المخاض بين الألم والأمل؛ تحدِّيات الولادة بدون تخدير!
- لماذا يمكن أن تلد النساء بدون تخدير؟
- نبذة عن مراحل الولادة الطبيعيَّة
- ما هي مضاعفات غياب الرعاية الطبِّيَّة والتخدير في المخاض؟
- هل يمكن إجراء ولادة قيصريَّة بدون تخدير؟
- مضاعفات الولادة القيصريَّة بدون تخدير
- كيف يمكن مواجهة التحدِّيات في حالة الولادة بدون تخدير؟
يقول أحد الأطبَّاء الفرنسيِّين واصفًا ألم الولادة: “إنَّ ألم الولادة يُعادل في شدّته ألم بتر ساقٍ دون تخدير”، ولعلَّ صدمة الولادة تشبه من استفاق توًّا من التخدير ولم يجد ساقه.
وتحكي إحدى الأُمَّهات عن تجربتها قائلةً: “في أثناء ولادتي -وكانت قيصريَّة- استفقتُ في مرحلة خياطة البطن إثر خطأ في التخدير، حينها شعرتُ بوخزات الإبر وكنت غير قادرة على الصراخ من شدَّة الألم”، فهل تتصوَّر عزيزي القارئ، أنَّ عمليَّة بهذا القدر من الألم مثل الولادة أن تتمَّ بدون مسكِّنات، أو تخدير؟
لماذا يمكن أن تلد النساء بدون تخدير؟
يمكن أن يضطرَّ المتخصِّصون لإجراء عمليَّة ولادة بدون تخدير كامل أو موضعيّ في حالات نادرة جدًّا، كأن يكون هناك خطورة على حياة الأُمّ من التحسُّس تجاه أدوية التخدير أو إصابتها بمشاكل في الجهاز التنفُّسي قد تمنعها منه.
لكنَّنا هنا لا نتحدَّث عن الحالات نادرة الحدوث؛ بل نتحدَّث عن الحوامل اللاتي أُجبِرن على الولادة دون تخدير، أو تناول أي نوع من المسكِّنات، أو الإسعافات جرّاء الحرب والنزوح اليومي.
تُجبَر النساء الحوامل في أوقات النزوح والحرب على مواجهة تحدّيات مُرهقة ومُربِكة تتجاوز حدود قوّتهن الجسديَّة والنفسيَّة فتُعدُّ معاناةً فوق المعاناة.
كما إنَّ النزوح والحرب يؤثِّران على الصحَّة الإنجابيَّة بصورة عامَّة تمامًا كما يُضعفان هياكل المجتمعات، ويزلزلان الأمان والاستقرار الذي يحتاجه الأطفال الذين لم يولدوا بعد؛ ومن ثمَّ تجد المرأة الحامل نفسها مُضطرَّة للانتقال بين الأماكن المختلفة بحثًا عن الأمان لجنينها، حاملةً على عاتقها أعباء الرحلة المُرهقة نفسيًّا وبدنيًّا.
في تلك الظروف القاسية، تتعرَّض النساء الحوامل لمخاطر صحيَّة عديدة تتنوَّع أسبابها بين انعدام الرعاية الطبيَّة، وسوء التغذية، وتحوُّل الأمور البسيطة كالوصول إلى المياه النظيفة والمرافق الصحيَّة الأساسيَّة إلى تحدٍّ مُرهق ومجهد لهن، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يتعرَّضن للعنف الجنسي في ظلِّ غياب الأمان.
نبذة عن مراحل الولادة الطبيعيَّة
لا يستطيع أحد أن يعرف كيف تكون تجربة الطلق والولادة دون أن يختبرها بنفسه، فقبل أن يخرج الجنين إلى الدنيا تمرُّ الأُمّ النازحة كغيرها من الحوامل بمراحل المخاض أو الطلق، إلا إنَّها لا تجد ما يُسعفها أو يخفِّف عنها آلام المرحلة سواء النفسيَّة أو البدنيَّة.
يمكن تقسيم عمليَّة الولادة الطبيعيَّة إلى ثلاث مراحل، هي:
المرحلة الأولى، وتشمل
- المخاض المبكَّر (Early Labor)
وفيها تشعر الحامل بانقباضات مستمرَّة، تزداد شدّتها بمرور الوقت، حتى يتَّسع عنق الرحم سامحًا للجنين بالمرور عبر قناة الولادة.
قد يصاحب هذه المرحلة خروج بعض الإفرازات المهبليَّة الشفَّافة أو الورديَّة وقد تختلط بقليلٍ من الدم.
يمكن أن يشتدَّ المخاض، فترى الحامل علامات تمزُّق الكيس الجنيني ونزول السائل المحيط به، أو حدوث نزيف مهبلي شديد ممَّا يستدعي التدخُّل الطبِّي الفوري، وهذا ما لن تحصل عليه النساء الحوامل في أوقات النزوح والحرب ممَّا يعرِّض حيواتهن وأجنَّتهن إلى الخطر.
- المخاض النشط ( Active labor)
يزداد حال الأُمّ النازحة سوءًا في هذه المرحلة، إذ تشتدُّ بها أعراض المخاض، حتَّى يتَّسع عنق الرحم نحو 6 إلى 10 سنتيمترات، ومنها:
- تشنُّج الساقين.
- الشعور بالغثيان.
- تزايد آلام الظهر.
لهذا تحتاج المرحلة الثانية من المخاض تدخُّلًا طبّيًّا فوريًّا لرعاية الأُمّ وتقديم ما يلزمها من إسعافات؛ إذ تستمرّ نحو 4 إلى 8 ساعات، ثمَّ تشتدُّ الانقباضات في نهاية المرحلة، ومعها يزيد الضغط في منطقة أسفل الظهر والمستقيم، ممَّا يجعل الألم غير مُحتمل، ويزيد من فرصة حدوث المضاعفات، إذا لم يُسارَع إلى التدخُّل الطبِّي.
المرحلة الثانيَّة:
مرحلة خروج الطفل عبر قناة الولادة طبيعيًّا ما لم تعاني فوق معاناتها من عُسر الولادة.
المرحلة الثالثة:
مرحلة نزول المشيمة، وتستغرق عادةً في ظلِّ توفُّر الرعاية الطبيَّة من نصف ساعة إلى ساعة كاملة، ويساعد المزيد من الانقباضات في خروجها عبر قناة الولادة، ثمَّ يزيل الطبيب أي فضلات من الرحم لحمايته من النزيف أو العدوى، فكيف بمن لم تحصل على أي رعاية طبّيَّة من الأساس؟!
ما هي مضاعفات غياب الرعاية الطبِّيَّة والتخدير في المخاض؟
يزيد غياب الرعاية الطبيَّة والإسعافات اللازمة في أوقات النزوح والحروب من خطورة الوضع إلى حدٍّ كبير، فلا تسلم منها الأُمّ، أو الجنين، وتشمل هذه المضاعفات:
- زيادة خطر الإصابة بالعدوى نتيجة للظروف القاسيَة، وانعدام أيّ من مستلزمات النظافة الأساسيَّة.
- زيادة خطر النزيف الحادّ خلال أو بعد الولادة بسبب نقص الإمدادات الطبيَّة، وصعوبة الوصول إلى خدمات الرعاية الصحّيَّة، وهذا يؤدِّي إلى فقر الدم الحادّ، أو هبوط الدورة الدمويَّة، ومن ثمَّ الوفاة.
- ارتفاع ضغط الدم وزيادة احتماليَّة الإصابة بمضاعفاته المختلفة إذا لم يُرصَد ويُعالَج على النحو الصحيح، ومنها:
- السكتة القلبيَّة.
- السكتة الدماغيَّة.
- انفصال المشيمة.
- عدم استجابة الجنين وتحرّكه بصورة غير صحيحة خلال المخاض، وهو ما يحوِّلها إلى ولادة متعسِّرة.
- الصدمة النفسيَّة بسبب المعاناة المُركَّبة، فلا يرافقها في حملها وولادتها سوى التوتُّر النفسي قبل الولادة وبعدها وقد يصل إلى الاكتئاب، والخوف على سلامة جنينها، والخوف من الولادة نفسها، فضلًا عن الصعوبات المعيشيَّة التي تواجهها جرّاء الحرب.
- ارتفاع معدَّلات الولادة المبكّرة إثر الضغوط النفسيَّة المُضاعفَة.
- زيادة خطر الإصابة بالتشوُّهات الجنينيَّة بسبب التعرُّض للعوامل الضارَّة في بيئة النزوح.
- تزيد احتمالات الإصابة بالعدوى، ومن ثمّ التهابات الجهاز التناسلي، والحوض.
- تمزُّق العجَّان، وهي تلك المنطقة ذات الجلد الرقيق التي تقع بين فتحة المهبل وفتحة الشرج.
- زيادة احتمالات الإصابة بناسور الولادة، وهو ما يمكن أن نسمِّيه بالكابوس، ويعني حدوث ثقب بين المهبل وأحد الأنسجة المحيطة به إثر ضغط الجنين العالق في الحوض على ما يحيط به، ومن أبرز أعراضه سلَس البول وتسرُّب البراز.
- قد تنخفض نسبة الأكسجين في الدم عن معدّلها الطبيعي بسبب صعوبات التنفُّس في أثناء المخاض.
- التمزُّقات المهبليَّة خاصَّةً في الحالات التي تحتاج إلى تمدُّد المهبل بدرجة كبيرة نوعًا ما.
- ارتفاع معدَّل ضربات القلب جرَّاء الإجهاد البدني والضغط النفسي، ممَّا قد يؤدِّي إلى مزيد من المضاعفات التي قد تودي بحياة الأُمّ.
- يمكن أن تعاني الحامل المصابة بالسكَّري من انخفاض مستوى السكَّر في الدم خلال المخاض، فيما يُعرف بالهبوط السكَّري.
- صعوبة ممارسة العلاقة الزوجيَّة بعد الولادة الطبيعيَّة إثر تهتُّك المهبل.
هل يمكن إجراء ولادة قيصريَّة بدون تخدير؟
إن كان ما تناولناه سلفًا هو ما يحدث إذا غاب التخدير والرعاية الطبيَّة عن الحامل في الولادة الطبيعيَّة، فكيف يكون الحال إذا تواجد الطاقم الطبي لكنَّه يفتقر إلى كل ما يلزم لخوض قيصريَّة آمنة إذا كانت هي الحل الوحيد لإتمام الولادة؟ هل يمكن شقّ 7 طبقات من الجسم بدون تخدير؟ كل هذه الأسئلة وغيرها هي نبذة بسيطة عن الحالة النفسيَّة التي تمرُّ بها الحامل النازحة أو المُهجّرة قسرًا من بيتها ولا ينتظرها في هذه الظروف القاسية سوى المجهول.
يُقصد بالولادة القيصريَّة عمليَّة استخراج الجنين عن طريق إجراء شقّ جراحي في جدار البطن والرحم لتعذُّر خروج الجنين من مجرى الولادة الطبيعي لعدَّة أسباب، منها:
- عسر الولادة، وعدم تقدُّم المخاض بصورة طبيعيَّة.
- قلق الأطبَّاء بشأن اضطراب نبض قلب الجنين، أو كِبَر حجم رأسه كما في حالات استسقاء الرأس.
- اتِّخاذ الجنين وضع غير طبيعي فقد ينزل بأردافه أو قدميه إلى منطقة الحوض عوضًا عن الرأس.
- ظهور علامات المخاض المبكِّر وعدم نزول الرأس في منطقة الحوض، ممَّا يشكِّل خطرًا على الجنين.
- الحمل بتوأم.
- ظهور مشاكل بالمشيمة مثل تلك المعروفة باسم المشيمة المُنزاحة (placenta previa)؛ وتعني انغراس المشيمة أعلى فتحة عنق الرحم بينما مكانها الطبيعي أعلى الرحم.
- أن تكون الأُمّ مصابة بأحد أمراض القلب أو الدماغ التي تشكِّلُ خطرًا في حالة الولادة الطبيعيَّة.
- وجود تاريخ لقيصريَّة أو جراحة سابقة.
- مضاعفات الحمل الخطيرة، مثل:
- اضطرابات التنفُّس ونقص الأكسجين.
- انخفاض مستوى السكَّر في الدم.
ومن ثمَّ، لا يُعدُّ التخدير بنوعيه الكلِّي أو النصفي للجزء السفلي من الجسم في الولادة القيصريَّة أمرًا اختياريًّا، بل هو ضروري للحفاظ على حياة الأُمّ والجنين وصحَّتهما على المستويين البدني والنفسي.
مضاعفات الولادة القيصريَّة بدون تخدير
رُغم ما تتحمَّله الأُمّ من آلام فوق طاقة البشر في أثناء الولادة إثر شقَّ جدار البطن وما يليه من طبقات وصولًا إلى جدار الرحم، لكن ليت الأمر يقتصر على الألم فقط، إذ إنَّ هناك المزيد من المضاعفات المحتملة، مثل:
- زيادة فرصة النزيف الحادّ الذي قد يصعب السيطرة عليه بسبب غياب الإمكانات اللازمة.
- اضطراب التنفُّس ونبض القلب جرَّاء الإجهاد البدني والنفسي الذي تعانيه الأُمّ.
- صعوبة حفاظ الأُمّ على ثباتها وانتظام تنفُّسها طوال العمليَّة دون تخدير، وهذا لا شكّ يفتح الباب على مصراعيه لمزيد من المضاعفات الخطيرة.
- زيادة احتمالات الإصابة بالعدوى لصعوبة السيطرة على الموقف.
- يزداد خطر الإصابة بالجلطات الدمويَّة.
- يمكن أن تحدث إصابات جراحيَّة غير مقصودة في الأنسجة المحيطة بالرحم جرّاء الحالة النفسيَّة الضاغطة التي تمرُّ بها الأُمّ والطاقم الطبِّي معًا، مثل:
- المثانة.
- الأمعاء الدقيقة، والمستقيم.
- الجهاز البولي.
- الإصابة بدرجة حادَّة من اكتئاب ما بعد الولادة.
- تصبح مرحلة التعافي بعد القيصريَّة أكثر تعقيدًا.
أمَّا عن المضاعفات التي يمكن أن يُصاب بها الطفل حديث الولادة فتشمل:
- اضطراب التنفُّس وصعوبة تدفُّق الأكسجين في الدم، ممَّا قد يشكِّل خطرًا على صحَّة الدماغ.
- يُصبح الطفل أكثر عُرضة للإصابة بالكدمات أو الكسور أو الشقوق الجراحيَّة غير المقصودة.
- قد يواجه صعوبة في الرضاعة، وقد يحتاج إلى دخول الحضّانة.
كيف يمكن مواجهة التحدِّيات في حالة الولادة بدون تخدير؟
إذا اضُطررتِ إلى إجراء قيصريَّة بدون تخدير لأيِّ سببٍ فمن المهمّ مواجهة التحدِّيات المحتملة بطرق مناسبة، وبدورنا نقدِّم بعض الاقتراحات حول كيفيَّة التعامل مع هذه التحدّيات:
- التأهُّب النفسي قبل الولادة
حاولي الاستعداد على المستوى النفسي لهذه التجربة قدر الإمكان والتحدُّث مع فريق الرعاية الصحيَّة إذا أُتيح لكِ ذلك، واطلبي معرفة مزيد من التفاصيل حول العمليَّة ومقدار الألم المتوقَّع، فقد تعمل هذه التحضيرات النفسيَّة على الحدِّ من اكتئاب ما بعد الولادة.
- اطلبي الدعم العاطفي من زوجكِ أو المحيطين بكِ من أفراد العائلة أو الأصدقاء المقرَّبين، قد يكون من المفيد أيضًا البحث عن منظَّمات أو مجموعات دعم للنساء اللاتي خضعن لقيصريَّة بدون تخدير للتواصل معهن ومشاركة الخبرات والمشاعر.
- حاولي تعلُّم تقنيات التنفُّس العميق والاسترخاء قبل العمليَّة، لأنَّها قد تساعد في التحكُّم ولو بعض الشيء في الضغط النفسي والتوتُّر في أثناء الولادة.
- حاولي الاهتمام بصحّتك قدر المستطاع خلال فترة التعافي والتئام جُرح العمليَّة القيصريَّة واتَّبعي إرشادات الطبيب بدقَّة، ومنها:
- أخذ قسط من الراحة.
- تناول الطعام الصحِّي والمتوازن واتِّباع الروتين الدوائي الموصوف إن وجد.
في ختام هذه المقالة، يجب علينا أن نقدِّر ونحترم شجاعة وقوّة الأُمَّهات اللاتي تعرَّضن لعمليَّة الولادة بدون تخدير، إنَّها تجربة مليئة بالألم والتحدِّيات، وتستحقّ الدعم والتقدير الكامل، إذ إنَّ تجاوز الصعاب ومواجهة الألم الجسدي يتطلَّب قوَّة هائلة وإرادة قويَّة، لذا يجب أن نكون حنونين ومتفهِّمين لتجربتهن المريرة.