تأثير نمط التعلُّق الوالدي على العلاقات الزوجيَّة

اقرأ في هذا المقال
  • فما هي أنماط التعلُّق الوالدي؟ 
  • كيف يؤثِّر نمط التعلُّق القلق في العلاقات الزوجيَّة؟
  • كيف يؤثِّر النمط التجنُّبي على العلاقات الزوجيَّة؟
  • كيف يؤثِّر نمط التعلُّق المشوَّش على العلاقات الزوجيَّة؟

تتشكَّل شخصيَّة الإنسان من عشرات ومئات العوامل التي تَمرُّ عليه منذ اليوم الأوَّل بعد الولادة. الطريقة التي تَتكوَّن بها علاقة الطفل بأمّه وبالقائمين بالرعاية، تميل لأن تستمر مع الفرد في حياته لسنوات وسنوات، يُعيد من خلالها تشكيل علاقاته المختلفة، حتى علاقاته العاطفيَّة والزوجيَّة.

ويُعبِّر نمط التعلُّق عن الطريقة التي يميل بها الفرد للتصرف في العلاقات، والطريقة التي يعبِّر فيها عن مشاعره، وأيضا يُفضِّل من خلالها استقبال الحبّ. هذه الأنماط هي التي تندرج تحتها التعليقات العامَّة عن أنَّ شخصًا ما متطلِّب في علاقاته، أو أنَّه يميل لإخفاء مشاعره وعدم الحديث عنها، أو أنَّه يريد (زوجه/زوجته) إلى جواره طوال الوقت، أو أنَّهُ يشعر بالخوف والتهديد في العلاقة معظم الوقت، أو غيرها من تفضيلات الأشخاص وسلوكيَّاتهم في العلاقات مع أزواجهم، وكذلك طريقتهم في مواجهة الصراعات وحلّ المشكلات المشتركة.

يتكوَّن نمط التعلُّق الوالدي في السنوات الأولى من حياة الطفل، ويكون استجابة للطريقة التي يَتلقَّى بها الطفل الرعاية والاهتمام من الأم أو القائم بالرعاية، من خلال استجابة الأُمّ لاحتياجات طفلها، ونداءاته، وردّ فعلها على سلوكه، يتكوَّن لدى الطفل النمط الذي يتوقَّعه في المستقبل من العلاقات، والذي بناء عليه يُحدِّد طريقة تعبيره عن مشاعره أو استجابته لمشاعر الآخرين.

فما هي أنماط التعلُّق الوالدي؟ 

يُشير علماء النفس إلى وجود أربعة أنماط أساسيَّة من التعلُّق، هذه الأنماط هي:

  1. نمط التعلُّق الآمن  Secure attachment style

ينشأ هذا النمط في الأُسر التي تميل للاستجابة السريعة والفوريَّة لاحتياجات الطفل، والتي من خلالها يشعر الطفل بالأمان والراحة، وأنَّه مرئيّ واحتياجاته مُلبَّاة. هذا النمط من التعلُّق يكون الشخص فيه مرتاحًا للقُرب في العلاقة، ولكنَّه أيضًا لا يَضجر من كَونِه وحده لبعض الوقت ولا يفقد التوازن إذا غاب عنه (زوجه/زوجته). ويكون أكثر استعدادًا للتعبير عن مشاعره، ولاستقبال الحبّ من الآخرين.

مقالات ذات صلة

كيف يؤثِّر التعلُّق الآمن على العلاقات الزوجيَّة: 

لا يُتوقَّع أن يكون أصحاب نمط التعلُّق الآمن ملائكة في العلاقات بلا أخطاء أو مشكلات، لأنَّ تكوين كل شخصيَّة تتدخَّل فيه مئات العوامل غير نمط التعلُّق، ولكن من أهمّ تأثيرات نمط التعلُّق الآمن على العلاقات:

  • الشعور بالرضا في القرب من (الزوج/الزوجة)، والاستمتاع بالأوقات أو النشاطات المشتركة، لكن مع عدم القلق أو الانزعاج عندما يبتعدا عن بعضهما لبعض الوقت، أو عندما ينغمس أحدهما في انشغال ما يتطلب غيابه النسبيّ، أو عدم حضوره بنفس الشكل المعتاد.
  • تقديم الدعم غير المشروط (للزوج/ للزوجة)، والفرح الخالص لنجاحاته وإنجازاته الشخصيَّة.
  • محاولة الوصول إلى نمط صحيّ من التواصل، وحلّ الصراعات والمشكلات بأقل خسائر، وبدون إهانات أو وصم شخصيّ للطرف الآخر عند الخلاف.
  • القدرة على استعادة التوازن في حالة الإحباط والإخفاق.
  1. نمط التعلُّق القلق Anxious attachment style 

في هذا النمط من التعلُّق يميل الفرد لأن يكون أكثر تطلّبًا في العلاقة، مع قلق واضح طوال الوقت من أن يهجره الطرف الآخر أو يبتعد عنه، أو يفقد رغبته في القرب منه. عادة ما يمرُّ أصحاب هذا النمط من التعلُّق في طفولتهم بفترات من عدم الثقة والتأكُّد في وجود الأم أو القائمين بالرعاية، فتُلبَّى احتياجاتهم وتُسمع نداءاتهم تارة، ويجري  تجاهلهم والتأخُّر عليهم تارة أخرى.

كيف يؤثِّر نمط التعلُّق القلق في العلاقات الزوجيَّة؟

  • يحبّ الشخص ذو نمط التعلُّق القلق القرب من (زوجه/زوجته)، وقضاء أكثر الأوقات حميميَّة معه، وأن يتشاركا كل الأوقات والأنشطة، ولكنَّه يُصاب بالقلق الشديد إذا انشغل عنه الطرف الآخر أو اهتمَّ بغيره، ويعتقد أنَّه قد يتوقَّف عن حبّه أو يريد تركه، فيَبذل مجهوداً كبيراً للاحتفاظ به قريباً ويُحاوطه بالتَطلُّب العاطفيّ ومحاولات لفت الانتباه طوال الوقت.
  • يشعر الشخص بالخوف الدائم من الفَقد، ومن الوحدة والترك، وقد يُفكِّر في أطراف عاطفيّين آخرين محتملين لخوفه من الخُسارة والبقاء منفردًا، مع مواجهته للشعور بالضغط والتشتُّت ومحاولته تهدئة نفسه ومَنح عقله الأسباب للشعور بالأمان في العلاقة الحاليَّة.
  • يُعطي الشخص الاهتمام والوقت والتركيز الأكبر على (زوجه/زوجته)، وكل تفاصيله، في حالة ظاهرها الحبّ ولكن باطنها القلق والرغبة في الاستحواذ خوفًا من الفقد.
  • يحتاج إلى الكثير من الاهتمام وإظهار الحبّ المتكرِّر والدائم لطمأنته وتهدئة مخاوفه.
  • المُبالغة في ردود الأفعال، والغيرة من أبسط الأشياء، والإنكار الدائم لمواجهة الآخرين له بالتطلُّب أو المبالغة أو الغيرة أكثر من اللازم، وتبريرها بأنَّها محاولات للحفاظ على العلاقة قريبة ودافئة، وتبرير كل التفاصيل بدافع الحبّ والمشاعر. 
  1. نمط التعلُّق التجنُّبي Avoidant attachment style 

 بعكس أصحاب النمط القلق من التعلُّق، فإنَّ أصحاب هذا النمط يهربون من الحميميَّة، ويخافون من القرب الزائد، ويتوتَّرون من محاولة اختراق مساحاتهم الشخصيَّة واستكشافهم والتشارك معهم في كل التفاصيل. 

عادةً ما يتعرَّض الأطفال من هذا النمط للتجاهل في فترة الطفولة المبكِّرة، أو لغياب الأم، وعدم التلبية المباشرة لاحتياجاتهم، الأمر الذي يُجبرهم مع الوقت على عَزل أنفسهم عاطفيًّا، وادِّعاء عدم الاهتمام، ومع الوقت والتعوُّد يجدون الراحة في المسافات العاطفيَّة البعيدة والمَيل إلى العزلة.

كيف يؤثِّر النمط التجنُّبي على العلاقات الزوجيَّة؟

  • يجد أصحاب هذا النمط صعوبة كبيرة في قضاء أوقات حميميَّة طويلة، ويميلون إلى الهرب والابتعاد الجُسماني عن أزواجهم، والتوتُّر من مَسك الأيدي أو التعبير الجسدي عن المشاعر.
  • يميل إلى الانعزال والاستقلال وعدم طلب المساعدة أو الرعاية من أحد، معتمدًا على نفسه في تلبية احتياجاته والعناية بتفاصيله.
  • كلَّما زادت مطالبة (زوجه/زوجته) بالقرب والحميميَّة وملاحقته في تفاصيله اليوميَّة، كلَّما ازداد انزعاجه ورغبته في الهرب والعزلة.
  • البحث الدائم عن الحريَّة، وإخفاء الأسرار عن الطرف الآخر، بحجَّة الخصوصيَّة أو المساحة الشخصيَّة، وقد يميل للتخلِّي عن العلاقات وإنهائها بسهولة.
  1. نمط التعلُّق المشوَّش Disorganized attachment style: 

يعتبر هذا النمط مزيجًا من نمطي التعلُّق القلق أو الخائف، والتجنُّبي. وفيه عادة قد يكون الأشخاص قد تعرَّضوا للصدمات أو الإساءات في الطفولة، مع عدم الحصول على الاهتمام الكافي من الوالدين. ويميل الشخص فيه لأن تكون لديه مشاعر خوف قويَّة من الترك والفقد والوحدة، ولكنَّه في الوقت نفسه يعاني من فقدان الثقة بالنفس والشعور الدائم بعدم الاستحقاق للحبّ والقرب، فيتجنَّب الانخراط في العلاقات بعُمق، ويُبقي نفسه مُستعدًّا للهرب متى اضطر إلى ذلك.

كيف يؤثِّر نمط التعلُّق المشوَّش على العلاقات الزوجيَّة؟

  • يميل الشخص إلى التشوُّش الشديد بين الحبّ والكره للطرف الآخر في العلاقة، فهو يَشعر بالخوف وعدم الأمان والتردُّد، ممَّا يجعل مشاعره سريعة التأرجح بين الحبِّ والرغبة في القرب، وبين الكره والرغبة المفُاجئة في الابتعاد.
  • ممارسة القسوة والأنانيَّة هي أحد سمات هذا النمط من التعلُّق، وقد يتطوَّر الأمر لتصبح رغبة مهووسة في التحكُّم في (الزوج/الزوجة)، تصل أحيانا لحدِّ الإساءة والاستغلال.
  • الرغبة في القرب والحميميَّة وقضاء وقت طويل مع (الزوج/الزوجة) ومشاركته تفاصيل الحياة المختلفة، ولكن تُنازعها مشاعر عدم استحقاق وخوف من اكتشاف الآخر للجانب السلبي في الشخصيَّة، والتوتُّر من فُقدانه عندما يرى الوجه الآخر.
  • الخوف من التعرُّض إلى الصدمة أو الهجر أو الخيانة، وقد يتَّخذ الشخص قرارًا بالانفصال نتيجة عدم قدرته على مواجهة مخاوفه وتهدئتها، حيث عادة ما يكون الشخص ذو نمط التعلُّق القلق غير قادر على التعامل مع مشاعره الصاخبة والحادَّة، وليس لديه القدرة على تهدئة نفسه بنفسه.

اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية