هل شفاء الزوج “زير النساء” ممكن؟

اقرأ في هذا المقال
  • أولًا: من هو زير النساء؟
  • كيف تؤثِّر شخصيَّة الزوج البصباص أو زير النساء على العلاقات الزوجيَّة؟
  • كيف يمكن الحفاظ على الأسرة مع وجود هذا التحدِّي؟

الرجل “البصباص” أو “زير النساء” أو متعدِّد العلاقات، هو نموذج اجتماعي شائع تعاني منه كثيرٌ من الزوجات، ويهدِّد استقرار الكثير من الأُسَر. أحيانًا ما يبدو كَطَبع أو خصلة مَرضيَّة، غير قابلة للتقويم أو العلاج، وأحيانًا ما تكون صفة شاذَّة عن مجموع خِصاله وباقي ملامح شخصيّته، فتجده زوجًا خَلوقًا، شديد الاهتمام بأسرته وباحتياجاتها، ومسؤول، بل ومُحبّ لزوجته، وخَدوم وطيِّب المَعشر على كل المستويات الاجتماعيَّة، ولكن نقطة ضعفه الأساسيَّة هي النساء، يفقد السيطرة أمام انجذابه للنساء، فيخوض علاقات سريعة عابرة، أو يحرص على إبقاء خيط من التواصل بينه وبين أي أنثى تقع في طريقه، ولا تُفلت من تحت يديه سيِّدة جميلة، إلَّا وهو يفكِّر كيف يمكن أن يُلقي شِباكه عليها.

فهل هذا الرجل الذي لا يكتفي بامرأة واحدة، ولا تمتلئ عينه بزوجته، ولا يَكُفُّ عن ملاحقة العلاقات، مُجرَّد شخص فيه عيب يُمكن إصلاحه؟ أم هو مرض؟ وهل له علاج؟ وهل يُمكن التكيُّف مع هذا النمط من العلاقات والتعايش معه وبناء أُسرة مستقرَّة؟

أولًا: من هو زير النساء؟

عادةً ما تجتمع في شخصيَّة الرجل “زير النساء” أو متعدِّد العلاقات مجموعة من الصفات المشتركة الأكثر شيوعًا، مثل:

  • الجاذبيَّة الاجتماعيَّة، والقدرة على إدارة العلاقات باحترافيَّة ودبلوماسيَّة عالية، بحيث لا يمكن كشفه بسهولة.
  • قدرة عالية على الخداع والتلوُّن والتلاعب العاطفي والإقناع، واستخدام الأدوات والأساليب المختلفة لجذب النساء.
  • استخدام المجاملات الرومانسيَّة الرقيقة التي تحتمل أكثر من معنى، وإعطاء إشارات مفتوحة المعنى للإناث، تشجِّعهن على اتِّخاذ خطوات في الاقتراب، ولكن بدون دليل دامغ على اتِّخاذه الخطوات الأولى.
  • تحيطه درجة عالية من الغموض، ويفضِّل الاحتفاظ بالأسرار، والحفاظ على درجة عالية من الخصوصيَّة بحيث لا تَعرف عنه حتى زوجته إلا الخطوط العريضة التي يُوافق على تَمريرها لها.
  • عدم الشعور بالندم بعد ممارسة الغش أو الكذب على زوجته، وقدرته على إيجاد مُبرِّرات لتصرُّفاته دائمًا.
  • الاعتذار بسهولة، وإعطاء الوعود بالتوقُّف وعدم العودة عدد لا نهائي من المرَّات.
  • الهوس بلفت الانتباه وأن يشعر بأنَّه مرئي ومحور الاهتمام في أيِّ دائرة اجتماعيَّة يكون طرفًا فيها.
  • الثقة الزائدة والزائفة في النفس وارتفاع مشاعر الأنا أو الـ EGO الخاصّ به، والشعور بأنَّه يَملك أدواته، ويعرف ما يُخطِّط له، وأنَّه قادر على عمل التوازن الوهمي بين حياته الزوجيَّة وحياته السرِّيَّة.
  • الهوس والاهتمام الزائد بالجنس الآخر وبالتعليقات الجنسيَّة، وحتَّى القدرة على إحالة أي موضوع أو حوار عادي لمعنى جنسيّ أو مرتبط بالعلاقة مع الجنس الآخر.

ما هو السبب وراء رغبة بعض الرجال في العلاقات المتعدِّدة رغم الزواج؟

من المهمّ أن نفهم، أنَّ “زير النساء” لا يحمل مشاعر حبّ تجاه النساء اللاتي يقوم بمطاردتهن، وأنَّ سُلوكه لا يعني غياب الحبّ في حياته الزوجيَّة أو وجود مشكلة أو عيب ما في زوجته. ولكن يرجَّح وجود أحد الاحتمالات التالية التي تدفع بالرجل لأن يكون زير نساء، أو بصباص، أو متعدِّد العلاقات على اختلاف المسمَّيات، واختلاف درجة التورُّط في العلاقات النسائيَّة، ومن هذه الأسباب: 

  • نَهَم الشعور بالقوَّة والتمكُّن: الأمر للبعض يشبه الإدمان أو المراهنة أو الصيد يبحث الشخص طوال الوقت عن النشوة من خلال تحقيق انتصارات جديدة، بِفتح أبواب لعلاقات جديدة أو تحقيق أهدافه في جذب انتباه الجنس الآخر وإحراز نقطة انتصار تغذِّي شُعوره بالثقة والقوَّة والتمكُّن من قدراته.
  • نمط التعلُّق المشوَّش: يعتقد علماء النفس أنَّ الطفل يُكون نمط تعلُّقه العاطفي في السنوات الأولى من العمر، وهو نمط يرتبط بالطريقة التي تلقَّى بها الحبّ والرعاية من الأم، ويَميل لهذا النمط في العلاقات المستقبليَّة. نمط التعلُّق المُشوَّش ينتج من التعرُّض للتجاهل والإهمال وعدم تلبية احتياجات الطفل أولًا بأوَّل ولا إعارته الانتباه بشكلٍ كافِ في سنواته الأولى. هذا النمط ينتج عنه مشاعر مُشوَّشة ما بين الرغبة في الحميميَّة والقرب والرغبة في الهروب والتجنُّب خوفًا من الرفض أو التعرُّض إلى آلام الانفصال أو التجاهل. وقد يجعل الفرد جائعًا للشعور بالحبِّ والاهتمام والانتباه، وهو أحد الأسباب المُحتملة لميل بعض الرجال للبحث بِنَهم عن الانتباه في العلاقات والتأكُّد من أنَّه مرئيّ ومَحبوب ومحطّ جذب للجنس الآخر.
  • الشخصيَّة النرجسيَّة: والتي تميل لأن تكون محور الأحداث ومحطّ الانتباه والاهتمام طوال الوقت، وترفض الخسارة، وتعتقد أنَّ لديها قدرة عالية على تَطويع العالم والمحيطين لخدمتها وتحقيق أهدافها. هذا النمط من الشخصيَّات يميل إلى عمل محاولات طوال الوقت لجذب انتباه الجنس الآخر، ولفتح الأبواب لعلاقات غير مُحتملة ولا مُمكنة.
  • التعرُّض إلى إساءات وصدمات في الطفولة: هذا النمط من الدخول السريع وغير المسؤول للعلاقات غالبا ما يكون في خلفيّته عدم نُضج نفسي، وعدم قدرة على تَبيُّن المشاعر والتعرُّف عليها، وأيضًا كثيرًا ما يكون مصحوبًا بانفصال عاطفي، أو عدم حضور الشخص عاطفيًّا في المواقف المختلفة. كل هذه الأعراض كثيرًا ما تكون نتيجة للتعرُّض إلى الإساءات النفسيَّة والجسديَّة، أو  أحداث الحياة الصادمة في فترة الطفولة.

كيف تؤثِّر شخصيَّة الزوج البصباص أو زير النساء على العلاقات الزوجيَّة؟

  1. فقدان الثقة: تكرار نفس النمط السلوكي من قبل الزوج مع الوقت يُفقد الزوجة القدرة على الوثوق به، وتتحوَّل بعد قليل كل مبراراته إلى كذب بالنسبة لها، وتبدأ العلاقة في فقد مصداقيتها.
  2. التوتُّر والصراعات الدائمة: بسبب عدم توقُّف الزوج عن مغامراته العاطفيَّة، ومُحاولات الزوجة المستمرَّة لردعه ومطالبته بالتوقُّف، تبدأ العلاقة في التحوُّل للاحتقان والشكّ طوال الوقت، وتُصبح أقلّ النقاشات قُنبلة قابلة للانفجار.
  3. التهديد والرغبة في الانفصال: وهو السلاح الوحيد الذي تمتلكه الزوجة وغالباً ما تُلوِّح به مع كل تجربة مؤلمة لها، إلا أنَّ الانفصال الحقيقيّ للأسف مَحفوف بكثير من التَبِعات التي تُفكِّر فيها الزوجات وربما تردعها فعليًّا عن اتِّخاذ الخطوة التي تستخدمها كتهديد، مثل الاعتبارات الماديَّة والاجتماعيَّة ومسؤوليَّة رعاية الأطفال.
  4. صحَّة الزوجة النفسيَّة: التعرض المُتكرِّر إلى ضغوط الثقة والصراع والتفكير المتواصل في صدق الزوج أو كذبه، وشعور الزوجة بعدم الثقة والأمان، مع إحساسها أحيانًا بالذنب، وأنَّها قد تكون السبب لأنّها مقصِّرة أو مشغولة أو غير جميلة، كلُّها أفكار ومشاعر تتكالب على زوجات هذا النمط من الرجال وتؤثِّر على المدى الطويل على صحّتها النفسيَّة، بل وقد تجعلها عُرضة للاضطرابات النفسيَّة مثل القلق والاكتئاب.
  5. الاستقرار النفسي للأطفال: يتأثَّر الاستقرار النفسي للأطفال سلبيًّا بتوتُّر العلاقة بين الأبوين، وبارتفاع حدَّة الصراعات والمشكلات في المنزل. وحتى مع عدم معرفتهم بالضبط بطبيعة المشكلة، فإنَّ الإحساس بعدم الأمان والتربُّص يصلهم من الجو العامّ للمنزل، وهو أمر يُهدِّد سلامتهم ونموّهم النفسي.

كيف يمكن الحفاظ على الأسرة مع وجود هذا التحدِّي؟

  1. فهم محرِّكات الشخصيَّة ودوافعها: ما الذي يبحث عنه الزوج وما مفتاح شخصيته الذي يحرِّكه ويجدِّد الدافع لديه لتكرار نفس النمط السلوكي؟ هذا السؤال إجابته تحتاج إلى وعي نفسي كبير ومعرفة عميقة بالزوج، قد يكون هذا سهلا إذا كانت العلاقة بين الزوجين عميقة بشكلٍ كافٍ والزوج متاح عاطفيًّا ولديه قدرة على التعبير عن نفسه والحديث عن أفكاره. في هذه الحالة قد يقع على عاتق الزوجين العمل على تسديد احتياجات الزوج العاطفيَّة والنفسيَّة قدر الإمكان. ولكن هذا النموذج للأسف قد يكون نظريًّا ونادرًا بعض الشيء، لأنَّه كما ذكرنا في سمات الشخصيَّة لهذا النمط من الأزواج، نادرًا ما تكون لديهم قدرة على اكتشاف مشاعرهم، وغالبًا ما يحيطون أنفسهم بهالة من الغموض، ولا يدخلون إلى العلاقات بعمق.
  2. الاعتراف المشترك بالمشكلة: لا يُمكن حلّ مشكلة لا يعترف بها صاحبها. لذا لا مجال للبدء في العلاج إلا باعتراف الزوج بنفسه أنَّه لديه مشكلة، والحديث الصادق المشترك بين الزوجين عن آليَّات التغيير والعلاج وطلب المساعدة.
  3. دعم الثقة بالنفس: عيوب الزوجة وأخطاؤها ليست السبب وراء أنَّ الزوج بصباص أو زير للنساء أو متعدِّد العلاقات أو لا يتحمَّل أن تفلت من أمامه أنثى جميلة. لذا لا يجب أبدًا أن تلوم الزوجة نفسها على أخطاء غيرها، ولا أن تجعل من ذلك سببًا يُقلِّل من شعورها بالثقة والتقدير تجاه نفسها. مع التأكيد على أنَّ الشعور بالثقة في النفس لا يجب أن يتعارض مع محاولات إصلاح مُشكلات العلاقة وسدّ فجواتها وتسديد النقص فيها بقدر الإمكان.
  4. اللجوء لاختصاصي نفسي: سواء كان اختصاصيًّا نفسيًّا لتوجيه الإرشاد للأسرة في التعامل مع مشكلاتها والتغلُّب على الصراعات التي تهدِّد العلاقة، أو اختصاصيًّا نفسيًّا تتابع الزوجة وحدها معه للتعامل مع ما تتعرَّض له من ضغط عصبي ونفسي.
  5. الحفاظ على الحدود: بعض الخطوط الحمراء والعلامات المنذرة في العلاقات قد يتوقَّع الشخص أنَّه قادر على تمييزها عن بعد، وأنه سيكون حريصًا إذا تعرَّض لها أن لا يقع في شباكها، ولكن للأسف الصورة من الخارج لا تشبه الوقوف في قلب الموقف، وقد لا يكتشف الفرد أنَّه بحاجة إلى الهروب إلا بعد وقت طويل من الوقوع في الفخ. لذا من المهمّ أن تكون الزوجة واضحة في الحدود التي تقبلها، وفي خطوطها الحمراء، وأن تصارح الزوج بذلك، بإمكانها التغافل عمَّا تستطيع تجاهله وتعتقد أنَّه لا يؤذيها أو لا يضرّ أسرتها، ولكن في اللحظة التي تستشعر فيها الخطر على صحّتها وصحّة أسرتها النفسيَّة، لا يجب التفاوض على الأمر.
  6. التفكير في خيارات الانفصال: يعتبر هذا هو القرار الأصعب خاصَّة على أسرة تضمُّ أطفالًا تحتاج رعايتهم إلى وجود الأبوين، لذا من المهمِّ أن تفكِّر الزوجة جيِّدًا في خياراتها، وتبعات هذا الخيار الأسريَّة والاجتماعيَّة والماديَّة والنفسيَّة أيضا.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى