كيف يُمكن تعزيز التقارب الجنسي بين الزوجين؟

بعد سنوات من الزواج، وبعد تراكم المسؤوليَّات وطُغيان الروتين على الحياة الأسريَّة، قد تبدأ العلاقة الجنسيَّة بين الزوجين في التراجع والفُتور، وفُقدان الشغف والبريق والوهج الذي تميَّزت به في السنوات الأولى من الزواج. تُعدُّ العلاقة الجنسيَّة هي واحدة من أهمِّ ركائز الزواج، وقد تكون سببًا لسعادة واستقرار البيوت، كما أنَّها يمكن أن تكون سببًا في شقائها ودمارها، لذا من المهمِّ أن يعمل الزوجان معًا على الاستثمار في هذه العلاقة، والتواصل بخصوصها للوصول لأفضل نتائج تُرضي الطرفين، وتُقرِّب المسافات بينهما. في هذا السياق، يُصبح التقارب الجنسي عاملاً حاسماً لاستعادة الحيوية والتواصل العاطفي بين الشريكين، مما يُعزِّز الرابط العاطفي والجسدي بينهما.
تُشير بعض الدراسات إلى أنَّ العلاقة الجنسيَّة تقلُّ مُعدَّلاتها مع الوقت، إذ تبدأ السنوات الأولى من الزواج بوهجٍ كبير ورغبة عالية في التجربة والاستكشاف، ثمَّ تأخذ هذه الحماسة في الهدوء والاستقرار مع الوقت حتى يتَّفق الزوجان ضمنيًّا على مُعدَّل مُناسب لهما ولروتين حياتهما، وتبدأ مُعدَّلات ممارسة العلاقة في الانخفاض تدريجيًّا مع التقدُّم في العمر لأسباب صحيَّة وهرمونيَّة غالبًا. ولكن أحيانًا قد تتحوَّل العلاقة إلى أمرٍ روتينيّ مُمل وعبء على الزوجين، أو تغيب العلاقة تمامًا لمدَّة قد تصل إلى شهور بين الأزواج في المراحل العُمريَّة المُبكِّرة لأسباب مختلفة، وهو أمر يترك تأثيراته السلبيَّة على العلاقة بين الزوجين وعلى درجات الرضا والسعادة الزوجيَّة ومعدَّلات الخيانة وأيضاً معدَّلات الطلاق.

فما هي أسباب فتور العلاقة الجنسيَّة؟ وكيف يمكن تعزيز الرغبة والتقارب الجنسي بين الأزواج؟
لماذا تنخفض الرغبة الجنسيَّة وتَقِلُّ مُعدَّلات العلاقة بعد سنوات من الزواج؟

  • وجود أطفال: عادةً ما تتغيَّر أولويَّات الزوجين وعاداتهما بالكامل بعد الإنجاب، إذ يحصل الأطفال على اهتمام ووقت الأبوين بالكامل تقريبًا. وبِتزايُد عدد الأطفال، وعدد سنوات الزواج أيضًا، يجد الزوجان أنفسهما مُنخرطين في عشرات التفاصيل والمسؤوليَّات والمهامّ اليوميَّة التي تخصُّ الأطفال واحتياجاتهم ومُتطلَّباتهم، ويتقلص تدريجيًّا الوقت الخاصّ الذي يقضيه الزوجان بمفردهما أو يتشاركان فيه نشاطًا يخصّهما وحدهما. هذا بالإضافة إلى تأثير السنوات الأولى بعد الإنجاب إذا كان الطفل يشارك والديه الغرفة نفسها أو حتى الفراش نفسه، وكذلك ما تتعرَّض لها الأُمَّهات من إرهاق وتغييرات هرمونيَّة تؤثِّر على درجات الرغبة والمتعة الجنسيَّة.
  • الروتين اليومي: يُشَبِّه الكثير من الأزواج أنفسهم بالآلات التي لا تتوقَّف عن العمل، أو النحل الذي لا يكفُّ عن الطنين من أجل إنهاء المهامّ المطلوبة منهم. هذا الروتين بخلاف ما يتركه من شعور بالإرهاق والتعب، فإنَّه يُولِّد الإحساس بالملل وغياب الشغف.
  • الضغط النفسي: الشعور بالضغط النفسي يرتبط عكسيًّا مع الرغبة الجنسيَّة، والاهتمام بممارسة العلاقة، خاصَّة لدى النساء، وحتَّى لو كانت العلاقة العاطفيَّة مع الزوج جيِّدة، وإذا كانت مستويات الرغبة الجنسيَّة عادة مرتفعة.
  • الإرهاق والإنهاك البدني: حتى لو كانت علاقة الزوجين ممتازة، ولديهما النيَّة والرغبة في قضاء بعض الوقت الحميمي، فإنَّ الإنهاك البدني والشعور بالإرهاق قد يَحولان دون تنفيذ خِططهما.
  • نقص التواصل: عدم قدرة الزوجين على إدارة تواصل صحِّي وبنّاء، وقدرة على حلِّ المشكلات والتفاهم حول الأمور المختلفة في المنزل، وفي العلاقة الحميميَّة خاصَّة.
  • الخلافات المتراكمة: والتي لم تُحلّ أولاً بأول وتراكم بسببها التوتُّر بين الزوجين. كلّ المشكلات التي يتمّ تجاهل التواصل حولها وحسمها بشكل فعَّال تترك في الحقيقة تأثيرات متراكمة وعلى المدى الطويل على العلاقات العاطفيَّة بين الزوجين.
  • اختلاف مستويات الرغبة الجنسيَّة: وهو أمر طبيعي أن تختلف التفضيلات ومستويات الرغبة الجنسيَّة بين الزوجين تمامًا كما تختلف شخصياتهما، ولكن عدم القدرة على التواصل بشأن هذه الفروقات وإداراتها بشكل يُلبِّي احتياجات الطرفين هو ما يُحدث فجوة بينهما قد تؤدِّي إلى تدهور العلاقة الجنسيَّة.


كيف يمكن تعزيز الرغبة والتقارب الجنسي بين الزوجين؟

  • التركيز على التفاصيل الحميميَّة بدلاً من العلاقة الجنسيَّة الزوجيَة: صحيح أنَّ العلاقة الجنسيَّة هي للبعض الهدف النهائي والرئيس، ولكن الطريق إلى هذا الهدف لا بد من الاستثمار فيه والاهتمام به والتمهيد له. العلاقات العاطفيَّة الجافَّة تؤثِّر على مشاعر الزوجين لبعضهما البعض، والحياة المشتركة الخالية من اللَّمس ومسك الأيدي والحضن وغيرها من التفاصيل الحميميَّة اليوميَّة لا تزيد العلاقة إلا جفاءً. لذا من المهمّ أن يُحافظ الزوجان على حَبل الودّ والحميميَّة موصولاً خارج غرفة النوم، من أجل الحصول على وقت أفضل داخلها.
  • تبادل الرسائل على مدار اليوم: التواصل على مدار اليوم من شأنه تعزيز المشاعر بين الطرفين، وتوليد وتجديد اللَّهفة والشوق، خاصَّة إذا كانت هذه الرسائل لا تخلو من الشكر والامتنان وبعض الغزل، أو كان بها حديثا رومانسيًّا عن الأوقات والذكريات الحلوة التي قضاها الزوجان معًا، أو أحلام وتوقُّعات حول ما يتمنيان أن يتشاركا فيه قريبًا، أو حتى بعض الصور التي يَحكي بها كل منهما للآخر ما يَحدث في يومه ويشاركه به.
  • التعلُّم والاستكشاف المشترك: العلاقة الجنسيَّة عالم لا حدود له، من المهمّ أن يطرق الزوجان أبواب الاستكشاف والتعلُّم المُشترك، وأن ينفتحا على الأفكار الجديدة والتجارب المختلفة. الاستزادة من التعلُّم والاستكشاف من شأنها أن تكسر من حاجز الملل والروتين، وتعيد للزوجين حماستهما للعلاقة.
  • التعبير الدائم عن المشاعر : خاصَّة الإيجابيَّة منها، صحيح أنَّ البعض قد يجد صعوبة في التعبير عن الحبّ ولا يجيد الكلام الرومانسيّ والعاطفيّ، ولكن هذا واحد من أهمِّ الأدوات التي تُقرِّب المسافة بين الزوجين وتَقضي على التوتُّر والملل بينهما. وكذلك استخدام اللُّغات غير المنطوقة في التعبير عن الحبّ، مثل الهدايا، والاهتمام بالتفاصيل، وتخصيص وقت للزوج/ة والاهتمام به فقط، ومثل النيابة عنه في بعض مهامِّه ومساعدته فيها، أو الإطراء على مجهوده خلال اليوم أو حتّى على أفكاره. كلّ هذه طرق مختلفة للتعبير عن المشاعر وسيكون من المفيد أن ينوع بينها الزوجان في تعبيرهما عن مشاعرهما لبعضهما البعض باستخدام شتَّى الطرق والوسائل.
  • توقُّف النقد واللّوم: خاصَّة فيما يخصَّ العلاقة الجنسيَّة، استخدام اسلوب النقد المتواصل يُقلِّل من ثقة الآخر بنفسه وشعوره بالرضا والكفاءة في العلاقة، وهو ما قد يُصبح سببًا كافيًا لعزوفه عن العلاقة وشعوره بالتوتُّر والنفور منها.
  • تخصيص وقت للجنس: قد تبدو فكرة غير عمليَّة، ولكن الكثير من الأزواج أقرُّوا في أحد استطلاعات الرأي أنَّ الاتِّفاق المسبق على يوم وموعد للعلاقة يُساعد الطرفان على الاستعداد الجيِّد لها، ويجعله متأهَّبًا لها نفسيًّا وجسديًّا، بل وقد يُضفي على اليوم كلَّه مزاج جيِّد وتفكير في الوقت الحميمي المنتظر كمكافأة في نهاية اليوم.
  • قضاء وقت مشترك في أنشطة مختلفة: حتى لو كانت هذه الأنشطة متعلَّقة بالعناية بالمنزل مثل تجهيز وجبة عشاء أو تنظيف الأطباق أو متعلقة برعاية الأطفال مثل اصطحابهم لمباراة كرة. الحياة في جزر منفصلة يُباعد نفسيًّا وعاطفيًّا بين الزوجين، ويجهل التواصل الحميمي مهمَّة أصعب.
  • الحديث عن التوقُّعات والخيالات الجنسيَّة: تحتاج هذه الخطوة لكسر حواجز الخجل بين الزوجين، والانفتاح والصراحة بينهما للحديث بحريَّة وراحة حول التوقُّعات الجنسيَّة لكل طرف، وأيضًا خيالاته وأمنياته الجنسيَّة. هذا الحديث يفتح آفاقًا جديدةً للاستكشاف، كما أنَّه قادر على إثارة الحماس والرغبة في التجديد والتجربة.
  • دعم ثقة (الزوج/ الزوجة) الحياة بنفسه: درجة الرِّضا عن النفس والشعور الإيجابي بالثقة ينعكسان على مستويات الرغبة الجنسيَّة لدى الزوجين، كما ينعكسان أيضًا على مستوى رضاهما عن أنفسهما في العلاقة. لذا من المفيد جدا أن يدعم كلا الزوجين ثقة الآخر بنفسه، من خلال المدح والثناء، واختيار الكلمات المُشجِّعة، والتعبير عن المشاعر الإيجابيَّة تجاهه.

اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية