كيف تبني تواصلًا صحّيًّا مع الأطفال؟ 

اقرأ في هذا المقال
  • كيف تبني تواصلًا صحيًّا مع الأطفال؟

أحد أكبر تحدِّيات هذا العصر هو بناء علاقات صحيَّة مع الأطفال، واحتوائهم، أمام عالم يتيح لهم اختيارات لا نهائيَّة على جميع الأصعدة، وانفتاحًا عالميًّا سابقًا على الأوان، وتسارعًا تكنولوجيًّا يسمح لهم باختراق المعرفة مبكِّرًا، واختراق الثقافات المختلفة عن عالمهم أصغر من اللازم. حتى في قلب الثقافة الواحدة، أصبح هناك مزيج مُختلف من القناعات والتوجُّهات وتيارات التربية المُختلفة، التي تُزعزع ثقة المُربِّي في نفسه، وتُربكه أمام مدارس التوجيه المختلفة، بل وتُشعره بالنقص أحيانًا  لعدم قدرته على ملاحقة دورات التربية، وأنشطة الأطفال، وإمكانيَّات التعليم التي يتفنَّن العصر في إتاحة الأكبر والأغلى والأحدث منها طُوال الوقت. فكيف في ظلِّ هذه التحدِّيات يُمكن للمُربي أن يبنى تواصلًا صحيًّا بسيطًا مع الأطفال، يُعزِّز من خلاله ثقتهم بأنفسهم، وشعورهم بالأمان والقبول، ويَرعى نُضجهم في اتِّجاهٍ آمن ومُتَّسق أخلاقيًّا مع مجتمعه.

كيف تبني تواصلًا صحيًّا مع الأطفال؟

  1. الاستماع: يحتاج الأطفال منذ السنوات الأولى في العمر إلى الاستماع الفعّال والتواصل العميق، نوعيَّة التواصل التي تحمل تواصلاً بالنظر، وتركيز العين على الطفل أثناء الحديث، استماعًا يبدو معه الاهتمام والتركيز واضحين بلا تشتُّت في شاشات التلفزيون أو الموبايل، أو بالردِّ السريع والإيماءات غير المهتمَّة أثناء العمل أو آداء واجبات المنزل. الأطفال شديدو الذكاء والحساسيَّة، ويشعرون ويتأثَّرون بمن يعطيهم الاهتمام الحقيقيّ، ويأخذهم على مَحمل الجدّ. وهو ما يزيد من شعورهم بالثقة والأمان، في أنفسهم وفي ذويهم، ويشجِّعهم دائماً على الحكي والتساؤل والحديث والإبداع أيضا.
  1. التعبير عن المشاعر: هذه واحدة من المهارات التي سيشكرك طفلك عليها بعد سنوات. أن تساعده في التعرُّف على مشاعره والتعبير عنها. وأقصر الطرق للتعلُّم عن المشاعر هو قيام الوالدين أنفسهم بالتعبير عن مشاعرهم والإقرار بها. عندما يُخبر الأب أو الأم الطفل بأنَّهما يحبّانه، فهما يعلمانه التعبير عن العاطفة والحبّ، وعندما يخبرانه أنَّهما يشعران بالفخر، فهو يستكشف قيمته وذاته ويعرف كيف يبدو في عيون الآخرين. يحتاج الطفل لأن يسمع أنَّه محبوب، وأنَّه محلّ ثقة، وأنَّه مصدر لفخر أبويه، يحتاج لأن يتأكَّد بالقول والفعل أنَّه مرئيّ ومسموع ومهمّ. وحتَّى عندما يتحدَّث الوالدان عن شعورهما بالإحباط أو الغضب، فإنَّهما يسمحان له ولأنفسهما بالتعرُّف على المشاعر الضاغطة، وكيفيَّة التعامل معها.
  2. الابتعاد عن العقاب مع التركيز على القواعد والعواقب: كانت طرق التربية التقليديَّة تعتمد على نظريَّة الثواب والعقاب، وهي ليس صحيحة أو خاطئة في المطلق، ولكن يَحكم استخدامها الكثير من العوامل، كما أنَّها تحتاج إلى كثيرٍ من الحكمة لاستخدامها في مَوضعها. والأجدى منها هو أن تكون قواعد وحدود الأسرة صارمة وشديدة الوضوح، وأن تكون عواقب خَرق القواعد والتمرُّد عليها أيضًا واضحة ومتوقَّعة لمن لم يلتزم بها. هذه الاستراتيجيَّة تخفِّف من وطأة الصِراع اليومي بين الطفل والوالدين وتخفِّف من المفاجآت والعقابات غير المتوقَّعة أيضاً. وتجعل الطفل أمام اختيار حر، ما بين الالتزام بالاتِّفاقات المنزليَّة وقواعد الأسرة، وما بين خرقها وتحمُّل التوابع التي يتوقَّعها، وينبّهه الوالدان لها.
  3. اللَّعب: اللَّعب هو اللُّغة التي يفهمها الأطفال، وهو طريقتهم الأولى والأساسيَّة للتعلُّم، ومن خلالها يستطيع الوالدان والأطفال استكشاف عوالم بعضهم البعض، والتطرُّق لعوالم الإبداع بحريَّة دون قيود. يساعد اللّعب على التطوُّر الصحِّي للأطفال، كما أنه يطوِّر من مهاراتهم اللُغويَّة، والاجتماعيَّة، ويعلِّمهم القواعد والنظام، وطريقة التعبير عن النفس. لا يَهُم ما هي طبيعة اللّعب التي يتشارك فيها الأبوان مع الطفل، ولكن المهمّ هو أن يكون وقت اللّعب هو وقت مخصص فقط للتواصل والمشاركة، بعيدًا عن المشتّتات.
  4. طرح الأسئلة: وهي واحدة من طرق التواصل الفعَّال، يمكن أن تُطرَح الأسئلة من خلال بعض الألعاب مثلا لتسلية طريق سفر، أو طريق يومي روتيني بالسيَّارة، أو حتَّى أثناء انتظار نضج الطعام في المطبخ. طرح الأسئلة يُشجِّع خيال الطفل، ويُزيد من تعرُّف الأُمّ والأب على أطفالهم والعكس، كما أنَّه يزيد من حصيلتهم اللغويَّة، ويوسِّع من مداركهم ومعلوماتهم، وأيضًا يعلِّمهم التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم والشعور بالحريَّة في إطلاق العنان لخيالهم، وبناء التفكير المنطقي، وبناء جسر للتواصل الفعَّال مع الأُسرة.
  5. الاحترام والثقة: الطريقة التي يتعامل بها الأب والأُمّ مع الطفل، هي التي يُكوِّن من خلالها نَظرته عن نفسه. لذا من المهمّ أن يكون الوالدان على وعي بأهمّيَّة زرع الثقة المبكِّرة، والتعامل مع الطفل باحترام منذ السنوات الأولى، فعلى سبيل المثال:
  • يحتاج الأطفال لأن يجدوا أبويهم في الوقت الذي يحتاجونهم فيه. هذه الثقة تُزرع من الشهور الأولى عندما يجد الطفل والديه يُلبيان نداءه ويَسمعانه ويَهتمَّان بمُشكلاته، ومُتاحين متى وقع في مشكلة أو احتاج للمساعدة.
  • الالتزام بالوعد: احترام الوالدين لوعودهم للأطفال هو أول بذور الثقة التي تُزرع في الأطفال. لذا من الضروري الانتباه للوعود قبل إصدارها، والالتزام بها متى تم النُطق بها. الاعتماد على تضليل الطفل أو إلهاؤه أو نسيانه من شأنه أن يقلل ثقة الطفل في والديه، وأيضا يزعزع من شعوره بالأهميَّة والاحترام.
  • احترام اهتماماتهم: أطفالنا ليسوا نسخة عنَّا، ومن الطبيعي والوارد جدًّا أن تختلف اهتماماتهم عن اهتمامات أهاليهم. فنجد طفلًا مهووسًا بالسيَّارات في أسرة لا تهتمّ بها، أو طفل مهتمّ بالكرة، أو طفلة مهتمَّة بالاستعراض وفرق غنائيَّة معيَّنة، أو غيرها من الاهتمامات. من المهمّ جدَّاً أن ينتبه الوالدان لعدم التسفيه أو التقليل من اهتمامات الطفل، بل واجبهم مشاركته، وإبداء الاهتمام بما يلفت نظره، عن طريق سؤاله عن مزيد من التفاصيل، أو مشاركته في نشاط متعلِّق باهتماماته، أو منحه الهدايا التي تحمل معنىً خاصًّا له. هذا النوع من التقدير يُشعر الطفل أنَّه مرئيّ، ومُستقل، وأنَّ من حقِّه أن يكون له اهتماماته وتفضيلاته الخاصَّة.
  • احترام الرأي المختلف: من حقِّ الطفل أن يكون له رأي مختلف، والوصول إلى حلٍّ للخلاف هي مسؤوليَّة الأب والأُمّ. الطريقة التي يديران بها هذه الاختلافات لها الكثير من التأثيرات في المستقبل، من أهمّها ثقة الطفل في المستقبل أنَّه يستطيع مشاركة الأهل خططًا مخالفة لخططهم، أو آراء مختلفة عن توجّههم. 
  • احترام خصوصيَّة الأطفال: منذ السنوات الأولى التي يكتشف فيها الأطفال معنى الملكيَّة، لا بد أن يتعامل الأهل باحترام شديد مع هذه المساحة، فلا تخترق فقط بسلطة الأمومة أو الأبوة، بالعكس، يؤكِّد الوالدان للطفل أنَّ مساحته الخاصَّة مُحترمة، وأنَّ له حقّ الاحتفاظ بالأسرار، وعدم انتهاك غرفته أو مُمتلكاته بدون مشاركته والاتِّفاق معه.
  1. التواصل الجسدي: منذ اليوم الأوَّل للطفل، مصدر أمانه الأوَّل هو حضن أمّه، ومُلامسته لجسدها، هذا هو الوطن الأول الذي يعرفه، وهذا هو التأكيد الأساسي على وجود السند والأمان والراحة. يظلُّ احتياج الطفل للحضن والطبطبة والملامسة، وهي أهمّ لغات الحبّ التي يفهمها ويستطيع ترجمتها مباشرة. ومن خلالها يشعر بالقبول والأمان بل ويستكمل نموّه العاطفي والنفسي، ويستمدّ الثقة في نفسه ومن حوله.

اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية