الاكتئاب والجنس
- مريض الاكتئاب وحياته الجنسيَّة
- الاضطرابات النفسيَّة والعلاقة الجنسيَّة
- تشخيص وعلاج الضعف الجنسي عند مريض الاكتئاب
الاكتئاب اضطراب نفسي شائع
الاكتئاب السريري هو اضطراب نفسي شائع وخطير، يؤثِّر سلبًا على شعور المريض وطريقة تفكيره وكيفيَّة التصرّف مع أحداث الحياة المختلفة على مدار اليوم، يتسبّب بالشعور بالحزن دون سبب فعليّ، بالإضافة إلى فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانت ممتعة فيما سبق للمريض، والمحصِّلة تكون عبارة عن تعطيل المريض بشكل جزئي أو كليّ عن أداء المهام اليوميَّة؛ كالمهام الوظيفيَّة والمنزليَّة والاجتماعيَّة والزوجيَّة، بالترافق مع مجموعة من الإشكالات على الصعيد العاطفي والجسدي.
تتمثَّل أعراض الاكتئاب على نحوٍ عام – كما تمّت الإشارة لذلك سابقًا – بفقدان الاهتمام والشعور بالضيق دون مُسبِّبٍ فعليّ وحاضر، وبالإضافة إلى ذلك فهنالك جُملة من الأعراض، والتي يجب أن تستمر مدّة أسبوعين متتابعين على الأقل، وهي على النحو الآتي:
– تغيّرات عامَّة في الشهيَّة سواء بالزيادة أو النقصان، ممَّا يؤثّر سلبًا على الوزن زيادةً أو نقصانًا.
– الوهن العام والإحساس بنقصان النشاط والطاقة على مدار اليوم.
– اضطرابات النوم؛ والتي تأتي على شكل صعوبات بالنوم، أو زيادة عدد ساعات النوم، بشكلٍ مُعطِّل للقيام بالمهام اليوميَّة.
– زيادة حادّة في النشاط الجسماني ووتيرة لغة الجسد دون نيَّة مسبقة أو سيطرة كاملة، كالتحدُّث بشكل سريع، أو عدم القدرة على الجلوس دون حِراك، أو على العكس تمامًا؛ فقد يكون هنالك نقصان في وتيرة لغة الجسد، كتباطؤ الحركات بشكل ملحوظ.
– الأفكار الانتحاريَّة التي تزيد وتيرتها بازدياد شدَّة الاكتئاب.
– الشعور المستمرّ بالذنب، وانخفاض الثقة بالنفس.
– صعوبة شديدة بالتفكير، أو التركيز، أو اتِّخاذ القرارات.
الجنس سلوك بشري طبيعي
يبرز اهتمام الإنسان بالجنس كونه سلوكًا أساسيًّا وجوهريًّا، وآليَّة البقاء الوحيدة للجنس البشري. وعلى الرغم من أنّ الرغبة الجنسيَّة تميل إلى التلاشي لدى إنسان الوقت الحاضر، نتيجة الواجبات العديدة على صعيد العمل والأسرة، إلّا أنَّ الرغبة الجنسيَّة تبقى المفتاح لاتِّصالٍ جنسي جيِّد ينتج عنه استمرار النسل.
الجنس أو السلوك الجنسي له دوافع عديدة مثل؛ تعزيز شعور الإنسان بأنّه مرغوب، والحفاظ على الجانب الحيوي من الحياة، ووسيلة للتعبير عن الحبّ للشريك وإحدى طرق إرضائه سواء للذكر أو للأنثى. ومن الجدير بالذكر أن الجسد الإنساني تتغيّر احتياجاته مع مرور الزمن، ومع تغيُّر هذه الاحتياجات، يمكن أن تنشأ بعض المشكلات الجنسيَّة لدى الزوجين، ولذلك نحتاج دائمًا إلى مستوى وعي كافٍ، بالإضافة إلى تواصل صريح على مستوى العاطفة والحميميَّة واحتياجات الجسد الجنسيَّة، لتجاوز مثل هذا النوع من المشكلات الحياتيَّة الزوجيَّة.
تعتمد متعة الجنس على عدَّة مواد كيميائيَّة عصبيَّة يغرق بها الدماغ في اللحظات الأكثر حميميَّة ونشوة، مثل الأوكسيتوسين والدوبامين، التي تُحفَّز بالمقام الأول من خلال مقدِّمات أو ممهِّدات الجنس مثل، اللمس، والتدليك، والعناق.
تختلف طرق ممارسة الجنس وتتطوّر، بشكلٍ تصاعديّ “إيجابيّ” أو تدهوريّ “سلبيّ”، مع تطوّر الوعي البشري وانفتاحه على الثقافات وأنماط الحياة المختلفة. وهنا تجدر الإشارة، إلى أنَّ الدراسات تناقش دائمًا ،مدى تأثير الصور المرئيَّة والفيديوهات في تغيُّر نظرة كلا الجنسين إلى العلاقة الجنسيَّة الزوجيَّة وطرق تنفيذها، حيث إنّ السلوكيات الجنسيَّة غير النمطيَّة، أو تلك التي تقع ضمن دائرة غير الأخلاقي أو المُحرّم دينيًا أو المكروه على أقلِّ تقدير، أصبحت الآن شبه اعتياديَّة في مجتمعات معيَّنة، نتيجة غزو صناعة المرئيات الإباحيَّة للأجيال الجديدة بشكلٍ كبير. ومن هذه السلوكيَّات غير النمطيَّة نذكر: تبادل أدوار السيّد والعبد في العلاقة، والجنس الشرجي، وغيرها مثل تغيُّر نقطة الإثارة أو الحافز الجنسي الأوّل من الأعضاء الجنسيَّة إلى الأعضاء غير الجنسيَّة، وأكثر مثال شيوعًا على ذلك، هو انجذاب الذكر لأقدام الأنثى، ولا مانع طبيّ أو أخلاقي هنا، إلّا في حالة، يتحوّل فيها هذا الحافز الجنسي الأوّل -وهو أقدام الأنثى في هذه الحالة- إلى الحافز الجنسي الوحيد لدى الذكر، لدرجةٍ تُعطّل توازن العلاقة الجنسيَّة، وتكافؤ المتعة لدى الزوجين.
الاضطرابات النفسيَّة والعلاقة الجنسيَّة
تؤثِّر الاضطرابات النفسيَّة، بشكلٍ عام، على الوظيفة الجنسيَّة، ومستويات تحصيل اللذة والنشوة من العلاقة، وغالبًا ما يكون السبب المباشر وراء ذلك، هو الآثار الجانبيَّة التي تُحدثها مضادَّات الاكتئاب، ومضادَّات الذهان، والمهدِّئات عمومًا التي يتناولها المريض النفسي لمساعدته على تخفيف أعراض الاضطراب المُصاب به، ومساعدته على الاندماج في حياته، وأداء الواجبات المطلوبة منه، سواء على الصعيد الوظيفي أو الأسري.
ومن أبرز هذه الاضطرابات؛ اضطراب ثنائي القطب، والاستحواذ القهري “الوسواس القهري تجاوزًا”، واضطرابات الأكل وغيرها، فمثلًا ؛ يزيد اضطراب ثنائي القطب، على نحوٍ كبير، من خطر الإصابة بالضعف الجنسي، وذلك نتيجة السلوكيَّات الجنسيَّة الخطيرة، والتي يُمكن أن تترافق مع حالة الهوس الشديدة التي تُصيب المريض، والتي تزيد من الرغبة الجنسيَّة بشكلٍ غير طبيعي. ومن المعروف أنَّ حالة الهوس هي القطب الأوَّل لاضطراب ثنائي القطب، بينما يُعتبَر الاكتئاب أو حالات الهبوط النفسي الشديد الطرف الثاني.
على عكس ذلك، فإنَّ الاكتئاب كاضطرابٍ نفسي، يترافق عادةً مع حالة من الانخفاض في مستويات الرغبة الجنسيَّة، بينما يرتبط الاستحواذ القهري واضطرابات الهلع، بنقصان عدد مرّات الاتصال الجنسي مع الشريك، ويأتي في ذيل القائمة اضطراب القلق العامّ والذي يترافق مع انخفاض شديد في الرغبة الجنسيَّة، والذي يمكن أن يصل إلى النفور الجنسي.
أمّا اضطرابات الفصام، فتؤثِّر على نحوٍ سلبي أيضًا، على النشوة والرغبة الجنسيَّة لدى الأنثى والذكر بمستويات متقاربة لكلٍّ منهما، فمرضى الفصام الذكور يحدث لديهم نقصان ملحوظ في المدَّة الزمنيَّة لانتصاب القضيب، أمَّا مرضى الفصام الإناث فيترافق انخفاض النشوة والرغبة الجنسيَّة لديهن مع جفاف، وأحيانًا التهابات متكرِّرة في المهبل، ممَّا يُسبّب عسر الجماع.
مريض الاكتئاب وحياته الجنسيَّة
كما أنَّ الاكتئاب يؤثِّر على جوانب الحياة كافَّة، فهو بالضرورة سيؤثِّر على الجانب الجنسي أو الغرائزي باعتباره حاجة جسمانيَّة مهمَّة، يعتمد عليها الجنس البشري في البقاء، وفيما يأتي عدَّة نقاط، يُمكن أن تجيب على أكبر عدد ممكن من التساؤلات حول مريض الاكتئاب والجنس:
– إنَّ مضادَّات الاكتئاب الشائعة التي يتناولها مرضى الاكتئاب للحدِّ من الأعراض والسيطرة على الحياة اليوميَّة بكفاءة جيِّدة كالسابق تقريبًا، يمكن أن تُقلِّل الرغبة الجنسيَّة، وتؤثِّر على قدرة الوصول إلى النشوة الجنسيَّة أثناء العلاقة.
– يُسبِّب الاكتئاب، الشعور الدائم باليأس والإرهاق الجسدي العامّ بالترافق مع تدنِّي شعور الثقة بالنفس، وهذه العوامل يمكن أن تؤثِّر سلبًا على الرغبة الجنسيَّة أو الدافع الغريزي.
– هنالك دراسات عديدة وموثوقة ومُحكّمة علميًا، تُشير إلى أنَّ حالات عديدة من الاكتئاب عند الذكور، يُمكن أن تترافق مع مشاكل في انتصاب القضيب.
– تكون مستويات النواقل العصبيَّة في الشخص الطبيعي عند ممارسة العلاقة الجنسيَّة مرتفعة بشكلٍ نسبيّ، حيث إنَّ إحدى وظائف هذه النواقل، التخاطب والترابط بين أجزاء الدماغ المسؤولة عن الشعور بالرغبة الجنسيَّة ابتداءً، ثم وصولًا للرعشة أو النشوة الجنسيَّة، لكن في حالة مريض الاكتئاب، تُظهر الدراسات أن هنالك انعدام توازن ملحوظ في مستويات هذه النواقل، والذي ينعكس سلبًا على مستويات الرغبة الجنسيَّة والوصول للنشوة.
تشخيص وعلاج الضعف الجنسي عند مريض الاكتئاب
إنَّ المعاناة التي يُسبّبها الاكتئاب على الأصعدة الحياتيَّة كبيرة جدًا، وتكاد تفوق غالبيَّة الأمراض الجسديَّة المعروفة، لأنَّ الاكتئاب مرض مُعطِّل لأنشطة الحياة اليوميَّة على المستوى الأول، ولأنَّ مريض الاكتئاب لا يكسب تعاطف الناس مثلما يكسبه مريض السكَّري أو الفشل الكلوي على سبيل المثال، ممَّا يزيد من حالة الوحدة والأحمال والواجبات التي تتراكم يومًا بعد يوم على مريض الاكتئاب، دونما خَلاص أو استكشاف طريق بسيطة في مجابهة الجحيم الذي يعيشه، ومثلما الحال مع أنشطة الحياة اليوميَّة، يكون الحال مع العلاقة الجنسيَّة ضمن إطار الزوجيَّة على سبيل المثال، ولذلك إذا كُنتَ مريض اكتئاب وتتناول مضادّ اكتئاب معيَّن موصوف من قِبل طبيب نفسي، لكنّك شعرت في الآونة الأخيرة، أن هنالك حالة من العجز الجنسي أمام (زوجك/زوجتك)، فلا بُدّ من مراجعة الطبيب النفسي، وشرح ما تعانيه بكل حيثياته ليتمكَّن من مساعدتك.
إنَّ النوع الأكثر شيوعًا من مضادات الاكتئاب، هو مثبِّطات استرداد السيروتونين الانتقائيَّة، والذي يُعرَف بأنَّ أحد أهم آثارها الجانبيَّة، هو الاختلال في الوظيفة الجنسيَّة عند المريض، لذلك فإنَّ التواصل مع الطبيب النفسي مرَّة ثانية وثالثة بعد وصفه مضادّ الاكتئاب من النوع المذكور آنفًا، وتعريفه بالخلل الجنسي الحاصل مع (الزوج/الزوجة) كنتيجة لتناول هذا الدواء، سيساعدك بالتأكيد في زيادة أو تقليل الجرعة، أو تغيير العائلة الدوائيَّة، أو تحديد أوقات معيَّنة لتناول الدواء سواء القديم أو الجديد، وفي حالات معيَّنة يُمكن أن يُوقِف الدواء لك تمامًا.
المراجع التي تمّ الاعتماد عليها في إثراء المقال مُستمدَّة بشكل رئيس من المواقع الطبيَّة والعلميَّة الآتية:
www.pubmed.ncbi.nlm.nih.govwww.my.clevelandclinic.org