تأثير وفاة أحد الأبناء على الحياة الزوجيَّة
- ما هي مراحل التعامل مع هذه الصدمة؟
- كيف يمكن أن يتجاوز الزوجان هذه المحنة؟
- هل يمكن أن تترك تداعياتها على العلاقة الزوجيَّة؟
- ما هي مراحل الحزن على الأحبَّاء أو الـ Grieving ؟
من بين كل الاختبارات والتحدِّيات التي قد تمرُّ بها الأسر ويعبر بها الزوجان، تظلُّ وفاة أحد الأبناء هي واحدة من أقسى وأصعب التجارب التي قد يتعرَّضان لها. صدمة وألم نفسي كبير لا تعود الحياة بعدها كما كانت قبله بسهولة، وقد لا تعود أصلًا. يضع الزوجان بمجرَّد إنجابهما للطفل كلّ آمالهما وجهودهما وخططهما وأحلامهما فيه، فيصبح هو محور الحياة وهدفهما ومنتهى أملهما، ثمَّ يختار الله أن يستردَّ وديعته، تاركًا في القلوب هذه الوحشة والألم والفراغ العميق.
فما هي مراحل التعامل مع هذه الصدمة؟ وكيف يمكن أن يتجاوز الزوجان هذه المحنة؟ وهل يمكن أن تترك تداعياتها على العلاقة الزوجيَّة؟
تشيرُ الدراسات إلى أنَّ وفاة أحد الأبناء أقرب لأن تؤثِّر سلبًا على الحياة الزوجيَّة، وعلى جودة التواصل بين الزوجين، وعادة ما يغرق كل منهما في مشاعره وألمه، ويميل للانفصال النفسي عن الأسرة بل والعالم الخارجي كلّه أحيانًا. وهو أمر لا يؤثِّر فقط على العلاقة الزوجيَّة، بينما يترك تأثيرًا سلبيًّا كبيرًا على الأسرة، إذا كان فيها مزيد من الأبناء الذين ما زالوا بحاجة للرعاية، وللمساعدة النفسيَّة أيضًا.
عندما يمرُّ الإنسان بتجربة فقد لشخصٍ عزيز يمرُّ بفترة حزن أو فجع أو ما يطلق عليه بالإنجليزيَّة Grieving ، جرت العادة على تعريف مراحله إلى 5 مراحل، ولكنَّها في الحقيقة تختلف من شخص إلى آخر، فقد لا يمرُّ الشخص في المراحل الخمسة بالترتيب، وقد تجتمع أكثر من مرحلة في وقتٍ واحد، وقد تأخذ المرحلة الواحدة أيامًا أو شهورًا أو سنوات.
فما هي مراحل الحزن على الأحبَّاء أو الـ Grieving ؟
- مرحلة الإنكار: في هذه المرحلة يحاول الإنسان أن يحمي نفسه من هول وعمق مشاعر الألم والصدمة، وذلك من خلال إظهار قشرة صلبة تدَّعي أنَّه بخير، وأنَّ الأمور على ما يرام، ومن خلال قدرته على تشتيت نفسه ومشاعره وتركيزه على أمور وتفاصيل أخرى غير موضوع الفقد، أو الاستمرار في التناسي والتجنُّب والهروب من الحديث في الأمر.
- مرحلة الغضب: قد يكون هذا الغضب موجَّهًا إلى النفس، أو إلى الزوج/الزوجة، أو إلى الطفل الراحل نفسه، أو حتى إلى الطبيب المعالج، وقد يمتدُّ ليصبح غضبًا من الله. في هذه المرحلة يظهر الغضب في صورة عنف موجَّه إلى الذات أو للآخرين، أو حدَّة في الأقوال والأفعال، والاستعداد الدائم إلى الشجار لأتفه الأسباب، والحساسيَّة الزائدة، وردود أفعال متطرِّفة في القوَّة والغضب، كما أنَّها قد تكون ساخرة وناقمة على العالم كلّه.
- مرحلة المساومة: يبدأ الفرد في هذه المرحلة في توجيه مشاعر اللَّوم والعتاب لنفسه، مغرقًا رأسه بفيضٍ من التساؤلات عمَّا إذا كان هذا عقابًا على خطأ ما؟ أو ما الذي فعله ليستحقّ هذا الاختبار؟ وفي إطار هذا الإحساس بالذنب يبدأ في تفسير مواقف وتصرُّفات الآخرين منه. يتزايد كذلك الشعور بالخزي والذنب، مع التفكير في الاحتمالات الأسوأ مستقبليًّا، وتوقُّع حدوث الأصعب دائمًا، ومحاولات دائمة للوصول إلى الكمال لتصحيح أخطاء الماضي.
- مرحلة الاكتئاب: وهنا يكون في الغالب قد عبر بكل الأفكار والتساؤلات والصراعات الداخليَّة، ووصل إلى محطَّة الحزن، وفقدان الاهتمام بأيِّ شيءٍ في الحياة. في هذه المرحلة قد يمرُّ أحد الوالدين بنوبات بكاء، أو أرق وصعوبة في النوم، أو كوابيس أثناء النوم، أو فقدان تامّ للشهيَّة، بالإضافة إلى العزوف عن التواجد في التجمُّعات العائليَّة أو المناسبات الاجتماعيَّة عمومًا، وغالبًا ما يصاحبها مشاعر عميقة بالعجز وفقدان الأمل.
- مرحلة التقبُّل: سيكون من الجيِّد أن يصل الوالدان إلى هذه المرحلة، التي فيها يبدأ تصالحهما مع فكرة الموت وحتميّته، وأنَّهُ شيءٌ خارج على قدرة الإنسان وسيطرته، ولا يوجد حل سوى تقبّله والتصالح معه. تتطلَّب هذه المرحلة درجة عالية من الشجاعة والصراحة مع النفس، يسطيع فيها الأبوان فهم خسارتهما وفقدهما، والنظر من جديد إلى الحاضر والمستقبل بحكمة وموضوعيَّة. هنا يبدآن في الاتِّصال بالواقع والتخطيط لما بعد هذه الفاجعة برؤية أفضل، بدون ظلم لأنفسهما أو لمن حولهما، خاصَّة لو كان في الأسرة مزيد من الأطفال.
كيف يستطيع الزوجان مساعدة بعضهما على تجاوز تجربة وفاة أحد الأبناء؟
- ضمان الحقّ في الحزن: من حقِّ كلِّ إنسان أن يأخذَ وقته في الحزن، ويمرُّ بمراحله حتى يتجاوزه تمامًا من داخله، بدون ضغط ممَّن حوله ليكون بخير. يحتاج البعض لأن ينفرد بنفسه ساعات طويلة، بينما يفضِّل البعض أن يبقى محاطًا بالأهل والأحبَّة، يفضِّل البعض البكاء للتعبير عن الحرقة، بينما قد يستخدم البعض آليَّات أخرى للتعبير عن مشاعره. لذا لا بد أن يسمح الزوجان لبعضهما البعض بمساحة كافية وآمنة للتعبير عن الحزن، والتعافي منه. كما أنَّ الدوائر المحيطة بالوالدين تلعب دورًا كبيرًا في الدعم والمساندة في هذه المرحلة، ولكن إجبارهما على أن يكونا بخير فورًا، ليست إحدى طرق الدعم المناسبة.
- المشاركة الشعوريَّة: من خلال تعبير كل منهما للآخر عن مشاعره، وما يدور في داخله من إحساس سواء كان هذا الإحساس بالعجز أو القهر أو الغضب أو الحزن أو الاكتئاب أو حتى مشاعر الإحساس بالذنب، أو غيرها من المشاعر. هذه المشاركة تخفِّف عن كلٍّ منهما، وتدعم بعضهما ببعض، وتزيد من جودة التواصل بينهما وتحافظ على العلاقة من الانفصال النفسي.
- زيارة متخصِّص نفسي: تجربة وفاة أحد الأبناء لا يمكن اعتبارها تجربة عاديَّة أو بسيطة، ولكنَّها من أقسى التجارب التي يمكن أن يمرَّ بها إنسان. لذا فإنَّ المتابعة مع اختصاصي نفسي منذ اليوم الأوَّل ربَّما لا تُعدُّ رفاهيَّة. يساعد الإخصَّائي النفسي الوالدين في التعرُّف على مشاعرهما، والتعبير عنها، وإدراتها بشكل صحِّي. ويوجِّههما للتعامل مع بعضهما في هذه المرحلة، ومع العالم المحيط بطريقة تناسب ما يمرَّان به من ربكة في المشاعر والأفكار.
- عمل أنشطة روتينيَّة مشتركة : مثل ممارسة رياضة جديدة، الأمر الذي يساعد بدوره في تخفيف حدَّة الشعور بالغضب وتنظيم التنفُّس والمشاعر والأفكار، أو زيارة اسبوعيَّة مشتركة لقبر الطفل وإلقاء التحيَّة عليه، أو الانضمام إلى إحدى مجموعات الدعم النفسي الأسبوعيَّة مع الأسر التي مرَّت بتجربة مشابهة، أو القراءة يوميًّا معا، أو حتى آداء الصلاة معا، أو غيرها من الأنشطة الهادفة إلى خلق روتين جديد مشترك من أجل تحسين جودة التواصل، وفتح قنوات آمنة وهادئة للتنفيس الشعوري.
- عدم اتِّخاذ أي قرارات مصيريَّة: تُشير الدراسات إلى نسب عالية من وقوع الطلاق بين الزوجين في السنة الأولى من فقد الطفل. وقد يرجع هذا لعدَّة أسباب، مثل اختلافهما في طريقة التعبير عن الحزن، أو الوقت الذي يحتاجه كل منهما للتعافي، أو إلقائهما باللوم بعضهما على بعض، أو غيرها من الأسباب. تكون الفترة الأولى فترة عاطفيَّة وشديدة الحساسيَّة، لذا يفضَّل عدم اتِّخاذ أي قرار مصيري بالانفصال أو الطلاق إلَّا بعد الاستقرار نفسيًّا ودراسة الخطوة جيِّدًا.