استخدام العلاقة الجنسيَّة كأداة للثواب والعقاب.. هل هي إهانة لقدسيَّة العلاقة الزوجيَّة؟
العلاقة الجنسيَّة بين الزوجين هي أحد أهمّ محاور الزواج، وأهمّ ركائزه واستقرار بنائه، فهي بالإضافة لكونها الطريقة الرئيسة التي يُشبِع من خلالها كل منهما غرائزه ويقضي حاجته، فهي أيضًا أهمّ طرق التواصل النفسي والعاطفي بين الزوجين، والتي يُعبِّر من خلالها كلّ منهما عن حبِّه وتقديره للآخر، ويؤكِّد بها مشاعره التي لا يُمكن التعبير عنها بالكلام.
كونها أحد أهمَّ محاور الزواج التي لا يمكن الاستغناء أو التغاضي عنها، فإنَّ أحد الزوجين قد يستخدمها كأداة للثواب أو العقاب أو كسلاح لتنفيذ بعض رغباته أو فرض سيطرته في العلاقة، أحياناً يتمُّ هذا بوعي، ولكنَّه كثيرًا ما يتمّ بدون ترتيب أو إدراك واضح لهذا التكنيك النفسي. فما هو تأثير هذا السلوك على العلاقة بين الزوجين على المدى القريب والبعيد؟ وهل يُعتبر ناقوس خطر لوجود إساءة في العلاقة؟
تحوُّل العلاقة إلى صفقة
أو استخدام الجنس كأدة للثواب والعقاب، فتستخدم كمكافأة عندما يقوم أحد الطرفين بالتصرُّفات المَرغوبة، أو يجري عِقابه بالحرمان من العلاقة إذا لجأ إلى خيارات تختلف عن رغبة الطرف الآخر. وهي مُباراة نفسيَّة بالأساس، تعتمد على فَهم أحد الطرفين لنقاط ضعف وقوَّة الآخر، وقدرته على التلاعب النفسي من أجل تحقيق مصالح ومكاسب أكبر. هذه المصالح قد تكون نفسيَّة أو ماديَّة أو اجتماعيَّة وفقًا لأولويَّات كل شخص ومنظومة قيمه، ولكن في كلِّ الحالات فإنَّ تحويل العلاقة الزوجيَّة المُقدَّسة إلى أداة للتلاعُب النفسي، وتحويلها إلى صفقة تَقبل المكسب أو الخسارة، عوضًا عن كونها مصدرًا للأمان والتقارب النفسي والعاطفي بين الزوجين يُعدُّ إهانة لقدسيَّة العلاقة الزوجيَّة.
ومن أمثلة استخدام العلاقة الجنسيَّة كأداة تفاوض:
- رفض أحد الزوجين العلاقة الزوجيَّة والامتناع عنها حتى يذعن الآخر له، ويوافقه في إحدى المشكلات الحياتيَّة التي تقابلهما.
- استخدام طرف لطريقة الـ ON/OFF وفقًا لاستجابة الآخر له وتصرّفه بشكل مُرضٍ في المواقف اليوميَّة.
- موافقة أحد الطرفين على ممارسة الجنس فقط خوفًا من خسارة مزايا، مثل المصروف اليومي، أو عطلة نهاية الاسبوع، أو مساعدة أو مشاركة منزليَّة من الطرف الآخر أو غيرها.
- أن يفرض أحدهما شرطًا مُقابل مُمارسة العلاقة الزوجيَّة، مثل طلب الزوجة لهدايا مُعيَّنة، أو موافقة الزوج على طلبات معيَّنة قبل موافقتها ممارسة العلاقة.
- التهديد بالطلاق والزواج الثاني والفضيحة العائليَّة عند امتناع أحد الزوجين عن العلاقة.
استخدام الجنس للابتزاز العاطفي
في سياقات أخرى قد لا يتسخدم الجنس فقط كأداة لتحقيق مكاسب عينيَّة وماديَّة وحياتيَّة، ولكن كأداة للابتزاز العاطفي والنفسي، مثل:
- استخدام أحد الزوجين عبارات مثل: “كنت أظن أنَّك تحبّني”، “أعرف أنَّك لا تحبّ قضاء وقت معي”، “أنا أعرف أنَّني أحبَّك أكثر ممَّا تحبّني”، عند رفض الطرف الآخر للعلاقة في أحد الأوقات.
- استخدام عبارات مثل: “أعرف أنَّني لست جميلة”، ” أتمنَّى لو كنت أجمل لأعجبك” للضغط على الطرف الآخر عند رفضه للعلاقة أو عدم إبداءه حماس لها.
- استخدام الذمّ والتقريع والوصف بصفات سَّيئة عند رفض العلاقة مثل: “كيف لو كنتِ جميلة؟”، “آداؤك في الفراش سيِّء بالفعل.”، “أنت عديم القيمة والفائدة في كل شيء”، وغيرها.
كل هذه الأمثلة تعتبر إساءات نفسيَّة/جنسيَّة لا يجب أن يستخدمها أحد الزوجين ضدّ الآخر، ولا أن تكون العلاقة الزوجيَّة بكل ما تحمله من قدسيَّة موضوعًا لها، لتجنُّب الآثار النفسيَّة والاجتماعيَّة والأسريَّة الناجمة عن هذه الأساليب.
التأثيرات النفسيَّة لاستخدام الجنس للسيطرة
التباعد النفسي والعاطفي: حيث يشعر أحد الطرفين مع الوقت بالإرهاق والتعب من هذه اللعبة، وقد يتَّخذ قرارًا يُفضِّل فيه الابتعاد أو حتى الانفصال العاطفي عن شريك حياته بهدف الارتياح من هذا الضغط النفسي والعاطفي.
الشعور بالإساءة النفسيَّة: العلاقة الجنسيَّة هي المساحة الحميميَّة المُقدَّسة بين الزوجين، والتلاعب بها من شأنه أن يزيد من شعور الإساءة والغضب والإذلال، ويزيد من مساحة عدم التكافُّؤ والإنصاف في العلاقة الزوجيَّة. كما أنَّ الشعور بالإساءة النفسيَّة قد يكون أحد العوامل المُفجِّرة لكثير من الأعراض والاضطرابات النفسيَّة مثل الضغط النفسي أو القلق أو الاكتئاب أو اضطرابات النوم، أو غيرها من المشكلات النفسيَّة.
انعدام الثقة: استخدام العلاقة الجنسيَّة كورقة يتلاعب بها أحد الزوجين لتحقيق بعض أهدافه في العلاقة، أو للكسب في أحد المساومات، أو للحصول على مكاسب بشكل ما، كلّها أساليب من شأنها أن تؤثِّر على الثقة بين الزوجين، إذ تعتمد على الابتزاز والضغط والتلاعب، وليس على الاحترام المتبادل للحقوق والواجبات التي تلزمهما بها العلاقة، ولا الاحتياجات النفسيَّة والعاطفيَّة التي يُسدِّدها كل منهما للآخر.
تناقص الرضا الجنسي: إذ لم تجعل هذه المُعادلة العلاقة الجنسيَّة مساحة أمان وراحة ولم تعد محلّ ثقة، لذا من المتوقَّع جدًّا أن يتناقص الشعور بالرِّضا الجنسي في العلاقة، وهو واحد من أهمِّ محدِّدات السعادة الزوجيَّة.
الإساءة النفسيَّة/ الجنسيَّة بين الزوجين
كما تحدَّثنا في مقال سابق : هل توجد إساءات جنسيَّة في إطار الزواج؟
فإنَّه على الرغم من شرعيَّة وحريَّة العلاقة الجنسيَّة بين الزوجين، إلا إنَّ التلاعب بها يجعلها سلاح ذو حدين، خاصَّة عندما تصبح طريقاً للإساءة أو الضغط النفسي، عوضًا عن كونها مساحة الراحة والمتعة والتعبير عن المشاعر بين الزوجين. فلكي لا تتحوَّل العلاقة الجنسيَّة إلى أداة إساءة في يد أحد الطرفين، يجب التأكيد على الآتي:
- الاحترام المتبادل والامتناع عن الإيذاء الجنسي سواء بالفعل أو بالقول. يتضمَّن هذا عدم التجاوز في الحدود المتَّفق عليها بين الزوجين، حتَّى ولو على سبيل المزاح.
- عدم استخدام العلاقة الزوجيَّة كموضوع للتهديد أو التخويف بأيِّ شكلٍ من الأشكال.
- عدم إجبار أحد الزوجين الآخر على العلاقة طالما عبَّر بشكل واضح عن رفضه لها، مع مناقشة الأسباب بهدوء ومحاولة حلّ أي مشكلات زوجيَّة أو جنسيَّة بهدوء والتأكُّد من التعريف الصحيح للمشكلات، والتعاون المشترك من أجل حلِّها.
- عدم التردُّد في استشارة المتخصِّص الزواجي أو النفسي عند مقابلة الزوجين لمشكلات تخصُّ العلاقة ويعجزان عن فهمها أو امتلاك أدوات لتجاوزها بمفردهما.
كيف يُمكن مواجهة استخدام العلاقة الحميمة كأداة عقابيَّة؟
تحسين التواصل بين الزوجين: والعمل على إيجاد حلول فَعَّالة ومُباشرة للمُشكلات، عوضًا عن الالتفاف والمواربة واستخدام الخداع والحيلة لحلّها أو للوصول لنتائج مُريحة ومُرضية لأحد الطرفين. والأفضل أن يتعلَّم الزوجان التعبير عن مشاعرهما أوَّلًا بأوّل، والتشارك في حلّ المُشكلات بشكل واعٍ وناضج يَحرص فيه كل طرف على تحقيق أكبر مساحة من الراحة المُشتركة.
المواجهة والمصارحة: إذا شعر أحد الزوجين بأنَّ الآخر يتلاعب بالعلاقة، وأنَّ هذا الأمر ضاغط أو غير مَقبول بالنسبة له، فأفضل الطرق هي الأقصر والأكثر مُباشرة، وهي أن يقوما بالحديث بشكل واضح ومُباشر حول هذا الأمر. ويُقرِّران معًا الخيارات المُرضية لكلٍّ منهما، كي لا تُصبح العلاقة عبئًا على أحدهما، أو أداة ضغط في يد الآخر.
طلب المساعدة المتخصِّصة: إذا لم يستطع الزوجان وحدهما مواجهة هذه المشكلة وإيجاد طرق مُشتركة مُناسبة لتجاوزها، فإنَّ طلب المُساعدة المُتخصِّصة من استشاري زواجي أو نفسي قد تكون فكرة فعّالة، إذ يُساعد المُعالج الزوجين على التعرُّف الأعمق على جذور المشكلة وأسبابها، ويساعدهما في تحليل العوامل المحيطة بها، وكيفيَّة تجاوزها عن طريق تعليمهما طرق أكثر فعاليَّة للتواصل والتوافق وحلِّ المشكلات.
التأكيد على قيم الزواج الرئيسة للزوجين: الاحترام المتبادل هو أحد أهمّ القيم التي يرتكز عليها الزواج، لذا لا بدّ من مراجعة الزوجين قيمهما الأساسيَّة والتي يتَّفقان حول عدم قدرتهما على الاستمرار بدونها، ومراجعة انعكاسات هذه القيم على خياراتهما اليوميَّة، وسلوكيّاتهما في العلاقة.
الحفاظ على الحدود: لأنَّ كل شخص مسؤول عن حمايَة نفسه، فلا بدّ أن يكون لكل شخص خطوط حمراء، لا يقبل التجاوز فيها أو التعدِّي عليها حتَّى من الطرف الآخر. وضوح الشخص مع نفسه في خطوطه الحمراء والحدود التي يقبل أو لا يقبل بها هي واجبه تجاه نفسه في حمايتها. فإذا كان أحد الزوجين لا يقبل الابتزاز أو التلاعب بالعلاقة الزوجيَّة، أو استخدامها كأداة لحلّ المشكلات، فلا بد أن يوضح للطرف الآخر أنَّ هذا خطّ أحمر غير مقبول، ويتَّخذ الموقف اللازم للحفاظ على حدوده وضمان عدم تكرار هذا الأسلوب بالطريقة التي يراها مناسبة.