كيف يمكن التغلُّب على خجل التثقُّف الجنسيّ؟
يعدّ الحديث عن الجنس هو أحد أكبر التابوهات في الثقافة العربيَّة. يُحاط الحديث عنه، والتثقُّف الجنسيّ بالكثير من الخطوط الحمراء، ولا يُسمح بتعلُّم أسراره إلا في الغرف السريَّة المُغلقة. مُؤخَّرًا بدأت الدراسات في إلقاء الضوء على أهميَّة التثقيف الجنسي المبكِّر، وكيف أنَّ التعلُّم في هذا الاتِّجاه يُحسِّن من الاختيارات في العلاقات، ويَرفع درجات الرضا الزواجي فيما بعد. بعكس الشائع قديمًا من إحاطة الأمر بالغموض التامّ حتَّى يوم الزفاف، وهو اليوم التي قد تعطي فيه الأُمّ لابنتها بعض النصائح، أو تتركها لتُجرِّب حظها، وليعلِّمها زوج المستقبل، والذي تَعلَّم بدوره من مصادر مَجهولة ومُرتجلة في الغالب.
ولأنَّ الحديث طوال الوقت مُحاط بالخجل، فإنَّ المراهقين يبدأون في سنٍّ مُبكِّرة في محاولة استكشاف إجابات، لواحدة من أهمِّ الغرائز الإنسانيَّة التي خلق الله عليها الإنسان. وعادةً لندرة المصادر الموثوقة، فإنَّهم يلجأون لنصائح الأصدقاء، أو البحث عبر الإنترنت، أو مُشاهدة أفلام ومشاهد إباحيَّة، أو خوض علاقات محفوفة بالمخاطر بهدف التجربة والاستكشاف، كل هذه المُقدِّمات لا تنتهي للأسف بنهايات إيجابيَّة. على مدار عقود طويلة.
أثبتت الدراسات الآثار السلبيَّة للخجل الذي يَلُفُّ موضوعات الجنس وتَعلُّمها في الوقت والسنِّ المناسب، ومن هذه الآثار السلبيَّة:
- تصديق المعتقدات الخاطئة عن الجنس: مثل أنه مؤلم، أو أنَّه مُهمّة الرجل، والمرأة هي مُتلقٍّ فقط، أو أنَّ العلاقة الجنسيَّة مُؤلمة للمرأة وهي مجرَّد واجب لإمتاع الزوج، أو أنَّ المرأة لا تصل إلى النشوة الجنسيَّة، أو أنَّها المسؤولة عن نوع الجنين، أو أنَّه يجب عليها عدم طلب شيء في العلاقة الجنسيَّة خوفاً من اعتقاد زوجها أنَّها غير مُحترمة، وغيرها وغيرها من عشرات الاعتقادات الخاطئة عن الجنس، التي ليس لها أي أساس من الصحَّة، ولم تتوارث إلا بفعل الجهل والخجل من التعلُّم والحديث غير العلميّ عن الجنس.
- اللُّجوء للاستكشاف من مصادر غير علميَّة: شئنا أم أبينا، فإنَّ المراهقين يبدأون في سنٍّ مبكِّرة بفضول شديد البحث عمَّا يردُّ على تساؤلاتهم بخصوص رغباتهم وأجسادهم وأجساد الجنس الآخر، والرغبة التي تَحتلّهم من حين إلى آخر. رغبة غريزيَّة في الإنسان إذا لم يتعلَّم كيف يتعامل معها ويُديرها، فإنَّها قد تَدفعه لتجارب غير آمنة، تُمثِّل خطراً عليه وعلى المجتمع من حوله.
- عدم الرضا الزواجي: الجنس هو أهمّ أعمدة الزواج، وهو السرّ الذي يجعل منه رباطًا مقدَّسًا، ولكن بسبب غياب التثقيف الجنسي المبكِّر، فإنَّ تفاصيل كثيرة لم يتعلَّمها الزوجان تجعلهما يعانيان في حياتهما الجنسيَّة، يواجهان مشكلات لا يفهمانها، فلا يستطيعان حلَّها. من هذه المشكلات عدم فَهم الزوجات لاحتياجاتهن وأجسامهن، وجهل نسبة كبيرة مِنّهن بماهيَّة الرعشة الجنسيَّة، وكيفيَّة الوصول إليها، وأيضا خجل الكثير من الزوجات أثناء العلاقة وارتياحها في دور المتلقِّي وردّ الفعل، وكذلك عدم فَهم كثير من الأزواج لأهميَّة المُداعبة والتَمهيد قبل بدء العلاقة ودور هذه المرحلة في مُتعة المرأة، وغيرها الكثير من المشاكل.
- التعرُّض للإساءات الجنسيَّة: تُعاني نسبة كبيرة من الأطفال والمراهقين صدمات بسبب تعرُّضهم المبكِّر للإساءات الجنسيَّة، والتعلُّم المبكِّر عن الجسم وخصوصيّته وحدوده هو أحد أهمّ العوامل التي تساعد على رفع الوعي والحَدّ من التعرُّض للإساءات الجنسيَّة.
ما المقصود بالتعلّم الجنسيّ أو التثقُّف الجنسيّ؟
يقصد به تعلُّم كل النواحي المُرتبطة بالجسد والرغبة الجنسيَّة وممارسة العلاقة الزوجيَّة، مثل:
- تعلُّم تشريح الجسد والجهاز التناسلي عند الرجل والمرأة ووظيفته وكيفيَّة عمله، ومراحل تطوّره.
- التعرُّف على حدود الجسد وخصوصيّته والقدرة على التمييز بين اللَّمسات المقبولة، والاعتداء أو التحرُّش الجنسي.
- فهم أنَّ الأجساد مختلفة ومتميِّزة عن بعضها، وأنَّ لكلِّ جسد جماله الخاصّ، ولا يوجد نموذج واحد للجمال.
- تعلُّم العلاقة الجنسيَّة، ومراحلها، والاختلاف بين الرجل والمرأة فيها، وماهيَّة الممارسات الطبيعيَّة والشاذَّة والمقبول وغير المقبول منها دينيًّا.
- الصحَّة الجنسيَّة والعناية بها، ووسائل منع الحمل، وطرق الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًّا وغيرها من الاحتياطات الصحيَّة.
اقرأ المزيد في أهميَّة الاستشارة الزوجيَّة قبل الزواج
متى يبدأ التثقُّف الجنسيّ؟
يجب البدء مُبكِّرًا في تعليم الأطفال عن أجسادهم، وعبر سنوات الطفولة والمراهقة تُقدَّم المعلومات وفقاً لما يليق بفَهم واستيعاب واحتياج كل سنّ. التعلُّم عن الجسد وعن الجنس هو عمليَّة مُستمرِّة وتراكميَّة ولا يوجد لها خط نهاية. تبدأ مع تعريف الطفل بحدود جسده وخصوصيِّته، والإشارة المناسبة للفروقات بين جسد البنت والولد، والحدود بينهما، واستمرارًا للتعلُّم حتى بعد الزواج، تظلُّ أبواب السؤال والتعلُّم مفتوحة للزوجين معًا للتعرُّف على نفسيهما، واستكشاف المزيد عن جسديهما ومتعتهما، وما يُسعد كل منهما ويُسعد الآخر.
فوائد التعلُّم والتثقُّف الجنسيّ
- فهم طبيعة الجسم واحتياجاته: مثل تعلُّم الفرد عن تَكوُّن الجسد، تشريح الجهاز التناسلي، والتعرُّف على أعضائه، ووظائفها، واحتياجاته. كلَّما ازداد فهم الإنسان لطبيعة جسده كلَّما كان أقدر على تسديد احتياجاته بشكل مُرضي ومُناسب، بل وأيضاً كان بإمكانه أن يُعبِّر عن نفسه ويتواصل مع الآخر بشكل أفضل، وهو ما يوفِّر دائرة إلقاء اللَّوم المُتبادلة عادة بين الزوجين في أن يفهم كلّ منهما الآخر ويُلبِّي احتياجاته التي لم يحدِّدها، ولم يستطع التعبير عنها.
- عمل اختيارات أكثر عقلانيَّةً وأمانًا: لأنَّ التعلُّم يجعل الإنسان يتَّخذ قراراته بوعي، وهو مُدرك لعواقبها وآثارها النفسيَّة والصحيَّة والاجتماعيَّة عليه وعلى من حوله.
- بناء علاقات زوجيَّة صحيَّة: حيث أثبتت الدراسات أنَّ التثقيف الجنسي قبل الزواج يزيد من معدَّلات الرضا الزوجي، إذ يزيد من قدرة الأفراد على تحديد احتياجاتهم، واحتياجات الطرف الآخر، والقدرة على التواصل الجنسيّ الناضج، وحلّ المشكلات بشكل أكثر سلاسة وتحسين جودة التواصل.
- تكوين مفهوم إيجابي ناحية الجنس: بدلاً من تصديق الأساطير و الاكذوبات الاجتماعيَّة المتداولة عن الجنس، يساعد التعلُّم الجنسي على فهم صحيح وعلمي للأمور المُتعلِّقة بالعلاقة الزوجيَّة. فلا تُصبح العلاقة هي العبء الذي تهرب منه الزوجات، ولكنَّه يأخذ مكانه بصفته الوقت الحميمي المخصَّص للتواصل الرومانسي والعاطفي للزوجين.
- زيادة الثقة بالنفس: عادةً ما يرتبط الفهم المُشوَّش للجنس بانخفاضٍ في الثقة بالنفس وفي درجات تقدير الذات، وذلك لأنَّ الفرد لا يكون متأكِّدًا ممَّا يجب عليه أن يفعل أو يتوقَّع، ويكون الأمر متروكًا تمامًا للارتجال والمحاولة والخطأ. العكس يحدث عندما يكون الإنسان مستندًا على فهمٍ عميق لاحتياجات النفس البشريَّة وموقع الجنس منها، ودوره وأدواته وتأثيره، فإنَّ كل هذه العوامل من شأنها تعزيز الثقة بالنفس، ودعم مستويات تقدير الذات.
اقرأ المزيد في أهميَّة الاستشارة الزوجيَّة قبل الزواج