اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة والعقم؛ هل هناك علاقة بينهما؟
- ما هي الغدَّة الدرقيَّة؟ وما أهمّيتها؟
- فهم العلاقة بين اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة والعقم
- تأثير اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة على خصوبة الزوجة
- هل تؤثِّر اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة على الصحَّة الجنسيَّة للزوج؟
- كيفيَّة تشخيص تأخُّر الإنجاب الناجم عن اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة
- هل يمكن علاج تأخُّر الإنجاب الناجم عن اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة؟
تحيَّرت الزوجة في اللُّغز وراء معاناتها من تأخُّر الإنجاب رغم مرور عدَّة سنوات على الزواج؛ لكنَّها سرعان ما عادت إلى القصَّة القديمة، تلك التي بدأت في طفولتها مع اكتشاف إصابتها بقصور الغدَّة الدرقيَّة لتتساءل عن العلاقة بين اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة وتأخُّر الإنجاب أو العقم، وهل ستقف إصابتها عائقًا بينها وبين حلمها المنتظر في الأمومة؟ .. هذا ما نُجيب عنه تفصيلًا في مقالنا.
ما هي الغدَّة الدرقيَّة؟ وما أهمّيتها؟
هي تُشبه الفراشة التي لا يتجاوز قياسها خمسة سنتيمترات، وتستقرّ على الجهة الخارجيَّة للقصبة الهوائيَّة تحت عضلات الرقبة.
وتستقبل الهرمون المحفز لها من الغدَّة النخاميَّة، ويُرمز له بالاختصار (TSH – Thyroid stimulating hormone)، ومن ثمّ تلعب دورها في إنتاج هرمونين رئيسيِّين مسؤولين عن عدد من العمليات الحيويَّة في الجسم، وهما:
- ثلاثي يودو ثيرونين (Triiodothyronine).
- الثيروكسين، أو رباعي يودو ثيرونين (Thyroxine – tetraiodothyronine T4).
بالإضافة إلى هرمون آخر يسمَّى الكالسيتونين؛ المسؤول عن تنظيم مستوى الكالسيوم في الدم.
وتكمن أهميَّتها في تأثيرها على مُختَلف أجهزة الجسم على النحو التالي:
- تنظيم عمليَّات الأيض الأساسيّة في الجسم، ممَّا يؤثِّر في معدَّل استهلاك الطاقة، والتحكُّم في درجة حرارة الجسم.
- الحفاظ على ضربات القلب ضمن معدّلها الطبيعي.
- تساهم في تجديد واستبدال الخلايا الميِّتة في الجسم.
- تلعب دورًا في النموِّ الطبيعي للجسم وخاصَّةً الجهاز العصبي عند الأطفال.
- تنظيم الدورة الشهريَّة، والتبويض.
- تنظيم مستويات الكوليسترول والبروتينات الهرمونيَّة (وهي مواد تنتجها الغدد الصمَّاء لتصل إلى العضو المخصَّص لها عبر الدم).
فهم العلاقة بين اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة والعقم
تُعدُّ العلاقة بين اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة والعقم معقَّدة نوعًا ما، إذ تلعب الغدَّة الدرقيَّة -مثلما أشرنا- دورًا مهمًّا في تنظيم وظائف الجسم المختلفة، ولا سيما تلك التي ترتبط بالخصوبة.
ومن ثمَّ عندما يتعثَّر هذا التوازن الدقيق في الجسم بسبب اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة مثل قصورها أو فرط نشاطها، فإنَّ ذلك يؤثِّر بصورة أو بأخرى على الصحَّة الإنجابيَّة، وهنا يواجه كثيرٌ من الأزواج الذين يتوقون للإنجاب بعض التحدِّيات، ولا شكّ أنَّ فهم هذه التحدِّيات بدقَّة سيلعب دوره في مواجهتها والتعامل معها على نحوٍ سليم.
تأثير اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة على خصوبة الزوجة
- تأثير الاضطرابات على الدورة الشهريَّة
تصبح السيِّدة المصابة بقصور الغدَّة الدرقيَّة أكثر عُرضة لواحدة أو أكثر من اضطرابات الدورة الشهريَّة، ومنها:
- غزارة نزيف الحيض.
- قد تستمرّ أيَّام الحيض لفترة أطول من العادي.
- تأخُّر الدورة الشهريَّة، فقد تكون الدورة كل 35 إلى 40 يومًا وقد يمرُّ الشهر دونها.
- يمكن أن يؤثِّر الخلل في مستويات هرمونات الغدَّة الدرقيَّة سلبًا على إطلاق المبيضين للبويضات الناضجة، ومن ثمَّ صعوبة حدوث الحمل، وإن حدث فقد ينتهي سريعًا بالإجهاض.
بينما تعاني المصابة بفرط نشاط الغدَّة الدرقيَّة من مشكلات أخرى، ومنها:
- تقارب الفترات بين الحيضة والأخرى إذ تصبح 21 يومًا أو أقل.
- نزيف أقلّ غزارة، كما تتقلَّص أيَّام الدورة إلى خمسة أيَّام أو أقل.
- ضعف الخصوبة الناجم عن ضعف التبويض.
- يُزيد إنتاج هرمونات الغدَّة الدرقيَّة المفرط في أثناء الحمل من خطر التعرُّض للإجهاض.
- تأثير اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة على المبيضين
- يشمل تأثير اختلال هرمونات الغدَّة الدرقيَّة على السيِّدات إصابتهن بمتلازمة المبيض متعدِّد الكيسات أو تكيُّس المبايض (Polycystic ovaries – PCOs)، وهو السبب الرئيس لما يُعرف بالعقم التبويضي.
تتَّسم هذه المتلازمة بارتفاع مستويات الأندروجينات (هرمونات الذكورة مثل هرمون التستوستيرون) التي تُسبِّب اضطراب الدورة الشهريَّة فتصبح غير منتظمة أو غزيرة، وقد تتوقَّف تمامً،؛ وهذا بدوره لا شكّ يؤثِّر على التبويض وجودة البويضات.
علاوةً على ما سبق فإنَّ اختلال توازن هرمونات الغدَّة الدرقيَّة يمكنه أن يؤثِّر على طول الفترة بين حدوث التبويض ونزول دم الطمث المعروفة بالإنجليزيَّة باسم (Luteal phase) وهي ضروريَّة لانغماس البويضة المخصَّبة في بطانة الرَّحم.
لكن تقلُّص هذه الفترة إثر الاضطراب يتسبَّب في طرد البويضة المخصَّبة ونزول الطمث (أي ضياع فرصة الحمل لعدم انغماس البويضة المخصَّبة في بطانة الرَّحم).
ولا ينتهي الأمر عند ذلك، بل يستمرّ الاضطراب في التأثير سلبًا على خصوبة الزوجة، إذ يتسبَّب في اختلال هرمونين من أهمِّ الهرمونات الضروريَّة لحدوث الحمل، وهما الإستيروجين والبروجيستيرون، علاوةً على جفاف المهبل وعسر الجماع.
هل تؤثِّر اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة على الصحَّة الجنسيَّة للزوج؟
لا يقتصر تأثير اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة على الصحَّة الجنسيَّة للسيِّدات فقط، ورغم أنَّهن أكثر عُرضة للإصابة بها إلا إنَّ الرجال المصابين بقصور أو فرط النشاط فيها يعانون أيضًا من بعض الأعراض التي تؤثِّر سلبًا وبصورة مباشرة على صحّتهم الجنسيَّة بالإضافة إلى نسبة الخصوبة لديهم، ومن أبرز هذه الأعراض:
- انخفاض مستويات هرمون التستوستيرون بالدم، وهذا بدوره يؤثِّر على نموّ الحيوانات المنويَّة بصورة طبيعيَّة.
- حدوث اختلالات في مستويات الجلوبيولين المرتبط بالهرمونات الجنسيَّة في الدم (SHBG)، وهو معروف أيضًا باسم الجلوبيولين المرتبط بالتستوستيرون والإستروجين (TeBG).
يلعب هذا البروتين -الذي ينتجه الكبد- دورًا رئيسًا في نقل هرمون التستوستيرون، والديهايدروتستوستيرون (DHT)، والاستراديول من الدم إلى أماكن عملها في الجهاز التناسلي.
تقلُّ مستويات الجلوبيولين المرتبط بالهرمونات الجنسيَّة في حالة أُصيب الزوج بقصور الغدَّة الدرقيَّة، بينما يزيد عند فرط نشاطها، وفي الحالتين يتأثَّر نضوج الحيوانات المنويَّة سلبًا، ومن ثمَّ يعاني الزوج من مشاكل الخصوبة.
- تشير الدراسات إلى إنَّ قصور الغدَّة الدرقيَّة يضرُّ بحركة الحيوانات المنويَّة، وشكلها -إذ يصبح غير طبيعي- بالإضافة إلى التأثير سلبًا على كمّيَّة السائل المنوي، ومن ثمَّ يصير تخصيب البويضة مهمَّة شاقَّة للغاية.
- كما يؤثِّر فرط نشاط الغدة الدرقيه لدى الرجال على صحَّتهم الجنسيَّة بعدَّة طرق، ومنها:
وهي حالات لا تسبِّب العقم في حدِّ ذاتها، لكنَّها تقلِّل من احتماليَّة حدوث الحمل.
كيفيَّة تشخيص تأخُّر الإنجاب الناجم عن اضطرابات الغدة الدرقية
تبدأ رحلة معرفة السبب الكامن وراء تأخُّر الإنجاب بعد مرور عام من ممارسة الزوجين للعلاقة الحميمة بانتظام ودون استخدام أي موانعٍ للحمل، مثل الواقي الذكري.
وإذا كانت الزوجة قد بلغت الخامسة والثلاثين أو أكثر، فيُنصَح بزيارة أخصَّائي الخصوبة والعقم بعد مرور ستَّة أشهر من الزواج دون حدوث الحمل.
ونظرًا لكون اضطرابات الغدة الدرقية أكثر شيوعًا بين النساء عنها في الرجال، فإنَّ إجراء فحوصات الغدَّة الدرقيَّة غالبًا ما يكون جزءًا أساسيًّا ضمن ما يلزم لتشخيص سبب تأخُّر الإنجاب، بينما لا تكون روتينيَّة للرجال ما لم يكن هناك سبب للشك في وجود مشكلة في الغدَّة الدرقيَّة، وتشمل تحاليل الدم في هذا الصدد ما يلي:
- تحليل الهرمون المحفِّز للغدَّة الدرقيَّة (TSH): ويشير ارتفاع نسبته في الدم إلى خمول الغدَّة الدرقيَّة، بينما يشير انخفاض نسبته عن المعدَّل الطبيعي إلى فرط نشاطها.
- تحاليل الهرمونات الرئيسة للغدَّة (Free T3 & T4):
يُعَدُّ هرمون T4 الهرمون الأساسي الذي تفرزه الغدة الدرقية ثم يتحوَّل بعد ذلك إلى هرمون T3 عن طريق إزالة ذرَّة اليود في الكبد وبعض الأنسجة الأخرى التي تتمتَّع بالقدرة على تحويله.
يتمّ التحكُّم في كميَّة الهرمون T4 المنتَجة عن طريق هرمون TSH؛ فعندما يكون مستوى T4 في الدم منخفضًا (مُشيرًا إلى خمول الغدَّة الدرقيَّة)، فإنَّ الغدَّة النخاميَّة ستنتج كميَّة أكبر من الهرمون TSH لتحفيز الغدَّة الدرقيَّة لإنتاج المزيد من هرمون T4، والعكس صحيح.
- فحص الأجسام المضادَّة للبيروكسيداز الدرقي (Thyroid peroxidase antibodies – TPO)
يُعدُّ إنزيم البيروكسيداز الدرقي أحد أهمّ الإنزيمات التي تنتجها الغدَّة الدرقيَة، إذ يساهم بصورة أساسيَّة في إنتاج هرموناتها، وهو الأكثر عُرضة لهجوم الأجسام المضادَّة التي تُعطِّله عن استخدام اليود في إنتاج تلك الهرمونات ممَّا قد يسبِّب الإصابة بخمول الغدَّة الدرقيَّة.
هل يمكن علاج تأخُّر الإنجاب الناجم عن اضطرابات الغدَة الدرقيَّة؟
نعم؛ إذ يعتمد علاج اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة على تناول العلاجات اللازمة لإعادة مستويات ما تنتجه الغدة من هرمونات إلى معدَّلها الطبيعي، ومن ثمَّ إعادة التوازن إلى الوظائف الحيويَّة بالجسم، ولا سيما الجهاز التناسلي للزوج والزوجة.
يعتمد المتخصِّصون عند وصف علاج للغدَّة الدرقيَّة على نوع وطبيعة الاضطراب سواء كان فرطًا في نشاط الغدَّة أو خمولها، فمثلًا:
- قد يصف الطبيب في حالة الإصابة بقصور الغدَّة الدرقيَّة بعض العلاجات التي تعيد الهرمون إلى طبيعته (العلاج بالهرمونات البديلة) ومنها؛ الليفوثيروكسين (Levo – T).
- أمَّا في حالة فرط نشاط الغدَّة الدرقيَّة، فقد يصف الأدوية المثبِّطة لنشاطها ومنها الكاربيمازول.
في النهاية، نحن ندرك تمامًا أنَّ مشكلة تأخُّر الإنجاب إحدى أكبر التحدِّيات التي يواجهها الزوجان، علاوةً على كونها مصدر قلق وضغط نفسي مستمرّ، لكن ما يُطمئن في الأمر أنَّ اضطرابات الغدَّة الدرقيَّة يمكن علاجها، ممَّا يعني إمكانيَّة استعادة القدرة على الحمل شريطة أن يواجها هذا التحدِّي معًا وبروحٍ واحدة.