فخّ الملل في الحياة الزوجيَّة.. الأسباب واستراتيجيَّات فعَّالة للحلّ
عادة ما تبدأ العلاقات بالكثير من الحماس والإعجاب، والمحاولات المتبادلة لإبهار الطرف الثاني والحصول على إطرائه ورضاه في العلاقة. حتى في السنوات الأولى من الحياة الزوجيَّة، غالبًا ما يكون لدى الزوجين الكثير من التجارب والأحاديث التي يخوضونها لأوَّل مرَّة، ويختبرون فيها أنفسهم بشيء من التحدِّي ومحاولات إثبات القدرة والكفاءة والجدارة بالأدوار الزوجيَّة والأسريَّة الجديدة. ثمَّ بعد مرور السنوات الأولى تبدأ العلاقات في الهدوء والركود، حتى إنَّ بعض الأزواج قد لا يجدون موضوعات لتبادل الحديث، أو حتى يجدون أنَّ تبادل الحديث عبء عليهم في حدّ ذاته. وقد يبدأ كلّ منهم في الهروب إلى دوائر أكثر متعة وإثارة يجد فيها التسلية والونس عِوضًا عن الوقت الذي يَعتبره “مُملًّا” في المنزل أو مع الطرف الآخر. في هذا المقال سنتحدث عن فخّ الملل في الحياة الزوجيَّة.. الأسباب واستراتيجيَّات فعَّالة للحلّ.
علامات الملل في الحياة الزوجيَّة
- عدم الاهتمام بتفاصيل حياة الطرف الثاني، ولا الشعور بمزيد من الفُضول للتعرُّف عليها أو لمناقشة الأحداث اليوميَّة.
- عدم الانتباه لحديث الزوج/ الزوجة، والشعور بالملل أثناء الحوار، وعدم الرغبة في استكماله.
- الشعور بأنَّ قضاء الوقت مع الآخرين من العائلة والأصدقاء أكثر مُتعة ودِفئًا وحميميَّة وراحة من قضائه مع الزوج/الزوجة.
- التفكير في الأشياء المفقودة في الزوج/الزوجة، من مميِّزات أو اهتمامات مُشتركة.
- مُواجهة صعوبة في مُشاركة أي نشاط يجمعهما، والهروب من الوقت الذي يضطر فيه كلا الزوجين لقضائه معا.
- غياب الحماس في الأيَّام والأوقات العائليَّة المُشتركة، والشعور بأنَّه وقت بَطيء وثقيل ومُحاولة الهرب منه واختلاق الأعذار والأسباب للغياب عن التجمُّعات الأسريَّة.
هل يمكن أن يُسيطر الملل على الحياة الزوجيَّة رغم الحبّ؟
الملل هو شعور إنساني طبيعي، مثل الغضب والحماس والحبّ والحيرة وغيرها من المشاعر، لذا فإنَّ تَولّد الملل في العلاقة لا يعني أبدًا بالضرورة نقصان الحبّ أو تَضرُّر العلاقة الزوجيَّة، ولكنَّه أقرب لأن يُشير لحاجة الزوجين لتطوير عاداتهما وروتينهما الخاص، أو تَسلُّل الضغوط للحياة الزوجيَّة، أو وجود مشكلات في التواصل بينهما، أو غيرها من الأسباب.
ولكنَّها في أحيانًا أخرى، وكما تشير بعض الدراسات، فإنَّ الشعور بالملل الزوجي، يتناسب طرديًّا مع الشعور بالرضا الزوجي، خاصَّة مع ازدياد سنوات الزواج. وهذه النتائج تأتي منطقيَّة في ظلِّ الآثار السلبيَّة المترتِّبة على تَسلُّل الملل الزوجيّ للعلاقة، مثل:
- الانفصال العاطفي: وتأثُّر الروابط العاطفيَّة بين الزوجين، فيصبح كل منهما يحيا بِمعزل عن الآخر نفسيًّا وعاطفيًّا.
- الهروب من المنزل أو من الطرف الآخر: وتفضيل قضاء الوقت وحيدًا أو مع الأهل والأصدقاء.
- نقص الحميميَّة: وما يرتبط بذلك أيضًا من انخفاض في مُعدَّلات مُمارسة العلاقة الحميميَّة بين الزوجين.
- زيادة التوتُّر: وسرعة الاستثارة وزيادة العصبيَّة وسهولة الخلاف بسبب أصغر المُشكلات.
- تجنُّب الجدال وتخزين المشاعر: هروب الزوجين من الدخول في جدال رغم أنَّه أمر إيجابي في ظاهره، إلا إنَّه في باطِنه قد يعكس هُروبًا من إدارة الحوار، أو استنفاذ لقدرة الزوجين على التواصل حول المشكلات ومحاولة حلّها.
لماذا يتسلَّل الملل إلى العلاقات؟
هناك العديد من الأسباب التي قد تُؤدِّي إلى تسلُّل الملل والفُتور في العلاقات الزوجيَّة، ومن أشهرها:
- الوقوع في فخِّ الروتين: على الرغم من أنَّ وجود الروتين له أهميَّة كبيرة في تحقيق الاستقرار والأمان للأسرة، إلا إنَّه أيضًا فخّ كبير قد يَستدرج معه الزوجين لدوَّامة الملل والتكرار وفقدان الشغف وكذلك القدرة على الاستمتاع. يحدث ذلك غالبًا نتيجة لتزايُد المسؤوليَّات والارتباطات الأسريَّة اليوميَّة والتورُّط في خطط ماديَّة طويلة الأجل، تجعل الأسرة في تكرار يومي لتحقيق مهامّها ومسؤوليَّاتها.
- الخلافات الصغيرة غير المحسومة: عشرات الخلافات الزوجيَّة اليوميَّة الصغيرة بل وأحيانًا المُتناهية في الصغر، قد تكون سببًا رئيسًا في بناء حاجز زوجي، أو فجوة يزداد عُمقها التباعد بين الزوجين، وقُدرتهما على الحديث أو الاندماج في أي أنشطة مُشتركة ، وبدلًا من تسمية المشكلة باسمها الحقيقي، يكون الملل هو الشعور الطاغي والمسيطر على المشهد.
- تباعد الاهتمامات: وعدم اهتمام الزوجين ببذل المجهود لتقريب المسافات، أو للحصول على منطقة مُشتركة من الاهتمامات، فمع الوقت تبدأ المسافة بينهما في التباعد ويبدأ الوقت الذي يقضيانه معًا في الاتِّصاف بالفتور والفراغ.
- فقر التواصل: تتَّسم العلاقات الصحيَّة بقدرة الطرفين على الحديث المنفتح عن أحلامهما وأفكارهما ومشاعرهما سواء السلبيَّة أو الإيجابيَّة منها. أمَّا فقر التواصل والذي قد ينتج نتيجة لكثرة النقد، أو عدم الشعور بالأمان، أو تكرار التهديد والابتزاز العاطفي. ممَّا يُجنِّب الزوجين الانفتاح على بعضهما البعض والحديث بشكل صريح وتلقائي وآمن، ويبعث على الملل والصمت عوضًا عن التواصل الإيجابي.
- النضج في اتِّجاهات مختلفة: مع مرور السنوات يبدأ كلا الزوجين في النضج، ولكن أحيانًا ما يحدث هذا النضج في اتِّجاهات مُختلفة، أو بسرعة وبطريقة لا يستطيع فيها أحدهما مُواكبة الآخر. ينمو الأشخاص وتحدث لهم التغيُّرات الشخصيَّة والنفسيَّة نتيجة المرور بتجارب حياتيَّة مُختلفة، أو الانخراط في مسار مهني له متطلّبات معيَّنة، أو حتى نتيجة التعرُّض لضغوط الحياة اليوميَّة، ولكن استجابة كل شخص تختلف بناء على عشرات العوامل، وبالتالي يختلف معها مسار النُضج. في هذه الحالة فإنَّ التباعد بين الزوجين يحتاج لإعادة تَعرُّف وتَقبُّل، وإلا ازدادت الفجوة بين الأزواج، ويصبح وقتها قضاء الوقت المُشترك أمرًا مُملًّا وثقيلًا.
هل الملل هو نهاية السعادة الزوجيَّة أو مجرَّد مرحلة؟
لا بد من التفريق بين الشعور بالملل الزوجيّ، وبين الشعور بالضغط والانزعاج أو عدم الراحة بين الزوجين. غالبًا ما يكون الملل مرحلة في عُمر العلاقة الزوجيَّة، وغالبًا ما يكون وليد الضغوط والروتين، والابتعاد عن التجارب الجديدة والمغامرات والتغييرات التي يُمكن أن تكون مصدرًا للحماس وتجديد الدماء في العلاقات. ولكن تقع على الزوجين مسؤوليَّة إنقاذ العلاقة من هذه المرحلة، والخروج بها لبرِّ الأمان من خلال الجهود والخطط المشتركة لإعادة إحياء العلاقة وضخّ دماء جديدة بها.
الملل الزوجي كثيرًا ما يكون مرحلة في العلاقة الزوجيَّة، أو حتَّى مرحلة في حياة أي إنسان، وقد يتكرَّر على مراحل من الحياة، وبمجرَّد التعرُّف على المشكلة وإدراك ملامحها وتأثيراتها المُحتملة على الأسرة، فعلى الزوجين السعي نحو إيجاد الحلول المُناسبة لهما وفقًا لاهتماماتهما وطبيعة علاقتهما وظروف الأسرة.
وسائل وحلول للتغلُّب على فترات الملل الزوجي
- الاتِّفاق على نشاط مشترك: يجمع الزوجين بشكل دوري سواء يومي أو أسبوعي. على سبيل المثال:
- ممارسة التمارين الرياضيَّة أو الذهاب للجيم.
- جدول بالأماكن التي يُفضِّلان زيارتها وجدولة هذه الخطَّة معًا.
- الترتيب لرحلة زوجيَّة بدون الأطفال.
- تخصيص وقت لمشاهدة ألبومات الصور القديمة.
- ترتيب وقت أسبوعي لتحضير وجبة عشاء مُشتركة ومُشاهدة فيلم.
- حضور ورشة عمل أو كورس في أحد المجالات أو موضوعات الاهتمام المشتركة.
- تمشية يوميَّة ولو لنصف ساعة.
- تحسين جودة التَّواصل بين الزوجين: من خلال تشجيع الاستماع الفعَّال بدون مُقاطعة وتعليقات نَقديَّة أو سُخرية أو طلبات، أو حتى من خلال تَحضير قائمة للأسئلة التي يُحبُّ كل منهما أن يسألها للآخر ولديه فضول لمعرفة إجاباتها، أو حتى من نوعيَّة الأسئلة التي تَكشف عن مزيد من دواخل الشخص وأفكاره وأحلامه المُستقبليَّة.
- حلّ الخلافات والصراعات: كما ذكرنا فإنَّ الخلافات الصغيرة غير المحسومة على مدار الوقت قد تكون سببًا في الفتور والتوتُّر في العلاقة، ولكن العمل على حلِّ هذه الشجارات الصغيرة ومحاولة الوصول فيها لحلول حاسمة مُرضية لكلا الطرفين، وتَحمل قدرًا من التضحية والتَنازل من كل منهما، قد يكون أمرًا مُرضيًا ومُريحًا، ويخلِّصهما من ثقل الضغط الناتج عن التكتُّم والتَحمُّل والانزعاج الذي لا يتمّ الإفصاح عنه.
- الانفتاح على مسيرة النضج: من خلال الحديث المُنفتح والتَقبُّل، وتَفهُّم أنَّ كلّ إنسان من الطبيعيّ أن يتغيَّر ويتطوَّر عبر مراحل عُمره المختلفة، وأنَّه من واجب كلا الزوجين أن يدعما بعضهما البعض في النموّ النفسي والتطوُّر إلى الأفضل، وأن يكونا جنبًا إلى جنب في تغيُّرات الحياة عوضًا عن ترك الفجوة لتتفاقم بينهما فيُصبح كل منهما وحيدًا.
- اللُّجوء لمتخصِّص نفسي: في حالة عدم قدرة الزوجين على تجاوز هذه المرحلة، يمكن أن يساعد المتخصِّص النفسي في تعريفهما على مزيد من الأدوات التي من شأنها أن تُحَسِّن التواصل، أو تُشجِّع على قضاء وقت ذي جودة أكبر، أو حتى تُساعد الزوجين على اكتشاف المُشكلات الصغيرة الكامنة خلف الصَّمت والشعور بالملل.