مهمّ للاغتصاب هو اغتصاب الزوج، والذي ينتج عن العلاقات الجنسيَّة والعاطفيَّة غير السويَّة بين الأزواج، وهو يؤدِّي لمشكلات صحيَّة ونفسيَّة وعاطفيَّة واجتماعيَّة شديدة جدًّا.
يتمُّ علاج هذه الحالات من خلال جانبين مهمّين: الأوَّل هو توفير الحماية للضحيَّة، أما الثاني فهو علاج المسبِّب، والذي غالبًا ما يكون حدثًا صادمًا او أفكارا مشوَّهة حول العلاقة الجنسيَّة، وباستخدام اساليب العلاج النفسي المختلفة والفعَّالة، عادة ما يتمّ الوصول لحلول تكييفيَّة.