كيف تتحدَّث مع أطفالك عن الجنس؟ دليل للأهل في المنطقة العربيَّة

كيف تتحدَّث مع أطفالك عن الجنس؟؛ تصوّر هذا المشهد: أنت تقف في طابور انتظار الأطفال في المدرسة. يقفز طفلك إلى السيارة ويربط حزام الأمان في المقعد الخلفي. تسأله: “كيف كان يومك؟” فيجيبك فجأة: “ما هو 69؟”
لحظة كهذه قد تكون مربكة، خاصَّة إذا لم تكن مستعدًّا للتعامل مع مثل هذه الأسئلة. وكآباء وأمّهات في المنطقة العربيَّة، الحديث عن الجنس غالبًا ما يُعتبر من المحرمات، ولكنَّه موضوع لا مفر من مناقشته مع أطفالنا، خاصَّة في عصر الإنترنت حيث يمكنهم العثور على إجابات قد تكون مضلِّلة أو ضارَّة.

بدلًا من الشعور بالتوتر أو القلق، يمكن أن تكون هذه اللحظة فرصة لفتح حوار صادق مع طفلك. ولكن، قبل أن تُقدّم أي إجابة، من المهم أن تبدأ بالسؤال:

ماذا تعرف عن هذا؟

هذا السؤال يساعدك على:

  • فهم مستوى المعرفة الذي يمتلكه طفلك.
  • التعرُّف على مصدر معلوماته دون إشعاره بالخوف أو التوتُّر.
  • تصحيح المفاهيم المغلوطة إذا لزم الأمر.

على سبيل المثال، إذا سأل طفلك عن مصطلح معيَّن أو موضوع جنسي، يمكنك الردّ بهدوء:
“أريد أن أفهم ما الذي تعرفه عن هذا الموضوع. من أين سمعت عنه؟”
بهذه الطريقة، تمنح طفلك مساحة للحديث دون أن يشعر بالخجل أو أن يخشى من ردّ فعلك.

لماذا يجب التحدُّث عن الجنس مع أطفالك؟

1. حماية الأطفال من المعلومات المغلوطة: عالم الإنترنت مليء بالمحتوى غير المناسب والمعلومات المغلوطة التي يمكن أن تؤثِّر سلبًا على فهم الطفل لصحَّة العلاقات الجنسيَّة. إذا لم تكن أنت مصدر المعلومات، فمن المحتمل أن يحصل طفلك على معلوماته من مصادر غير موثوقة.

مقالات ذات صلة

2. بناء علاقة ثقة مع طفلك: عندما تكون صادقًا ومنفتحًا، تبني علاقة قائمة على الثقة. هذا يجعل طفلك يشعر بالراحة للعودة إليك عند مواجهة أي تساؤلات أو مشاكل في المستقبل.

3. تعزيز الوعي لتجنُّب المخاطر: المعرفة الصحيحة تمكِّن الطفل من اتِّخاذ قرارات مسؤولة، مثل حماية نفسه من التحرُّش أو الاستغلال، وفهم أهميَّة العلاقات الصحيَّة المبنيَّة على الاحترام المتبادل.

كيف تبدأ الحديث مع طفلك؟

1. اختر الوقت والمكان المناسبين

  • اختر وقتًا يشعر فيه طفلك بالراحة، مثل أثناء تناول العشاء، أو خلال نزهة.
  • تجنَّب فتح الموضوع عندما يكون الطفل مشتَّتًا، أو غير مستعد للنقاش.

2. استفسر عن معرفته الحاليَّة

  • قبل تقديم أي معلومات جديدة، اسأل طفلك:
    “ماذا تعرف عن هذا الموضوع؟” أو “من أين سمعت هذه الكلمة؟”
  • هذا يساعدك على معرفة مدى وعي طفلك ويتيح لك فرصة تصحيح المعلومات المغلوطة أو إضافة المزيد من التفاصيل.

3. استخدم لغة بسيطة ومناسبة للعمر

التواصل مع الأطفال حول المواضيع الجنسيَّة يتطلَّب اختيار اللغة والأسلوب المناسبين لكل مرحلة عمريَّة. المفتاح هو تقديم معلومات دقيقة بأسلوب بسيط وواضح يناسب مستوى فهمهم واحتياجاتهم النفسيَّة.

1. الأطفال الصغار (3-7 سنوات):

  • ماذا يعرفون؟
    الأطفال في هذه المرحلة يكون لديهم فضول حول أجسادهم وأجساد الآخرين. لذلك، من المهم استخدام كلمات صحيحة للأعضاء التناسليَّة مثل “القضيب” و“المهبل” بدلًا من استخدام مصطلحات مبهمة أو خجولة.
  • كيف نحميهم؟
    علّمهم الفرق بين “اللمسة الآمنة” و“اللمسة غير الآمنة”. يمكنك قول:
    “هناك أماكن خاصَّة في جسدك، ولا يجب أن يلمسها أحد، إلا عندما تحتاج إلى مساعدة من الطبيب، وفي وجود والدك أو والدتك.”
  • متى يخبرك الطفل؟
    شجِّعهم على إخبارك فورًا إذا شعروا بأي تصرُّف غير مريح، أو إذا طلب منهم أحد أن يكتموا سرًّا عن أجسادهم. استخدم عبارات بسيطة مثل:
    “إذا حدث شيء يجعلك غير مرتاح، حتى لو طلب منك أحد ألا تخبرني، يمكنك دائمًا أن تأتي وتخبرني. أنا هنا لحمايتك.”
  • كيف يحمي نفسه؟
    علّم الطفل أن يقول “لا” بثقة إذا حاول أي شخص تجاوز حدوده، وأكِّد له أن بإمكانه دائمًا الاعتماد عليك.

2. الأطفال في سنِّ المدرسة (8-12 سنة):

  • ماذا يعرفون؟
    يبدأ الأطفال في هذه المرحلة بملاحظة التغيُّرات الجسديَّة في أجسادهم وأجساد أقرانهم، وقد يسمعون مصطلحات جديدة من زملائهم. لذلك، من الضروري توضيح التغيُّرات الطبيعيَّة التي تحدث خلال البلوغ بطريقة علميَّة وبسيطة.
  • التغيُّرات الجسديَّة:
    تحدَّث عن الأمور المتوقَّعة مثل نموّ الثديين، والدورة الشهريَّة، وتغيُّر الصوت، ونموّ الشعر في مناطق معيَّنة. يمكنك استخدام عبارات مثل:
    “كل هذه التغيُّرات طبيعيَّة وتحدث لجميع الأولاد والبنات عندما يكبرون.”
  • التنمُّر والتحدِّيات الاجتماعيَّة:
    التنمُّر المرتبط بالمظهر أو التصرُّفات من التحدِّيات الشائعة التي قد يواجهها الأطفال في المدرسة أو في المجتمع. من المهمّ مناقشة هذا الموضوع مع أطفالك بطريقة مفتوحة وداعمة، وسؤالهم عن تجاربهم وما قد يواجهونه من مواقف. استمع إليهم بعناية، وطمئنهم أنَّك متواجد لدعمهم ومساعدتهم في التعامل مع هذه التحدِّيات. لا تفاجأ إذا أخبروك بأنهم يتعرَّضون للتنمُّر بسبب أحجام أجسادهم أو بعض ملامحهم الجسديَّة، فهذا أمر شائع بين الأطفال. قدِّم لهم استراتيجيَّات فعّالة للتعامل مع هذه المواقف، مثل تعزيز ثقتهم بأنفسهم، وكيفيَّة الردّ بثقة وهدوء، وأهميَّة طلب المساعدة من شخص بالغ موثوق عند الحاجة.

3. المراهقون (13-18 سنة):

  • ماذا يعرفون؟
    في هذه المرحلة، يصبح المراهقون أكثر وعيًا بالعلاقات الغراميَّة والجنسيَّة، ويبدأون في استكشاف هويَّاتهم العاطفيَّة والجنسيَّة. لذا، يجب أن تكون المحادثات صريحة وواقعيَّة.
  • العلاقات الصحيَّة:
    تحدَّث عن أهميَّة الاحترام المتبادل في أي علاقة. يمكنك القول:
    “العلاقة الصحيَّة هي عندما يعتني كل شخص بمشاعر واحتياجات الآخر دون ضغط أو إجبار.”
  • الحماية من الأمراض المنقولة جنسيًّا:
    اشرح بأسلوب علمي مخاطر الأمراض المنقولة جنسيًّا وكيفيَّة الوقاية منها. تحدَّث عن أهميَّة المسؤوليَّة في اتِّخاذ القرارات.
  • ضوابط العائلة والقيم:
    شاركهم القيم العائليَّة التي تريد أن يلتزموا بها دون أن تشعرهم بالضغط. يمكنك القول:
    “في عائلتنا، نحن نؤمن بأنَّ القرارات الكبيرة مثل العلاقات الجادَّة، تحتاج إلى تفكير واحترام للآخرين ولنفسنا.”
  • مساعدتهم على التفكير بشكل مستقل:
    اسألهم عن آرائهم وأفكارهم حول العلاقات والمسؤوليَّات. الحوار المفتوح يمنحهم فرصة للتفكير واتِّخاذ قرارات أكثر وعيًا.
  • تأثير المواد الإباحيَّة على فهمهم للعلاقات.

أسئلة حسَّاسة:

عندما يطرح الأطفال أسئلة حسَّاسة مثل “كيف يولد الطفل؟”، من المهمّ تقديم إجابات بسيطة ومناسبة لأعمارهم ومستوى نضجهم، مع مراعاة الوضوح والصدق دون الخوض في تفاصيل قد تكون معقَّدة بالنسبة لهم. إليك بعض الأمثلة التي يمكنك استخدامها وفقًا لمراحل عمريَّة مختلفة:

للأطفال الصغار (3-5 سنوات):

  • “عندما يتزوَّج الأب والأم ويحبّون بعضهم كثيرًا، ينمو الطفل في بطن الأم.”
  • “الله يضع الطفل في بطن الأم عندما تصبح مستعدَّة لرعايته.”
  • “الأطفال يكبرون في مكان خاصّ داخل بطن الأم يسمَّى الرحم، وعندما يكونوا جاهزين، يخرجون إلى العالم.”

للأطفال في سنِّ المدرسة (6-9 سنوات):

  • “الطفل يبدأ كنقطة صغيرة جدًا في بطن الأم، ويكبر ببطء حتى يصبح جاهزًا للخروج.”
  • “الأب والأم يساهمان معًا في تكوين الطفل، ثم ينمو داخل بطن الأم حتى يحين وقت ولادته.”
  • “يولد الطفل عندما يلتقي جسم الأب والأم بطريقة خاصَّة، وينتج عن ذلك طفل ينمو في رحم الأم.”
  • “هناك خليَّة صغيرة من الأب وخليَّة من الأم تلتقيان وتكبران معًا لتصبحا طفلاً في بطن الأم.”

للمراهقين (10 سنوات فأكثر):

  • “عندما يكون الرجل والمرأة مستعدين لإنشاء عائلة، فإنَّ جسم الأم يوفر بيئة خاصة للطفل لينمو بداخلها.”
  • “يولد الطفل بعد أن يتحد جزء صغير من الأب مع جزء صغير من الأم، ثم ينمو داخل الرحم لمدة تسعة أشهر.”
  • “التكاثر هو عمليَّة طبيعيَّة تحدث عندما يكون الزوجان مستعدين ويقرِّران إنجاب طفل بطريقة صحيَّة وآمنة.”

في جميع الأحوال، من المهمّ أن تكون إجابتك متوازنة بين البساطة والدقَّة، مع الاستعداد للإجابة على مزيد من الأسئلة إذا أظهر الطفل اهتمامًا بمعرفة المزيد.

نصائح عامَّة لكل المراحل:

1.كن صادقًا وبسيطًا:

لا تقدِّم تفاصيل معقَّدة أو مصطلحات لا يمكن للطفل فهمها.

2.احترم فضولهم:

إذا كانوا يسألون، فهذا يعني أنهم مستعدّون لمعرفة الإجابة.

3.تجنَّب الترهيب:

لا تخيفهم من الحديث معك أو تجعلهم يشعرون بالخجل بسبب تساؤلاتهم.

4. كن مستمعًا جيِّدًا

  • استمع لما يريد طفلك قوله دون مقاطعة أو إصدار أحكام.
  • إذا كان طفلك يشعر بالخجل، حاول تهدئته بعبارات مطمئنة مثل:
    “من الطبيعي أن تكون هذه المواضيع غريبة أو محرجة في البداية، ولكنَّنا سنتحدَّث عنها بشكل يساعدك.”

5. استغل الفرص اليوميَّة

  • استخدم مواقف يوميَّة لفتح النقاش، مثل الإعلانات أو الأخبار التي قد تحتوي على معلومات عن الصحَّة الجنسيَّة.

6. كن صادقًا

  • لا تخف من الإجابة بصدق، ولكن كن حريصًا على عدم تقديم معلومات أكثر من اللازم.
  • على سبيل المثال، إذا سُئلت: “ما هو 69؟” يمكنك الرد: “إنَّه شيء يتحدَّث عنه الكبار، وسنتحدَّث عنه لاحقًا عندما تكون أكبر.” وإذا ما حدث وأدلى بمعلومات لديه يمكنك اخباره ان هذا الأمر يحصل مع المتزوّجين الكبار.

كيف تتعامل مع الأسئلة المحرجة؟

1. إذا سأل عن مصطلحات جنسيَّة لا تعرفها

  • لا داعي للارتباك. يمكنك الرد: “هذا مصطلح معقَّد. دعنا نبحث معًا لمعرفة المزيد. أو سوف أبحث وأعود لك”
  • من المهمّ أن تشجِّع طفلك على البحث عن المعلومات الصحيحة من مصادر موثوقة.

2. إذا واجهت محتوى غير لائق في سجل متصفّحهم

  • لا تغضب أو تصرخ. بدلاً من ذلك، اسأل بهدوء:
    “أرى أنك شاهدت هذا الموقع. ما الذي أثار فضولك حول هذا الموضوع؟”
    وركِّز على مناقشة الفرق بين المحتوى الحقيقي والمحتوى الذي قد يكون مضلّلًا.

3. إذا سأل عن تجربتك الشخصيَّة

  • يمكنك الردّ بصراحة مناسبة لعمره:
    “عندما كنت في مثل عمرك، لم يكن لدي الكثير من المعلومات الصحيحة. لهذا السبب أريد أن أساعدك لتكون أكثر علمًا.”

4. إذا صرخوا بكلمات غير لائقة في الأماكن العامَّة

  • لا تعاقبهم على الفور. بدلاً من ذلك، اسألهم عن مصدر الكلمة، واشرح لهم معناها بطريقة هادئة.
  • قل: “هذه الكلمة ليست مناسبة لاستخدامها في الأماكن العامَّة. إذا كنت تريد معرفة المزيد، يمكننا التحدُّث عنها لاحقًا.”

نصائح إضافيَّة للأهل

  1. كن مستمعًا جيِّدًا: استمع إلى أسئلة طفلك ومخاوفه دون مقاطعة أو حكم.
  2. كن مرجعهم الأول: إذا لم تقدِّم الإجابات، سيبحثون عنها في أماكن أخرى قد لا تكون موثوقة.
  3. استخدم موارد موثوقة: اعتمد على كتب أو منصَّات تعليميَّة مثل منصَّة “مودَّة” التي تقدِّم محتوى علميًا يناسب الفئات العمريَّة المختلفة.
  4. احترم خصوصيتهم: بعض الأطفال قد يشعرون بالخجل من الحديث. يمكنك تزويدهم بموارد يمكنهم الاطِّلاع عليها بمفردهم.

كيف يمكن لمنصَّة “مودَّة” مساعدتك؟

توفِّر منصَّة “مودَّة” محتوى شاملًا يناقش المواضيع الجنسيَّة بطريقة تتماشى مع القيم الثقافيَّة والاجتماعيَّة للمنطقة العربيَّة. من خلال مقالاتنا وبرامجنا التفاعليَّة، نقدِّم للأهل الأدوات والموارد اللازمة للتحدُّث مع أطفالهم بثقة وفعاليَّة.

خاتمة

التحدُّث مع أطفالك عن الجنس قد يبدو مهمَّة صعبة، ولكنَّه ضروري لبناء وعي صحي وعلاقة قائمة على الثقة. مع التحضير الجيِّد واستخدام الموارد المناسبة، يمكنك تحويل هذه المحادثات إلى فرص تعليميَّة تعزِّز من فهم طفلك وتساعده على النمو بثقة واحترام.
لا تنتظر أن تأتي الأسئلة بشكل مفاجئ، بل بادر بفتح الحوار. قد يكون الأمر غريبًا في البداية، ولكنَّه خطوة ضروريَّة لضمان سلامة أطفالك النفسيَّة والجسديَّة.

ابدأ اليوم، وكن المرجع الأول لطفلك في هذا الموضوع الحسَّاس.

المصدر
KidsHealth. (n.d.). Talking to your kids about sex. Nemours Foundation.Thompson, J. (2012). Talking to your kids about sex: How to have a lifetime of age-appropriate conversations with your children about healthy sexuality. New York, NY: Ballantine Books.Raising Children Network. (n.d.). Talking to children about sex and relationships.Verywell Family. (n.d.). How to talk to kids about sex. United Nations Children's Fund (UNICEF). (2019). Comprehensive sexuality education in the Arab region: Addressing barriers and opportunities. World Health Organization. (2018). Adolescent health and development.
اظهر المزيد

رنيم حجازي

مديرة مشاريع في منظمات المجتمع المدني، وأدير مشروع منصة "مودة" حيث أشرف على إنتاج محتوى يعزز الوعي ويخلق مساحات آمنة للنقاش. أمتلك خبرة متعددة في مجالات التغيير المجتمعي والمناصرة باستخدام أدوات الإعلام الرقمي، كما أقدّم تدريبات متخصصة في الرعاية الوالدية، والعمل مع اليافعين، والتعامل مع العنف الرقمي، مع التركيز على مهارات فهم المراحل العمرية المختلفة والتكيف مع الضغوط النفسية. مقدّمة برامج إذاعية وبودكاست، أؤمن بأن الكلمة قادرة على فتح حوارات حقيقية وتحفيز التغيير الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى