الحبّ الأوَّل في حياة المراهق.. بئر مخاوف الوالدين

اعتراف الأطفال/ المراهقين بالانجذاب أو الإعجاب أو الحبّ الأوَّل مرَّة، هذه اللحظة السعيدة/ المُخيفة التي سُرعان ما تمر ّسنوات الطفولة، ويواجهها الأب أو الأم لأوَّل مرَّة بكثير من الارتباك والقلق، وربما الفرح والحماس أيضًا، هذه اللحظة التي تعني دخول الطفل إلى عالم الاستكشاف العاطفيّ، حيث لا تراجع عن مسيرة التجارب العاطفيَّة حتى ولو من طرف واحد، ولا قدرة لأحد على توجيه المشاعر أو التحكُّم فيها وتوجيهها.

انجذابات الطفولة 

بعض الأطفال قد يبدأون مبكِّرًا جدًّا في التعبير عن مشاعر بريئة ناحية الجنس الآخر من زملاء الدراسة أو اللعب، في هذه المراحل المبكِّرة على الأهل أن يأكِّدوا للأطفال أنَّ مشاعرهم مُرحَّب بها، وأنها مشاعر جميلة ومَحلّ احترام. وأن يعلِّموهم كيف يمكن التصرُّف بلُطف، وبحدود أيضًا. تكون هذه المواقف غالبًا مُربكة للأمّهات والآباء، خاصَّة عندما تأتي مُلاصقة لمرحلة الطفولة التي تتميَّز باللعب والبراءة والتعلُّم وقائمة مهامّ واهتمامات أخرى لا تتضمَّن الجانب العاطفيّ.

ولكن يجب الانتباه جيِّدًا، لأنَّه رغم ما تتميَّز به المشاعر في هذه المرحلة من كونها مُؤقَّتة وسريعة، وغالبًا ما يتجاوزها الأطفال بسرعة، وينتقلون/ ينشغلون في موضوعات أخرى، إلا إنَّ ردود فعل الأهل وتعليقاتهم غالبًا ما تُرسِّخ لدى الطفل فكرته الأولى عن الحبّ والعلاقات، وغالباً ما ترسم لديه الكثير من علاقته بمشاعره ورغباته وحدوده وأفكاره تجاه الجنس الآخر. لذلك حتى مع يقين الأهل بأنَّ هذه المشاعر مؤقَّتة وسرعان ما ستزول، إلا أنه يجب الانتباه جيِّدًا للطريقة التي يتمّ التعامل بها مع الطفل لأنَّها تعتبر مرحلة مُؤسِّسة له عاطفيًّا.

احترام تجربة التعلُّم أم الانسياق وراء واجب الحماية

في هذه المرحلة يجب أن يحاول الوالدان إجابة سؤال مهم، وهو: هل يمكن لهما أن يتحكَّما في توجيه مشاعر الابن/ الابنة؟

الإجابة هي لا، لا يمكن لهم ولا لأي شخص التحكُّم في مشاعر شخص آخر، خاصَّة عندما يتعلق الأمر بالإعجاب والانجذاب للجنس الآخر و “الحبّ الأوَّل”. لذا لا بد من الوقوف على أرضيَّة صحيحة يدرك فيها الوالدان حدود قدراتهما وصلاحيَّاتهما.

برغم كل المخاوف التي تنتاب الأسر من انجراف الصغار في علاقات عاطفيَّة مبكِّرة، والتي لها الكثير من المبرِّرات خاصَّة في ظلِّ المرجعيَّة الدينيَّة والثقافيَّة للمجتمعات العربيَّة والشرقيَّة، وغالباً ما تكون مخاوف الآباء في هذه المرحلة:

  • مخاوف قيميَّة: لها علاقة بالقيم المحافظة للمجتمعات الشرقيَّة، والرغبة في الحفاظ على الهويَّة الثقافيَّة خاصَّة في قيم محوريَّة تخصّ الأسرة والعلاقات، وتختلف فيها بدرجة كبيرة عن الثقافات والقيم الأوروبيَّة والأمريكيَّة الغربيَّة. 
  • الجروح النفسيَّة والعاطفيَّة: والقلق من تعرُّض الصغار في هذه الفترات الهشَّة نفسيًّا للضغط العاطفيّ أو التعرُّض لجروح وأزمات نفسيَّة وعاطفيَّة قد تؤثِّر عليهم على المدى الطويل، بل وقد تعطِّلهم دراسيًّا أو رياضيًّا بشكل أو بآخر.
  • التعرُّض للاستغلال: وهو أحد أكبر المخاوف الأسريَّة غالبًا، حيث يقلق الوالدان من انسياق المراهق وراء مشاعره ورغباته وجموحه في التجربة، فيتعرَّض للابتزاز أو الاستغلال بأي شكل تحت مُسمَّى الحب “الحبّ الأوَّل”. قد يكون هذا الاستغلال ماديًّا أو جنسيًّا أو نفسيًّا أو غيره.
  • البُعد الديني: والذي يضع حدودًا في العلاقات بين الجنسين، ويُؤطِّر لها بشكل واضح، قد لا يفهمه المراهق بما يكفي، ولكن تضعه الأسرة نصب عينيها طوال الوقت خاصَّة في ظلِّ الضغط الاجتماعي والثقافي أيضًا في نفس المسألة.

خصائص التجارب الأولى “الحبّ الأوَّل”

  • غالبا ما تنتهي سريعا، أي أنَّها غالبا ما تكون مرحلة مُؤقَّتة في حياة المُراهق، وسُرعان ما يتجاوزها.
  • فرصة للتعلُّم والفهم، سواء تعلَّم المراهق عن نفسه أو عن الآخرين، أو حتى عن مشاعره وقدرته في التعامل معها وإدارتها.
  • وقت مثاليّ لبناء الثقة مع الأبناء: هذا الوقت المُربك، وعلى الرغم ممَّا يُحيط به من القلق و الترقُّب، إلا إنَّه وقت مثالي لبناء روابط الثقة بين الأبناء والآباء والأمهات.
  • اختبار للقيم والتربية: غالبًا ما يختبر المراهق في هذه الفترة مجموعة القيم التي ترسِّخها فيه الأسرة عبر السنوات، ويحاول أن يقاوم نفسه ليحتفظ بالحدود في ظلِّ ما تدفعه إليه مشاعره ورغباته العاطفيَّة.

قواعد الحفاظ على العلاقة مع المراهق:

  • الثقة: أن يحاول الأهل كَسب ثقة المُراهق والبقاء كخطّ الدفاع الأول له، والملجأ الأساسي الذي يتوجَّه إليه في حال قابلته أي مشكلة أو أزمة.
  • الاحتفاظ بالأسرار: التعامل بحرص وحسم مع أسرار الأبناء، وعدم التباهي بها أو جعلها مادة للثرثرة والحكي مع الأصدقاء أو الأهل تحت أي سبب أو مُبرِّر.
  • احترام الخصوصيَّة: وعدم تجاوز الحدود بدافع الحماية والمُراقبة، ولكن القرب والسؤال المبني على الثقة والتفاهم والمحبَّة.
  • الاحترام وعدم التعدِّي بالسخرية او الاستهزاء من المشاعر : لأنَّ هذه المرحلة نفسيًّا من أشدِّ المراحل حساسيَّة في حياة المراهق، وتعرُّض مشاعره للسخريَّة والاستهزاء قد تُشكِّك بقوَّة في ثقته بنفسه، ودرجة الشعور بالأمان التي يشعر بها في أهله وأصدقاءه.
  • استخدام الحزم بحكمة وحذر: لكل أسرة قواعد وقوانين، ولا بد أن تكون واضحة بحسم وحرص للمراهق في مراحل مبكّرة، الصراخ والعقاب ليسا من الأدوات المُناسبة في هذه المرحلة، ولكن الأفضل منح بعض المساحات الحرَّة مع مراقبتها بحذر، والحسم والحزم في التعامل مع قوانين المنزل وقواعده.
  • الحكمة في الموافقة والرفض: بمعنى اختيار المعارك المناسبة، وتوخِّي الحذر في الموافقة والرفض على متطلّبات المراهق، مع القرب الكافي لرؤية صورة أوضح للدوافع والمشهد الحقيقي من وجهة نظر الأبناء، وليست الصورة المثاليَّة التي يتمنَّاها الآباء.
  • الملاحظة والمتابعة بحرص: قد يحتاج الأهل في هذه المرحلة لممارسة بعض التغافل والتجاهل، وعدم الحديث عن كل تفصيلة يلحظونها، ويكتفون بالتدخُّل في المراحل الحسَّاسة، وأخذ دور المستمع بشكل أكبر وأعمق. ما يحتاجه المراهقون في هذه المرحلة في الحقيقة هو الدعم النفسي والمساندة والتفهُّم، وفي الحقيقة قد لا يسمعون النصح من الأساس.

الأنماط المختلفة لردّ فعل الوالدين على اعترافات المراهق بالحبّ

  • النُّصح: وهنا يعتقد الأب أو الأم أن هذا الوقت المناسب لتمرير خلاصة حكمته للأبناء، ولكن الوضع غالبًا لا يحتمل النُّصح، لأنَّ المراهق يكون مدفوعًا بمشاعره واحتياجاته النفسيَّة والعاطفيَّة بل وأحيانًا بفعل هرموناته المُرتبكة بفعل المرحلة السنيَّة، ولا يستطيع في الحقيقة أن يسمع النصائح أو يأخذها على محمل الجدّ.
  • الإنكار: أو التعامل باستهتار وتساهل على أنَّه مجرَّد لعب أو تسالي مُراهقة، وعدم التعامل مع مشاعر المراهق بجديَّة واحترام كافيين، وهذا أمر من شأنه أن يؤثِّر على مشاعر الثقة بين الأبناء والآباء.
  • التهكُّم والسخرية: وجعل الطفل أو المراهق مادَّة للضحك والحكايات الساخرة في أوساط الأسرة الصغيرة أو الكبيرة، بدلاً من احترام مشاعرهم والحفاظ على خصوصيتهم وتفهُّم طبيعة المرحلة التي يمرُّون بها.
  • الانفتاح والتساهل الزائد: تعرُّف المراهق على مشاعر عاطفيَّة جديدة تجاه الجنس الآخر لا تعني أنَّه أصبح كبيرًا أو مسؤولًا بشكل كافٍ وكامل عن اختياراته وتصرّفاته، وبالتالي فإنَّه على الرغم من احتياجه لمساحة من التجربة، وعلى الرغم من وجود مساحة نفسيَّة غير قابلة للسيطرة أو التغيير فإنَّه ما زال أقرب للطفولة، ويحتاج للحماية والانتباه والمُتابعة القريبة وليست الخانقة.
  • التفهُّم وشرح المرحلة: وهي المساحة النفسيَّة المطلوبة من الوالدين، تفهُّم طبيعة المرحلة وخصائصها، وما تدفع إليه المراهق من مشاعر ورغبة في التجارب والمغامرة، ولكن مع وعي كبير وفهم، ومحاولة حثيثة هادئة لشرح هذه المرحلة للمراهق نفسه، بدون وعظ أو ترهيب. مساعدة المراهق على فهم مشاعره وطريقة إدارتها وضبطها في إطار سلوكي مناسب هو ربما أكثر ما يحتاج لتعلّمه في هذه المرحلة، وهو أكثر ما يستطيع الوالدان تقديمه له.

اقرأ في مقال الحياة العاطفيَّة للمراهق

ما الذي يحتاجه المراهق في هذه المرحلة من الحبّ الأوَّل

  • الفهم: هنا المقصود أن يفهم المراهق ما يمرُّ به، وليس فقط أن يحظى بالتفهُّم من الوالدين. غالبًا ما يشعر المراهقون في هذه الفترات بالكثير من التوتُّر والارتباك الممزوجين بالحماس والانفعالات السريعة المُتضاربة أحيانًا، وجزء كبير من هذا الارتباك يكون نتيجة عدم فهمهم لمشاعرهم ولما يحدث لهم، يحتاج الوالدان في هذه المرحلة للأحاديث المُنفتحة التي تُساعد المراهق على فَهم نفسه ومشاعره وطبيعة المرحلة التي يمرُّ بها، مثلا:
    • التشجيع على التعبير عن المشاعر، وإقرارها، وتسميتها بأسمائها الصحيحة.
    • شرح التغيُّرات الجسديَّة والفسيولوجيَّة والهرمونيَّة التي تحدث في الجسم في هذه الفترة وتأثيرها على العقل والمشاعر.
    • الحديث عن احترام حدود الآخر، ورغباته ومشاعره.
    • التعامل مع الرفض أو الغيرة أو التجاهل أو التجنُّب أو أي مشاعر سلبيَّة من الوارد جدًّا أن يتعرَّض لها المراهق.
  • الاحتواء : من خلال منح مساحة كبيرة من التقبُّل للمراهق، وتوقُّع الأخطاء مع القدرة على احتوائها وفهم الدروس المستفادة منها عوضًا عن التوبيخ واللوم.
  • المُساندة: أن يعرف الابن/ الابنة أنّ والديه في صفّه هو، وأيًّا كان ما يشعر أو يمرّ به فهما في الفريق نفسه، يقدِّمان الحب غير المشروط، والدعم والمساندة والرأي المُخلص، وليسا في معسكر مُقابل أو مُهاجم ينتظران الخطأ أو الانكسار كي يبدءا في الهجوم والتكسير والوعظ غير الصحّي.

اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى