كيف تُؤثِّر الاضطرابات النفسيَّة على العلاقات الزوجيَّة؟
- ما هو تأثير الاضطرابات النفسيَّة على العلاقات؟
- كيف يُمكن التعامل مع الاضطراب النفسي لــ(الزوج/الزوجة)؟
الاضطرابات النفسيَّة تشمل مجموعة كبيرة من الأمراض النفسيَّة، تختلف في أسبابها، ولكنها تجتمع في تأثيرها على مِزاج الفرد واستقراره النفسيّ وسلوكه وعلاقاته ومسيرته المهنيَّة وغيرها من نواحي الحياة المختلفة. قد تكون أسباب هذه الاضطرابات وراثيَّة جينيَّة، أو تكون استجابة للتأثيرات البيئيَّة مثل التعرُّض لصدمات الطفولة، أو المرور بأحداث حياة صعبة، أو مزيج من كلِّ هذه الأسباب. ومن أشهر الاضطرابات النفسيَّة الاكتئاب والقلق واضطراب ثنائي القطب واضطرابات الشخصيَّة بأنواعها، وتتَّفق في أنَّها تحتاج إلى الخضوع للمتابعة الطبيَّة، والعلاج سواء عن طريق العلاج الدوائيّ أو باستخدام أحد طرق العلاج النفسيّ المختلفة، مثل العلاج المعرفي، أو العلاج السلوكي، أو غيرها من طرق وأساليب العلاج التي يحدِّدها الطبيب المعالج وفقًا لكلِّ مرض. وهذه الاضطرابات غالبًا ما تكون بحاجة للدعم الأُسريّ والاجتماعيّ لإتمام العلاج وفترة التأهيل والتعافي.
وبالرغم من أنَّ كلَّ الزيجات تمرُّ بمنحنيات من الأوقات الصعبة والأوقات السعيدة، إلا أنَّ تعرُّض أحد الزوجين لتجربة المرض النفسي هو واحد من أكبر التحدِّيات التي قد تواجه الزوجين في الحفاظ على علاقتهما، والحفاظ على كيان الأسرة.
ما هو تأثير الاضطرابات النفسيَّة على العلاقات؟
- التأثير على العلاقة الجنسيَّة: الكثير من الأمراض النفسيَّة قد يكون من أعراضها التأثير على الحياة الجنسيَّة، فمثلا أحد أعراض الاكتئاب نقص الرغبة الجنسيَّة وعدم إبداء اهتمام بالعلاقة، وهو أمر يَترك تأثيره بالطبع على العلاقات الزوجيَّة. بالإضافة إلى أنَّ كثيرًا من الأدوية والعقارات المُعالجة للمرض النفسي تكون ذات أثر مُثبِّط للرغبة الجنسيَّة. وأحيانًا تتأثَّر العلاقات الجنسيَّة ليس بسبب الأعراض المَرضيَّة ولا العَقارات، ولكن بسبب الشعور بالضغط والخوف من أحكام الطرف الآخر على المريض، والخوف من الرفض، أو الشعور بالخجل والعار، أو ضعف التواصل العاطفي.
- الشعور بالذنب أو الإحباط الداخلي: ما زال المرض النفسي مُغلًّفًا بالوصم عالميًّا، بعكس الأمراض العضويَّة العاديَّة، رغم ما أثبتته الدراسات من أنَّ الإنسان لا يختار مَرضه، وأنَّ كلاهما مرض، ولكليهما علاج، وكلاهما لا يَوصَم صاحبه. إلا أنَّ المريض النفسي بجانب أعراض مرضه يكون تحت ضغط الشعور بالذنب والإحباط المستمرّ من نفسه، ومن خذلانه لـ(زوجه/زوجته). فمثلا مريض الاكتئاب لا يكون قادرًا على التورُّط والتواصل العاطفي، وغالبًا ما يشعر بالذنب لإهماله في نظافته الشخصيَّة ومسؤوليّاته المنزليَّة، وبالخوف من فقدان وظيفته أو فشله في مساره المهنيّ. في الوقت الذي يكون فيه (زوجه/زوجته) في الغالب يعاني أيضًا مع إحساسه بالعجز والحيرة وقلَّة الحيلة، ولا يعرف ما هي الطريقة بالضبط التي يُقدِّم من خلالها المساعدة، وإذا كان من المُنتظر منه أن يقترب، أو يقف على مسافة، أو يهرب خوفًا على صحّته النفسيَّة الشخصيَّة!
- تربية العلاقة الاعتماديَّة: واحدة من أشهر التطوُّرات غير الصحيَّة لوجود (زوج/زوجة) مريض نفسي خاصَّة لدى مرضى الاكتئاب، ومرضى الإدمان، هو تطوير نمط علاقة اعتمادي بين الزوجين، يستسلم فيه الطرف المريض لمرضه، ويؤدِّي الطرف الثاني عوضًا عنه كل مهمَّات الحياة ومسؤوليَّاتها، واتِّخاذ كلّ القرارات والترتيب لكل الخطط الأُسريَّة اللازمة. غالبا ما تكون نيَّة (الزوج/الزوجة) الفاعل/ة هي تخفيف الحمل عن المريض ومساعدته، ولكن ما يحدث هو العكس. توفير كل سُبُل الراحة يُشجِّع المريض على البقاء في مَرضه، شاعرًا بالأمان، ومتخفِّفًا من الدافع للتعافي والعلاج، ومطمئنِّا لوجود من يتحمَّل المسؤوليَّة ويواجه العالم بدلاً منه. ولكن للحفاظ على العلاقة الصحيَّة، ولتشجيع المريض على التعافي، لا بد أن يكون الطرف الآخر الفاعل واعٍ بما يقدِّمه من مُساعدة، وأن يكون تركيزه الأوَّل هو دفَع المريض على رحلة العلاج، مستخدمًا في ذلك كل ما أُوتي من أدوات ووسائل، فالأولويَّة هي العلاج والتعافي، وليس التأقلم على نمط الحياة المرضيّ.
- التأثير على الحياة الاجتماعيَّة للزوجين: العُزلة وعدم الرغبة في التواصل الاجتماعي هي إحدي الأعراض الشهيرة للكثير من الأمراض النفسيَّة، فمريض القلق مثلا قد يجد أنَّه من المثير لأعصابه التواجد في الأماكن المزدحمة والصاخبة والمُناسبات الاجتماعيَّة التي تَعجُّ بالأشخاص والأحاديث، ومريض الاكتئاب بطبيعة مرضه لا يكون مُهتمًّا بالمشاركة في نشاطات الحياة والتواصل مع الآخرين، وكذلك مريض الوسواس القهري، قد يجد من الصعوبة أن يوجد في الزحام ويشعر بالتهديد والضغط وعدم القدرة على التحكُّم والسيطرة على الأمور من حوله.
- التأثير على أدوار الأبوَّة والأمومة: عادة ما يكون الأطفال أصغر بكثر من القُدرة على فَهم المرض النفسيّ وطبيعة أعراضه وتأثيراته على أحد الوالدين، فلا يجد تفسيرًا مناسبًا لبعض تصرفاته، كما قد لا يجد مبرِّرًا للغياب عن التواصل العاطفيّ والنفسيّ المطلوب بين الأطفال ووالديهم، فيشعر بالذنب أو الإقصاء والتهميش، أو بأنَّه مُخطئ أو به عيب ما يجعل أحد أبويه يبتعد عنه. وغالبًا ما قد يؤدِّي ذلك إلى معاناة الأطفال من بعض المشكلات السلوكيَّة أو الأعراض النفسيَّة أو الاجتماعيَّة.
- تَعطُّل الحياة المهنيَّة: بسبب تأخُّر أو تدهور الصحَّة النفسيَّة قد تصبح عائلة المريض عُرضة طوال الوقت لفقدان مصدر دَخلها، وشُعورها بالأمان المَادي. وبدرجة كبيرة على المدى الطويل يكون المريض النفسي متأخِّرًا في مسيرته المهنيَّة مُقارنة بأقرانه، وهو أمر يؤثِّر على شعور الأسرة بالأمان، وأيضاً على قراراتها وخططها الاقتصاديَّة.
كيف يُمكن التعامل مع الاضطراب النفسي لــ(الزوج/الزوجة)؟
- التعلُّم عن المرض: من خلال القراءة الواعية من مصادر مَوثوقة، ومن خلال مُصاحبة المريض في زياراته للطبيب، وطلب جلسات مشتركة يقوم من خلالها المعالج بتعليم الزوجين معًا استراتيجيّات وتكنيكات التعامل مع المرض، ومن خلال المراقبة الدقيقة لأعراض المرض وتطوّراتها، ومُراقبة العوامل المُنذرة بتطوّره أو انتكاسه.
- الاهتمام بالنفس أولا: لأنَّ فاقد الشيء لا يُعطيه، فلا بد للقائم بالرعاية أن يُعطي الاهتمام لنفسه أوّلاً، ولا بد من الاهتمام بالحفاظ على نمط حياة صحِّي ومتوازن، يضمن التغذية الصحيَّة، وممارسة الرياضة، والحصول على وقت للتأمُّل وتنفُّس الهواء الطبيعي، وعادات صحيَّة للنوم، وممارسة هواية، أو الكتابة والتدوين عن المشاعر والأفكار، أو أيًّا كانت الطريقة المناسبة التي تشجِّع الفرد على الاسترخاء وتفريغ مشاعر الضغط.
- الحفاظ على التواصل: المرض النفسي من شأنه أن يُحدث فجوة في العلاقة بين الزوجين، كلاهما لا يعرف بالضبط ما عليه توقّعه من الآخر، المريض يسعى للشعور بالتفهُّم والقبول والحبّ، والطرف الآخر الفاعل لديه مزيج من الإحباطات والاحتياجات، والحبّ أيضا، بالإضافة إلى مشاعر الشفقة أو المشاركة أو العجز أحيانًا وعدم معرفة طريقة المساعدة المناسبة. الحل يكمن في تشجيع التواصل الدائم، والتعبير عن المشاعر مهما كانت، والسؤال الصريح عن الأحوال والأفكار والمشاعر والمقصود من الكلام أو ما ورائه.
- الحرص على المُتابعة الطبيَّة: وهي ليست رفاهيَّة أو اختيارًا، المرض النفسي بحاجة إلى علاج مثل المرض العضوي تماماً. بعض المرضى النفسيين يميلون إلى إنكار مرضهم أو التنصُّل منه، خوفًا من الوصم أو الرفض أو الإحباط أو خسارة العمل. ولكن دور (الزوج/الزوجة) الفاعل/ة هنا أن يقوم بالخطوة الأولى إذا لزم الأمر، وأن يكون طرفًا مشجِّعًا وداعمًا في مسيرة العلاج، التي قد تطول أو تقصر، وقد تتضمَّن أيضا إخفاقات وانتكاسات، وقد تكون ناجحة في الشفاء بلا عودة للمرض.