كيف تتأثر الحياة الجنسيَّة لمرضى التهاب القولون التقرُّحي؟
يواجه مرضى التهاب القولون التقرُّحي عددًا من التحدِّيات للتعايش مع تلك المشكلة، ويعدُّ الحفاظ على حياة جنسيَّة ممتعة ومستقرَّة بين الأزواج أحد أبرز هذه التحدِّيات، فما هو التهاب القولون التقرُّحي؟ وكيف يؤثِّر على الحياة الزوجيَّة؟ وهل يمكن علاجه أم لا؟
ما هو التهاب القولون التقرُّحي؟
هو أحد أنواع الالتهابات المزمنة التي تنتمي لمجموعة أمراض التهابات الأمعاء المعروفة بالإنجليزيَّة باسم (Inflammatory Bowel Disease – IBD).
يصيب الالتهاب القولون (الأمعاء الغليظة والمستقيم) مسببًا تقرّحه؛ وتعني القرحة تكوّن حُفَر حمراء صغيرة على البطانة الداخليَّة له، ويمكن أن تتطوَّر لتنزف دمًا ثم صديدًا.
يعتقد الباحثون أنَّ تحديد سبب بعينه وراء التهاب القولون التقرُّحي من الأمور المعقَّدة؛ إذ إن هناك عدة عوامل قد تساهم في حدوثه وعلى رأسها مهاجمة جهاز المناعة للقولون والخلايا المبطّنة له، وبعضهم يرى أنَّ العوامل الوراثيَّة قد تلعب دورًا في الإصابة به؛ وقد يكون السبب الأكثر احتمالًا هو الإصابة بجرثومة ما (بكتيريا أو فيروس) لكن هذا ليس مؤكَّدًا.
من هم الأكثر عُرضة لالتهاب القولون التقرُّحي؟
يمكن أن يتطوَّر القولون التقرُّحي في أي عمر، ولكنَّه الأكثر شيوعًا بين سن 10 و 40 عامًا، كما أنَّه يصيب الرجال والنساء على حدٍّ سواء، ويظهر لأول مرَّة بنسبة واحد من كل سبع حالات فيمن تزيد أعمارهم عن ستين عامًا.
كيف يتطوَّر التهاب القولون التقرُّحي؟
بصورة عامَّة فإنَّ التهاب القولون التقرُّحي يشمل الأعراض التالية:
- ألم مستمرّ في البطن وعند الإخراج.
- الإعياء الشديد والحمَّى.
- فقدان سريع ومبالغ فيه في الوزن.
- فقر الدم (الأنيميا).
- صعوبة في التبرُّز برغم الحاجة الملحَّة والمتكرِّرة له.
- اضطرابات النمو في حالة إصابة الأطفال به.
وتختلف شدَّة الأعراض من شخص لآخر بناءً على درجة الالتهاب ومكانه، فقد تشتدّ الأعراض حينًا ويسمّونها (انتكاسة)، وتكون خفيفة أو معدومة حينًا آخر، وغالبًا ما تكون أول نوبة للأعراض هي الأشد والأسوأ، ويمكن تصنيف شدَّة النوبة إلى ثلاث درجات، خفيفة أو متوسّطة أو شديدة:
التهاب القولون التقرُّحي من الدرجة الخفيفة (mild):
يحتاج المريض إلى دخول الخلاء نحو أربع مرات في المتوسّط يوميًّا، وغالبًا ما تكون كميَّة الدم صغيرة في البراز ولا يشعر بأعراض ملحوظة.
التهاب القولون التقرُّحي من الدرجة المتوسّطة (moderate):
وفيه قد يكون متوسّط الحاجة لدخول الخلاء نحو أربع إلى ست مرَّات في اليوم مصحوبًا بكميَّة بسيطة من الدم.
التهاب القولون التقرُّحي الشديد (sever):
في هذه المرحلة يضطر المريض لدخول الخلاء أكثر من ست مرات في اليوم الواحد، أي أنَّه يعاني إسهالًا مصحوبًا بكميَّة كبيرة من الدم أو الصديد.
مضاعفات التهاب القولون التقرُّحي
يمكننا تقسيم المضاعفات إلى نوعين هما:
مضاعفات ترتبط بالقولون.
مضاعفات خارج القناة الهضميَّة.
المضاعفات المرتبطة بالقولون، وتشمل:
- النزيف المعوي الشديد.
- تضخُّم القولون، ويُعرف بتضخُّم القولون السُّمي (Toxic mega colon).
- تعفُّن الدم.
- شدَّة الجفاف.
- قد يتحوَّل إلى سرطان القولون مع إهمال العلاج.
مضاعفات خارج القناة الهضميَّة:
قد يتعرَّض واحد من كل عشر حالات إلى مشاكل في أجزاء أخرى من الجسم دون معرفة سبب واضح لهذا، فقد يتسبَّب الجهاز المناعي في ذلك بالتزامن مع التهاب القولون التقرُّحي، وتشمل:
- طفح جلدي على الساقين (حمامي عقديَّة – erythema nodosum).
- تقرُّحات الفم (القرحة القلاعيَّة – aphthous ulcer).
- التهاب النسيج الوعائي بالعين (Episcleritis) .
- اعتلال المفاصل الحادّ (acute arthropathy).
- التهاب القنوات الصفراويَّة في الكبد.
- هشاشة العظام.
- فقر الدم، ويحدث عادةً بسبب نقص الحديد ولكن في بعض الأحيان يحدث بسبب نقص فيتامين B12 أو حمض الفوليك وهما ضروريان لإنتاج كرات الدم الحمراء وتعويض النزف.
كيف تتأثَّر الحياة الجنسيَّة لمرضى التهاب القولون التقرُّحي؟
لا شك أنَّ اضطرابات القناة الهضميَّة الناجمة عن القولون التقرُّحي سيكون لها تأثير على الحياة الجنسيَّة بين الزوجين خاصَّةً أنَّ كلاهما عُرضة للإصابة به، وممَّا قد يلاحظه الزوجان:
- الشعور بالحرج إثر الحاجة المتكرِّرة لدخول الخلاء ممَّا قد يعيق إقامة علاقة حميمة دون عجلة أو توتُّر، وهذا سيؤثِّر سلبًا على قوَّة الانتصاب وسرعة القذف بالنسبة للزوج.
- قد تشكِّل كثرة الحاجة للمرحاض عائقًا في حال رَغِب الزوجان في الخروج في نزهة أو رحلة لا يتوفَّر بها أماكن مخصَّصة لقضاء الحاجة، ممَّا سينتج عنه الإحباط وسوء المزاج.
- الألم المستمرّ في البطن والغازات والإمساك أو الإسهال قد يؤدِّي هذا الألم إلى عدم الراحة والشعور بالضعف الجسدي والإعياء، ممَّا يقلِّل الرغبة في إقامة علاقة حميمة ممتعة للزوجين.
- القلق والاكتئاب بسبب الأعراض المزعجة والتحدِّيات الصحيَّة التي يواجهها الزوجان ممَّا يؤدِّي إلى الإعراض عن الأنشطة الجنسيَّة بينهما.
- قد تؤثِّر بعض أنواع الأدوية اللازمة لعلاج القولون التقرُّحي على الحياة الجنسيَّة، بما في ذلك العقاقير التي قد تؤثِّر على القدرة الجنسيَّة نفسها.
في حال إجراء جراحة كحل علاجي لإزالة الجزء المتضرِّر من القولون قد يلزم المريض ارتداء كيس فغر لجمع الفضلات، وهذا قد يخلق قلقًا من فكرة خروج البراز أثناء ممارسة العلاقة الحميمة أو الخوف من احتماليَّة حدوث تسريب.
كيف يمكن التمتُّع بالحياة الزوجيَّة في ظلِّ الإصابة بالقولون التقرُّحي؟
تتطلَّب مشكلة التهاب القولون التقرُّحي عناية خاصَّة للتعايش معها والحدّ من مضاعفاتها. وعندما يتعلَّق الأمر بالحياة الزوجيَّة فينبغي للزوجين تفهُّم المرض وأعراضه ليتمكّنا من تحقيق التوازن واستيعاب المشكلة للتمتُّع بحياة زوجيَّة سعيدة، وفيما يلي بعض النقاط التي تساعد في ذلك، وهي:
- التحدُّث مع بعضهما بصورة صريحة حول التحدّيات التي تواجهما والاستعانة بالطبيب المعالج للحصول على مزيد من الإرشادات كلَّما احتاجا إلى ذلك.
اقرأ المزيد في مقال ادوات التواصل والاتِصّال بين الزوجين
- محاولة تحديد الوقت المناسب للعلاقة الحميمة بينما تكون الأعراض أقل شدَّة والمريض في حالة مزاجيَّة جيِّدة.
- الحرص على تناول الأطعمة المناسبة وتجنُّب تلك التي تسبِّب تهيُّج القولون حتى لا تتسبَّب في تفاقم الأعراض خاصَّةً في أثناء العلاقة الحميمة.
- الالتزام بتناول الأدوية في موعدها.
- قد يكون من المفيد أن ينضمَّ الطرف المصاب إلى مجموعة دعم ممَّن هم في نفس حالته الصحيَّة للحصول على المزيد من الدعم النفسي وتحسين الحالة النفسيَّة والحصول على المشورة المناسبة.
كيفيَّة تشخيص التهاب القولون التقرُّحي
بعد الفحص البدني والسؤال عن التاريخ المرضي والعائلي، قد يطلب الطبيب المختص إجراء ما يلي:
- فحوصات الدم: مثل صورة الدم الكاملة إذ يتيح التأكيد من علامات العدوى أو فقر الدم.
- أخذ عيِّنات البراز للكشف عن وجود دم أو طفيليَّات أو بكتيريا.
- تصوير القولون بالأشعة السينيَّة، أو الرنين المغناطيسي (MRI)، أو التصوير المقطعي المحوسب (CT) على البطن والحوض.
- عمل المنظار الداخلي، إذ يتمكَّن الطبيب المختص من إدخال المنظار عبر فتحة الشرج للتحقُّق من صحَّة المستقيم والقولون.
هل يمكن علاج التهاب القولون التقرُّحي للتمتُّع بحياة زوجيَّة أفضل؟
رغم كل ما يعانيه مريض التهاب القولون التقرُّحي من صعوبات في تفاصيل تعايشه مع المرض ولا سيما تفاصيل حياته الزوجيَّة؛ إلا إنَّ إمكانيَّة علاجه تبعث الأمل في نفسه مرة أخرى.
يلجأ المتخصِّصون في هذا الصدد إلى مجموعة متنوِّعة من العلاجات التي تهدف إلى تخفيف الأعراض والحفاظ عليها تحت السيطرة. إذ يمكن تقسيم العلاج إلى ثلاثة أنواع رئيسة:
الحميَة الغذائيَّة الصحيَّة:
إذ يجب تجنُّب الأطعمة التي تزيد من الأعراض مثل المقليات والوجبات الدسمة. والتركيز على تناول الأطعمة الغنيَّة بالألياف والبروبيوتيك وشرب السوائل التعويضيَّة.
العلاج الدوائي:
ويشمل الأدوية المضادَّة للالتهابات مثل الأمينوساليسيلات، والكورتيكوستيرويدات والمثبطات المناعيَّة. وقد يحتاج المريض أنواعًا أخرى من الأدوية للسيطرة على بعض الأعراض، مثل:
- مضادَّات الإسهال.
- المسكِّنات.
- مضادَّات التقلُّصات.
- المكمِّلات الغذائيَّة مثل الحديد.
التدخُّل الجراحي:
يعدُّ الحل الأخير لتدارك الحالات الخطيرة والمتقدِّمة من التهاب القولون التقرُّحي، وفيه يمكن استئصال القولون بإحدى طريقتين:
- جراحة فغر اللفائفي؛ وفيها يتمُّ استئصال القولون والمستقيم وعمل فغر لفائفي دائم.
- جراحة الفغر اللفائفي الشرجي؛ عن طريق استئصال القولون وجزء من المستقيم.
وفي النهاية. تتحدَّد طريقة العلاج بناءً على حالة المريض وشدَّة أعراض القولون التقرُّحي؛ لذا يجب دائمًا الالتزام بالعلاج ومراجعة الطبيب بانتظام لتقييم الحالة وتعديل العلاج حسب الحاجة.