تأثير شكل الرعاية الوالديَّة على مستقبل زواج الأبناء

اقرأ في هذا المقال
  • ما هي أنماط الرعاية الوالديَّة أو الـ Parenting styles؟
  • أهمّ سمات العلاقات الزوجيَّة للأطفال الذين نشأوا في هذه الأنماط

لأنَّ أطفال اليوم هم أزواج الغد، أو العكس، أزواج اليوم هم أطفال الأمس، فإنَّ التربية التي يتلقَّاها الأطفال في بيوتهم، وطبيعة الأدوار التي تضعهم فيها الأسرة بشكلٍ واعٍ أو غير واع، هي ما تشكُّل نظرتهم إلى أنفسهم وأدوارهم في المستقبل، وتعمل على رسم توقُّعاتهم ومسارات اختياراتهم بشكلٍ غير مباشر. 

تختلف طرق الرعاية الوالديَّة من منزلٍ إلى آخر، وحتَّى قد تختلف داخل المنزل الواحد بين طفلٍ وآخر، وهذا وفقًا لعشرات العوامل، حتى أنَّ طريقة الرعاية الوالديَّة التي يعتمدها الأبوان مع الطفل ليست دائمًا نابعة عن قرارٍ واعٍ أو اختيار مقصود، وإنَّما كما ذكرنا نتاج شبكة معقَّدة من المتغيِّرات. الأكيد هو أنَّ كلَّ الآباء والأُمّهات يحبُّون أبناءهم بصدق، ويبذلون من أجلهم كلّ ما يعتقدون أنَّهُ الأنفع والأصلح والألزم لهم، حتَّى لو أتَت الرياح بما لا تشتهي السفن.

ما هي أنماط الرعاية الوالديَّة أو الـ Parenting styles؟

يعتقد الكثير من علماء النفس، أنَّ هناك أربعة أنماط رئيسة من الرعاية، يميل الأهل لاعتماد أحدها، وبناءً عليها تتشكَّل شخصيَّات الأبناء، وتتحدَّد  الكثير من صفاتهم، مثل ثقتهم بأنفسهم، وقدرتهم على اتِّخاذ القرارات، ودرجة المبادرة وتحمُّل المسؤوليَّة، ونمط الارتباط في العلاقات، وغيرها من الصفات. 

  1. النمط التسلُّطي AUTHORITARIAN PARENTING STYLE: في هذا النمط من التربية يكون للأب والأُمّ أو لأحدهما السلطة المطلقة في اتِّخاذ كلِّ القرارات، ولا يتوقَّع من الأبناء إلا الطاعة والانصياع التام لمنظومة الأوامر والنظام الذي يضعه ربُّ الأسرة. في هذا النمط لا يهتم الأبوان كثيرًا بمشاعر الأبناء، كما أنَّه لا يسمح لهم بالتعبير عن آرائهم أو مناقشة قرارات الأسرة. هذا النمط التربوي صحيح أنَّه يجعل الأبناء أكثر التزامًا بالقانون وحفاظًا على النظام بشكل عام، ولكنَّه غالبًا ما يترتَّب عليه ضعف ثقة الأبناء بأنفسهم، وانخفاض مشاعر تقدير الذات لديهم، ويطوِّر لديهم نمطًا اعتماديًّا في العلاقات، ينتظرون فيه طوال الوقت من شخصٍ آخر اتِّخاذ القرارات.

 توضح الأبحاث، أنَّ الأطفال الذي خضعوا لهذا النمط التربوي، عندما يكبرون يكونون أكثر عرضةً للإصابة بالاكتئاب والقلق المزمن، كما أنهم يواجهون صعوبات في العلاقات، ونقص في المهارات الحياتيَّة بشكلٍ عام؛ مثل القدرة على المواجهة.

أهمّ سمات العلاقات الزوجيَّة للأطفال الذين نشأوا في هذا النمط: 

  • الجفاف العاطفي وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر الرومانسيَّة بسهولة.
  • عدم المرونة في تقبُّل الأشياء المختلفة عن التوقُّعات والخطط الموضوعة.
  • اهتزاز الثقة بالنفس وعدم القدرة على اتِّخاذ القرارات بسهولة.
  • القلق  الشديد والارتباك مع الخطوات الحياتيَّة الكبرى.
  1. النمط المتسامح  PERMISSIVE PARENTING STYLE: يميل الآباء في هذا النمط إلى التساهل مع القواعد والنظام في المنزل، ويتعاملون مع أخطاء الأطفال على أنَّها مجرَّد تصرُّفات طفوليَّة لا يجب التعامل معها بغضب كبير، ولكن يمكن احتواؤها بتساهلٍ وبساطة. في هذا النمط التربوي يكون من الصعب على الأطفال مستقبلًا الالتزام بالقوانين والقواعد في أيِّ عمل، أو الانضباط في المهام لأوقات طويلة. كما أنَّ هذا النمط المتساهل صحيح أنَّه لا يضغط الأطفال على مستوى الصواب والخطأ، ولكن هذا قد ينجم عنه الكثير من المشكلات السلوكيَّة، التي لا يعطي الأهل لها اهتمامًا كبيرًا في الطفولة، تتحوَّل لتصبح أزمات كبيرة يواجهها الشخص وهو راشد، منها عدم قبول قواعد الآخرين، أو عدم احترام الحدود، أو الأنانيَّة والتفكير المفرط في الذات. وقد يترتَّب عليه مشكلات صحّيَّة أيضا، نتيجة عدم الانضباط في نظام يحافظ على الصحَّة، مثل السماح بالإفراط في تناول السكَّريَّات والوجبات السريعة، وهو أمر يجنون ثماره وهم راشدون، ويتحمَّلون وحدهم تبعاته.

أهمّ سمات العلاقات الزوجيَّة للأطفال الذين نشأوا في هذا النمط: 

  • التطلُّب في العلاقة، والتوقُّع بأن يكون الشخص هو محور الانتباه والتركيز طوال الوقت.
  • يكون الشخص عرضةً للصدمات العاطفيَّة، حيث يواجه حقيقة أنَّ الآخرين لا يتسامحون ويتساهلون معه مثل أبويه.
  • عدم تحمُّل مسؤوليَّة الأخطاء، وإلقاء اللَّوم على الآخرين.
  • صعوبة تحمُّل مسؤوليَّة الأطفال والتضحية بالوقت والجهد من أجل إعطائهم بعض الأولويَّة.
  1.  النمط الغائب UNINVOLVED PARENTING STYLE: يكون انخراط الآباء في هذا النمط والرعاية الوالديَّة في حياة أبنائهم وتفاصيلها سطحيًّا وبسيطًا، فهم نادرًا ما يعرفون من هم أصدقائهم المقرَّبون، أو ما هي المواد الدراسيَّة التي يتعثَّرون فيها، وما هي هواياتهم المفَّضلة. يتجاهل الآباء هنا متابعة حتَّى أهمّ احتياجات الأبناء مثل الأكل والملابس، ولا يعطون وقتًا كبيرًا لمشاركتهم في الأنشطة، أو مجهودًا لتعليمهم وتوجيههم، ويمكن اعتبار الأبناء في هذا الوضع بأنَّهم يربُّون أنفسهم بأنفسهم. 

قد يكون السبب في عدم انخراط الآباء في مسؤوليَّة أبنائهم هو انشغالهم بالعمل، أو تعرّضهم لضغوط نفسيَّة أو ماليَّة، أو معاناتهم مع مرض ما. ويعاني الأفراد الذين خضعوا لهذا النمط الوالدي عادةً من انخفاض الثقة بالنفس وانخفاض تقدير الذات، ويكونون أكثر عرضةً للانجراف في تجربة أشياء جديدة قد تكون خطيرة، ممَّا يجعلهم أحيانًا فريسةً سهلة للإدمان، كما أنَّه قد يكون سببًا في تعثّرهم الماِّدي والوظيفي وحفاظهم على الاستقرار في المستقبل، وتميل علاقاتهم لأن تكون مرتبكة وغير مستقرَّة.

أهمّ سمات العلاقات الزوجيَّة للأطفال الذين نشأوا في هذا النمط: 

  • التشوُّش العاطفي وعدم القدرة على تحديد المشاعر والتعبير عنها.
  • عدم القدرة على تقديم التعاطف والاهتمام والتعبير عن المساندة والشفقة.
  • العصبيَّة والتعبير المتطرِّف عن الغضب بقوَّة بحثًا عن الاهتمام والرعاية.
  1. النمط الحازم AUTHORITATIVE PARENTING STYLE: ويعتبر أكثر أنماط العلاقات الصحيَّة بين الأطفال والوالدين، حيث يجمع ما بين إقرار النظام والقواعد في المنزل، مع الاهتمام بمشاعر الأطفال وآرائهم، وأخذ رغباتهم في الاعتبار، ومحاولة عمل علاقة إيجابيَّة معهم، فيها مساحة من الثقة المتبادلة، ولكنَّها في نفس الوقت تتعامل مع القوانين بحسم وصرامة عند الضرورة، وتظهر الدراسات أنَّ الأبناء الذين ينشأون في وسط حازم ولكنَّه غير متسلِّط، يميلون في الكبر للتعامل بمسؤوليَّة واستقلال، ولأن تكون علاقاتهم الأسريَّة والزوجيَّة أكثر إيجابيَّة، وفيها مساحات من الاحترام والتشاركيَّة بين الزوجين، وهم أقل عرضة للمرض النفسي بأنواعه، وأكثر قدرة على مواجهة الضغوط، وأكثر ثقة بأنفسهم مقارنة بالذين نشأوا في أنماط والديَّة مختلفة أكثر تسلّطًا أو تسامحًا على السواء.

أهمّ سمات العلاقات الزوجيَّة للأطفال الذين نشأوا في هذا النمط: 

  • الميل للتأكيد على الحدود الصحيَّة في العلاقات.
  • تحمُّل المسؤوليَّة ومعرفة الشخص بحقوقه وواجباته في الأسرة.
  • القدرة على التعبير عن المشاعر والتعاطف بشكل إيجابي.
  • التفكير الواقعي في الأمور وعدم المبالغة في ردود الأفعال.

وبالرغم من الدور الكبير الذي تلعبه الرعاية الوالديَّة في تنشئة الأبناء وتكوين سمات شخصيّاتهم ومنظومة قيمهم واختياراتهم، إلا أنَّ الأبحاث تؤكِّد على أنَّ هذا المحور يبقى محورًا واحدًا من شبكة شديدة التعقيد من العوامل التي تشكِّل شخصيَّة الإنسان ودوافعه واختياراته. ومن هنا فإنَّ الوزن الذي تلعبه الرعاية الوالديَّة صحيح أنَّه وزن كبير وشديد الأهمّيَّة، لا يجب أن يتساهل فيه الآباء أو يغفلوا عن تأثيره، ولكنَّه أيضًا ليس الوحيد، في البيئة التي ينشأ فيها الإنسان متمثِّلة في المدرسة والأسرة الكبيرة والأصدقاء وثقافة المجتمع المحيط بكل ما تشتمله، كلّها عوامل شديدة الأهمّيَّة والجوهريَّة في تكوين الشخصيَّات.

المصدر
transformhappily.comThe Effect of Parenting Styles of Original Families on Individual’s Close Relationship February 2023Journal of Education Humanities and Social Sciencesflourishpsychologynyc.com
اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية