ما هي الأدوار التي يلعبها الأطفال في العائلة النرجسيَّة؟
الشخصيَّةالنرجسيَّة هي أحد اضطرابات الشخصيَّة التي تُميِّز صاحبها بشعورٍ قوي بالتميُّز والذكاء، ورغبته الدائمة في أن يكون محور الاهتمام والانتباه، وصاحب القرار الأوَّل والأخير. هو شخص لا يتقبَّل أبدًا أن يكون مجرد شخص عادي، ولا أن يكون مجرَّد فرد ضمن فريق، بل يرى أنَّه لا بد أن يكون ذا دور مركزي في الأحداث. الزواج من شخص نرجسيّ يترتَّب عليه الكثير من الآثار والنتائج التي تنعكس على العلاقة الزوجيَّة، والعلاقات الاجتماعيَّة، وعلى تربية الأبناء وعلاقتهم بالأسرة وطبيعة الأدوار المتوقَّعة منهم.
تشير بعض النظريَّات في علم النفس إلى أنَّ الشخص النرجسي يميل بشكلٍ غير واع إلى توزيع الأدوار على أبنائه بما يَدعم صورته هو نفسه، وتحقيقه للمُعادلة التي يرتضيها لأسرته. هذه الأدوار قد يتبادلها الأبناء فيما بينهم أحيانًا، وقد يقوم كل واحد منهم بأكثر من دور في الوقت نفسه، وفي حالة وجود طفل واحد فإنَّه قد يضطرّ للتنقُّل والتغيير بين الأدوار.
ما هي النرجسيَّة؟ وما هو اضطراب الشخصيَّة النرجسيَّة؟
النرجسيَّة تشير إلى شعور الفرد بأهميّته الكبيرة، وتَمتُّعه بدرجات عالية من حُبِّ النفس وتقدير الذات، وهي مشاعر موجودة لدى معظم الناس بدرجات مُتفاوتة، ما بين الانخفاض الشديد، والارتفاع الشديد كذلك. وبعض هذه المشاعر قد تكون صحيَّة ومفيدة للإنسان على عدَّة مستويات، خاصَّة إذا كانت مصحوبة بمستويات مرتفعة من الذكاء الاجتماعي والقدرة على التواؤم مع المجتمع والتعاطف مع احتياجاته وتقديرها. بل إنَّ بعض هذه المشاعر من شأنها أن تُساعد الأشخاص في الحصول على علاقات أكثر صحيَّة، وقدرة أكبر في الحفاظ على الحدود، واختيارات حياتيَّة أكثر ذكاءً وأمانًا.
أمَّا اضطراب الشخصيَّة النرجسيَّة فهو اضطراب نفسي، يتميَّز بمجموعة من الأعراض التي تُشخَّص إكلينيكيًّا من قِبل المُتخصِّص النفسي، ومن أهمِّ أعراضها:
- الشعور المُبالغ فيه بالأهميَّة والعَظَمة.
- ضلالات حول الصورة الشخصيَّة ودرجة النجاح والقوَّة.
- الشعور بالاستحقاق.
- الحاجة الدائمة إلى الثناء والإعجاب.
- التلاعب بالآخرين واستخدام أساليب نفسيَّة لتحقيق الأهداف النفسيَّة والعمليَّة من خلالهم.
- محدوديَّة التعاطف والإحساس بالآخرين.
- الشعور السهل بالاستفزاز عند التعرُّض للمُنافسة والغيرة.
- احتقار الآخرين وعدم احترامهم أو إنزالهم في مقاماتهم.
ما هي الأدوار العائليَّة في عائلة الشخص النرجسي؟
تختلف النظريَّات النفسيَّة حول الأدوار التي يقوم بها أفراد أسرة الشخص النرجسي، بعض النظريَّات تُصنِّف أربعة أدوار أساسيَّة، والبعض يوضح ثمانِ أنماط لأطفال الوالد النرجسي، ولكنَّنا هنا نعرض لسبعة أدوار مُحتملة، قد يقوم كل فرد أو طفل في الأسرة بأكثر من دور، وأحيانا يتبادلون الأدوار فيما بينهم، وهذه الأدوار هي:
- الطفل الذهبي The golden child : وهو الطفل المُميَّز للأب أو الأم اللذين يعانيان من اضطراب الشخصيَّة النرجسيّة، ويرى فيه الشخص النرجسيّ نفسه، ويَعتبِره امتدادًا لوجوده، وأفضل نسخة موجودة وممكنة من ذاته. وغالباً ما يكون طفلًا مُميزًا إمَّا بجماله الشكلي، أو بوجود موهبة واضحة، أو يتوفَّر لديه القبول والجاذبيَّة الاجتماعيَّة، ويستخدمه الشخص النرجسي كواجهة للأسرة. ليس من حقِّ الطفل “الذهبي” ارتكاب الأخطاء أو تشويه الصورة المثاليَّة للنرجسي، ولا بد أن يوافق دائما التوقُّعات المثاليّة المطلوبة منه. يتعلَّم هذا الطفل في سنٍّ مبكِّرة التركيز على المظهر الأخَّاذ، والتركيز على الآداء الاجتماعيّ المُبهِر، أكثر ممَّا يتعلَّم ثقته بنفسه النابعة من قيمته الداخليَّة وإمكانيَّاته الشخصيَّة الحقيقيَّة.
- الطفل كبش الفِداء The scapegoat child : وهو الشخص المتَّهم دائما والذي يُلقى عليه اللوم في أي خطأ يحدث في الأسرة. شخص يتعرَّض طوال الوقت للَّوم والاحتقار والتقليل من شأنه ومن أفعاله. ووظيفة هذا الطفل في أسرة الشخص النرجسي هي تلقِّي نوبات غضبه وتحمُّل اللَّوم على الأخطاء حتَّى لو لم يرتكبها. هذا الطفل يتمّ جرحه طوال الوقت، ويحاول التعايش والاستمرار في إثبات أنَّه جدير بالتقدير والحبّ والكفاءة، ولكنَّه في الغالب لا ينجح أبداً. وفي مقابل الطفل الذهبيّ، فإنَّ الطفل كبش الفداء يتمتَّع بحريَّة أكبر، لأنَّه ليس محاصرًا بالتوقُّعات المثاليَّة في النجاح والصورة الاجتماعيَّة التي يجب تصديرها للمجتمع، لذا قد يكون أكثر الأطفال تمرُّدًا وإثارةً للمشكلات، وهو أيضا أكثرهم صدقًا بشأن حقيقة المشكلات المنزليَّة التي تُحاصر أسرته.
- الطفل الشفَّاف/ غير المرئي The invisible child : هذا الطفل لا يتلقَّى عن الوالد النرجسيّ اللَّوم والغضب ولا الفخر والتمييز الإيجابي، هو طفل يُعاني من التجاهل والتهميش كأنَّه غير موجود بالمرَّة. نادرًا ما يُعطي الوالد النرجسيّ هذا الطفل اهتمامًا أو يُعير الانتباه لاحتياجاته حتى الأوليّة منها مثل المظهر الجيِّد والعلاج والنظافة، ممَّا يترتَّب عليه شعور الطفل الدائم بالعُزلة والوحدة، والذي ينتج عنه في الغالب شخصيَّة غير قادرة على التواصل الاجتماعي، وقليلة الأصدقاء، وغير قادرة على الاندماج بسهولة في مجتمعات الأقران.
- الطفل البطل The hero child: غالبًا ما يكون الطفل الأكبر في الأسرة، وغالبًا ما يكون مسؤولا عن حلِّ مشكلات الأسرة، ويكون مدفوعًا ذاتيًّا لتحقيق النجاح في كل المجالات التي يَطرُقها، لأنَّ هذا النجاح من شأنه أن يعكس صورة مثاليَّة للوالدين ولنمطهم التربوي. هذا الشخص غالبا ما يكون شديد المثاليَّة، ناقد بطبيعته، ومُتفوِّق، ولا يقبل إلا أن يقترب آداؤه من الكمال على جميع المستويات. وعلى الرغم من هذا التفوُّق والمُحاولات المثاليَّة دائمًا لحلِّ المشكلات والقيام بدور البطولة في حياة الأسرة، إلا أنَّ هذا الشخص لا يُحقِّق السعادة من خلال نجاحه، بل يشعر دائما بعدم الأمان وعدم الرضا والكفاية، ولكنَّه رغم ذلك يبذل بشكل قهري مجهودات كبيرة لتحقيق النجاح والإنجاز.
- الطفل المُهرِّج The clown: هذا الشخص يَتَّخِذ من السخرية والمِزاح الدائم طريقته للتعايش مع المشكلات والإساءات التي تُمارس في الأسرة، وتكون مُهمّته الأساسيَّة هي إذابة الجليد عندما تتوتَّر الأجواء داخل المنزل. غالبًا ما يُخفي الوجه الضاحك والشخصيَّة التي لا تَكُفُّ عن المزاح الكثير من الألم الداخلي والشعور بالعجز والوحدة وانخفاض تقدير الذات، إلا أنَّه رغم ذلك لا يستطيع التوقُّف عن دور المُهرِّج، ويشعر أنَّه من خلاله فقط مرئيّ ومسموع وجدير بالاهتمام، خاصَّة من قبل الوالد/ة النرجسيّ. لا يتعلَّم هذا الطفل كيفيَّة التعبير عن مشاعره، ولا حتى التعرُّف عليها واستكشافها، وعادةً ما يميل إلى الهروب منها والتخفِّي خلف أقنعة مُضحكة لا تعكس حقيقة ما بداخله.
- الطفل المُتلاعب The manipulator : يقوم هذا الشخص بالتلاعب بأفراد الأسرة وأوضاعهم النفسيَّة من أجل تحقيق مكاسبه الخاصَّة، ونجاته من الصراعات الأُسريَّة. وهو شخص ماهر في التلاعب بالحيل النفسيَّة ولديه دائمًا شعور بالاستحقاق والثقة يدفعه إلى التعامل باستغلال وانتهازيَّة تماماً كالوالد النرجسيّ، ولكنَّه في هذه الوضعيَّة يحاول إخفاء الكثير من آلام الخوف من الخسارة والإحساس بعدم الكفاءة.
- الطفل المُدافع أو المُربِّي أو المُنقذ The caretaker child: يكون هذا الطفل عادةً هو أكثر الأطفال حساسيَّةً ورقّةً في المشاعر، ويميل إلى الانتباه على كلِّ أفراد الأسرة والتعاطف معهم وتقديمهم على نفسه. وغالبًا ما يكون الصراع عبئًا كبيراً عليهم، يحاولون الهروب منه حتى لو اضطرَّهم ذلك لتقديم التنازلات والتضحية بحقوقهم، لذا غالبًا ما تجدهم قادرين على الانتباه لاحتياجات الآخرين، ولكنَّهم غير قادرين على الانتباه لمشاعرهم واحتياجاتهم، ونادرًا ما يستطيعوا استقبال الحب والرعاية من الآخرين، لأنَّهم اعتادوا دور العطاء معظم الوقت.
أهمّ سمات أسرة الوالد/ة النرجسي أو صاحب اضطراب الشخصيَّة النرجسيّة:
- الاهتمام بصورة الأسرة: لا يُعطي الشخص النرجسي اهتمامًا كبيرًا لعُمق العلاقات الأسريَّة أو محاولة حلّ مشكلاتها بقدر اهتمامه بالصورة المثاليَّة التي يحاول طوال الوقت الحفاظ عليها أمام الآخرين. ينبُع ذلك من شعور النرجسي طوال الوقت بأنَّهُ محطّ نظر وتقييم واهتمام ممَّن حوله، وبأنَّه شخص مُتفرِّد ومثالي وعظيم، وأسرته هي واحدة من أهمِّ إنجازاته.
- فقر التواصل: كما سبق وذكرنا فإنَّ وجود والد/ة نرجسي لا يدع فُرصة للتواصل العميق بين أفراد الأسرة، بل أنَّ معظم الأسرة غالبًا ما تكون منخرطة في محاولاتها للنجاة من الحيل النفسيَّة والمشكلات الأسريَّة التي تحاصرهم عادة وتُرغمهم على الانخراط في أدوار نفسيَّة مُختلفة لعمل بعض التوازن النفسي.
- عدم احترام الحدود: لا يستطيع الشخص النرجسي الحفاظ على الحدود واحترامها، لأنَّه يشعر في الغالب أنَّ كل ما ومن في المنزل ملكه، وهو صاحب القرار الأوَّل والأخير فيهم، بل وصاحب خطَّة ورؤية لكل الأشخاص.
- صراعات السلطة والسيطرة: حيث لا يقبل الوالد/ة النرجسي رأيًا آخر، ولا أن يرى أحد أفراد أسرته تصورًا خاصًّا لنفسه بعيدًا عن حظيرة العائلة النرجسيَّة، فيظلّ الوالد النرجسي في صراع دائم من أجل الحفاظ على سُلطاته وقدرته على السيطرة على قرارات الآخرين ومصائرهم وخططهم وحتَّى أدوارهم الشخصيَّة.