كيف تحلّ الخلافات الجنسيَّة الزوجيَّة؟
- أشهر الخلافات الجنسيَّة التي تواجه الزوجين
- كيف تحلُّ الخلافات الجنسيَّة بين الزوجين
هناك مقولة واعتقاد شائعين أنَّ معظم خلافات الزوجين تبدأ في الفراش، وتُحلُّ وتنتهي أيضًا في الفراش. هذه المقولة هي إشارة مباشرة لما تلعبه العلاقة الحميمة بين الزوجين من دور كبير في استقرار الأسرة وخلق علاقة طيِّبة بين الزوجين. تشير الدراسات أنَّ الرضا في العلاقة الجنسيَّة، هو أحد أهم عوامل نجاح واستمرار الزواج، بل إنَّ بعض العلاقات تنتهي بالانفصال رغم توفُّر الكثير من عوامل النجاح إذا كانت العلاقة الجنسيَّة مضطربة ومشحونة بالخلافات.
كذلك تشير الأبحاث إلى أنَّ وجود الحب والمشاعر بين الزوجين، لا يعني بالضرورة الانسجام والرضا الجنسي بينهما، وأنَّه حتى أقوى قصص الحبّ التي تُكلَّل بالزواج قد تواجه عثرات بسبب عدم الرضا والتناغم الجنسي بين الزوجين، تبدأ هذه المشكلات في عمل فجوة بين الزوجين أوَّل الأمر، تتباعد المسافات الزمنيَّة بين مرَّات ممارسة العلاقة، ثمَّ قد تصبح عبئًا وواجبًا ثقيلًا، ثمّ قد يصل الأمر لشهور وسنوات بدون تواصل جنسي بين الزوجين، الأمر الذي يحمل في طيَّاته الكثير من المشاعر والمشكلات والإحباطات التي ربما لم يتكلَّما عنها، لأنَّهما يستمرّان فقط من أجل وضع الأسرة الاجتماعي، أو رعاية الأطفال أو غيرها من الأسباب. فما هي أشهر الخلافات الجنسيَّة التي تقابل الزوجين وكيف يمكن أن تحلّ من أجل خلق علاقة زوجيَّة جيِّدة ومستقرَّة؟
أولا: أشهر الخلافات الجنسيَّة التي تواجه الزوجين:
- اختلاف مستوى الرغبة الجنسيَّة: أو ما يسمى بال sex drive وهو يختلف من شخص إلى آخر وفقًا للكثير من العوامل، فتكون مستويات الرغبة الجنسيَّة مرتفعة لدى البعض high sex drive، ومنخفضة عند البعض low sex drive، وقد يكون هذا الارتفاع أو الانخفاض عند الرجل أو المرأة، فقد تكون الرغبات الجنسيَّة مرتفعة عند الزوجة ومنخفضة عند الزوج أو العكس، وعدم التوافق في معدَّلات الرغبة بين الزوجين يعدُّ أحد أشهر أسباب الخلافات الزوجيَّة.
- اختلاف التفضيلات أثناء العلاقة: الجنس مثل الطعام، مليء بالاختيارات والتفضيلات، قد يكون بين الزوجين توافق في شتَّى مناحي الحياة، ولكن يحبط كل منهما في توقعاته وتفضيلاته أثناء ممارسة العلاقة، الأشياء الممتعة لأحدهما قد تكون مقزِّزة أو مزعجة للآخر، وهكذا. الأمر الذي يؤثِّر بالتبعيَّة على شعورهما بالرضا، وقد يكون سببًا في الخلاف.
- مشكلات عضويَّة عند أحد الزوجين: مثل ضعف الانتصاب أو سرعة القذف عند الزوج، أو التشنُّجات أو الالتهابات المهبليَّة عند الزوجة، وغيرها من الأسباب العضويَّة التي تؤثِّر على العلاقة الجنسيَّة. بل إنَّ بعض الأمراض النفسيَّة مثل الاكتئاب أو القلق أو اضطرابات الشخصيَّة قد يكون لها تأثير كبير على مستويات الرغبة الجنسيَّة لدى أحد الزوجين، وبالتالي تؤثِّر على علاقتهما.
- غياب المقدِّمات والملاعبة: تشير الأبحاث أنَّ نسبة كبيرة من السيِّدات لا يشعرن بالرضا عن العلاقة بسبب عدم وجود وقت كاف للتمهيد للعلاقة، وللمداعبة بين الزوجين قبل الانتقال لمرحلة أكثر حميميَّة، ولأنَّ العلاقة الجنسيَّة لدى المرأة تحمل هامشًا شعوريًّا وعاطفيًّا كبيرًا -بعكس الرجل- فإنَّها تحتاج إلى التمهيد المسبق والتمهُّل والانخراط في الحالة الشعوريَّة كي تشعر بالرضا والسعادة في العلاقة.
- توفُّر الوقت المناسب أو وجود أطفال: في كثير من الأسر يعمل كلا الزوجين، الأمر الذي يجعل الوقت ضيِّقًا ومشحونًا، والأذهان مشوَّشة والأبدان مرهقة، بالإضافة إلى وجود أطفال في المنزل ومسؤوليَّة رعايتهم. كل هذه النقاط تجعل الوصول للحظة هادئة ينفصل فيها العقل عن مسؤوليَّاته ليست بالأمر السهل، وحتى إذا توفَّرت وتهيَّأت كل الظروف، فإنَّها قد لا تتوفَّر للطرفين في الوقت نفسه. يمثِّل هذا الأمر تحدّيًا كبيرًا أمام الزوجين، ويحتاج مجهودا وتضحية من كلٍّ منهما للحصول على مساحة الوقت المخصَّصة لهما فقط.
- عدم وصول المرأة للنشوة الجنسيَّة: تشير الدراسات إلى أنَّ نسبة كبيرة من السيِّدات لا يصلن إلى الرعشة الجنسيَّة أثناء ممارسة العلاقة، بل إنَّ الكثير من الدراسات العربيَّة تؤكِّد أنَّ نسبة كبيرة من الزوجات لم تعرفن معنى النشوة الجنسيَّة والوصول لها، ولا يعرفن كيف تبدو من الأساس. وقد أثبتت الدراسات أنَّ النسبة الأكبر من النساء لا يصلن إلى الذروة الجنسيَّة عن طريق الإيلاج العادي، بل يحتجن لنمط استثارة مختلف وخاصَّة لمنطقة البظر من أجل الوصول إلى النشوة. هذا الأمر يحيطه الكثير من الجهل سواء في الأزواج أو الزوجات، وبسببه قد تعزف الزوجات عن العلاقة، وتتعامل معها كعبءٍ وواجب تقوم بتأديته لترضية الزوج وتجنُّب المشكلات.
- وجود خلافات حياتيَّة وتراكمات عاطفيَّة: بينما يستطيع معظم الرجال الفصل بين مشكلات الحياة وحتى الخلافات العاديَّة وبين الرغبة الجنسيَّة وممارسة العلاقة الزوجيَّة، فإنَّ النساء مختلفات في هذا الأمر، ولا يستطعن بسهولة الفصل بين مشاعرهن على مدار الأيام العاديَّة وبين ممارسة العلاقة الزوجيَّة، لذا فإنَّ التراكمات والمشاحنات والخلافات الزوجيَّة المتراكمة تترك تأثيرها على الرغبة لدى الزوجة، وعلى إقبالها على ممارسة العلاقة مع زوجها.
ثانيا: كيف تحلُّ الخلافات الجنسيَّة بين الزوجين؟
- الحديث الصادق الشفَّاف بين الزوجين: الصدق هو المفتاح الأهمّ في تجاوز وحلِّ المشكلات الزوجيَّة، لذا سواء كانت الخلافات بين الزوجين بسيطة أو كبيرة فحلّها الأوّل هو الحديث عنها. أن يعبِّر كل منهما بصدق عن توقّعاته ورغباته وأمنياته من الطرف الآخر، دون خجل أو تحسُّس زائد، مثل الحديث عن نقاط القوَّة والضعف في العلاقة، ما يمتِّع كل منهما وما يزعجهما، كذلك ما يتوقّعانه وما يحلمان بتحقيقه من خلال العلاقة.
- خوض رحلة تعلُّم مشتركة: كما ذكرنا فإنَّ كثيرًا من المشكلات يكون سببها مساحة من الجهل ونقص الثقافة الجنسيَّة لدى أحد الطرفين أو لكليهما معًا. لذا فإنَّه لا غضاضة أبدًا أن يبدأ الزوجان معًا رحلة التعلُّم والبحث في كلِّ الأمور التي تخصُّ علاقتهما ومن شأنها أن تطوِّر آدائهما وتزيد من فهمهما لطبيعة جسديهما وجسدي بعضهما البعض، بل وتعلِّمهما أكثر عن كيف يستطيع كلّ منهما أن يستمتع بالعلاقة ويشبع من خلالها رغباته ورغبات الطرف الآخر.
- عدم الأنانيَّة وتقدير الآخر: صحيح أنَّه من الطبيعي أن تختلف رغبات وتوقُّعات كل طرف عن الآخر في العلاقة الجنسيَّة، ولكن هذه العلاقة هي علاقة حبّ وعطاء في المقام الأوَّل، تقع على عاتق كل زوج مسؤوليَّة إمتاع زوجه وسعادته ورضاه. لذا لا مانع من الاعتراف بالاختلافات في بعض الأمور، لكنَّه أيضا لا بأس بأن يقرِّر كل طرف بوعي أن يتنازل عن تفضيلاته أحيانًا من أجل رضا وسعادة الطرف الآخر، بهذا العطاء المستمرّ والتقدير المتبادل تنتعش العلاقة ويشعر كل من الزوجين أنَّه مرئي ومرغوب ومحبوب.
- الحديث عن الإيجابيَّات: لا توجد علاقة خالية من الإيجابيَّات، لذا مهما كانت هناك نقاط محبطة في العلاقة بين الزوجين، إلا أنَّه من المهمّ دائمًا الإشارة إلى الجوانب الإيجابيَّة وتقديرها، وذكر تأثيرها المُرضي على النفوس. هذه العلاقة هي علاقة حبّ، لذا فإنَّ التعبير عن الحبّ، ورؤية علامات ودلائل المحبَّة في العلاقة تحافظ على ثبات واتِّزان جوهر العلاقة، وتخفِّف من وطأة الحديث عن السلبيَّات والتركيز على الانتقادات.
- التأكُّد من غياب أسباب طبيَّة: كثير من المشكلات الجنسيَّة في العلاقة تكون راجعة لأسباب عضويَّة بحتة، وقد وجد الطبّ الحديث لمعظمها دواء وعلاجًا. للأسف، ما زالت نسبة كبيرة من الأزواج تجد غصَّة في زيارة الطبيب واستشارته بشأن مشكلاتهم الجنسيَّة، ويشعرون أنَّ في الأمر وصمة بشكل أو بآخر، أو يدينهم ويقلِّل من صورتهم الاجتماعيَّة. هذه الفكرة عارية تماما عن الصحَّة، لأنه لا توجد مشكله صحيَّة أبدا تستدعي الخزي، المرض هو المرض، وهو أمر خارج عن اختيارات الإنسان. وفي كثير من الأحيان تكون المشكلة الجنسيَّة مجرَّد عرض لمرض آخر، ومن أكثر الأمراض شيوعًا في تأثيرها على العلاقة: مرض السكَّرى، السمنة، اضطرابات الهرمونات، التدخين والإدمان، أمراض القلب، نقص الفيتامينات والمعادن، ارتفاع ضغط الدم، بعض التليُّفات الحميدة في الجهاز التنفّسي، بعض الأمراض النفسيَّة مثل الاكتئاب، وغيرها من الأسباب الصحّيَّة التي تؤثِّر على العلاقة، ويمكن علاجها بمزيد من الاهتمام الطبِّي.
- اللجوء لاستشارة متخصِّص في العلاقات: أصبح الوطن العربي الآن زاخرًا بالمتخصِّصين في الاستشارات الزوجيَّة -وبعكس العقود الماضيَّة – أصبح من السهل الوصول لاستشاري يسمع المشكلة من كلا الطرفين ويعمل معهما على خطَّة لعلاج مشكلاتهما، والجمع بينهما عند نقطة تلاقٍ في منتصف الطريق، والعبور بالأسرة إلى برّ النجاة.
صحيح أنَّ الجنس هو أمر فطري، خلقه الله في الإنسان، وهو أحد الغرائز الأساسيَّة التي لا يستطيع الإنسان الاستغناء عنها، ولكنَّه بجانب فطريته ما تزال هناك مساحة كبيرة من التعلُّم المكتسب والصبر والفهم التي يحتاج إليها الأزواج، مثل لغة يحتاجان لممارستها معًا، وتبادل معانيها ومفرداتها بصبر وتفاهم حتَّى يتقناها تمامًا، ويصبح لها نفس المعنى والمتعة عند كلٍّ منهما.