زواج بلا جنس: من يقف وراء غياب الحميميَّة؟

في عالمنا المعاصر، يعاني العديد من الأزواج من تحديات كبيرة في حياتهم الزوجيَّة، من أبرزها غياب الحميميَّة الجنسيَّة. هذه الظاهرة التي تُعرف بزواج بلا جنس ليست مجرد مشكلة فرديَّة أو حالة استثنائيَّة، بل هي واقع يعيشه الكثيرون بصمت. في هذا المقال، سنستعرض الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، ونسلط الضوء على الديناميكيات المعقدة التي تساهم في انعدام الرغبة الجنسيَّة بين الزوجين.
إنَّ المشاركة في الجنس هي خيار، وليست مجرد مسألة ترتبط بالأسباب البيولوجيَّة فقط. إليكم بعض الحقائق والمفاتيح التي تلقي الضوء على هذا الموضوع:

هناك الآلاف من الأشخاص حول العالم يعيشون في زواج بلا جنس.

يواجه الرجال والنساء الذين يعانون من مشاكل جنسيَّة في علاقتهم قضايا مشابهة، تتعلَّق غالبًا بالرغبة الجنسيَّة.
علاقات الزواج الخالية من الجنس ليست ذنب شخص واحد فقط، بل غالبًا ما تكون نتيجة لديناميكيَّات معقَّدة بين الزوجين.

هل تساءلت يومًا ما الذي يميِّز بين علاقة الزواج والصداقة القويَّة؟ إنَّه الجنس!
فكل ما يشمله الزواج من تقارب وتعاون ومشاركة في المسؤوليَّات والأعباء الماديَّة ورعاية الأطفال يمكن أن يكون جزءًا من علاقة شراكة أو صداقة وطيدة. إلا إنَّ الجنس هو العنصر الفريد الذي يميِّز الزواج، ويعطيه طابعًا خاصًّا.
يمكن تعريفالزواج الخالي من الجنس بوجه عام بأنَّه الزواج الذي لا يمارس فيه الزوجان الجنس على الإطلاق أو يمارسانه أقل من عشر مرات سنويًّا لأي سبب من الأسباب. وفقًا للدكتورة ريتشل بيكر وارنر، المعالجة الجنسيَّة في برنامج الجنسانيَّة البشريَّة بجامعة مينيسوتا، يُعرّف هذا النوع من الزواج بأنَّه “الزواج الذي يتجنَّب فيه الزوجان، بوعي أو بدون وعي، الانخراط في الحميميَّة أو ممارسة الجنس”.
تحضرني هنا إحدى القصص النفسيَّة المرتبطة بالرئيس الأمريكي كالفن كوليدج. تُروى القصَّة عن زيارة زوجته إلى مزرعة في أحد الأيام، حيث شاهدت دجاجة تتزاوج بحماس، فأخبرت زوجها بذلك. يُقال إنَّ الرئيس كوليدج ردَّ عليها قائلًا: “هل هي نفس الدجاجة في كل مرَّة؟” ومنذ ذلك الحين، أصبح مصطلح “تأثير كوليدج” يُستخدم لوصف الاهتمام الجنسي المتجدِّد تجاه شريك جديد بعد الجماع مع زوج حالي.
يدرس هذا التأثير بشكل رئيس في الذكور، إلا إنَّه ذو صلة أيضًا بالجنسانيَّة الأنثويَّة. يُعزى تأثير كوليدج إلى التأثيرات الجديدة على مسار الميزوليمبك الغني بالدوبامين، وهو المسار المسؤول عن تزويدنا بالمكافآت. عندما نختبر تجربة ممتعة، يسافر الدوبامين داخل الخلايا العصبيَّة على طول هذا المسار، ممَّا يثير مشاعر إيجابيَّة. ومن هنا، فإنَّ التجديد في العلاقة ينشِّط هذا المسار، ممَّا يعزِّز من شعورنا بالمكافأة والمتعة.

الزواج بلا جنس

على الرغم من أنه ليس موضوعًا يفضّل الناس مناقشته علنًا، إلا إنَّ العديد من الأشخاص حول العالم يعيشون في زيجات خالية من الجنس أو تتضاءل فيها العلاقات الحميمة تدريجيًّا حتى تكاد تختفي. تُظهِر الأبحاث أنَّ حوالي 15% من الرجال والنساء أفادوا بعدم ممارسة الجنس مع أزواجهم أو ممارسة القليل منه خلال الشهر أو العام الماضيين. وتؤكِّد السلوكيَّات الرقميَّة هذا الادِّعاء، حيث حصلت محاضرة TEDx بعنوان “الزواج بلا جنس” على 30 مليون مشاهدة، كما حصلت عبارة “زواج بلا جنس” على 11.6 مليون زيارة على جوجل. تُظهر مؤشِّرات جوجل أنَّ البحث عن “الزواج بدون جنس” يتمّ بشكل مستمرّ منذ عام 2004، وكان الاستعلام الأكثر ارتباطًا به هو “الطلاق بدون جنس”.
إنَّ نفس الجزء من الدماغ الذي يتنشَّط عند تناول الشخص الكوكايين يضيء أيضًا بعد ممارسة الجنس، ممَّا يثير التساؤل: إذا كان الجنس ينشط العديد من الأجزاء الإيجابيَّة في الدماغ، فلماذا تحدث هذه الحالة؟
لا تقلق، لست وحيدًا!
هذا يعني أنَّه إذا كنت حاليًّا في زواج بلا جنس، فأنت لست وحدك، وإذا كنت تعتقد أن هذه مشكلة، فأنت لست وحدك أيضًا. ولكن عندما يختفي الجنس في العلاقة، على من يقع اللوم؟
الأسطورة الشائعة تقول إنَّ النساء يرفضن محاولات الرجال الجنسيَّة، لكن الإجابة ليست بهذه البساطة، فالتفسير يتعمَّق في جذور علم الأحياء وعلم النفس.

بيولوجيا وعلم النفس لانعدام الجنس

هنا، قد يقدّم سؤال الرئيس كوليدج بعض التبصُّر. مع مرور الوقت، عندما يعتاد الشخص على (زوجه/زوجته)، يصبح المزيد من التحفيز ضروريًّا للحصول على نفس ردّ الفعل الأول. بهذه الطريقة، قد تصبح الألفة عدو الرغبة، والزمن هو المذنب في انعدام الجنس.
إذا قبلنا هذا على أنَّه صحيح، فيجب أن تنخفض الرغبة الجنسيَّة بين الأزواج بمرور الوقت، ويجب أن يعاني الرجال والنساء من قمم وقيعان مماثلة. لكن البيانات تحكي قصَّة مختلفة. يحظى الجزء الأوَّل من هذا البيان ببعض الدعم: وجدت دراسة شملت بالغين متزوّجين في منتصف العمر وكبار السن أنَّه على مدار عقد من الزمن، تضاءل الاهتمام بالجنس وجودته، وانخفض معدَّل تكرار ممارسة الجنس من 2.53 إلى 1.8 مرَّة كل ستَّة أشهر. ولكن هذه الدراسة نفسها أظهرت أنَّ اهتمام المرأة بالجنس انخفض أكثر من اهتمام الرجل.
ويوجد الاتجاه نفسه بين المتزوِّجين حديثًا: ففي إحدى الدراسات التي أُجريت على أزواج مختلطين، انخفضت الرغبة الجنسيَّة لدى النساء تجاه أزواجهن بنسبة تقارب 10% على مدى خمس سنوات، بينما ظلَّت رغبة الرجال في زوجاتهم كما هي.

ما هي الأسباب التي قد تؤدِّي إلى الزواج بلا جنس؟

هناك العديد من العوامل النفسيَّة والجسديَّة التي يمكن أن تؤدِّي إلى فقدان الزوجين لتواصلهما الجنسي في علاقتهما الزوجيَّة، ومنها:
المشكلات الصحيَّة الجسديَّة:
مشكلات القدرة الجنسيَّة عند الرجال، والخلل في توازن الهرمونات لدى النساء ممَّا يؤثِّر على رغبتهن الجنسيَّة.
بعض الأمراض التي تؤدِّي إلى الشعور المستمرّ بالألم مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، ومتلازمة التَّعب المزمن وغيرها.
تناول بعض الأدوية التي قد تؤثِّر سلبًا على الرغبة الجنسيَّة مثل أدوية الاكتئاب وحبوب منع الحمل.
إذا لم تكن لديكما مشكلات صحيَّة جسديَّة تؤثِّر على رغبة أحدكما الجنسيَّة أو تحول دون قدرته على ممارسة الجنس، فقد يتعلَّق الأمر ببعض الأحداث الطارئة في حياتكما، أو بنمط حياتكما.
التفاوت في الرغبة الجنسيَّة بين الزوجين
هذه الاختلافات بين الرجال والنساء في الرغبة الجنسيَّة – تفاوت الرغبة الجنسيَّة – قد تقودك إلى الاعتقاد بأن الزواج الذي تنعدم به العلاقات الجنسيَّة له أساس بيولوجي. وفي بعض الحالات، قد تكون المشكلة طبيَّة وتحتاج إلى تدخُّلٍ طبِّي ودوائي. ومع ذلك، في حالات أخرى، يُعزى الأمر إلى حدٍّ ما إلى ارتفاع مستويات هرمون التستوستيرون، حيث يكون الرجال أقل عرضة من النساء للإبلاغ عن انخفاض الدافع الجنسي بشكل مزعج (15% مقابل 30 % على التوالي).
تظهر مراجعة الأدبيَّات أنَّ الرجال لديهم رغبات جنسيَّة أكثر كثافة، ويريدون المزيد من الجنس، ولديهم خيالات جنسيَّة أكثر من النساء. كما أبلغ عدد أكبر من النساء عن العجز الجنسي (43 % مقابل 31 % على التوالي). وقد يكون هذا أحد أسباب تصوير النساء على أنَّهن حارسات البوابة الجنسيَّة في العلاقات بين الجنسين. لكن دور حارس البوابة هذا، لا تلعبه النساء في الحياة الواقعيَّة، حيث يبدأ الرجال ممارسة الجنس وطلبه بشكل متكرِّر، وتبدو النساء هن اللواتي لا يرغبن. لكن في الواقع، لا توجد فروق بين الرجال والنساء في عدد المرَّات التي يرفضون فيها ممارسة الجنس.
علاوة على ذلك، عندما يعاني الأزواج على المدى الطويل من مشاكل جنسيَّة، فمن المرجَّح أن يستشهد الرجال والنساء بنفس المشكلات، في كل مراحل العلاقة الجنسيَّة بما فيها مقدار المداعبة. بمعنى آخر، لا يمكن أن يُعزى الزواج الخالي من الجنس إلى بيولوجيا الرجل مقابل المرأة وحدها.

كما أوضحت بعض الدراسات، مثل بيان موقف الجمعيَّة الأوروبيَّة للطبِّ الجنسي لعام 2020، أنَّه على الرغم من أنَّ الرغبة الجنسيَّة لها أسس بيولوجيَّة، فإنَّ بدء ممارسة الجنس والاستجابات للمبادرات الجنسيَّة لا تتعلَّق فقط بالأفراد، بل تتأثَّر بشكل أكبر بديناميكيَّات الزوجين. عندما نصنِّف شخصًا واحدًا من بين الزوجين بأنَّه يعاني من انخفاض الدافع الجنسي، فإنَّنا نتجاهل سلسلة التفاعلات التي قد تؤثِّر على اهتمامهم بالعلاقة الحميمة والجنس.
على سبيل المثال، فكِّر في مدى انجذابك إلى (زوجك/زوجتك)، أو مدى قلَّة انجذابك إليه، عندما تكون في جدال أو تركِّز على العمل، أو قضيَّة تتعلَّق بتربية الأطفال. من الممكن جدًا أن تجعلنا المشكلات النفسيَّة ومسؤوليَّات الحياة نبتعد عن الرومانسيَّة ونتَّجه نحو قضايا أخرى تشغل تفكيرنا.
هناك العديد من الأسباب التي قد تؤثِّر على تفاوت الرغبة الجنسيَّة أو القدرة على ممارسة الجنس، ومنها:

  • فترات الحمل والولادة ورعاية المواليد.
  • فقدان أشخاص مقرَّبين.
  • الخيانة الزوجيَّة.
  • الأزمات الماديَّة والمهنيَّة والاجتماعيَّة التي تسبِّب ضغطًا عصبيًّا شديدًا.
  • تقدُّم السن وانقطاع الطمث.
  • الإصابة بإعاقة جسديَّة.
  • غياب الخصوصيَّة وفرص الاستمتاع بوقت خاصّ بسبب الأطفال.
  • الملل أو غياب المتعة الجنسيَّة مع (الزوج/الزوجة)، ممَّا يؤثِّر سلبًا على تكرار الرغبة في ممارسة الجنس معه/معها.
  • عدم اتِّخاذ أي من الزوجين الخطوة الأولى أو تولي زمام المبادرة لممارسة الجنس، وانتظار كل منهما الآخر للقيام بذلك.
  • المشكلات الزوجيَّة بوجه عام، ونفور أحد الطرفين من الآخر بسبب بعض السلوكيَّات الشخصيَّة.
  • إدمان المخدّرات والكحوليَّات.

كيفيَّة التعامل مع الزواج بدون جنس

قد يكون الدخول إلى مساحة تفكير (زوجك/زوجتك) هو المفتاح لحلّ مشكلة انخفاض العلاقة الحميميَّة والجنسيَّة بين الزوجين. نحن لا نحتاج إلى تغيير بيولوجيا الشخص أو حتى رغبته الجنسيَّة، فسواء كان كبيرًا في السن أو شابًا، رجلًا أو امرأة، فإنَّ ممارسة الجنس هو خيار، وليس علم الأحياء وحده هو الذي يحدِّد قرارك. وبهذا المعنى، من المرجَّح أن تكون ديناميكيَّات الزوجين هي السبب والحلّ للمشكلة.

هل تريد المزيد من العلاقة الحميمة الجسديَّة؟

التواصل هو المفتاح. لا بد من التوقُّف قليلًا وبدء الحوار سويًّا حول ما تشعر/ين به، ومتى ولماذا بدأ التباعد الجسدي بينكما، ومناقشة كل نقطة على حدى سويًّا، وكيف يمكن تحسين حياتكما الجنسيَّة.

فكِّرا في الأسئلة التالية:

  • ما هي الأسباب التي أدَّت إلى هذه الحالة؟
  • ما الذي يمكنكما تحسينه؟
  • ما الذي يحتاج للتغيير والتجديد؟
  • هل يمكنكما تغيير دفَّة علاقتكما الجنسيَّة ببعض الجهد المشترك؟

إذا لم تفلح جهودكما، فقد يكون الوقت قد حان لاستشارة معالج/ة جنسي لمساعدتكما.

توضح الأبحاث أنَّ الناس لا يفضِّلون أن يجبروا على فعل شيء لا يرغبون في القيام به، لذا فإنَّ الضغط غير المبرَّر على الطرف الآخر لتغيير وتيرة ممارسة الجنس، قد يؤدِّي في الواقع إلى زيادة المشكلة.

عوضًا عن ذلك، عبِّر عن رغبتك في الاقتراب من زوجك/زوجتك، وحاول استكشاف أشكال أخرى من العلاقة الحميمة غير الجنسيَّة، مثل التدليك أو الاحتضان، أو حتى الاسترخاء معًا أثناء مشاهدة فيلم. هذه اللحظات الحميمة غير المرتبطة بالجنس قد تساعد في تعزيز الروابط العاطفيَّة بينكما، وتوفير بيئة مريحة للمحادثات حول هذا الموضوع.

اقرأ مقال كيف يُمكن تعزيز التقارب الجنسي بين الزوجين؟
إذا لم تكن هذه الأنشطة الحميمة البديلة تلبِّي احتياجاتك، فقد يكون الوقت قد حان لطلب العلاج والمشورة الزوجيَّة.
باختصار، عندما لا يختار شخص ما الجنس، فإنَّ ذلك ليس خطأك أو خطأ الطرف الآخر فقط، ولا يرتبط الأمر ببيولوجيا الذكور أو الإناث أو الدافع الجنسي لوحده. لا توجد إجابة موحَّدة للجميع، وتعتمد على تقييم الزوجين لأهميَّة الجنس في علاقتهما الزوجيَّة ولعلاقتهما الشخصيَّة ككل، وعلى قدرتهما على الاستمرار في الزواج بصورة تتناسب مع الاحتياجات والقيم الشخصيَّة لكل منهما.

المصدر
Elisa Ventura-Aquino, Alonso Fernández-Guasti, and Raúl G Paredes, “Hormones and the Coolidge Effect,” Molecular and Cellular Endocrinology 467 (May 2018): 42–48, doi: 10.1016/j.mce.2017.09.01Dennis F. Fiorino, Ariane Coury, and Anthony G. Phillips, “Dynamic Changes in Nucleus Accumbens Dopamine Efflux during the Coolidge Effect in Male Rats,” Journal of Neuroscience 17, no. 12 (June 1997): 4849–4855, https:// doi.org/10.1523/JNEUROSCI.17-12-04849.1997.Margaret E Balfour, Lei Yu, and Lique M Coolen, "Sexual Behavior and Sex-Associated Environmental Cues Activate the Mesolimbic System in Male Rats," Neuropsychopharmacology 29, (2004): 718–730.
اظهر المزيد

نفين سمهوري

خبيرة في مجال الصحَّة الإنجابيَّة والجنسيَّة، مدربة معتمدة في مواضيع الصحَّة الإنجابيَّة والتدابير السريريَّة لحالات الناجين من الاغتصاب والاعتداء الجنسي ، ومحاضرة سابقة في جامعة الملك سعود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى