الطفل المُحتَضَن؛ كيف يؤثِّر على العلاقات الزوجيَّة والأُسريَّة؟

اقرأ في هذا المقال
  • التحدِّيات التي تواجه الزوجين بعد احتضان أو تبنِّي طفل
  • كيف يمكن التعامل مع هذه التحدِّيات؟ 

الاحتضان أو التبنِّي هو أحد أنبل وأصعب القرارات، التي من خلالها تضمُّ الأسرة طفلًا جديدًا إلى كَنفها، سواء كان الطفل يتيم الأب والأُمّ، أو مجهول النسب، أو بلا أسرة لأيِّ سببٍ كان. قد تتَّخذ الأسرة هذا القرار لأنَّ أحد الزوجين غير قادر على الإنجاب، أو حتى كبديل عن الإنجاب المتكرِّر، حيث تُقرِّر بعض الأُسَر أن تَضمَّ لأبنائها البيولوجيِّين أبناءً جُدد ممَّن لم يَحظوا بنعمة الأسرة، في واحدة من أكثر خطوات التكافل الاجتماعي تأثيراً على الأفراد وصحّتهم النفسيَّة وشعورهم بالمسؤوليَّة تجاه المجتمع وأفراده.

وعلى الرَّغم من أنَّ معظم الأبحاث والدراسات تُعطي التركيز الأكبر لعلاقة الوالدين بالابن “الطفل المُحتَضَن” ، إلا أنَّه ممَّا لا شكَّ فيه، أنَّ تبنِّي طفل وضَمّه إلى الأسرة هو قرارٌ له توابعه وتأثيراته على العلاقات الزوجيَّة والأسريَّة، كما أنَّه من أكثر العلاقات تعقيدًا على المستوى القانونيّ والعاطفيّ والنفسيّ والعمليّ أيضًا. فما هي التأثيرات المُحتملة لانضمام الطفل المُحتَضَن إلى الأسرة؟ وكيف يُمكن أن يُغيِّر من علاقة الزوجين ببعضهما البعض، وبباقي الأبناء إن وجدوا؟

التحدِّيات التي تواجه الزوجين بعد احتضان أو تبنِّي طفل

  1. الضغط النفسي: غالبًا ما تستغرق عمليَّة التبنِّي أو الاحتضان إجراءات قانونيَّة ورسميَّة طويلة، وتكون هذه الرحلة محفوفة بالكثير من التشوُّق والحماس لإتمامها، ولوصول الطفل المُحتضن إلى منزل أسرته الجديدة، لتبدأ رحلة السعادة الأسريَّة التي يتخيَّلها كل أب وأُمّ مُقدمين على هذه الخطوة. تشير الدراسات إلى أنَّه مثلما يتعرَّض الأب والأم البيولوجيّان لاحتمالات الضغط النفسي أو القلق أو الاكتئاب بعد الولادة، يحدث هذا أيضا للوالدين بالتبنِّي، خاصَّة في الشهور الأولى، وتَقِلُّ تدريجيًّا هذه المشاعر مع زيادة قدرتهما على التأقلم على الوضع الجديد، وإحساسهما المتزايد بالرضا والقدرة على التعامل بكفاءة مع الأطفال. ومن الضغوط التي يتعرَّض لها الزوجان في هذه الرحلة:
  • ضغط الإجراءات القانونيَّة: والفترة التي قد تطول لشهور أو سنوات تُستغرق في استيفاء الشروط القانونيَّة والإجراءات الرسميَّة من أجل استقبال الطفل الجديد في المنزل.
  • ضغط المسؤوليَّة: غالبا ما يلعب الحماس والشوق دوراً  كبيراً في تهوين المسؤوليَّة المُنتظرة، والتخفيف منها، ولكن ما أن تنتهي أيام الحفاوة والاحتفال الأولى حتى يبدأ الوالدان مواجهة المسؤوليَّات الحقيقيَّة، وما تنطوي عليه من إجهادٍ نفسي وجسدي، وحاجة لتقديم التنازلات والتضحيات سواء بالوقت أو بالمجهود أو بالعمل.
  •  المشاعر المُختلطة: ما بين الحماس والفرح والحبّ والرغبة في العطاء والأمومة أو الأبوَّة، وأيضا الارتباك أمام المسؤوليَّات، والشعور بالانزعاج أو التوتُّر جرَّاء تغيير الروتين أو التعوُّد على طِباع الطفل الجديد، أو لعدم وجود وقت خاصّ للزوجين، أو التأرجح بين مشاعر الذنب ناحية الطفل والخوف من ظلمه أو عدم تلبية احتياجاته وعدم تَحمُّل مسؤوليّته بشكل مثالي، وبين الشعور بالندم أو إعادة التفكير في القرار وإذا كان هذا القرار فعلا هو القرار المناسب للزوجين وللأسرة، وأحياناً الشعور بالذنب ناحية الأطفال البيولوجيِّين، والخوف من عدم تحقيق المعادلة الصعبة، والتعامل باتِّزان ومساواة كافيين بين الأطفال.
  • الاكتئاب أو القلق: تُشير دراسة أمريكيَّة إلى أنَّ 32% من الوالدين المُحتضنين يكونوا عُرضة للاكتئاب، على الرغم من عدم تعرُّض الأُمَّهات المُحتضنات لعوامل الخطر التي تتعرَّض لها الأُمَّهات البيولوجيَّة مثل التغيُّرات الهرمونيَّة، وصعوبات الحمل، والولادة، والرضاعة، إلا أنَّهم يشتركون في المراحل التالية في نفس الضغوط التي يتعرَّضون لها مثل عدم انتظام النوم وتغيير الروتين ونقص الوقت الخاص والحميمي بين الزوجين وغيرها من التغييرات المترتّبة على مسؤوليَّة رعاية الأطفال في السنوات الأولى من العمر.
  1.  التأقلم: ويشمل قدرة الزوجين على التأقلم مع التغييرات المختلفة التي تطرأ على العلاقة والحياة الأسريَّة بعد التبنِّي مثل: 
  • تغيير الروتين: سواء كان الطفل بيولوجيًّا أو محتضنًا، فإنَّ رعاية الطفل تحتاج إلى كثير من الوقت والمجهود، وتغيير جذري في الروتين بما يتناسب مع احتياجات الطفل ومرحلته العمريَّة.
  • نقص الحميميَّة: نتيجة للانشغال ووجود مسؤوليَّات جديدة مُضافة خاصَّة للأُم، ممَّا يترتَّب عليه نقصًا في الوقت الحميمي الذي يقضيه الزوجان معًا.
  • عدم وجود وقت خاصّ: سواء للأُمّ أو للأب، يحتاج الطفل في السنوات الأولى لتواجد بدوام كامل من القائمين بالرعاية، ممَّا يقلِّص من الوقت الخاصّ الذي يمكن أن يسترقه الزوجان لممارسة هواية خاصَّة بهما أو الاستمتاع بتمشية هادئة أو مشاهدة فيلم أو غيرها من الأنشطة التي تقتطع من روتين الحياة وتحتاج للتأقلم النفسي معها.
  1. التأثير على الأطفال البيولوجيِّين: يحتاج الزوجان لخوض رحلة من التمهيد والشرح والتفسير للأطفال الآخرين في الأسرة عند اتِّخاذ قرار تبنِّي طفل جديد، تشكيل شبكة العلاقات الجديدة تحتاج لمجهود وتورُّط وتفرغ عاطفيّ وذهنيّ من الزوجين، حتى يستيطعا أن يؤسِّسا لعلاقات أسريَّة صحّيَّة. 
  • مرحلة التمهيد: التي من خلالها يمهِّد الزوجان للأطفال أنَّهما يستعدان لانضمام طفل جديد، وأنَّه سيكون لهما أخ جديد، وأنَّ هذا الأخ أو الأخت لن تلده الأم، ولكنَّه سيكون أخاً بالتربية والرعاية والحبّ الذي تشترك الأُسرة في تقديمه لكلِّ أفرادها. وفي هذا السياق يمكن للزوجين استخدام أدوات ووسائل مساعدة مثل:
  • الاستعانة بالفيديوهات أو قصص الأطفال المصوَّرة التي تتحدَّث عن الاحتضان.
  • أخذ رأيهم في القرار، ومشاركتهم في تجهيز التفاصيل المُتعلِّقة بالطفل الجديد، مثل مكان نومه، أو شراء ملابس جديدة له، أو تحضير بعض الهدايا لاستقباله.
  • سُؤالهم عن مشاعرهم وأفكارهم حول الخطوة والاستماع لهم وتقبُّل تساؤلاتهم.
  • مرحلة بناء العلاقات أو الـ Bonding: وفيها تُعاد تشكيل العلاقات في الأسرة، ويتكوَّن من جديد نمط التعلُّق بين الأطفال وبعضهم وبينهم وبين الأبوين، حتى أنَّ العلاقات يُعاد تشكيلها أيضاً بين الزوجين أنفسهم.
  1. العلاقات الاجتماعيَّة: رغم نبل فكرة الاحتضان أو التبنِّي، وما تحمله من أبعاد أخلاقيَّة واجتماعيَّة إلا أنَّه ما زالت هناك قطاعات اجتماعيَّة قد تتعامل مع الفكرة ببعض الاستهجان أو الارتباك أو التوتُّر، الأمر الذي بدوره قد يُعرِّض الزوجين لبعض التساؤلات أو نظرات الاستنكار من الدوائر القريبة، والأفضل أن يُناقشا الأمر في وقتٍ مُبكِّر، ويخطِّطا للطريقة المناسبة للتعامل معه، وتحييد تأثيره على قرارهما، وعلى أفراد أسرتهما، حتى إنَّ هذا القرار قد يُعيد تشكيل الدوائر الاجتماعيَّة القريبة وفقًا لدرجة دعمها للقرار. 

كيف يمكن التعامل مع هذه التحدِّيات؟ 

  • مشاركة المشاعر وتقبُّلها: بأن يقوم كلا الزوجين بالتعبير عن مشاعره أوّلًا بأوَّل تجاه كل مرحلة، وتوفير مساحة من التقبُّل والتفهُّم لكل مشاعر الذنب أو الخوف أو القلق لأنَّ كلّها مشاعر طبيعيَّة جداً ومنتشرة بين آباء الأطفال المحتضنين.
  • بناء دائرة دعم: من الأقارب والأصدقاء الذين يتفهَّمون فكرة التبنِّي أو الاحتضان ويرحِّبون بها، ويستطيعون تقديم الدعم والحبّ غير المشروط للأسرة وللطفل الجديد. وجود دائرة الدعم من شأنه أن يقلِّل من ارتباك الزوجين خاصَّة في الفترة الأولى بعد الاحتضان، ويُخفِّف عنهما الشعور بالضغط الاجتماعي.
  • الحديث عن التوقُّعات وضبطها: غالباً ما يُقبل الزوجان على التبنِّي بتصوُّر مثالي عن النفس وعن التجربة، ثم يفاجأوا بأنَّ التجربة العمليَّة مختلفة تمامًا ومليئة بالتحدّيات والصعوبات وقد تضطرهم أحياناً للتقصير أو الخطأ -وهو أمر طبيعي تمامًا- ممَّا ينجم عنه شعور كبير بالإحباط واهتزاز الثقة بالنفس. لذا كلَّما تحدَّث الزوجان عن توقُّعاتهما من التجربة، وتشاركا وضعها على خلفيَّة أكثر واقعيَّة وعمليَّة، كلما زاد ذلك من مرونة استقبالهما لكلِّ الاحتمالات، وتقليل تعرّضهما للإحباط.
  • المتابعة مع متخصِّص نفسي: ليقوم بإرشاد الزوجين حول المرحلة الجديدة، وكيفيَّة التعامل مع تحدّياتها، والتعامل مع الوضعيَّات الخاصَّة مثلا إذا كان الطفل المُحتضن في سنٍّ يسمح له بالفَهم وبالتساؤل عن عائلته الجديدة، أو إذا كانت الأسرة تَضمُّ أطفالا آخرين، وطريقة تعليمهم أكثر عن تهيئة الدوائر القريبة لاستقبال الطفل المُحتضَن.
  • تخصيص وقت مُستقطع: خاصّ بالزوجين فقط بعيدًا عن ضغط ومسؤوليَّات الأسرة، وبعيدًا عن النقاشات الخاصَّة بالتربية أو بالخطط الماديَّة أو باحتياجات الأطفال. كأن يقضوا سهرة هادئة لمشاهدة فيلم أو دخول السينما أو تناول عشاء أو تمشية مشتركة أو أي نشاط يساعدهما على إعادة شحن طاقتهما.

اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية